الفصل الثاني
الأسلحة البيولوجية (البكتريولوجية)
Biological Weapons
المبحث الثالث
شروط ومزايا استخدام الأسلحة الحيوية والبيولوجية
أولاً: تعريف الأسلحة الحيوية (البيولوجية)
منذ عام 1925، كان التصنيف الأول لتلك الحرب "الطرق البكترولوجية في الحروب" ولكن التصنيف الحديث للحرب الجرثومية شمل الحرب البكيتريه بالإضافة
إلى عوامل أخرى غير بكتيرية وأطلق عليها جميعاً الأسلحة الحيوية (البيولوجية).
ولقد وضع قاموس الجيش الأمريكي تعريفاً للأسلحة الحيوية (البيولوجية) على النحو التالي:
"إدخال الكائنات الحية ـ مضاداتها الحية السامة ـ الهرمونات المنظمة لنمو النباتات لتسبب الموت، أو الإصابات في الإنسان والحيوان أو النباتات
أو تكون دفاعاً ضد تلك الأفعال". أما نشرة الجيش الأمريكي الحولية عام 1956، فقد وضعت الأسلحة الحيوية (البيولوجية) على هذا النحو:
"استخدام عسكري للكائنات الحية، أو منتجاتها السامة لتسبب الموت، أو العجز أو التدمير للإنسان أو حيواناته الأليفة ونباتيه ـ وليست قاصرة على استخدام البكتريا ـ
بل تشمل أيضاً استخدام كائنات دقيقة أخرى ونباتات وأشكال أخرى من الأحياء كالحشرات". ومن هذا نستطيع أن نقول بأن الأسلحة الحيوية هي إحدى أسلحة الدمار الشامل، وتستخدم لقتل الأفراد، والحيوانات، وأصابت المزروعات، وتحدث الإصابة من الأسلحة البيولوجية التي تشمل الميكروبات المعدية، وسموم هذه الميكروبات. والميكروبات المعدية أو المسببة للأمراض هي عبارة عن كائنات حية دقيقة تسبب الأمراض المعدية وهذه الميكروبات صغيرة جداً لدرجة أن نقطة واحدة من الماء قد تحتوي على مئات الملايين منها.
ثانياً: تقسيم الميكروبات المسببة للأمراض
تقسم الميكروبات المسببة للأمراض حسب حجمها وخواصها إلى خمس أنواع رئيسية هي:
1. البكتريا Bacteria
أصغر الكائنات الحية ولا يمكن رؤيتها إلا بالميكروسكوب، وتتكاثر بطريقة انقسام الخلية وسرعة هذا الانشطار في الظروف الملائمة كبير جداً. ويتطلب هذا التكاثر تواجد البكتريا في وسط يساعد على التغذية، بمعنى أن هذا الوسط يحتوي على جميع المواد التي تدخل في تكوين خلية البكتريا ومن أهم هذه المواد النتروجين والكربون.
أغلبية البكتريا لا تتحمل أشعة الشمس ولا المحاليل المطهرة ولا الغليان، وغير حساسة تقريباً إلى درجة الحرارة المنخفضة. تسبب البكتريا كثيراً من الأمراض الخطيرة من الطاعون، وحمى الخبيثة، والكوليرا، وأمراض أخرى، وتفرز بعض أنواع البكتريا أثناء نشاطها الحيوي مواد سامةتعرف بسموم الميكروبات وهذه السموم تسبب بعض الأمراض الخطيرة إذا دخلت الجسم مثل مرض التيتانوس، والدفتريا، وسم البتيولزم. تتحلل السموم بسرعة إذا كانت سائلة وتحتفظ بخواصها لمدة بضعة أسابيع أو شهور إذا جففت كما إنها تتحلل أيضاً بالغليان وبالمواد المطهرة.
2. الفيروسات المسببة للأمراض Viruses
هي كائنات حية صغيرة جداً، وحجمها يصل إلى جزء من ألف بالنسبة لحجم البكتريا وتختلف عن البكتريا في أنها لا تنمو خارج الجسم إلا على أنسجة حية وهذه إحدى الصفات التي جعلت من الصعب إنتاج الفيروسات المسببة للأمراض على نطاق واسع بكميات كبيرة ولمدة طويلة (بضعة أسابيع أو شهور) إذا جففت. ومن الأمراض التي تسببها الفيروسات الجدري، الجديري، الحمى الصفراء، شلل الأطفال، ومرض الورم المخي الذي ينتشر بين الخيول، ومرض الببغاء.
3. الركتسيا المسببة للأمراض Rickettsiae
هي كائنات حية دقيقة، تشبه البكتريا، من ناحية الحجم، والشكل. وتشبه الفيروسات، في أنها لا تنمو خارج الجسم، أو في وسط صناعي لا يحتوي على خلايا حية. وهي تقاوم درجات الحرارة المنخفضة، والجفاف. تنقل عن طريق الحشرات، كالقُراد، والقُمَّل. ومن الأمراض التي تسببها، التيفوس، وحمى الكيو.
4. الفطريات المسببة للأمراض Fungi
هي كائنات حية دقيقة مثل البكتريا ولكنها تختلف عنها في تعقيد تكوينها وكذلك طرق تكاثرها. فهي لا تهتم كثيراً بنوع الغذاء ويمكنها أن تنمو في الأوساط المختلفة ودرجة مقاومتها للمواد الكيماوية والظروف الطبيعية تفوق درجة مقاومة البكتريا لها وتتحمل بسهولة الجفاف وأشعة الشمس والمواد المطهرة. ومن الأمراض التي تسببها الفطريات مرض الأكتينوميكوزس، والالتهاب السحائي الفطري، الالتهاب الرئوي الفطري.
5. الكائنات وحيدة الخلية Protozoa
هي كائنات حية دقيقة بسيطة التركيب (خلية واحدة) وتسبب بعض الأمراض من أبرزها، الدوسنتاريا، والجرب الجلدي.
ثالثاً: الخواص الحربية للأسلحة البيولوجية
1. القابلية على الانتشار
إن العوامل الحيوية ضد الأفراد يمكن أن تنشر بكميات مسببة للإصابة على مساحات واسعة جداً في منطقة الهدف، ويمكن أن تغطي مساحة شاسعة، بكثافة عالية من طائرة أو قاذفة واحدة. وقابلية انتشار سحب العوامل الحيوية ونسبة الجرعات القليلة منها التي تسبب عدوى أو إتلافا بين الأفراد، تعطي الذخائر الحيوية المقدرة على أن تغطي مساحات شاسعة، حتى وان لم تحدد فيها أماكن الأهداف تماماً، إلا أن تحريات الاستخبارات تنبأت باحتمال وجود أفراد العدو فيها.
2. فقدان التحذير
إن الهجوم الحيوي، يمكن أن يحدث بدون سابق إنذار، نظراً لأن العوامل الحيوية يمكن أن تنشر بواسطة أنواع من الأسلحة، تشمل الحشرات ناقلة الأمراض التي تنطلق في حدود مسافات معينة من نقطة التجمع، معتمدة على اتجاه الرياح لتحملها إلى الهدف. وفي هذه الحالة الأولية للنشر لا يمكن على الإطلاق استكشافها بعين الإنسان المجردة أو أيٍ من حواسه الطبيعية، حيث أن معرفة حقيقة تلك العوامل وأسرارها عادة ما يأخذ وقتاً ويتطلب عمل مخبري جاد.
3. التأثير المتأخر
العوامل الحيوية لا تسبب أثراً في الحال بل يتطلب ذلك فترة حضانة (سكون)، من الوقت الذي تصل فيه الجرثومة إلى الجسم حتى تحدث المرض.
4. اختراق الإنشاءات
سُحب العوامل الحيوية يمكن أن تخترق التحصينات، ومعظم المنشآت الأخرى التي لا تحتوي على مرشحات فعالة لإزالة جسيمات الكائنات الدقيقة. وهذه الميزة جعلت الهجوم الحيوي على الأفراد في تحصيناتهم سهلاً ميسوراً بعد أن كان هدفاً صعباً للذخائر العسكرية عالية الإنفجار أو حتى للذخائر العسكرية النووية ذات الطاقة الإنتاجية المنخفضة.
5. التأثيرات المرحلية
أعطت مراحل الإصابة المختلفة، للعوامل الحيوية، المقاتل العسكري، فرصة ليختار منها التأثير المرغوب ـ سواء أكان ـ إعاقة، أم شللاً مؤقتاً، مع موت أعداد قليلة أو أعداد لا تحصر من القتلى، أو المشوهين. لكي يحقق هدفه.
6. عدم تدمير الماديات والمنشآت
إن العوامل الحيوية، ضد الأفراد يمكن أن يتم تأثيرها، دون أي عملية تدمير طبيعية. وهذا قد أضاف فائدة كبيرة لكل العمليات القتالية حيث يكون الهدف الجوهري الحفاظ على جميع المرافق العامة لاستخدامها في المستقبل من قبل القوات الصديقة. يمكن اعتبار الأسلحة الحيوية، ذات فعالية وسط بين المواد التقليدية الشديدة الانفجار وبين الأسلحة النووية. فقد ذكر أحد كبار قسم سلاح الكيمياء الحيوية في الجيش الأمريكي أمام الكونجرس في عام 1960: "قد يستطيع العدو قتل أو تعطيل 30% من الشعب الأمريكي في هجوم بعشر طائرات فقط تنشر كل منها عشرة آلاف رطل من الجراثيم المجففة"، ثم أضاف "لذا يجب علينا حفظ مخزوننا من هذا السلاح على تلك الهيئة حتى يصبح استعماله عند الحاجة ميسوراً وسهلاً". وفي عام 1966، كان لدى الولايات المتحدة الأمريكية بالفعل هذا السلاح الجرثومي المجفف، من فيروسات، والحميات الراشحة، والجراثيم المختلفة، والفطريات.
رابعاً: الشروط الواجب توافرها في الأسلحة الحيوية
1. مقدرة الكائنات الحية على أن تسبب أمراضاً معينة. تعطل المناعة الدفاعية الطبيعية في الجسم.
2. يجب أن تكون هناك كميات لا يستهان بها من الجراثيم التي يسهل زرعها وتربيتها واستعمالها.
3. يجب أن تكون الجراثيم ذات مقاومة شديدة في الوسط الذي تعيش فيه، وخارج الجسم لمدة طويلة، وأن تكون قابليتها للاستقرار والبقاء والصمود لمختلف العوامل الطبيعية كالتغيرات في درجة الحرارة والجفاف والرطوبة والضوء عالية جداً.
4. يجب أن لا تقل الحضانة (أي سكون الجرثومة) عن يومين أو ثلاثة قبل وقوع العدوى الفعلية حتى يصعب إثبات الجرعة دولياً، وتعطي للمعتدى فرصة للاختفاء من مسرح العملية قبل أن تظهر أولى الأعراض الخارجية للمرض على المهاجمين.
5. يجب تغيير الصفات البكتريولوجية، أي تغيير الخواص الطبيعية للجرثومة، وحصول ما يسمى بالطفرةMutation، على سبيل المثال تغير المناعة، الشكل اختبار الحساسية حيث يصعب تشخيصها.
6. اختيار ميكروبات بحيث تكون أقل جرعة منها كافية لأن تنشر العدوى أو تسمم أعداد كبيرة من الأفراد.
7. يجب أن تكون الجراثيم سريعة الانتشار، لأن أسهل الطرق لانتشار العدوى هو الجهاز التنفسي، ولذا يجب اختيار جراثيم لها القابلية على الانتشار في الهواء وأن تنتقل إلى مسافات شاسعة.
8. أن تكون الجراثيم من الأنواع التي لا يملك الإنسان مناعة طبيعية لها، وليس هناك مصل واق ضدها وليس هناك دواء شاف للمرض الذي تسببه. فليس من السهولة حصول التلقيح الجماعي لكل السكان في بلد ما، مع أنه الوسيلة الوحيدة التي تقي هؤلاء من الأسلحة الحيوية. فمن الممكن تلقيح جميع الناس ضد أمراض فيروسية خطيرة مثل الحمى الصفراء، وشلل الأطفال، والجدري، أما ضد الأمراض البكتيرية مثل الكوليرا، فهناك لقاح يقي جزئياً ويجب تجديده كل ستة أشهر. وهناك لقاح ضد مرضى الحمى القلاعية، ومرض الجمرة الخبيثة، والطاعون، إلا أن هذه اللقاحات كلها لا تقي كلياً ومفعولها قصير الأمد، والشخص الملقح بها معرض لمضاعفات قد تكون أخطر من المرض نفسه في بعض الأحيان. لذلك لم تستعمل هذه اللقاحات على مستوى واسع.