لو كنت مكان الرئيس انور السادات لاعتقلت المدعو حاتم الطائى عند وصوله الى مطار القاهرة الدولى واحلته الى النيابة العامة بتهمة تزوير التاريخ وانتحال صفة الكرم الكاذب ....
ولو كنت مكان الرئيس السادات لشطبت من كتب التاريخ فى المدارس المصرية اسم هذا الرجل الذى استثمر لحم ناقته الفا وخمسمائة سنه ليمارس علينا اعمال النصب والاحتيال ......
مصر تضع يدها على بطنها من قسوة الجوع ..
مصر ترهن اساورها... وضفائرها ... وملائتها ... وتمد يديها الى شبابيك سيدنا الحسين طالبة المدد ...
ولا احد يقرأ دموع مصر... ولا احد يرى جراح مصر ... ولا احد قلبه على مصر ....
الامريكيين يذهبون الى مصر سائحين والعرب يذهبون اليها شمامى هواء قطافى زهور يحملون جنيهاتهم المهربة .... وشهواتهم ... وغلاظاتهم... وقلقله قافاتهم.... ويحرثون شوارعهاوفنادقها وزرقة سمائها واجساد نسائها ومواضع كبريائها ...
لا احد يرى نزيف مصر...
لا احد يسمع صدرها المثقوب بالسعال ....
لا احد يبصر كيف يبكى النخيل فى عينيها الخضراويين ....
فمصر عند العرب هى فندق شيراتون وهيلتون وشبرد ونجوى فؤاد وسهير زكى وبقيه الخصور والارداف التى لا اتذكر اسمائها ....
هى الجارية التى ترقص على موائد العرب .... والراقصة التى تزف اولادهم فى الاعراس .... والمغنية التى تحيى لهم الليالى الملاح ....
وبدلا من ان يدفع العرب الجزية لمصر لانها حمت ارضهم وارزاقهم واولادهم واعراضهم من الاغتصاب .... تجدها تدفع الجزية للعرب وهى تبتسم .....
نجدها تتسول الشاى والطعمية والفول المدمس ورغيف العيش بينما اثرياء العرب يقامرون فى كازينو المقطم .... ويتجولون بسياراتهم الشاهانية .... فى حين تمشى اتوبيسات مصر على ثلاث عجلات .... ويمشى الشعب المصرى متكئا على كتف ـــــــــــ ....
وبدلا من ان يقبل العرب يد مصر من الوجه والقفا .... لانها حاربت بالنيابة عنهم .... وجاعت وعطشت بالنيابة عنهم تجدهم يتوقعون من مصر ان تقبل ايديهم وتسبح بحمدهم وتمسح اطراف عباءاتهم المقصبة ....
كل هذا ... ومصر لا تفتح فمها ولا يسمح لها كبريائها ان تعترف بحزنها وجوعها ومتاعبها ولا تسمح لها اخلاقها واصالتها ان تقول لعشاقها الكثيرين ان حجرتها التى تسكنها فى ( شبرا البلد ) واقعة تحت الحجز لانها تاخرت عن دفع اجرتها ....
ان مصر شبعت من باقات الزهر وقصائد الشعرالتى يحملها اليها عشاقها العرب ... شبعت من المدائح والنياشين وبرقيات التهنئة فى ذكرى العبور المجيد ....
ان مصر بكل احتصار تريد ان تحاسب البقال .... وتدفع اجرة غرفتها .....
ربما كانت مصر تستحى ان تقول ان غرفتها محجوزه ... وان البقال السوفيتى يطرق بابها كل صباح مطالبا بتسديد الفاتورة ... فاتورة طائرات الميغ .... وصواريخ السام التى القيت على ارض معركة تشرين ......
لذلك اسمح لنفسى ا الفت نظر الاخوان العرب الذين يدعون حب مصر الى ان غرفة حبيبتهم محجوزة .... واساورها مرهونة .... واثاث بيتها مطروح لللبيع فى المزاد العلنى .....
اما ان تبقى مصر بالنسبه للعرب مجرد ( وصله طرب ) ... او مسرحية هزلية فى شارع عماد الدين... او رحلة نيلية بين القصر واسوان... فهذا فى نظرى منتتهى الاستغلال لارض مصر وشعب مصر وطيبة مصر وآلام مصر ...
ان مصر هى ( بروسيا العرب ) ... لا هونج كونج او سنغافورة او مونت كارلو العرب ....
لقد كان بامكان الرئيس جمال عبد الناصر - لو اراد - ان يجعلها بخمس دقائق مونت كارلو ثانية... لا هم لها سوى التزلج على الماء نهارا ... ولعب الروليت ليلا ... وقد كانت الولايات المتحدة فى عام 1952 على اتم استعداد لاعطاء عبد الناصر كل ما يريد من اجل هذا الحلم الصغير ....
ولكن عبد الناصر كان كبيرا ....
والكبير لا يحلم احلاما صغيرة ....
ولا يزال بامكان الرئيس السادات - اذا اراد - ان ينزع عن مصر صفه الدوله المحاربة ويحول الوف الملايين التى تنفق على الآلة الحربية المصرية الى قطاع الاستهلاك ... فلا يضطر المواطن المصرى للوقوف ثلاثة ايام فى الطابور للحصول على قطعة صابون او اوقية شاى ...
وهكذا كان لابد لمصر ان تختار بين الموقف السهل والموقف الصعب ... بين الزمن الضيق والزمن العريض ... بين ان تكون اسبارطة ... او ان تكون جزيرة كابرى ....
وطبعا اختارت مصر قدرها الاسبارطى ....
وفى اسبارطة كما فى جميع الدول المحاربة ياتى المقاتلين فى المرتبة الاولى ويقف الاقتصاد خلفهم بكل قدراته ... اما الذين لا يقاتلون او لا يذهبون للجندية فيدفعون الضرائب وبدل الخدمة العسكرية ...
وهذا المبدأ يجب ان يطبق فورا فى العالم العربى ...
الذين لا يقاتلون يدفعون لمن يقاتلون ....
والدفع لا يجب ان ياخذ شكل التبرع ... او الصدقة ... او الزكاة ... وانما يجب ان ينظم تنظيما ضرائبيا لا يهرب منه كبير او صغير ....
لو كنت مكان الرئيس السادات لجمعت العرب فى غرفة واحدة وقلت لهم بالحرف العريض ما يلى :
انتم تملكون مالا ولا تقاتلون .... ونحن نقاتل ولا نملك مالا ... ومصر لا تستطيع ان تسكن الى ما شاء الله فى غرفة مرهونة.... فاما ان تدفعوا اجرة الغرفة او ستضطر مصر الى الانتقال نهائيا من الحى العربى ... الى بلاد الجان ... واحضان كسرى انوشروان ..........
انتهى ....