إسرائيل والتحريض المسبق للحركة الشعبية على تعديل اتفاقيات تقسيم المياه بين دول حوض النيل ودول المصب ا
21/4/2010
مركز الناطور للدراسات والابحاث
العناصر:
- تجليات الدور الإسرائيلي في الأزمة المائية، تحريض على الأزمة ثم
تخليق تواجد إسرائيلي مكثف أمني وعسكري واقتصادي في دول أعالي حوض النيل.
- الرؤية الرسمية المصرية للوجود الإسرائيلي في منطقة أعالي حوض النيل.
- لماذا أهملت مصر منطقة أعالي حوض النيل، وركزت جهودها على العلاقات مع إسرائيل والولايات المتحدة؟
- لماذا ظلّ النظام في مصر يثير الأزمة تلو الأزمة مع السودان العمق الإستراتيجي والمائي لمصر؟
- تجليات البعد الإسرائيلي في الأزمة المائية الحالية.
- ماذا يكمن وراء الحديث عن محورية المياه في حدوث صراع مسلح في إفريقيا؟
إسرائيل والتحريض المسبق للحركة الشعبية على تعديل اتفاقيات تقسيم المياه بين دول حوض النيل ودول المصب
لم يعد خافيا وعلى ضوء نشوب الأزمة بين كل من مصر والسودان
وإثيوبيا على خلفية مشكلة المياه وتقاسمها بين دول المنبع والمصب خطورة
الدور الإسرائيلي في تفجير هذه الأزمة.
هذا الدور يعود لأكثر من عقدين بدأ على شكل تحريض سافر لدول
أعالي حوض النيل بالتحكم بالمياه من قبل دول المنبع وهي إثيوبيا أوغندا
وكينيا ورواندا وبوروندي وتنزانيا والكونجو الديمقراطية، ثمّ تطور الدور
الإسرائيلي من التحريض إلى إجراءات عملية ، هذا من خلال دعم وتمويل مشاريع
في كلّ من إثيوبيا ودول أخرى تتمثل في إقامة السدود وخزانات المياه
ومشاريع إسرائيلية ضخمة بعضها مخصص للإنتاج الزراعي لتصديره إلى إسرائيل.
الأكثر من ذلك أنّ التحريض تطور أيضا إلى تخليق وجود أمني
وعسكري في منطقة أعالي حوض النيل يتمثّل في وجود جيش من الخبراء
العسكريين الإسرائيليين مازالوا في خدمة الاحتياط وتجار الأسلحة بينهم
جنرالات مثل الجنرال (يسرائيل زيف) قائد الوحدات الخاصة سابقا والجنرال
(دان ياتوم) رئيس الموساد الأسبق والجنرال (بن جال) قائد المنطقة الشمالية
الأسبق.
ورغم الأبعاد التي بلغها الدور الإسرائيلي في منطقة أعالي
حوض النيل وفي التخطيط من أجل استهداف كل من مصر والسودان في أمنها المائي
وبالتالي أمنها القومي فإنّ النظام في مصر نفى مثل هذا الدور، بل وذهب به
الأمر إلى حدّ اتهام المقاومة الفلسطينية واللبنانية وبعض الدول العربية
بأنّها هي مصدر تهديد للأمن القومي المصري.
وهكذا ظلّت الرؤية الرسمية المصرية للتعامل مع الوجود
الإسرائيلي المتصاعد في منطقة أعالي حوض النيل (أي منابع النيل)تنطلق من
نفي أي دور إسرائيلي سلبي يمكن أن يؤثر على العلاقات المائية بين مصر إحدى
دول المصب لنهر النيل وبين دول المنبع السبع وهي إثيوبيا أوغندا كينيا
بوروندي رواندا الكونجو الديمقراطية وتنزانيا.
ولوحظ على الموقف المصري طوال سنوات ومنذ توقيع اتفاقية كامب ديفيد عام 1979 عدّة أمور منها:
- استعداد مصري وعلى الأخص لتزويد إسرائيل بمياه النيل، وهو استعداد
عبّر عنه الرئيس المصري السابق أنور السادات عندما أوعز بإنجاز مشروع ترعة
السلام لنقل المياه إلى سيناء ثم إلى النقب جنوب إسرائيل.
هذا الموقف المصري أبلغه السادات إلى رئيس الوزراء
الإسرائيلي (مناحيم بيغن) في عام 1981، إسرائيل تحاول الآن استغلال هذا
الاستعداد من أجل الضغط على مصر انطلاقا من إثيوبيا ومنطقة منابع
النيل.وهناك من التحليلات الإسرائيلية الصادرة عن مراكز الأبحاث وخاصة
مركز بيغن السادات ومركز ديان لأبحاث الشرق الأوسط، ممّا يؤكد أنّ مصر قد
تستجيب لأي طلب إسرائيلي لمدّ مياه النيل إلى النقب في مقابل إقناع
إثيوبيا بالعدول عن مواقفها المتشددة.
- سكوت مصري رسمي على أنشطة إسرائيلية في منطقة أعالي حوض النيل، من بين
هذه الأنشطة تعزيز الوجود الإسرائيلي هناك على الأصعدة الأمنية والعسكرية،
تجارة الأسلحة ووجود مستشارين إسرائيليين في عدة دول ودور إسرائيلي في
إشعال صراعات في بوروندي وفي الكونجو الديمقراطية والكونجو برازافيل خطط
لها قادة وضباط إسرائيليون يتولون تدريب جيش الكونجو برازافيل وتجار
الأسلحة من الجنرالات الإسرائيليين السابقين.
كما شمل هذا النشاط مساعدة إثيوبيا في إقامة ثلاثة سدود
وقناطر وضمان التمويل الدولي لمشروعات زراعية ضخمة تؤثر على انسيابية
المياه من المنبع إلى مصر، هذا إضافة إلى استئجار وامتلاك مساحات شاسعة من
الأراضي الإثيوبية لاستغلالها في إنتاج المواد الغذائية التي تحتاجها
إسرائيل لضيق المساحات الزراعية فيها.
- اتهام كل جهة أو كاتب أو باحث مصري تناول مخاطر الوجود الإسرائيلي في
منطقة أعالي حوض النيل بالمبالغة والغلو والوقوع ضحية لفكر المؤامرة.
- ترك الساحة الإفريقية بما فيها منطقة أعالي حوض النيل لإسرائيل كي
تمرح فيها وترتع وعلى الأخص على الأصعدة الأمنية والاقتصادية والسياسية.
ولم يجانب وزير الخارجية الإسرائيلي (أفيجدور ليبرمان)
الصواب عندما وصف زيارته لكل من إثيوبيا وأوغندا وكينيا بأنّها تستهدف ملء
الفراغ في هذه المنطقة بمضامين إسرائيلية عسكرية وأمنية واقتصادية وسياسية.
الأزمة الحالية بين مصر وإثيوبيا ببعدها المائي أثارت وتثير تساؤلات عن مغزى القصور المصري في مجالين هامين.
الأول: غياب أي دور مصري في هذه المنطقة الحيوية وعلى كافة
الصعد، مثل هذا الدور كان سيشكل كابحا أمام أية أزمة بل ويسهم في بناء
علاقات تعاون بين دول المنبع والمصب.
الثاني: إهمال مصر للساحة الإفريقية عموما وإنهاء هذا الدور الذي بدأ وتطوّر خلال الحقبة الناصرية في الستينات وبداية السبعينات.
الأزمة مع إثيوبيا بعد قرارها الدعوة إلى عقد اجتماع لدول المنبع في 15 أيار (مايو) القادم أثارت عدة تساؤلات أخرى:
التساؤل الأول: لماذا أهملت مصر هذا المجال الحيوي منطقة
أعالي حوض النيل، وركزت جهودها على العلاقات مع إسرائيل والولايات
المتحدة؟ رغم أنّ هاتين الجهتين ليستا بعيدتين عن العبث بمشكلة المياه
وتهديد الأمن المائي المصري.
وفي هذا المقام استحضر الدور الإسرائيلي والأمريكي في تخليق
الأزمة المائية بين تركيا وكل من سوريا والعراق فيما يتعلّق بحصص وأنصبة
كل منهما من مياه الفرات ودجلة.
ثمّة تساؤل ثاني مرتبط لماذا ظلّ النظام في مصر يثير الأزمة تلو الأزمة مع السودان العمق الإستراتيجي والمائي لمصر؟
في هذا السياق تمّ إلقاء أضواء كاشفة على ممارسات النظام المصري من السودان وهي طويلة ومؤثرة على وحدة السودان وأمنه.
أهم عناوين هذه الممارسات:
- دعم حركة التمرد في جنوب السودان بزعامة (جون جرانج) ملامح السياسة
المصرية حيال مشكلة الجنوب وحركة التمرد استمت بسمات واضحة وهي دعم الحركة
بالسلاح وبالسياسة واحتضان قياداتها في مصر.
- دعم النظام المصري للسياسة الأمريكية المناوئة للسودان بما فيها سياسة الاحتواء والعزل والعقوبات الاقتصادية.
- احتلال منطقتي حلايب وشلاتين على الحدود المصرية السودانية
واعتبارهما جزءا من الأراضي المصرية رغم وجود أكثر من دليل وحقيقة تدحض
مثل هذا الادعاء.
- ولعلّ الجانب الأخطر في السياسة المصرية حيال السودان هو وجود أكثر من
دليل على أنّ النظام المصري يدعم خيار الانفصال لدى الحركة الشعبية وإقامة
دولة في الجنوب، زيارة (ميارديت سيلفاكير) لمصر عام 2009 كانت مناسبة
لتأكيد دعم مصر لهذا الخيار.
ويعني ذلك كلّه تطابق السياسة المصرية مع السياسة
الإسرائيلية في تجاه السودان بكل تفصيلاتها ومجالاتها وفي المقدمة منها
تمزيق وحدة السودان وإضعافه رغم أنّ تداعيات ذلك ستكون كارثية على مصر في
المدى المنظور والبعيد.
تجليات البعد الإسرائيلي في الأزمة المائية الحالية.
في إطار تشخيص وتقييم البعد الإسرائيلي في تخليق الأزمة
المائية في منطقة أعالي حوض النيل يثار السؤال لماذا هذا التشدد الإثيوبي
في تصعيد الأزمة ومحاولة قصر مسألة إدارة المسالة المائية من قبل دول
المنبع واستثناء دول المصب من المساهمة في تخطيط وإدارة الأزمة بشكل جماعي
وتوافقي؟
من الحقائق الثابتة أنّ الرفض المدوي من قبل إثيوبيا
لاستمرار مصر في الحصول على 85% من حصص توزيع مياه النيل والمطالبة بتعديل
هذا الاقتسام للمياه وعدم التقيّد بالاتفاقيات السابقة، جاء ليقوّض أسس
العلاقة بين دول المنبع والمصب، والأمر المثير للانتباه أنّ الموقف
الإثيوبي المتشدد بدأ يتبدى بصورة جلية بعد زيارة وزير الخارجية
الإسرائيلي (أفيجدور ليبرمان) لثلاث من دول المنبع على رأسها إثيوبيا.
زيارة (ليبرمان) إلى إثيوبيا لم تكن زيارة عادية اقتصر سقف نتائجها على تطوير العلاقات بين البلدين بل كانت لها سقوف عالية:
- العمل على تعزيز الوجود الإسرائيلي في إثيوبيا خصوصا وفي بقية دول
أعالي حوض النيل وعلى الأخص الدول التي ترتبط بمحور أمني وسياسي واقتصادي
واحد (كينيا إثيوبيا أوغندا).
- أنّ (ليبرمان) وقّع على سلسلة من الاتفاقيات في مجال مشروعات الري
والزراعة بما فيها إقامة المزيد من السدود إضافة إلى ثلاث سدود أنجزت فعلا.
هذه السدود وباعتراف أكثر من مصدر إسرائيلي بالإضافة إلى
مشروعات أخرى قيد التخطيط سيؤدي إلى تقليص كميات المياه التي تتدفق إلى
مصر والتي تقدر بـ 84 مليار متر مكعب.
ويشير خبراء المياه في مصر وخارجها أنّ هذه الكمية لم تعد
تكفي بما تتناسب طرديا مع الزيادة السكانية في مصر، حيث يتوقع أن يزيد عدد
سكان مصر عن 85 مليون نسمة خلال العقد القادم.
الأوساط الإسرائيلية التي درست جيّدا أبعاد مشكلة المياه في
مصر توصلت إلى نتيجة هامة على ضوء دورها في أزمة المياه مع كل من العراق
وسوريا والذي تجسد في حفز تركيا على إقامة 12 سدا للسيطرة على منسوب
المياه المتدفقة عبر المجرى في الفرات ودجلة.
هذه النتيجة تقول حسب تقديرات البروفيسور (أرنون سوفير) أنّه
طالما أنّ 77% من مياه النيل تصل من إثيوبيا وأنّ 23% فقط من النيل الأبيض
فإنّه يمكن محاصرة مصر مائيا وتهديدها وجوديا.
وفي كتابه الذي أصدرته وزارة الخارجية الإسرائيلية عام 1988
تحت عنوان: “أنهار من دماء” توقع منذ ذلك الوقت حدوث أزمة مائية تنتهي
بصراع مسلح بين مصر وإثيوبيا.
وفي هذا الإطار أيضا عبأت مراكز البحوث الإسرائيلية جهودها
وطاقاتها الفكرية في الأيام الأخيرة من أجل دراسة أبعاد الأزمة المائية
وتداعياتها لتخرج باستخلاصات تؤكد على حتمية الصراع العسكري بين دول
المنبع ودول المصب وعلى رأسها مصر.
ماذا يكمن وراء الحديث عن محورية المياه
في حدوث صراع مسلح في إفريقيا؟
تمحور النقاش في إسرائيل حول أبعاد أزمة المياه في مصر قد
تضطرها لخوض حروب مع إثيوبيا بفعل إدراك إسرائيلي لأهمية شدّ أطراف مصر
إلى معارك جانبية وفي ساحات أخرى ولإدراكها أيضا أنّها صنعت كل الذرائع
لافتعال هذا الصراع ومبرراته.
وهناك إجماع بين خبراء وبحاثة إسرائيليين وغربيين أنّ البعد
الإسرائيلي في الأزمة لا سبيل لإنكاره لأنّ هذا الدور يتجسد على الأرض وهو
واقع ملموس:
أولا: على الصعيد الأمني والعسكري: الدول الرئيسية في منطقة
أعالي حوض النيل الرئيسية في منطقة أعالي حوض النيل إثيوبيا وأوغندا
وكينيا عادت لتنضوي تحت راية خلف المحيط الذي كان يضم في المرحلة الأولى
أواخر عقد الخمسينات من القرن الماضي إثيوبيا إيران وتركيا. أما الآن فإنّ
حلف المحيط الجديد الذي أعيد بناؤه وهيكلته فيضم بالإضافة إلى إثيوبيا كلا
من كينيا وأوغندا، وهو قائم على ركيزة أمنية وعسكرية تتمثل في وجود عسكري
وأمني إسرائيلي مكثف وفي أسلحة إسرائيلية تزود بها هذه الأقطار. كما تشير
هذه التحليلات إلى أنّ دولة الجنوب إذا ما قامت في المستقبل ستنضم إلى هذا
الحلف.
ثانيا: على الصعيد الاقتصادي: لإسرائيل وجود اقتصادي كثيف في
هذه المنطقة عقود ببضعة مليارات لتطوير البنى التحتية زراعية ومواصلات
ومنظومات للري وتوليد الطاقة واستغلال مناجم الماس والكوبالت.
ثالثا: لإسرائيل تمدد سياسي واسع يعود إلى عقد الستينات من القرن الماضي يركز على مشتركات وقواسم مشتركة بين إسرائيل وهذه الدول .
وهناك حديث يتردد في وزارة الخارجية الإسرائيلية حول احتمال
تشكيل محور إسرائيلي إفريقي في عام 2011 وبعد ظهور نتائج الاستفتاء في
جنوب السودان يضم بالإضافة إلى إسرائيل كلا من إثيوبيا وكينيا وأوغندا
ودولة الجنوب.
هذه المنظومة الإسرائيلية المتواجدة بقوة في دول أعالي حوض
النيل والمتعددة الأبعاد هو أمر يحقق في نهاية الأمر مصلحة إسرائيلية
وكذلك مركز تأثير على قرارات تلك الدول وبينها وفي القلب منها قرارها
بتعديل الاتفاقيات المائية المبرمة في السابق بشأن اقتسام مياه النيل.
إسرائيل ظلّت ومنذ عقود تهدد بشكل مفصح عنه أو مموه عن
قدرتها على الدخول بقوة على خط المياه للضغط على مصر والسودان وشد
أطرافهما، كما فعلت في تركيا قبل فترة من الزمن وفي عهد الحكومات التركية
السابقة باتجاه كل من سوريا والعراق.
إعداد :الدكتور فؤاد خضر
المركز العربي للدراسات والتوثيق المعلوماتي
سبق وقد تم نشره على موقعنا بتاريخ 21/4/2010 واعدنا نشرها حديثا بتاريخ 3/6/2013 لنذكر الجميع مدلنذكر الجميع مدى مصداقية هذه المعلومات