الحلقة العاشرةone-way mission
سآخذكم هذا اليوم ايها الإخوة الاعزاء في رحلة إلى الأربعينيات من القرن الماضي لنطالع صفحة من صفحات التاريخ المبهر دائما للحرب العالمية الثانية
و سنتعرف على حدث مميز طبع تلك المرحلة المظلمة من تاريخ البشرية.
حدث هذه المرة ربما لا يعرفه عدد كبير من الإخوة, لكنهم حتما يعرفون الحدث الذي يرتبط به ارتباطا وثيقا.
راجع الحلقة الثانية : operation Z على الرابط التالي:
الحلقة الثانية : ضربة السامورايأصيبت الولايات المتحدة الامريكية بصدمة كبيرة جراء الهجوم المباغت و الخسائر الفادحة التي لحقت الأسطول الأمريكي في المحيط الهادئ الذي ما عاد هادئا منذ حصول الضربة على بيرل هاربر.
و عليه, قررت القيادة توجيه ضربة لليابان و في عمقها و غير بعيد عن قصر الإمبراطور الياباني.
و تم الشروع في التخطيط للمهمة...
مهمة جريئة...
مهمة خلف خطوط العدو...
مهمة باتجاه واحد...!!!
التحضيرت:Ernest Joseph King قائد البحرية الأمريكية
الفكرة:King طرح فكرة إيصال القاذفات الأمريكية إلى قلب العاصمة طوكيو عبر حاملات الطائرات.
الفكرة بدت غير واقعية, لكنها في نظر King كانت ممكنة لو تم اختيار الطائرات المناسبة و تدريب الطواقم جيدا لتنفيذ المهمة.
اختيار الطائرة:من بين الخيارات المتوفرة وقع الإختيار على القاذفة المتوسطة B-25 Mitchel من صناعة شركة North American بفضل مداها الكبير و قدرتها على حمل كمية مناسبة من الذخيرة و إمكانية تجهيزها لتقلع من على متن حاملة طائرات
المواصفات: المهمة : قاذفة
دخول الخدمة : سنة 1941
الخروج من الخدمة: سنة 1979
المحرك: محركان بقوة 1700 حصان (لكل محرك)
الطاقم: 8 أفراد
السرعة: 438 كلم في الساعة
المدى: 2170 كلم
التسليح: 1450 كيلوغرام من القنابل + رشاشات متعددة الأعيرة + قذائف صاروخية
القاذفة - بعد إعادة تأهيلها - تقلع من حاملة الطائرات USS Ranger فيما تقف قاذفة أخرى من نفس الطراز على متن الحاملة
اختيار قائد للمهمة:
وقع الإختيار لقيادة المهمة على القائد المحنك James Harold Doolittle الشهير ب Jimmy Doolittle
James Harold Doolittle هو طيار و تقني محنك حاصل على الدكتوراه في مجال الطيران و له إسهامات كثيرة في تطوير أجهزة الملاحة على الطائرات فضلا عن هوسه بالسرعة و تحطيم الأرقام القياسية.
صورة التقطت له في العشرينات من القرن الماضي
Doolittle مع فريقه على متن الحاملة USS Hornet
Doolittle يجهز قنبلة
التدريب على المهمة:في شهر مارس 1942 وصلت 24 قاذفة إلى قاعدة جوية بولاية فلوريدا قصد التمرن على الإقلاع بكامل الحمولة من مدرج طوله 152 متر فقط
الطواقم كانت تتدرب دون أدنى معطى عن طبيعة المهمة, المعلومات بقيت محاطة بأكبر قدر من السرية
شارك في الإستعدادات حوالي 10 آلاف بما فيهم الطواقم الارضية و التقنيون و المهندسون و حتى طواقم حاملات الطائرات المعنية بالمهمة.
بداية المهمة:حطت 16 قاذفة B-25 على متن حاملة الطائرات USS Hornet
و تم تجريد الطائرات من أسلحتها الدفاعية للتقليل من وزنها و بالتالي الرفع من مداها
و انطلقت بها من سان فرانسيسكو باتجاه المحيط الهادئ لملاقات حاملة أخرى هناك و هي USS Enterprise
- و سيعمل قائد الحاملة على مرافقة USS Hornet و قاذفاتها حتى مسافة 550 عقدة من اليابان
- بعد ذلك ستقلع القاذفات لمهاجمة العاصمة طوكيو بالإضافة إلى مدن Kobe و Nagoya و Osaka
- من المفترض أن يقلع doolittle أولا و من ثم يدخل طوكيو وقت الغروب و يقصفها بقنابله الحارقة التي ستنير الأهداف لباقي الطائرات المهاجمة.
- و بعد تنفيذ المهمة ستتوجه القاذفات نحو الصين لتنزل على مدرجات قريبة من الساحل مع الخيوط الأولى للصباح حتى يسهل عليها تحديد أماكن المدرجات.
اللقاء:بعد انطلاق الحاملة من سان فرانسيسكو ب 24 ساعة أفصح الجينرال doolittle لطواقم الطائرات عن طبيعة المهمة و أهدافها الحقيقية
و أكد عليهم بعدم التعرض لقصر الإمبراطور الياباني مخافة أن يأتي العمل بردة فعل عكسية و يرفع معنويات اليابانيين المحبين لزعيمهم هيروهيتو
في الطريق نحو هدفهم إشتغل الطاقم بتعلم بعض الكلمات الصينية تحسبا لأي طارئ يضطرهم للهبوط بعيدا عن المكان المحدد.
القاذفات تصطف فوق الحاملة USS Hornet استعدادا للمهمة تحت حماية سفينتين مرافقتين.
بينما توفر الحاملة USS Enterprise الحماية بواسطة مقاتلاتها
صورة لأحد أفراد طاقم القاذفة المكلف بالمدفع الرشاش المضاد للطائرات
صورة تظهر الفريق المشارك في العملية كل بجوار طائرته
مفاجآت غير سارة:1- في السادس عشر من أبريل (يومان قبل موعد التحليق) التقط الطاقم إرسالا من إذاعة يابانية محلية تعلن على سبيل المزاح أن اليابان تعرضت لقصف من قبل قاذفات أمريكية !!!
مضمون الخبر رغم كونه كان على سبيل المزاح إلا أنه أثار مخاوف من احتمال اكتشاف الخطة الأمريكية من قبل اليابانيين.
2- في الساعات الأولى من صباح الثامن عشر من أبريل ظهرت سفينتان يابانيتان على رادارات الحاملة الأمريكية USS Enterprise !!!
لكنها سرعان ما انسحبت مبتعدة عن مدى الأسطول الأمريكي.
المهمة صارت في خطر !!!
3- بعد وقت قليل ظهرت قطعتان حربيتان يابانيتان غير بعيد على الأسطول الأمريكي, و قامت إحداهما بالتبليغ عبر الراديو عن اكتشاف الحاملتين الأمريكيتين.
و على إثر ذلك أمر قائد الحاملة USS Enterprise بإغراق السفينتين اليابانيتين.
صعوبات جديدة:- اكتشاف الاسطول الأمريكي مبكرا و الإبلاغ عن وجوده بعثر أوراق قادة العملية
و عليه فقد تقرر الشروع في تنفيذ المهمة فورا دون انتظار الموعد المحدد سلفا.
- إقلاع الطائرات من موقعها الحالي معناه زيادة المسافة بحوالي 150 ميلا بحريا, مما يطرح تساؤلات حول مدى كفاية وقودها حتى تحط في الصين.
- الطقس السيئ أبى إلا أن يزيد من صعوبة المهمة, إرتفعت الأمواج بشكل جعل عملية إقلاع القاذفات الثقيلة من على الحاملة أمرا بالغ الخطورة.
ساعة الصفر دقت:في الساعة الثامنة و الربع صباحا, أقلع Doolittle بقاذفته بصعوبة بالغة من على متن الحاملة
القائد Doolittle يقلع بقاذفته من على متن الحاملة 650 ميلا من السواحل اليابانية إيذانا ببداية المهمة
القاذفة تنطلق من حاملة الطائرات USS Hornet
المكان : طوكيوالساعة الثانية عشر ظهرا بالتوقيت المحليالسلطات و في مصادفة غريبة تقوم بتمرين حول إنذار يتعلق بهجوم جوي
السكان لم يأخذوه على محمل الجد و تعاملوا معه ببعض الإستخفاف
إنتهى التمرين و عادت الحياة في المدينة إلى طبيعتها.
المكان : عرض البحرالسفن الحربية اليابانية خرجت مسرعة للبحث عن الحاملات الأمريكية.
فوق طوكيو: وصل Doolittle إلى شواطئ اليابان
و في مصادفة عجيبة الوزير الأول الياباني يحلق في طريقه للقيام بتفتيش قاعدة عسكرية يابانية و يلمح سرب القاذفات الأمريكية
Doolittle يصل طوكيو في الثانية عشر و النصف و يشرع في القصف
السكان تصوروا أن الأمر هو امتداد للتمرين الجوي المنفذ قبل قليل !!!
صورة لقاعدة Yokosuka البحرية اليابانية تم التقاطها من قبل أحد طواقم القاذفة B-25
تم تنفيذ الضربة
لكن القاذفات أصبحت في حاجة ماسة إلى الهبوط على أقرب أرض حليفة أو على الأقل محايدة
الإقلاع المبكر و تغيير الخطة كانت له عواقبه على مدى القاذفات و استهلكت الوقود اللازم لوصولها سالمة إلى الصين.
- إحدى القاذفات التي كان يقودها Edwark J. York اتجهت نحو الإتحاد السوفياتي و حطت في Vladivostok : تم احتجاز الطاقم 13 شهرا و أطلق سراحهم في 23 من شهر ماي سنة 1943.
- Doolittle أمر طاقمه بالقفز من القاذفة التي تحطمت لحظات بعد ذلك فوق تلة قريبة.
صورة لحطام الطائرة
جنود صينيون يصطحبون رجال القائد Doolittle نحو مقر آمن
دوليتل و طاقمه رفقة أصدقاء صينيين
- إحدى القاذفات حطت في منطقة صينية خاضعة للسيطرة اليابانية.
تم احتجاز الطاقم و أعدم ثلاثة منهم, بينما توفي الرابع بسبب سوء المعاملة و نقص التغذية.
و بقي الأربعة الآخرون رهن الإعتقال حتى نهاية الحرب.
- قاذفة أخرى سقطت في البحر, غرق بعض أفرادها و من نجا منهم تم قتله بعدما نجح في السباحة نحو الشاطئ.
- 3 قاذفات تحطمت فوق مقاطعة Chekiang الصينية
صورة لطيارين و أفراد طاقم القاذفات الأمريكية المصابين عقب العملية و قد تم اصطحابهم نحو قرى صينية آمنة لقضاء فترة نقاهة
صورة للقاذفة تظهر الضرر الذي لحقها بفعل الرشاشات
الخلاصات:- من بين 80 فردا المشاركين في العملية, تمكن 71 منهم من العودة لبلادهم !
+ التسعة قتلوا إما إعداما أو بسبب سوء المعاملة و الإطعام أو بسبب سقوطهم أثناء القفز من القاذفات.
- الخسائر التي تكبدها الجانب الياباني كانت بدون تأثير كبير:
+ قتل حوالي 50 شخصا و جرح 400 جراء القصف
+ 100 منزل دمر أو تضرر
+ إصابة حاملة يابانية طور البناء
و عليه فإن الضرر النفسي للغارة كان اشد على اليابانيين, و تحطمت بذلك الهالة التي ما فتئت ترسم عن قوة الإمبراطورية اليابانية -خاصة عقب الهجوم على بيرل هاربر - و مناعتها ضد الهجمات الجوية بسبب موقعها الجغرافي و قوة سلاحها الجوي.
العملية شكلت وجبة دسمة للصحافة الأمريكية في سعي منها لرفع معنويات الشعب و محو تبعات الضربة اليابانية التي تلقوها.
استقبل العائدون إلى الولايات المتحدة استقبال الأبطال و تم توشيحهم بأوسمة.
حصل Doolittle على Medal of Honor عقب المهمة و تسلمها من قبل الرئيس الامريكي روزفلت.
توفي Doolittle سنة 1993 بعد مسيرة حافلة و إنجازات كبيرة كان أهمها الضربة الجوية على الإمبراطورية اليابانية و التي سميت باسمه The Doolittle Raid