بقلم المحرر العسكري الشهير / توم كوبر .
عندما فقدت الطائرة بدون طيار :في صباح باكر من احد اواخر ايام شهر ابريل من العام 2002 ، دخلت احدي الطائرات دون طيار التابعة لسلاح الجو الاسرائيلي المجال الجوي السوري ، بعد فترة تحليق قصيرة خلال المجال الجوي الاردني ، ومن قبل دخول الطائرة المجال الجوي السوري رصدتها الرادارات السورية وبدأت في تعقبها بالفعل ، وعندما دخلت الطائرة المجال الجوي السوري بالفعل صدرت الاوامر باعتراض الطائرة وتدميرها ، ولم تمر اكثر من دقيقة واحدة حتي كانت احدي طائرات سلاح الجو السوري من طراز " ميج-23 " في طريقها نحو الطائرة الاسرائيلية ، واعتمد الطيار علي معدل التسارع الجيد في الميج-23 للوصول لهدفه سريعا ، وتمكن الطيار بالفعل من الوصول للطائرة بدقة ، ونجح ايضا في تدميرها باصابة مباشرة بواسطة صاروخ " جو-جو " جنوب مدينة السويداء السورية علي بعد 100 كم فقط من العاصمة الاردنية عمان .
ومن المثير للاهتمام ، بينما كان هذا الاشتباك يحدث ، كان الدفاع الجوي السوري عددا من مروحيات سلاح الجو الاردني ، كانت علي مايبدو تراقب الطائرة الاسرائيلية ، ويبدو ان الاردنيين كانوا يريدون القيام بعملية ابرار سريعة لانتشال حطام الطائرة ، ولكن السوريين كانوا اسرع فأقلعت مروحية من طراز " مي-8 " وقامت قوة سورية بانتشال حطام الطائرة .
ويقال انه ومنذ حدوث هذه الخسارة للاسرائيليين ، اوقف سلاحهم الجوي جميع طلعاته الاستطلاعية علي الحدود السورية ، كأحد اهم تطورات الملاكمة في الظل بين القوات الجوية الاسرائيلية والسورية والتي استمرت لسنوات وسنوات .
الميج-23 .
قواعد غير مكتوبة :علي الرغم من ان ما سيكتب الان مجهول تماما لدي العامة ، فأن كلا من القوات الجوية في سوريا واسرائيل قاموا في السنوات الاخيرة بنشر طائرات استطلاع في اوقات متكررة في السنوات الاخيرة بشكل مكثف ، ومن المفهوم أن كلا من القوتين الجويتين يراقبا بعضهما البعض والوضع علي طول الحدود المشتركة بعناية بالغة ، ويظهر كل طرف للاخر احتراما غير مكتوب .
كل طرف يعلم جيدا ما " يمكن " وما " لايمكن " القيام به ، وفي لقاء جري في عام 2001 مع طياريين سوريين علي الميج-25 اوضحا انه يحدث سنويا بين ثماني وتسع طلعات استطلاع علي طول الحدود مع اسرائيل ، وان الاسرائيليين يتجاهلون هذه العمليات واضاف طيار سوري " انه شئ روتيني ان ترصد الرادارات السورية طائرات الاستطلاع الاسرائيلية فوق الجولان ولبنان وشمال اسرائيل ومن الروتيني ايضا ان ترصد الرادارات الاسرائيلية الطائرات السورية عند الحدود " .
واضاف " منذ سنوات ولم يطلق اي منا النار ضد الاخر ، علي الرغم من تكرار حوادث اختراق كل طرف المجال الجوي للطرف الاخر وحدوث اعتراضات فعلية في عديد من المناسبات " .
في الواقع فمنذ نهاية الثمانينات تكرر اقتراب المقاتلات السورية والاسرائيلية من بعضهما البعض بشكل كبير ، ولكن دائما ماكان كلا من الطرفين يعود من حيث اتي دون اشتباك او اطلاق للنيران ، وعلي مايبدو فأن هناك بعض الخطوط " الاول مباشرة علي طول الحدود ، والثاني علي كل جانب من الجانبين ، وكما يقول ضابط دفاع جوي سوري سابق كان يعمل علي بطارية صواريخ سام-6 : " عادة ، نحن نتعقب طائرات الاستطلاع المعادية علي شاشات الرادار دون ان نطلق النيران ضدها ، وهذا مايقوم به الاسرائيليين عادة معنا نحن ايضا ، وبينما كنا في احد معسكراتنا في الجولان عام 1996 كنا نرصد طائرتهم تحلق في تشكيل قريب بشدة من بعضه البعض حتي يصلوا الي الخط الثاني ثم يعودوا الي الوراء ، وحتي لو تخطت اي طائرة من الطرفين هذا الخط فلا يوجد رد فعل من الطرف الاخر .
طائرة اسرائيلية بدون طيار .بداية صيف 2001 ، وفجأة ودون مقدمات غير الاسرائيليين من سلوكهم وبدأو في كسر هذه القواعد التي كانت قد بدأت تأخذ شكل العرف من خلال الدفع بطائراتهم في عمق المجال الجوي السوري ، وحدثت حادثتين اختراق كبيرة واحدة منها في يوليو من نفس العام عندما قامت مقاتلتين اسرائيليتين باختراق المجال الجوي السوري والتحليق في مسار باتجاة حلب ، وسارع السوريين بالرد بتشكيل تكون من مقاتلتين ميج-25 ومثلهم من الميج-29 لاعتراض الطائرات الاسرائيلية ، وبالفعل اعترضوهم فوق ادلب ، والتي تبعد 35 كم فقط علي الحدود مع تركيا ، قامت الطائرات السورية بالابتعاد والتوجة الي البحر المتوسط ، في نفس التوقيت الذي رصدت فيه الردارات السورية 12 مقاتلة اسرائيلية جديدة في انتظار المقاتلات الاسرائيلية شرق وشمال شرق جزيرة قبرص لتدعيمها ضد الطائرات السورية ، وكان من الواضح ان الاسرائيليين ينصبون فخا وانهم مستعدون وبشكل جيد للقتال ، وصعد الامر بشكل سريع للقيادة السياسية السورية التي امرت بعدم الاستجابة للاسرائيليين وعودة مقاتلات الميج لقواعدها .
ومرة اخري وفي السابع والعشرين من نفس الشهر ، دخلت مقاتلتين اسرائيلتين المجال الجوي السوري ، في هذه المرة كانت الطائرات الاسرائيلية تحلق علي ارتفاع عالي قادمة من المجال الجوي التركي وعبروا فوق مدينة ادلب ثم قامت بأخذ دوران لاتجاة اللاذاقية ، وكان هناك موقع سام-6 قد نصب منذ فترة قصيرة في هذا المكان ، اجبر المقاتلات علي تغيير اتجاهم من جديد ، كما توجهت العديد من المقاتلات السورية لاعتراض الطائرات .
السكين القاتل :بحلول سبتمبر 2001 كان الموقف قد شهد مزيدا من التوتر خصوصا بعد الهجمات التي حدثت في الحادي عشر من سبتمبر في نيويورك وواشنطن ، في هذا الوقت كان الاسرائيليين والسوريين في قمة العصبية ، وهذا ما ادي لاثقل نتيجة اشتباك جوي " اسرائيلي-سوري " منذ سنوات طويلة .
في الرابع عشر من سبتمبر كانت طائرة استطلاع اسرائيلية من طراز " بوينج-707 " في مهمة فوق الساحل اللبناني-السوري ، في مهمة لجمع معلومات حول الدفاع الجوي السوري ومراقبة وسائل الاتصالات السلكية واللاسلكية في طرابلس ، كانت البوينغ تطير علي ارتفاع 30 الف قدم في حراسة مقاتلتين اف-15 ، علي الاقل كانت احدي الطائرتين تحمل الصاروخ الاسرائيلي الصنع الاحدث وقتها " بايثون-4 " ، لم تكن تلك مهمة غير اعتيادية ، ولم تكن حدثا جديدا ، كان شئ معتادا وكان السوريين دائما مايدفعون بالميج-23 او الميج-29 للاعتراض وكانوا دائما مايحرصون علي البقاء بعيدين عن المقاتلات الاسرائيلية مسافة لاتقل عن 20 كم ولم يظهر السوريين ابدا اي نية للهجوم .
ولكن وفي هذا اليوم وفي الساعة التاسعة و 14 دقيقة ، حلقت مقاتلتين ميج-29 في اتجاة الطائرات الاسرائيلية وبشكل مفاجئ اتجهوا الي الاف-15 وزادو من سرعتهم ، بالنسبة للطياريين الاسرائيليين الذين كانوا يحرسون البوينج-707 لم يكن هذا تصرف مفاجئ فقط ، بل كان عملا عدوانيا ، وذلك بسبب المسافة القريبة الغاية ، كان موقف لايتيح طرح اية اسئلة ، السوريين قد يفتحون نيرانهم في اي لحظة .
فورا طلب الطياريين علي متن الاف-15 من البوينج الابتعاد فورا عن منطقة الاشتباك ، وطلبوا من القيادة الارضية الدعم وعلي الفور اقلع تشكيل من 12 مقاتلة اسرائيلية " منقسمين بالتساوي بين الاف-16 والاف-15 " ، وبعد مرور دقيقة بدأ الطياريين الاسرائيليين في التحدث علي الموجة الدولية ليطالبوهم بتغيير اتجاهم ، ومع عدم الاستجابة اتخذت الطائرات الاسرائيلية هي الاخري تشكيل الهجوم .
احدي مقاتلات الاف-15 هاجمت الميج-29 الاولي من الاعلي ، حيث قام الطيار الاسرائيلي بالاغلاق علي نظيره السوري من اتجاة شروق الشمس واطلق صاروخ بايثون-4 ، اصاب الصاروخ الجناح الايسر بنجاح واسقطها وهي تشتعل .
الاستخدام الاول للبايثون-4 في قتال جوي .الميج-29 الاخري حاولت الالتفاف والعودة الي سوريا ، ولكن الوقت كان متأخرا ، فكانت الاف-15 الثانية جاهزة للاغلاق عليها وبالفعل اطلق الطيار الاسرائيلي صاروخ AIM-9M سايدوندر من علي بعد 500 متر فقط ، اصاب الصاروخ الطائرة مباشرة وهوت هي الاخري الي قاع البحر ، ولعل حسن الحظ السوري الوحيد يومها ان الطياريين الاثنين " مدحت مبارك واحمد خطاب " قد قفزا بسلام من الطائرتين وتم انتشالهم احياء من البحر ، ولم يعرف حتي الان اسماء الطياريين الاسرائيليين .
صف اف-15 مسجل في مقدمتها رموز اسقاطات ضد سلاح الجو السوري .وخريطة للمعركة الجوية السابقة وخط سير البوينج-707 .القوات الجوية السورية في خطر :عقب معركة الرابع عشر من سبتمبر بذل كلا من الطرفين قصاري جهده للتقليل من اثار المعركة ، وساعدهم في ذلك طغيان اخبار هجمات الحادي عشر من سبتمبر والاحداث التي لم تتوقف بعد ذلك ، وفي الوقت الذي كان الاسرائيليين مشغولين مع الفلسطينيين والانتفاضة الثانية ، وبالطبع لم يكن السوريين راضين عن نتائج المعركة ، لم يعلق الاسرائيليين مطلقا علي الحادث وبذل السوريين قصاري جهدهم لاخفاء الموضوع ، وكان التصريح السوري الوحيد من وزير الخارجية السوري ولكنه لم يكن حقيقيا فقال " بالفعل حدث حادث تدريبي في هذا اليوم ، وصحيح ان الحادث كان خطيرا للغاية ، ولكن علي حد علمي لم تفقد اي طائرات " .
ونفت السلطات الاسرائيلية حدوث اي شئ من هذا القبيل ونفوا حتي اي نشاط غير اعتيادي ضمن قيادة المنطقة الشمالية .
ومع ذلك فأن كل التقارير القادمة من سوريا تشير الي حدوث هذه الواقعة بالفعل ، بل ان الاخطر من هذا ماترتب علي الهجوم الجوي الاسرائيلي ضد مواقع الدفاع الجوي السوري في لبنان " قبل انسحاب الجيش السوري من لبنان " حيث اصبح الجيش السوري بالكامل تحت ضغط كبير ، واصبح هناك قوات خاصة سورية دائما ماتكون في اقصي درجات الاستعداد لثلاثة ايام متواصلة تحت مسمي " الحالة صفر " ، واصدر قائد القوات الجوية السورية قرارا بعدم السماح لاي توغل اسرائيلي مماثل من جديد ، الاسرائيليين ايضا اوقفوا لفترة مهام الطائرة ذات المائتين مليون " بوينج-707 " .
هكذا كانت بعضا من جولات مباراة الملاكمة الجوية بين القوتين السورية والاسرائيلية وحتي انتظار جولات اخري يجب ان نحلل ونناقش وندرس ماحدث واخطاء السوريين واقتراحات لسلاح الجو السوري للتصدي للتوغلات الاسرائيلية .
ملحوظة هامة جدا : اي تعليق سيقود الموضوع الي دهاليز السياسة سيتم حذفه فورا ، من يريد ان يعلق تعليقات سياسية فالانترنت ملئ بالمواقع السياسية .