أهلا وسهلا بك زائرنا الكريم، اذا كانت هذه زيارتك الأولى للمنتدى، فيرجى التكرم بالاطلاع على القوانين بالضغط هنا. كما يشرفنا أن تقوم بالتسجيل بالضغط هنا إذا رغبت بالمشاركة في المنتدى، أما إذا رغبت بقراءة المواضيع والإطلاع فتفضل بزيارة المواضيع التي ترغب.
موضوع: السياسة النووية الدولية وأثرها على منطقة الشرق الأوسط الأحد 16 مارس 2008 - 18:09
الفصل الأول
الطاقة النووية والبداية
بعد عام من انتهاء الحرب العالمية الأولى تبنت الحكومة البريطانية قراراً يدعو إِلى عدم دخول بريطانيا في أية حرب خلال السنوات العشرة القادمة على أن تكثف الجهود لإعادة بناء الجيش وتحسين المعامل الإنتاجية التي أرهقتها الحرب العالمية الأولى وتشجيع البحث العلمي للاستفادة من مصادر الحياة المكتشفة في المستعمرات البريطانية المورثة من الدولة العثمانية المنهارة السيئة الصيت . هذا القرار أحدث ثورة علمية كبيرة في العلوم الأساسية والتي كانت إحدى أهم إنتاجياتها البحوث المركزة في مجال البحث النووي الذي انفردت به المملكة المتحدة آنذاك. فمع إطلالة عام 1931م تبنى اللورد ريثرفورد Rutherford مبدأ ضرورة دراسة كيفية استخلاص الطاقة المخزونة في نواة الذرة واستعمالها أن أمكن كبديل للنفط، ولكن سرعان ما تغيرت المفاهيم والمقولات العلمية والبحثية عندما اكتشفت ذرات اليورانيوم المخصب عام 1939م . هذا الاكتشاف المهم لليورانيوم المخصب لم يكتسب أهمية لكونه ينتج طاقة نووية هائلة، بل كانت أهميته نابعة من استجلاب النيترونات خلال عملية الإخصاب لنواة اليورانيوم.
فكلما حدث الإخصاب تولدت نيترونات جديدة يمكن استعمالها للتخصيب مرة أخرى مولدة معها سلسلة من التفاعل النووي الذاتي البقاء والذي يعرف في يومنا هذا، علمياً أو فيزيائياً بـ: Self-Sustaining Nuclear Chain Reaction. وعلى الرغم من تحديد مسار التفاعل النووي نظرياً في عام 1939م إلا أنَّه لم يدخل حيز النجاح العملي والتكنولوجي بشقيه السلمي والحربي إلا في الثاني من كانون الأول عام 1942م حين تمكن بعض الخبراء النوويين الأمريكان في جامعة شيكاغو من توليد تلك السلسة من التفاعلات النووية ذات الطاقة الإشعاعية الهائلة داخل مختبراتهم العلمية المتخصصة في هذا المجال، حَيْثُ تمكنوا بنجاح من بناء أول مفاعل نووي Nuclear reactor في العالم عرف فيما بعد بالمفاعل الذريّ. وبهذا الإنجاز الكبير تكون قَدْ بدأت الولادة الرسمية الفعلية لما يسمى في عصرنا الحاضر بالطاقة النووية التي لم تتمكن وليومنا هذا من أن تكون بديلاً عن الطاقة النفطية التي حظيت بها الكثير من بلدان الشرق الأوسط خاصة العربية منها .
عدل سابقا من قبل ccc.1993 في الإثنين 17 مارس 2008 - 8:47 عدل 2 مرات
موضوع: رد: السياسة النووية الدولية وأثرها على منطقة الشرق الأوسط الأحد 16 مارس 2008 - 18:10
تاريخ البحث العلمي الذريّ
بدأت رحلة الاكتشاف النووي من الناحية العملية العلمية مَعَ أول اكتشاف لمعلمها الأول هنري بكيوريل Hanri Becquerel في فبراير عام 1896م. حَيْثُ تمكن ولأول مرة من تحديد أهمية التفاعلات الإشعاعية نظرياً في المواد الفلزّيّة، بعد أن عجزت الجامعات الأوربية ومُنْذُ منتصف القرن الثامن عشر من إثبات أيّ وجود لحركة جزيئات الذرة. ولم تمضِ أكثر من سنة حَتَّى تمكن جي جي تمسون J J Thomson من اكتشاف الحزمة الإلكترونية المتجمعة على الكاثود بطريقة عملية بعد أن بنى مجمل تطبيقاته على نظرية بكيوريل. مهّد هذان الإنجازان الطريق عام 1905م للعالم الألماني ألبرت أنشتاين (Albert Einstein 1897-1955) لينشر بحثاً في المجلة الألمانية الفيزيائية ذُو أهمية بالغة في الفيزياء النووية. بيَّنَ فيه أول معادلة رياضية فيزيائية تشرح العلاقة ما بين الحركة الجزئية للمادة وعلاقتها بتوليد الطاقة غير المرئية، التي قَدْ تُولد طاقة هائلة إذا ما باتت مركزة في جزيئات تكوينها .
استمرّت المختبرات العلمية الأوربية في البحث في كيفية تفعيل حركة الجزيئات وتجميع طاقاتها مُنْذُ اكتشاف أنشتاين عام 1905م، وحَتَّى تمكن اللورد النيوزلندي آرنست راثر فورد Ernest Rutherford 1871-1937 الذي كان يعمل في مختبر الفيزياء الإشعاعية بجامعة مانشستر البريطانية من إجراء أول تجربة علمية مختبريه تخللها قصف الرقائق الذهبية بأشعة ألفا. حَيْثُ تمكن من خلال تلك التجربة من أن يحدد علمياً أن هناك أشعة تنعكس بقوة ثاقبة من تلك الرقائق بصورة متشعبة ما بين زاوية 20 درجة إِلى 110 درجة. وما أن انتهى راثر فورد من تجربته هذه حَتَّى صرح في مؤتمر علمي بجامعة مانشستر عقد لهذا الغرض في ديسمبر عام 1911م:
"بعد تجربتنا هذه التي أثبتت قوة انعكاس الأشعة المتولدة من الذرات المقصوفة بأشعة ألفا، يمكنني القول من خلال تلك المعلومة أن إنتاج الطاقة الذرية بات وشيكاً".
هذا الإنجاز مكَّنَ العالم البريطاني جيمز جادوك James Chadwick عام 1932 من اكتشاف النيترونات. وساهم مساهمة فعالة في تسيير دفة البحوث النووية في مختبر رانديوم بفرنسا Randium Institute in France والذي مكنهم من إنتاج أول نشاط إشعاعي صناعي Artificial Radioactivity. كما ساهمت نظرية أرثر فورد بتطوير اتجاه البحث في إيطاليا، إذ في عام 1930م بروما بدأ العالم الإيطالي أنريكو فيرمي (Enrico Fermi 1901-1954) البحث عن كيفية خلق نظائر النشاط الإشعاعي Radioactivity Isotopes بواسطة القصف النيتروني. ويبدو أن فيرمي الإيطالي قَدْ نجح في إنتاج نظائر النشاط الإشعاعي بالطريقة المثلى. إلا أنَّه فشل في مراقبة فاعلية اليورانيوم عندما يتم قصفه بالنيترونات. ولكن مَعَ هذا يعتبر علماء الذرة إن ما حققه فيرمي إنجاز لا يمكن تجاوزه أبدا إذ ما أريد أن يؤرخ للحالة العلمية النووية وإنجازاتها البحثية .
هذا الاكتشاف الأخير الذي اكتشفه فيرمي عُرف من خلاله أن امتلاك القنبلة الذرية بات شيئاً مؤكداً بعد أن تمكن العلماء من إثبات نتائج بحثهم عملياً. وحالما تأكد ستراسمان من تلك النتيجة، وقبل إعلانها علمياً، أرسل بتلك المعلومات إِلى قريبته العاملة في منظمة الوحدة اليهودية العالمية بألمانية ليز ميتنر Lise Meitner التي بدورها قامت بنقل تلك المعلومات إِلى ابن أخيها الذي كان يعمل في مختبر مَعَ الدنمركي اليهودي نيلز بوهار( Niels Bohr (1885-1962 بكوبنهاكن، والذي بدوره قام بإبلاغ الأمريكيين بتلك النتائج. وما أن استلم الهنغاري الأصل ليو سزيلارد Leo Szilard الذي كان يعمل في مختبر في الولايات المتحدة الأمريكية تلك النتائج حَتَّى راح بالتعاون مَعَ من يعمل مَعَهُ من الأمريكان بالتأكد من صحة تلك النتائج، حَيْثُ تَمَّ إثبات صحتها حينما تولدت كمية هائلة من الطاقة الإشعاعية باستعمال ثلاثة إِلى أربعة نيترونات قاصفة .
إن مفهوم الانفلاق أو الانشطار الذريّ كان قَدْ استعمل لأول مرة في الحياة العلمية من قبل العالمين الفيزيائيين الألمانيين ليز ميتنر Lise Meitner وأوتاو فيرسج Otto Frisch في عام 1939م. فَقَدْ قام هذان العالمان بوصف علمي مختبري دقيق جداً لكيفية فصل النواة الثقيلة إِلى نواتين خفيفتين متساويتين بالحجم تقريباً. وبهذا الاكتشاف الخاص بالتفاعل النووي غير الطبيعي الناتج من انشطار الذرة الثقيلة، تمكن العالمان الألمانيتين من إحداث ثورة علمية مفاجئة في تاريخ العلوم الحديثة، إذ ما عرفنا مدى التوجه المركز والسريع نحو دراسة الذرة والقدرة على إنتاج الطاقة من انفلاقها بفترة زمنية وجيزة، مقارنة مَعَ تطور العلوم الأخرى التي وصلت دراسة بعضها واكتشاف جوهرها حدّاً زمنياً تعدى القرن ونيف من السنين .
وَمَعَ ارتباط عملية الانفلاق الذريّ باسمي العالمين الألمانيين الآنف ذكرهما، إلا أن قصة اكتشاف الانفلاق الذريّ في الحقيقة كما ذكرنا مسبقاً قَدْ بدأت فعلياً عند اكتشاف النيترون عام 1932م من قبل العالم الإنكليزي جيمس جادوك James Chadwick. وبعد فترة قصيرة جداً من اكتشاف جادوك قام العالم الإيطالي أنريكو فيرمي Enrico Fermi ومساعديه بدراسة مكثفة للتفاعل النووي مختبرياً، وذلك من خلال قصف العناصر المختلفة بواسطة جزيئات غير مشحونة بالإلكترونات. وعلى الرغم من التجارب المكثفة في المختبر الإيطالي إلا أن النتائج الأولية لهذه العملية لم تعطي ثمارها إلا في غضون عام 1934م عندما اكتشف فيرمي ومساعدوه أن هناك على الأقل أربعة عناصر مشعة مختلفة يمكن الحصول عليها من خلال قصفها باليورانيوم ذُو النيترونات البطيئة. وفي الواقع أن هذه العناصر المشعة المكتشفة حديثاً تبعث أشعة بيتا Beta. حَيْثُ كان الاعتقاد سائداً آنذاك على أن هذه العناصر الأربعة المشعة ما هي إلا نظائر غير مستقرة تعرف بعناصر ما وراء اليورانيوم Transuranium elements (ذوات العدد الذريّ الأكبر من عدد اليورانيوم الذريّ، والتي يبلغ عددها الذريّ 93 و 94 وما فوق).
وَمَعَ هذا الاكتشاف الذريّ الجديد تمكن علماء الكيمياء الإشعاعية من دخول الحقل النووي بقوة والمساهمة فيه مساهمة فعالة من خلال دراسة الجدول الدوري Periodic table للعناصر الكيميائية. فنتيجة لتلك المساهمة الفعالة والدراسة المستفيضة تمكن العالمان الألمانيتين المعروفان بالبحث النووي أوتاو هاهن (Otto Hahn (1879-1968 وفرتز ستراسمان (Fritz Strassmann 1902-1980) في عام 1939م من اتّباع خطوات اكتشاف الكيمياء العلمي الذي تَمَّ على يدي العالمين الفرنسيين آيرين كيري Irene Joliot-Curie وبافل سافك Pavle Savic عام 1938م المتضمن اعتبار العناصر الواقعة ما وراء اليورانيوم والعناصر الأخرى الواقعة في منتصف الجدول الدوري ما هي إلا نظائر إشعاعية Radioisotopes للباريوم Barium واللثيوم Lanthanum. (4)
ومهما يكن نوع الاكتشاف وأهميته لعام 1939م الذي تَمَّ على يدي هاهن وستراسمان، فَقَدْ سبقهما العالم الألماني الكيميائي والتر نودك Walter Noddack في الاكتشاف عام 1934م حين قال :
"أن العناصر الخفيفة يمكن تحريرها بواسطة قصف الذرات الثقيلة بعدد من النيترونات".
لكن نودك لم يعطي أهميةً وتركيزاً لما قال، فحسب قوله أنَّه ورث هذه المعلومة من أحد العلماء الفيزيائيين دون أن يذكر أسمه. إضافة لعدم إعطائه أيّ حجة علمية كيميائية واضحة لما قال. لذا فَقَدْ تصدر هذا المجال العلمي عام 1939م كُلّ من فيتنر وفرسج الألمانيين اللذان عززا معلوماتهما النظرية الخاصة بالانشطار النووي الباعث للطاقة الكبيرة، بشرح مفصل ودقيق تمكن علماء العالم من التأكد من نظريتهما من خلال تطبيقهما بحوالي أثني عشر مختبراً فيزيائياً في بلدان مختلفة. وبعد أقل من سنة من إعلانهما عن نتائجهما تمكنا من نشر ما يقارب المائة بحث علمي خاص بهذا المضمار. شَرَحا في تلك البحوث شَرْحاً مفصلاً للعناصر الأساسية للعملية النووية الانشطارية وتمكنا أَيضاً من خلال تلك البحوث التأكيد على المعلومات الخاصة بالطاقة المتولدة من العناصر الثقيلة، إضافة إِلى توسيع دائرة فهم هوية العناصر الكيميائية المنتجة من الانشطار الذريّ .
فالتحول السريع الذي طرأ في هذا المجال كان نابع من النتائج المذهلة التي حصل عليها العلماء من خلال استعمال اليورانيوم العادي مَعَ نيترونات بطيئة في عمليات الانشطار. وسرعان ما فسر العلماء أسباب تلك الظاهرة وأعزوها إِلى اليورانيوم 235 غير المخصب. ثُمّ عكف العلماء على دراسة نظائر اليورانيوم الأخرى وتوصلوا إِلى أن أكثر أنواع اليورانيوم خمولاً هو نوع اليورانيوم 238، حَيْثُ يمكن شطره مختبرياً ليولد طاقة هائلة بواسطة قصفه بنيترونات سريعة.
وَمَعَ منتصف عام 1939م تمكن في فرنسا كُلّ من فريدرك كيري (Fre'de'ric Joliot-Curie1900-1958) وهانس فن هلبن Hans Von Halban ولوا كوارسكي Lew Kowarski من اكتشاف حقيقة مهمة جداً كانت مفتاح بداية توليد الطاقة النووية وهي أن هناك عدد من النيترونات المتخلفة من عملية الانشطار الحاصلة لليورانيوم 235 يمكن استعملاها مراراً ومراراً لتوليد سلسلة من التفاعلات النووية ذات الطاقة الهائلة. ومن خلال تلك العملية تمكن فيرمي ومساعدوه من معرفة أن هناك طاقة هائلة متولدة من التفاعل يمكن السيطرة عليها، وبدأوا يعملون بهذا الاتجاه مُنْذُ عام 1939م حَتَّى تمكنوا من النجاح في الثاني من كانون الأول عام 1942م لبناء أول مفاعل نووي في العالم يتألف من صَفّ من اليورانيوم وكتل من الرصاص على شكل قوالب حَيْثُ بُنِيَ في موقع جامعة شيكاغو .
عدل سابقا من قبل ccc.1993 في الإثنين 17 مارس 2008 - 8:46 عدل 1 مرات
موضوع: رد: السياسة النووية الدولية وأثرها على منطقة الشرق الأوسط الأحد 16 مارس 2008 - 18:11
1.2 الخطوة الأولى لفرض القوة والخضوع
بدأت خطوط اللعبة للسيطرة على العالم مَعَ بداية آب عام 1939م حين تمكن العلماء الفرنسيون والألمان والبريطانيون من تحديد مسار كيفية توليد الطاقة الهائلة نووياً. وَقَدْ استغل هذا الإنجاز بعض العلماء اليهود الذين تابعوا بحفاوة كبيرة البحوث العلمية ونشاط المختبرات المتخصصة بالفيزياء النووية والنظائر الفلزّيّة الكيميائية. فَفِي الثاني من آب عام 1939م بدأ اليهودي الهنغاري ليو ساليزرد يعرب لمعارفه من العلماء الأمريكيين عن مخاوفه من امتلاك الألمان للقنبلة النووية. وذلك بعد أن تعثر عليهم الحصول على معلومات عن النشاط النووي للألمان. ولتعزيز قناعته اتصل بزميله اليهودي الهنغاري أدورد تيللر (Edward Teller 1905-1988) الذي كان قَدْ هاجر إِلى أمريكا عام 1935م وسافر مَعَاً إِلى نيويورك للقاء اليهودي الألماني ألبرت أنشتاين (Albert Einstein 1879-1955) وإقناعه بضرورة الكتابة إِلى الرئيس الأمريكي روزفلت Roosevelt وتحذيره من البرنامج النووي الألماني.
وتحت تأثير زميله إيجين وينجنر ( Eugene Wngner 1902-1995) وافق أنشتاين التوقيع على الرسالة الموجهة إِلى الرئيس الأمريكي والتي كانت معدة من قبل ساليزرد . تلك الرسالة التي غيرت مجرى السياسة الأمريكية ليست في تلك الحقبة وحسب، بل مازالت تسير على خطى من رسمها وليومنا هذا. فَقَدْ جاء في بعض من نص الرسالة التي وقعها الألماني اليهودي أنشتاين وأعدها اليهودي ساليزرد ما يلي :
"إن عنصر اليورانيوم من المحتمل إن يكون مصدراً جديداً لإنتاج الطاقة في المستقبل القريب جداً. ومن المؤكد أن الحالة الجديدة ومظاهرها تحتاج إِلى مراقبة وسيطرة إذا كان ذلك ضرورياً. وأنا اعتقد من موقع الواجب والمسؤولية أن أُنبه سيادتكم إِلى جملة من الحقائق والإرشادات"
من هنا نرى إن ساليزرد ومَن لَفّ حوله بدأ بصورة أساسية بتحديد موقف من إنتاج اليورانيوم وكيفية برمجته مستقبلاً للحيلولة دون تفرد مَن لا ترغب به اليهودية العالمية بهذا العنصر الجديد، الذي كما سنرى كيف غير مجرى الأحداث العالمية. وأصبح في موقع يسدي النصائح إِلى الرئيس الأمريكي بالاتجاه الذي تراه اليهودية العالمية مهما لمستقبلها في السيطرة على العالم أجمع. فنراه ومُنْذُ اللحظة الأولى يؤكد على واجبه في تنبيه الرئيس الأمريكي وتوجيهه للحقائق التي وردت في رسالته والتي تنص على ما يلي:
"في الأشهر الأربعة الماضية ومن خلال العمل الذي قام به العالم الفرنسي جوليوت بالإضافة إِلى عمل فرمي وساليزرد في الولايات المتحدة الأمريكية تبين أنَّه من المحتمل إنتاج سلسلة من التفاعلات الإشعاعية بكمية هائلة جداً باستعمال اليورانيوم".
ويبدو أنَّه لم يتمكن من إغفال النتائج التي تمكن المختبر الفرنسي للتوصل إليها والتي جربت فقط في الولايات المتحدة الأمريكية بعد أن هُرَّبت المعلومات من فرنسا وألمانية، ليضفي إِلى وقائعه نوع من الصدق والصراحة المبطنين. وَمَعَ الحديث العلمي المشوق الذي يبدو في بداية أمره سلمياً لِكُلِّ من يقرأ تلك الرسالة، نرى ساليزرد لم يتمكن من كتمان مأربه إِلى النهاية. فلذا مَعَ النصف التالي من الرسالة بدا يتحدث بجدية عن السلاح النووي دون مقدمة تذكر. ومُحذراً من القوة الألمانية أو غيرها في امتلاك السيطرة على بقاع العالم. وهو ما يعني فِقْدان اليهود موقعهم عالمياً بعد أن عرف هتلر بتهريب المعلومات العسكرية للحلفاء على أيديهم. فَفِي رسالته إِلى الرئيس الأمريكي يستمرّ ليقول فيها:
"أن هذه الظاهرة الجديدة لابُدَ من أن تؤدي إِلى إنتاج قنبلة تحمل في بواعثها قوة تفجيرية هائلة. فقنبلة واحدة من هذا النوع محمولة بقارب وتنفجر في ميناء ممكن أن تؤدي إِلى تدميره بالكامل مَعَ ما يحيط به من مناطق أخرى ومحتوياتها. على أية حال إن مثل هذه القنبلة قَدْ يكون مثبتاً علمياً أنها ثقيلة لحملها جوا".
ولعل هذا المقطع من الرسالة ذُو أهمية قصوى إذ لم يكتفي في شرح أهمية إنتاج القنبلة الذرية ولكن تابع شرح القوة التدميرية لها ولو بأداة نقل بسيطة. وهو ما يجعل من اعتاد على الأسلحة التقليدية يفكر مليّاً لمعرفة سرّ العنصر المكتشف الجديد والذي ما لا شكّ فيه كما جاء في الرسالة سوف يقلب موازين القوة في أرض المعركة على أقل تقدير. وَمَعَ إعطائه فكرة كيفية حمل السلاح الجديد وتفجيره إلا أنَّه لم يغفل بذكاء قَدْ يجمع بُعد الحالة الهستيرية التخريبية وحب السيطرة ونصاعة التفكير العلمي في شرح الأمور المتعلقة بإنتاج مثل هذا السلاح ليبقى فعالاً. لذا لم يغفل ذكر ثقل هذه القنبلة عند حملها جوّاً ليجعل الرئيس الأمريكي يعيش في تصوراته في كيفية إتمام مهمة امتلاك مثل هكذا سلاح إذ ما اقتنع بما أورده ساليزرد. ولعل الأكثر أهمية في الرسالة المبعوثة للرئيس الأمريكي هو نصفها الأخير الذي يبين فيها إن مثل هذا السلاح سوف لا يكون بيد الولايات المتحدة الأمريكية أن لم تكن قَدْ تمكنت من السيطرة على مناجم اليورانيوم. إذ يستطرد أنشتاين ليقول:
"الولايات المتحدة الأمريكية تمتلك منجم فقير لليورانيوم وبه كميات معتدلة. إلا أن هناك مناجم لليورانيوم في كندا وجيكسلوفاكيا. علاوة على أن أهم مصدر لليورانيوم هو الكونجو البلجيكية."
هذا النص من الرسالة يعتبر الأهم في عملية التخطيط لخريطة العالم الجديد في حينه. إذ لابُدَ من خلال وجود مناجم اليورانيوم إن تحدد مصالح الدول وتعهداتها مَعَ الآخرين. وهمّنا نرى في الرسالة إن كاتبها أراد الولايات المتحدة الأمريكية إن تأخذ دوراً مؤثراً وسريعاً للانقضاض على من يحتل تلك البقاع والسيطرة عليها مهما كلف الأمر. وذلك لحصر عملية إنتاج اليورانيوم والحصول عليها بإمرة الولايات المتحدة الأمريكية والتي بدون شكّ سوف لا يمكن لغيرها من إنتاج السلاح النووي الرهيب مستقبلاً ويبقى تحت شارة الولايات المتحدة الأمريكية فقط. وعليه فبعد أن حدد الأسس الرئيسية لأهمية اليورانيوم ونتائجه وعلاقته بإنتاج الطاقة والسلاح المؤثر الجديد وضرورة استغلال مناجم إنتاج اليورانيوم فَقَدْ راح فوراً في الأخر يضع اعتباراته وضروراته كالأتي:
"عند دراسة وملاحظة الموقف الحالي يجب أن تفكر بشخص مرغوب فيه أن يكون وسيط بصورة دائمية ما بين الإدارة الأمريكية والفيزيائيين العاملين في الحقل النووي في الولايات المتحدة الأمريكية. وهناك احتمال لواحد إن يصل لذلك، وهنا يجب أن تنيط العمل بشخص تثق به ثقة تامة ويمكن أن يعمل بصورة غير رسمية بهذا المضمار. على أن يتلخص عمله بما يلي:
1. يمكنه الوصول إِلى جميع أقسام الدولة الأمريكية المهمة ويعلمهم بالتطور الحاصل في المجال النووي ويعطيهم الإرشادات الضرورية لكي تتخذ الدولة قراراتها وتحذيراتها المتعلقة بمشاكل توفير اليورانيوم للولايات المتحدة الأمريكية.
2. العمل على تسريع العمل المختبري والذي في الوقت الحالي لا يتعدى بما يتلاءم مَعَ ميزانية المختبرات العلمية للجامعات الأمريكية. وذلك من خلال تهيئة المنح المطلوبة لإنجاز مثل هذا العمل والتي لابُدَ أن تكون من خلاله ومن الشخصيات والمؤسسات التي ترغب في المشاركة مالياً أو المساهمة صناعياً من خلال توفير الأجهزة اللازمة لذلك.
تمكن ساليزرد بهاتين النقطتين من تحديد أهمية التعاون مَعَهُ ومجموعته في هذا المضمار لكونه ومن يعمل مَعَهُ أكثر خبرة في هذه الناحية من غيرهم وكونهم أول من أخبر الرئيس الأمريكي بذلك. ولعل مثل هذا الموضوع جعل الإدارة الأمريكية في يَدّ هؤلاء العلماء الذين يرومون مأرب أخر غير مأرب علو وسيطرة الولايات المتحدة الأمريكية. وذلك من خلال تأكيدهم على حصر الأموال المستثمرة والأجهزة والعمل والعلاقة مَعَ الدولة بصورة سرية بمجموعة صغيرة ومحدودة جداً. ولتفعيل كُلّ ما قيل في الرسالة ولوضع الرئيس الأمريكي أمام مسألة لابُدَ من أن يتخذ في مجالها قراراً. وبالتالي فَقَدْ أنهى ساليزرد رسالته التاريخية إِلى الرئيس الأمريكي بما ترومه ألمانية وما توصلت إليه بقوله:
"لَقَدْ علِمت إن ألمانية قَدْ توقفت عن بيع اليورانيوم من مناجم جيكسلوفاكيا التي احتلتها توا. وهذا القرار المتخذ من قبل ألمانية حديثاً من المحتمل قَدْ اتخذ بعد أن أعلم مركز كاسير ويلهام في برلين وزير خارجية ألمانية بأن الأمريكيين قَدْ بدأوا أعمالهم العلمية على اليورانيوم."
ختاماً، كان جوهر الرسالة تعميق الخلاف ما بين الولايات المتحدة الأمريكية وألمانية تحت ظروف ضرورة امتلاك اليورانيوم لبسط النفوذ. إذ من خلال تلك الرسالة يتضح أن من كتبها ووقعها ومن ساهم في ذلك كانوا يبحثون عن ترتيب خريطة العالم بصورة جوهرية لمستقبل قَدْ يطول ليس عشرات السنين بل لقرون كثيرة. وَقَدْ يرى البحث أن السلاح النووي ومؤثراته الاستراتيجية قَدْ أخذت أبعادها ليس مَعَ إنتاج القنبلة الذرية، بل بعد أن تبين أهمية اليورانيوم وكيفية استعماله لتوليد الطاقة ومن ثُمّ القنبلة الذرية. وعليه فلا يمكن أن يغفل التاريخ فحوى الرسالة ومعانيها التي أعدها ساليزرد ووقعها أنشتاين وشارك فيها كثيرون من الجالية اليهودية المتواجدة في أوربا والولايات المتحدة الأمريكية. ولربما حسب اعتقادنا أن التزام الولايات المتحدة الأمريكية وبريطانيا في قيام الكيان الصهيوني وبقاءه وحمايته يكون نابعاً من العلاقة النووية المصيرية ومن خلال الالتزامات السرية التي ربما أقرتها الولايات المتحدة الأمريكية وبريطانيا لليهود إذا ما أنجز هذا المشروع.
لم يجب الرئيس الأمريكي فوراً على الرسالة الموقعة من أنشتاين، بل يبدو أنَّه فضَلَ البحث والتروي لكي يصل إِلى فحواها ومدى صحتها. كما يبدو أنَّه كان فَرِحاً جداً على ما جاء فيها من نصائح وإرشادات ليست متداولة من قبل. فأجاب روزفلت في رسالته بتاريخ 19 تشرين الأول عام 1939 بما يلي :
"عزيزي البروفيسور: أريد أن أشكرك على رسالتك المؤخرة وما حوتها من معلومات مهمة وقيمة. لَقَدْ وجدت المعلومات هذه مهمة جداً وأنا عقدت اجتماعاً ضَمّ رؤساء مكاتب الرئاسة ممثل عن الجيش وممثل عن البحرية للتحقق من مسألة اليورانيوم الذي ذكرتموه في رسالتكم. أنني فرح جداً لأعلمكم أن الدكتور ساجز سوف يقوم بالتعاون مَعَ المجموعة المنتخبة للتحري عن اليورانيوم وأنني لأشعر إن هذا الموضوع عملي ومؤثر للناحية التي نتعامل معها. رجاء تقبل مني صادق شكري".
يبدو أن هذا الرسالة قَدْ أثلجت صدور من خططوا لها، خصوصاً بعد أن انتخب ساجز (Sachs 1911-1988) اليهودي الهولندي للمشاركة بهذه المهمة. إذ من خلاله يمكنهم التعرف على مجريات الأمور بعد أن وجهه لهذا الأمر ساليزرد وأنشتاين وفرمي .
عدل سابقا من قبل ccc.1993 في الإثنين 17 مارس 2008 - 8:44 عدل 2 مرات
موضوع: رد: السياسة النووية الدولية وأثرها على منطقة الشرق الأوسط الأحد 16 مارس 2008 - 18:12
الاكتشاف النووي والحرب العالمية الثانية
كما بينا مسبقاً أنَّه مَعَ بداية الثلاثينات وحَتَّى قيام الحرب العالمية الثانية كانت الجهود العلمية البريطانية والأمريكية موجهة للبحث في كيفية استخلاص الطاقة النووية واستعمالها للأغراض السلمية كبديل عن النفط على الأقل في بعض المجالات الخدمية اليومية، كتوليد الطاقة الكهربائية وتحلية المياه. إلا أن هذه السياسة اختلفت تَماماً حين اندلعت الحرب العالمية الثانية. وَقَدْ ساعد على ذلك الاكتشاف المبكر لقابلية اليورانيوم المخصب الذي ساعد على تغيير اتجاه البحوث العلمية نحو الاستعمال العسكري، لسهولة توليد الطاقة النووية الكامنة الهائلة من خلال استعماله في حقل التجارب بدلاً من استخراج كوامن الذرات العادية. فَقَدْ أقدمت حكومة الحرب البريطانية عام 1940م بتعيين السير جورج ثومسن Sir George Thomson رئيساً لهيئة البحوث النووية، موعزة لهذه المؤسسة بضرورة دراسة الجوانب الخاصة باحتمال صناعة قنبلة نووية. كما تَمَّ في نفس الوقت وبالاتفاق مَعَ بريطانيا على تأسيس هيئة نووية مماثلة في الولايات المتحدة الأمريكية للقيام بنفس الغرض. تعهدت فيه بريطانيا بتزويد الأمريكان باليورانيوم المخصب المتوفر بكثرة في مستعمراتها مقابل أن يقوم الخبراء الأمريكان بإبلاغ بريطانيا بما يتوصل إليه خبراؤها من نتائج علمية باتجاه صنع القنبلة الذرية أولاً بأول .
وبالاستناد إِلى الاتفاق البريطاني الأمريكي، أقدم الرئيس الأمريكي روزفلت على تعيين لجنة سرية خاصة مهمتها البحث في كيفية إنتاج السلاح الذريّ. وبعد دراسة مستفيضة لِكُلِّ الجوانب الإدارية والعلمية والمالية وكيفية توفير اليورانيوم لهذا المنتج الجديد تمكنت اللجنة من إخبار الرئيس الأمريكي في السابع من يوليو/ تموز عام 1941م بإمكانية بناء مفاعل نووي خلال سنة ونصف تحديداً. أما القنبلة الذرية فلا يمكن أن تكون حقيقة قبل أربعة أعوام من الآن . ومن خلال تلك الحقائق التي أُعلم بها الرئيس الأمريكي اتصلت اللجنة التي أعطاها الرئيس الأمريكية شرعية صناعة القنبلة الذرية بالعلماء البريطانيين والعلماء الغربيين اللاجئين إِلى الولايات المتحدة الأمريكية والذين جلهم من اليهود الألمان. وذلك بغرض التعجيل في إنتاجها من خلال نتائج بحوث العلماء بهذا الشأن.
إن الاتفاق المبدئي بين بريطانيا والولايات المتحدة الأمريكية الخاص بضرورة التعاون في مجال البحث النووي، جعل من الاجتماعات العلمية تتوالى. بحيث كان يتبادل فيها الطرفان ما توصلا إليه من نتائج متعلقة بضرورة إنتاج أول قنبلة ذرية وماهية الآلة العسكرية المحتملة للقيام بتلك المهمة النووية المدمرة. إذ كان أول نتاج هيئة البحوث النووية البريطانية أن قدمت تقريرها وتوصياتها بخصوص القنبلة الذرية للحكومة الأمريكية في الرابع عشر من أكتوبر عام 1941م والذي جاء فيه ما يلي :
1. إن إنتاج القنبلة الذرية باستعمال اليورانيوم تعتبر عملية ناجحة، كما أن العمل لصنع آلة حربية لنقلها شيء من المحتمل تحقيقه أَيضاً ولكن خلال فترة زمنية ليست بالبسيطة.
2. نوصي أن يكون العمل في هذا الجانب ذُو أهمية قصوى مقارنة مَعَ المهام الأخرى. كما يجب أن يتوفر مثل هذا السلاح بسرعة قصوى وبوقت قصير جداً من خلال مضاعفة الجهود العلمية.
3. التعاون الحالي ما بين الولايات المتحدة الأمريكية والمملكة المتحدة يجب أن يستمرّ ويتطور خصوصاً في الجوانب العملية والتطبيقية النووية.
وبناءاً على تلك المعلومات قرر الرئيس الأمريكي في السادس من ديسمبر/كانون الأول عام 1941م إعلان رغبة الولايات المتحدة الأمريكية بالعمل على إنتاج القنبلة الذرية وبالتعاون مَعَ المملكة المتحدة بكل الجوانب التي تؤدي إِلى صنعها.
ونظراً للهزائم المنكرة التي منية بها المملكة المتحدة على يدّ القوات الألمانية وعلى كافة الجبهات تقريباً وتعسر المضي قدماً بالبحث النووي وعدم التوصل إِلى أية نتائج مرضية، قررت حكومة الإتلاف البريطاني المتمثلة بـ: ونستن تشرشل Winston Churchill وكليمنت أتلي Clement Attlee على ضرورة أيجاد صيغة اتفاق مَعَ الولايات المتحدة الأمريكية تضمن فيها بريطانيا المشاركة في ثمرة الاكتشاف النووي. وعليه فَقَدْ وقَّعَ في مدينة كيوبك Quebec الكندية عام 1943م كلا من ونستن تشرشل رئيس الوزراء البريطاني والرئيس الأمريكي فرانكلن روزفلت Franklin D. Roosevelt اتفاقاً نص على ما يلي :
1. نظراً لبعد الولايات المتحدة الأمريكية عن منطقة الحرب وتوفر المصادر البشرية والعلمية لاستمرار البحث فَقَدْ تقرر قيام الولايات المتحدة الأمريكية بهذه المهمة لوحدها.
2. تتوقف المؤسسة النووية البريطانية عن العمل فوراً ويتم نقل الخبراء البريطانيين وبكامل معداتهم المختبرية للالتحاق بالمؤسسة النووية الأمريكية وإعطائهم دوراً كبيراً في العمل النووي.
3. تتعهد الولايات المتحدة الأمريكية بتزويد بريطانيا وبدون قيود بكافة المعلومات العلمية والصناعية والتكنولوجية والطرق الهندسية المتعلقة ببناء وعمل المفاعل النووي.
4. في حالة إنتاج السلاح النووي واستعماله خلال الحرب تعتبر بريطانيا مساهماً في إنتاجه واستعماله.
بعد هذا الاتفاق التاريخي وما سبقها من اتفاقات نووية عام 1941م وعام 1942م والتي معظمها وقعت في الهايد بارك ما بين تشرشل وروزفلت بدأ العدّ التنازلي لصنع أول قنبلة ذرية تمكن الأمريكان من خلالها إخراس اليابان وإنهاء أسطورة الإصرار الياباني على الانتصار. فَفِي السادس عشر من تموز عام 1945م قام الرئيس الأمريكي هاري ترومان Harry S. Truman أثناء وجوده في مدينة بوتسدام الألمانية Potsdam بأخبار كُلّ من جوزيف ستالين وونستون تشرشل وأتلي (بصفته نائب رئيس الوزراء في حكومة الإتلاف البريطانية والذي تسلم منصب رئيس الوزراء بعد هذا الإعلام بعشرة أيام) نجاح صنع أول قنبلة ذرية في لوس ألمس Los Alamos). حَيْثُ تَمَّ تدشين نتاج هذا السلاح المدمر بإلقائه من الجو على مدينتي هيروشيما ونجازاكي اليابانيتين في السادس والثامن من آب عام 1945م على التوالي. وهنا لابُدَ إن نشير إِلى أنَّه على الرغم من معارضة ستالين وترومان لهذا القرار إيماناً منهما بان الحرب قَدْ انتهت لصالحهم ولا داعي لأحداث كارثة لا تعرف عقبها، فَقَدْ أصر رئيس الوزراء البريطاني أتلي على استعمال هذا السلاح، وبالتحديد على اليابان. لبعدها الجغرافي عن المنطقة الأوربية والمناطق النفطية المستغلة من قبل الحلفاء والولايات المتحدة الأمريكية لا لتدمير المدينتين اليابانيتين فحسب، بل كتحذير مستقبلي لِكُلِّ القوى الدولية. متضمناً حيازة بريطانيا على هذا السلاح الفتاك مَعَ حليفتها الولايات المتحدة الأمريكية وإنهما لا يتوانى في استعماله دفاعاً عن المصالح الخاصة بدولتيهما في الحاضر والمستقبل .
عدل سابقا من قبل ccc.1993 في الإثنين 17 مارس 2008 - 8:57 عدل 1 مرات
موضوع: رد: السياسة النووية الدولية وأثرها على منطقة الشرق الأوسط الأحد 16 مارس 2008 - 18:12
1.4 انهيار التحالف النووي البريطاني الأمريكي
كان كُلّ من تشرشل وأتلي مقتنعين تَماماً بان لهم الحَقّ بمشاركة الولايات المتحدة الأمريكية بثمرة إنتاج القوة النووية استناداً إِلى المعاهدات المبرمة بين البلدين أثناء عملية البحث العلمي والتصنيع. وعلى هذا الأساس قام أتلي مباشرة بعد إلقاء القنبلة الذرية على هيروشيما بإطلاق الوثائق الخاصة بالاتفاق النووي بين بريطانيا والولايات المتحدة الأمريكية، إضافة إِلى محضر الجلسات المعقودة بين تشرشل وروزفلت والتي تنص على فعالية المساهمة البريطانية في إنتاج وتطوير وتصنيع هذا السلاح الفتاك وحقها في امتلاك السيطرة عليه . وهذا ما يجعلنا نستنتج أن حكومة الائتلاف البريطاني كانت تحاول بشتى الوسائل المتاحة إليها للسيطرة أو أن تكون طرف مسيطر على هذا السلاح الاستراتيجي خوفاً من انفراد الولايات المتحدة الأمريكية بتلك القوة التي تأهلها لقيادة القوة الدولية.
لم يكتفي أتلي بالإعلان الشعبي عن مساهمة بريطانيا الفعالة بإنتاج السلاح النووي بل راح أبعد من ذلك عندما قام في الثامن من آب عام 1945م (بعد يوم واحد من ضرب نجازاكي) بإرسال رسالة شخصية إِلى الرئيس الأمريكي ترومان موضحاً فيها ما يلي :
"بصفتنا نحن الاثنان كرؤساء لحكومتي بلدينا فَلابُدَّ لنا من السيطرة سيطرة مباشرة على السلاح النووي العظيم، فلذا فأنني أدعو سيادتكم وبدون تأخير أن نعلن مجتمعين عن امتلاكنا هذا السلاح العظيم ولنا الحَقّ في منع استعماله من قبل أية جهة أخرى حفظاً للصالح الدولي العام وتحقيقاً للسلام والعدالة في هذا العالم الحرّ".
لَقَدْ كان رَدّ ترومان مخيباً للآمال وذلك لعدم اعترافه بما أبرم بين بلاده وبين المملكة المتحدة، وهذا ما عبر عنه بقوله :
"بريطانيا ليست شريك وليس لها الحَقّ في السيطرة أو امتلاك هذه القوة الجبارة".
لَقَدْ كانت ردود فعل بريطانيا قوية وشرسة ضدّ الأمريكان على الرغم من معرفة قادتها بالانهيار المصاحب لهم من جراء الحرب العالمية الثانية وإن لا حول لهم ولا قوة للمطالبة بحَقّ امتلاك هذا السلاح الرهيب. الذي لابُدَ وإن يكون له دوراً كبيراً في السيطرة على العالم بأجمعه مستقبلاً أو على الأقل لتحكم بمعايير السلام والحرب من خلال التهديد به. فلذا قام بعض من أعضاء حكومة أتلي وجمع من الحاذقين في الصحافة البريطانية والأمريكية الموالين لبريطانيا بالتحذير من أمريكا وامتلاكها للسلاح النووي التي تروم استعماله باحتلال العالم وبالتالي ضرب مصالح الدول الأوربية. وهو ما سبب بالفعل أزمة كبيرة بين الولايات المتحدة الأمريكية وحلفائها الأوربيون والاتحاد السوفيتي . ولقد قامت قائمة الدول الأوربية والاتحاد السوفيتي حال نشر الصحف البريطانية وثائق تدين الحكومة الأمريكية وأطماعها لاحتلال مناطق العالم النفطية والمناطق الأخرى الغنية بالمواد الأولية، والتي تعتبر عموداً فقرياً للصناعة التي تطورت خلال الحرب العالمية الثانية. مما حدا بالحكومة الأمريكية استدعاء ونستن تشرشل للتباحث معها بصفته خير حليف لها ورجل السياسة البريطانية الذي وقع على المعاهدات الأمريكية البريطانية خلال فترة الحرب العالمية الثانية. وبعد الاجتماع غير الرسمي أعلن تشرشل مباشرة عن فرحه بامتلاك الولايات المتحدة الأمريكية للقنبلة الذرية وأكد على الاتفاق السري الذي وقعه مَعَ الرئيس الأمريكي روزفلت آنذاك بقوله :
"لَقَدْ اتفقنا في حينه على ضرورة عدم إشراك أية دولة في معرفة سرّ صنع القنبلة الذرية"
كما أكد على التزام أمريكا بحماية التحالف ومصالحهم في أية بقعة من العالم. وبذلك يكون تشرشل قَدْ تمكن من خلال تصريحه هذا أن يمتص النقمة الأوربية والروسية وبعض من القيادات السياسية البريطانية ضدّ الأمريكان لمعرفة الجميع بتأثيره على القيادات الأمريكية. حَيْثُ دخلت الولايات المتحدة الأمريكية بفضله الحرب ضدّ ألمانية وحلفائها والتزمت بتموين خطوط الحرب بالمؤن الحربية حَتَّى سقوط هتلر.
إن قناعة تشرشل قَدْ تتضمن ضرورة مشاركة بريطانيا في جني ثمار امتلاك السلاح النووي، فأدلى بذلك التصريح المبهم. والذي يحتمل عدة تفسيرات وتأويلات ليسدل الستار على ما افتعله غريمه العمالي أتلي إيماناً منه بأهمية مهادنة الولايات المتحدة الأمريكية والتعاون معها كحليف بديل عن الدول الأوربية التي أُرهق اقتصادها بسبب الحرب المدمرة، وهو ما دعا أتلي يتعامل مَعَ الموقف بصورة أكثر دبلوماسية مما كان يتعامل مَعَهُ في الأول.
عدل سابقا من قبل ccc.1993 في الإثنين 17 مارس 2008 - 9:03 عدل 1 مرات
موضوع: رد: السياسة النووية الدولية وأثرها على منطقة الشرق الأوسط الأحد 16 مارس 2008 - 18:14
الفصل الثاني
الحوار البريطاني الأمريكي
تمكن تشرشل من إقناع أتلي على ضرورة التفاوض مَعَ الولايات الأمريكية وبصورة هادئة للحصول على ما يسمى بـ: Know how (مهارة الاختراع) في صنع القنبلة الذرية. كما أكد تشرشل على ضرورة التحالف مَعَ الولايات المتحدة الأمريكية لحماية مصالح بريطانيا النفطية في منطقة الشرق الأوسط من التهديدات السوفيتية التي ظهرت كقوة عسكرية ومخابراتية هائلة مَعَ نهاية الحرب العالمية الثانية. معربا عن توقعه بإمكانية صناعة السلاح النووي في روسيا خلال السنوات الخمس القادمة دون الحاجة لمعرفة التفاصيل المؤدية لذلك. وهو مما قَدْ يسبب تهديداً لبريطانيا في الحفاظ على منطقة الخليج العربي الغنية بالبترول. الأمر الذي تطمح روسيا إليه ليس الآن فحسب، بل مُنْذُ أيام القياصرة. فتشرشل لم يكن متخوفاً فقط من القوة العسكرية السوفيتية الجديدة التي بنيت بواسطة المساعدات الأمريكية السخية أبان الحرب العالمية الثانية، بقدر ما كان متخوفاً من المَدّ الأيديولوجي الذي قَدْ يجعل مستعمراتهم غير هادئة. وذلك لتبني الاتحاد السوفيتي فكرة الدفاع عن حقوق الشعوب المستعمرة والمضطهدة في العالم.
فعندما شغل تشرشل منصب وزير المستعمرات البريطانية عانى الكثير من المدّ الشيوعي في الشرق الأوسط وخاصة في الشام ومصر حين كانت الدولة الشيوعية فتية وفي أول أيام بنائها. أما الآن وبعد أن أصبحت قوة عسكرية مهمة جعلت تشرشل يحذر أكثر، خوفاً من أن تتعدى حدودها حَتَّى تصل أعماق أوربا خصوصاً وإن للشيوعية خيوط سميكة في بريطانيا وبعض الدول الأوربية الحليفة. فلذا كان تشرشل يدعو أتلي للتعاون مَعَ الأمريكان لبناء سياج فكري (وليس سياج برلين الفاصل بين الألمانيتين والذي تَمَّ تدميره نهاية عام 1989م) يفصل بين تطلعات بريطانيا الاستعمارية وتطلعات الشيوعية السوفيتية الفكرية .
وفقاً لنصائح تشرشل التي تمّت دراستها بدقة من قبل رئيس الوزراء البريطاني ومساعديه، ونظراً لضرورة اتخاذ قرار عاجل بحقّ مستقبل السياسة النووية البريطانية، قام أتلي في الخامس والعشرين من أيلول عام 1945م بإرسال رسالة طويلة وصفت بأنها شخصية وسرية إِلى ترومان دعا فيها الحكومة الأمريكية للجلوس والتحاور ومناقشة الآراء. وعلى الرغم من صيغة الرسالة المؤدبة والرقيقة المرسلة للرئيس الأمريكي إلا أن رئيس الوزراء البريطاني لم ينسَ التأكيد على حقّ بريطانيا في المشاركة في امتلاك السلاح النووي وتحديد مسار السياسة العالمية بهذا الاتجاه . وردا على هذه الرسالة الشخصية البريطانية وبوساطة تشرشل تمّت دعوة أتلي للتفاوض مَعَ الرئيس الأمريكي في واشنطن.
سافر أتلي لواشنطن في التاسع من تشرين الأول عام 1945م مصطحباً مَعَهُ رئيس المستشارين في الحكومة البريطانية للشؤون النووية السير جون أندرسن Sir John Anderson. وفور وصولِهما إِلى واشنطن التقيا بالرئيس الأمريكي ترومان، حَيْثُ فوجئا بحضور رئيس الوزراء الكندي مكنزي كنك Mackenzie King. ويبدو أن وجود مكنزي أو بالأحرى الدولة الكندية قَدْ أخذ طريقه للتحالف مَعَ الولايات المتحدة الأمريكية دون الإفصاح عن ذلك، مُنْذُ أن ورد اسم كندا في رسالة أنشتاين للرئيس الأمريكي. إذ بين فيها كمية اليورانيوم المتواجد في كندا ومدى أهميته إذ ما أُريد إنتاج القنبلة النووية. كما يبدو أن رئيس الوزراء البريطاني وطاقمه المخابراتي لم يكن في آب عام 1943م بمستوى لاكتشاف ماهية إصرار الرئيس الأمريكي على عقد الاتفاق النووي بين الدولتين في كيوبك بكندا. ويبدو إن جهاز المخابرات البريطاني قَدْ اعتبرها مصادفة ليس إلا، دون البحث في أسبابها.
وفي هذا الاجتماع تَمَّ التركيز بصورة كبيرة على الرؤيا العالمية لدخول عصر القوة النووية كسلاح استراتيجي ومناقشة أهداف اتفاق مدينة كيوبك الكندية الموقع في الثامن من آب عام 1943م. وكنتيجة للاجتماع المذكور أعلاه عقد رؤساء الدول الثلاثة مؤتمراً صحفياً في الخامس عشر من تشرين الثاني عام 1945م والذي عرفت فيه الصحافة لأول مرة أن كندا كانت طرفاً مساهماً في إنتاج القنبلة الذرية وفق معاهدة عام 1943م. كما أُعلن من خلاله عن تأسيس منظمة دولية تابعة للأمم المتحدة متخصصة في النظر في كيفية السيطرة على الطاقة النووية في العالم لضمان عدم استعمالها إلا للأغراض السلمية فقط، ورفضت الدول الثلاث أَيضاً مبدأ إعادة بناء القوة العسكرية في العالم على أساس نووي. وفي نفس المؤتمر الصحفي أُعلن عن تخويل مستشاري الرؤساء الثلاثة بالتباحث مستقبلاً ووضع سبل التعاون بين تلك البلدان في إطار الإنتاج والسيطرة على الطاقة النووية وفق الاتفاق المبرم بينهم والذي سيوقع في السادس عشر من تشرين الثاني عام 1945م أيّ بعد المؤتمر الصحفي بيوم .
وبمجرد أن انتهى المؤتمر الصحفي الثلاثي، عاد أتلي مباشرة إِلى بريطانيا وهو متلهف لإعلام أعضاء حزبه عن الانتصار الذي حققه في لقائه الأخير مَعَ رئيس الولايات المتحدة الأمريكية ونظيره الكندي، وبات مطمئناً على مستعمرات بلاده من السيطرة الأمريكية إذ ما أرادت احتلالها بمجرد التلويح بسلاحها الرهيب. إضافة إِلى احتمال حصول بريطانيا على معلومات علمية تسهل على الباحثين الطريق في كيفية إنتاج الطاقة النووية دون البدء من الصفر وهو ما يكلف الإمبراطورية البريطانية الكثير من الوقت والمال .
عدل سابقا من قبل ccc.1993 في الإثنين 17 مارس 2008 - 9:10 عدل 1 مرات
موضوع: رد: السياسة النووية الدولية وأثرها على منطقة الشرق الأوسط الأحد 16 مارس 2008 - 18:15
الاتفاق النووي البريطاني - الأمريكي - الكندي
بعد هذا الاجتماع الموسع بين الدول الثلاثة حول التعاون في المجال النووي بصورة فعالة وكاملة تَمَّ الاتفاق على ما يلي :
1. أحياء اللجنة السياسية الموحدة The Combined Policy Committee لإنتاج السلاح النووي المنبثقة عن معاهدة عام 1943م والموقعة في مدينة كيوبك الكندية والتي كانت تَضُمّ ممثلين عن الولايات المتحدة الأمريكية والمملكة المتحدة وكندا. وجاء في نص أحيائها ما يلي: "قرر ممثلو الدول الثلاثة المجتمعين في واشنطن على أحياء هذه اللجنة التي تَضُمّ في عضويتها ممثلين عن بريطانيا وأمريكا وكندا والتي تنحصر أهم أعمالها بدراسة البرامج النووية المشتركة ومراجعة المشاريع النووية والمواد والأجهزة والأدوات التي تستعمل في هذا المجال كما تقوم بتحديد مواقع إنشاء المفاعل النووية، إضافة إِلى النظر والبت والإجابة على الأسئلة المتعلقة بالتفسيرات والتطبيقات لفقرات المعاهدات النووية المعقودة والتي قَدْ تعقد في المستقبل بين الدول المذكورة".
2. أحياء الأمانة الموحدة لتطوير البرامج النووية The Combined Development Trust المشكلة في واشنطن عام 1944م والتي تنحصر واجباتها بالإشراف على المشاريع النووية التابعة للجنة السياسية الموحدة. كما تقوم هذه الأمانة بمراقبة المواقع التي يتواجد فيها أو يتوقع اكتشاف المواد الأولية التي تدخل ضمن الإنتاج النووي في بقاع العالم الخارجة عن سيطرة الولايات المتحدة الأمريكية والمملكة المتحدة.
3. في حالة النية لعقد أيّ اتفاق مستقبلي جديد، تكلف الجنة السياسية الموحدة بدراسة الظروف ووضع البنود الأولية لهذا الاتفاق.
4. تتعهد الدول الثلاثة المعنية بالالتزام والتعاون الفعال في مجال البحث النووي العلمي وخاصة في مجالي التخطيط والتصميم والبناء وتشغيل أيّ مفاعل نووي.
واستناداً لما اتفق عليه رؤساء الدول الثلاثة فَقَدْ عقدت اللجنة السياسية النووية الموحدة أول اجتماعاتها الفاشلة في بداية كانون الأول عام 1945م بواشنطن لمناقشة بنود اتفاقية السادس عشر من تشرين الثاني عام 1945م. ويعود سبب فشل الاجتماع الأول وعدم التقدم خطوة واحدة فيه لعدم قناعة الولايات المتحدة الأمريكية من مشاركتها بمشاريعها النووية. إذ طلب الممثل الأمريكي من ممثلي بريطانيا وكندا بالتقيد بنص الفقرة 102 من ميثاق الأمم المتحدة والذي تنص على ضرورة تسجيل أيّ اتفاقية تعقد بين الولايات المتحدة الأمريكية وأيّ دولة أخرى لدى سكرتارية الأمم المتحدة ثُمّ الإفصاح عنها دولياً دون أية سرية. وهو ما فوجئ به البريطانيون والذي يعتقد قَدْ تَمَّ بالاتفاق مسبّقاً مَعَ كندا للحيلولة دون إعطاء بريطانيا أية فرصة للحصول على معلومات لها علاقة بالصناعة النووية وذلك لإبقاء هذه القوة بيد الأمريكان وحدهم. وما هو جلي وظاهر للعيان، إن كلا من الولايات المتحدة الأمريكية والمملكة المتحدة يضمر ما في قلب الأخر، فبريطانيا كانت تريد اتفاقها النووي مَعَ الأمريكان سرياً دون علم الدول الأوربية الأخرى. والسبب في ذلك يعود لكون بريطانيا قَدْ عقدت اتفاقاً سرياً مَعَ فرنسا وهولندا والبرتغال وأسبانيا قبل لقائها مَعَ كندا والولايات المتحدة الأمريكية نص على التزام بريطانيا بتزويدهم بالمعلومات العلمية التي تسهل عليهم دخول المجال النووي شرط التنازل عن بعض المستعمرات الواقعة في البحر الأحمر والمحيط الهندي باعتبارها خَطّاً دفاعياً للمستعمرات البريطانية في الخليج العربي وشبه القارة الهندية .
ورغم فشل الاجتماع الأول الذي ضَمّ بريطانيا وأمريكا وكندا، توالت الاجتماعات بينهم خلال كانون الأول عام 1945م بواشنطن دون حصول أيّ تقدم في المفاوضات أَيضاً. مما عثر مهمة اللجان المنبثقة عن المعاهدات السابقة نظراً لعدم وضوح السياسة الأمريكية في تنظيم السيطرة على القوة النووية وغموض معرفة مصدر القرار الأمريكي بهذا الشأن. والتي يعتقد إذا ما أخذنا بعين الاعتبار المراسلات السرية التي جرت بين العلماء والرئيس الأمريكي، إن لهؤلاء العلماء يدا طولى في تحديد امتلاك الأسلحة النووية وكيفية توجيهيها.
وبينما كانت الاجتماعات الفاشلة مازالت تجر أطراف الخيبة والانقسام، فوجئ البريطانيون في السابع والعشرين من كانون الأول عام 1945م بمناقشة الكونجرس الأمريكي اقتراح مكماهون McMahon الذي ينص على منع تبادل الخبرات والمعلومات في المجال النووي مَعَ أية دولة. وهذا ما سبب نكسة علمية كبيرة لبريطانيا، خاصة بعد ما استغنت الولايات المتحدة الأمريكية عن الخبرات العلمية البريطانية المساهمة في مجال التصنيع النووي، ذلك الاستغناء الذي وجه ضربة قوية قَدْ كادت أن تودي بالحياة السياسية لأتلي . ونتيجة لما ناقش وأقرّ الكونجرس الأمريكي، تعرض أتلي في الثلاثين من كانون الثاني عام 1946م للاستجواب في البرلمان البريطاني بخصوص مشروع التحالف النووي المنهار مَعَ الولايات المتحدة الأمريكية. مما اضطره أن يعلن من ذلك المكان عن فشل الاتفاق موعزاً سبب ذلك للتعنت الأمريكي ومعربا عن أسفه بعدم سماح الأمريكان للعلماء البريطانيين بزيارة الموقع الأمريكي لإنتاج البلوتونيوم (عنصر فلزّيّ شبيه باليورانيوم يستعمل في صناعة القنبلة الذرية) في هان فورد Hanford بواشنطن .
لم يقتنع أتلي بما حصل وراح متهجماً على السياسة الأمريكية واصفاً إياها بالمذنب المحتال وغير الملتزم بتعهداته تجاه بريطانيا. وراح معلناً بان الوقت بدا يجري بسرعة دون التوصل لِحَلّ يريح الأطراف المعنية وأنَّه سوف يمهل الأمريكيين حَتَّى ربيع عام 1946م لمراجعة سياستهم تجاه بريطانيا ووجوب بدأ التعاون معهم فوراً. وبعد فترة جداً وجيزة من الزمن أعلن بنبرته التي اكتنفها الخوف على مصالحهم في الشرق الأوسط من الأمريكان بان بريطانيا سوف تقوم بالعمل على صناعة وتطوير الطاقة النووية بالاعتماد على نفسها في حالة عدم استجابة الولايات المتحدة الأمريكية للتعاون معهم وتزويدهم بالمعلومات والإمكانيات التي ترى بريطانيا أن لها حَقّ فيها. كما أشار إِلى إمكانيات بلده العلمية بقوله :
"أن بريطانيا تمتلك كُلّ متطلبات العمل في المجال النووي التي تقودها للتصنيع وامتلاك الطاقة النووية بفترة قصيرة جداً".
ولقد كان هذا التصريح ذُو حدين أساسياً، الأول دفع العلماء البريطانيين في اتجاه العمل في الوصول إِلى إنتاج السلاح النووي. إما الاتجاه الثاني برأينا فَقَدْ كان سياسياً بحتاً إذ أراد منه من جانب يهدد الولايات المتحدة الأمريكية بمقدرته في صنع السلاح النووي، ومن جانب آخر طمأن حلفائه الأوربيين بمقدرة بريطانيا العلمية وأنَّه سوف يفي بتعهداته إليهم.
عدل سابقا من قبل ccc.1993 في الإثنين 17 مارس 2008 - 9:20 عدل 1 مرات
موضوع: رد: السياسة النووية الدولية وأثرها على منطقة الشرق الأوسط الأحد 16 مارس 2008 - 18:15
2.2 انهيار الاتفاق النووي البريطاني - الأمريكي - الكندي
تمكن أتلي الإفلات بذكاء من استجواب البرلمان البريطاني له بعد أن أخذ على عاتقه حَلّ المسألة النووية البريطانية أما بتعاون الأمريكان مَعَهُ نووياً في ربيع عام 1946م أو البدء بتصنيع الطاقة النووية بخالص القدرات العلمية البريطانية. ومن أجل إبداء حسن نيته وصدقه بما التزم به داخل قاعة البرلمان البريطاني، التقى على الفور بالسفير الأمريكي لدى بريطانيا دبليو أفيرل هاريمان W. Averell Harriman في الأول من نيسان عام 1946م وأبلغه رسالة شفوية إِلى الرئيس الأمريكي ترومان والتي جاء فيها (12,18):
"أن الحكومة البريطانية تؤمن بضرورة انفراد الولايات المتحدة الأمريكية في السيطرة على السلاح النووي لحين انتقال تلك المسؤولية إِلى الأمم المتحدة. وحفظاً على السلام العالمي من التدهور فأننا نرى من الضروري أن تقوم الولايات المتحدة الأمريكية بصناعة قنبلة ذرية للمملكة المتحدة أو إعطائها المعلومات التي تؤهل باحثيها للقيام بذلك خلال هذه الفترة الانتقالية".
ولم يكتفي أتلي بما أملى على السفير الأمريكي هاريمان فحسب، بل حذره من عواقب اعتماد الحكومة الأمريكية مقترح مكماهون، ومُؤكَّداً على حقّ بريطانيا في البدء ببرنامجها النووي في المجالين السلمي والحربي.
لم ينتظر رئيس وزراء بريطانيا الردّ الأمريكي طويلاً وراح بعد يوم من لقائه السفير الأمريكي لدى بريطانيا بتكليف سفير بلاده لدى واشنطن اللورد هاليفاكس Lord Halifax بتقديم طلب إِلى اللجنة السياسية النووية الموحدة التي ستعقد اجتماعها في الخامس عشر من نيسان عام 1946م بضرورة تزويده بالمعلومات المفصلة لبناء وتشغيل موقع لإنتاج الطاقة النووية. لكن هذا الطلب قَدْ جوبه بالرَدّ الحاسم الرافض من قبل الممثل الأمريكي في اللجنة ذاتها مما سبب أزمة كبيرة كادت أن تنهي نفاد المعاهدة بين البلدان الثلاثة لولا اقتراح الممثل الكندي بتحويل هذه المسألة الحرجة لرئيس الوزراء البريطاني والرئيس الأمريكي لاتخاذ قرار والبت فيها (21).
حين أخبر هاليفاكس أتلي بالرفض راح الأخير في اليوم التالي باعثاً برسالة شخصية مستعجلة إِلى ترومان أعرب فيها عن استيائه شخصياً من الرفض الأمريكي للطلب البريطاني. ومذكّراً باتفاقية السادس عشر من تشرين الثاني عام 1945م ومُؤكّداً على إن هذا الرفض يمثل إخلالاً بشروطها. ثُمّ أنهى رسالته بحث الرئيس الأمريكي على ضرورة اتخاذ موقف حازم بشأن رفض الطلب البريطاني. وَمَعَ التوتر البارز الذي أصاب أتلي كان هناك برود وتريث من الرئيس الأمريكي بالرَدّ عليه بغية التشاور مَعَ مساعديه بما يستوجب اتخاذه من خطوات قادمة بهذا الصدد. لكن تريث ترومان لم يدم طويلاً فَفِي العشرين من نيسان عام 1946م رَدّ على أتلي برسالة جافة للغاية خيبت الآمال البريطانية حَيْثُ جاء فيها (21):
"ليس هناك أيّ اتفاق مسبق في أية معاهدة وبضمنها معاهدة السادس عشر من تشرين الثاني عام 1945م تلزمنا إعطائكم ما طلبتموه من معلومات نووية وأنني استغل فرصة كتابتي هذه الرسالة لأنصحكم كحكومة بريطانيا، وليس كرئيس للوزراء، بضرورة عدم التورط في بناء أيّ موقع للإنتاج النووي، لأنه حسبما أبديتم من أراء أن مثل هذا العمل بما لا شكّ فيه سيؤثر في السيطرة على ديمومة السلام العالمي.".
كان رَدّ الرئيس الأمريكي صاعقاً وشديداً مما جعل رئيس وزراء بريطانيا يتباطأ بالرَدّ ويتحاور مَعَ مساعديه كي يجد صيغة مناسبة تجعله يخرج بسلام من هذا المطب الشائك مَعَ الحكومة الأمريكية. ولكن دون جدوى فبريطانيا لابُدَ من تصنيع القنبلة الذرية أجلاً أم عاجلاً، فلذا لم يجد بدا من الأمر لتخفيف الوطء الأمريكي أو بالأحرى شدة ترومان إلا بالتحاور مَعَ الرئيس الكندي مكنزي كنك، عله يعطي حَلاً مناسباً للطرفين، وَمَعَ هذا فلم يتمكن من التوصل إِلى شيء قَدْ يحفظ ماء وجهه بعد ما حدث.
وَمَعَ كُلّ هذا التأخير في الرَدّ على الرئيس الأمريكي بعث أتلي في السادس من حزيران عام 1946م برسالة إِلى ترومان وصفت بأنها طويلة مبنية على تحليل الموقف الأمريكي اللامنطقي (حسب تعبيره) المتضارب مَعَ نص بنود الاتفاقيات المبرمة. واختتم رسالته بدعوة الولايات المتحدة الأمريكية بفتح صفحة جديدة للتعاون مَعَ بريطانيا وكندا وفق المعاهدات السارية المفعول والتي بجمعها تنص على حَقّ كندا وبريطانيا بمشاركة الولايات المتحدة الأمريكية في السيطرة على المواد الأساسية المستعملة في إنتاج الطاقة النووية (18,21).
لم تكن رسالة أتلي الأخيرة قَدْ غيرت مجرى ما خطط له من قبل ساسة الولايات المتحدة الأمريكية فحسب، بل لم يكترث الرئيس الأمريكي بما جاء من حقائق برسالة رئيس الوزراء البريطاني وادعاءاته. وأهمل ترومان كُلّ تصريح أو رسالة صادرة من بريطانيا وراح معلن قراره بالتصديق على اقتراح مكماهون المقر بالكونجرس الأمريكي ليصبح قانوناً في الأول من آب عام 1946م. ومرسلاً بذلك إشارة إِلى الحكومة البريطانية وبصورة غير مباشرة مفهوم السيطرة على السلاح النووي سواء كان في التصنيع والتطوير أو المواد الداخلة في إنشائه، هو حقّ وطني أمريكي لا يمكن أن يمنح لأحد مهما كان ومنهيا بذلك جدلاً دام أكثر من سنة حول أهلية امتلاك بريطانيا للطاقة النووية (18).
وبهذا بات أمام بريطانيا خيار العمل على تصنيع السلاح النووي أَو الإعلان رسمياً عن عدم تمكنها علمياً ومادياً من القيام بتلك المهمة. وهو موضوع لا يمكن إن تتحمل العقول البريطانية فهمه أبداً. خصوصاً وإن بعضاً من علمائهم قَدْ شاركوا في بناء المشروع النووي بالإضافة إِلى تنازل بريطانيا عن مستعمراتها التي يتواجد فيها اليورانيوم لأمريكا. وذلك لجرها في الحرب العالمية الثانية لتكن مساهماً أساسياً وذو أثر فعال جداً كما يبين لنا تاريخ الحرب.
موضوع: رد: السياسة النووية الدولية وأثرها على منطقة الشرق الأوسط الأحد 16 مارس 2008 - 18:16
2.3 خفايا اللعبة الأمريكية مَعَ بريطانيا
من الأسباب التي كان يؤمن بها البريطانيون التي أدت إِلى عدم تعاون الولايات المتحدة الأمريكية معهم هي، عدم ثقة الأمريكان في فعالية الأمن الوطني البريطاني. وهو ما قَدْ يسبب تسرب المعلومات النووية إِلى بلدان أخرى تهابها الولايات المتحدة الأمريكية كالاتحاد السوفيتي وفرنسا . فجوهر السياسة النووية الأمريكية كان مبنيا على استعمال القوة النووية كسلاح للسيطرة على المناطق الحيوية في العالم وخاصة الغنية بالبترول والمواد الأولية المهمة للصناعة النشطة في الولايات المتحدة الأمريكية. وهذا ما أُرغمت عليه بريطانيا في أوائل عام 1944م عندما طلبت الحكومة الأمريكية من المملكة المتحدة التنازل عن معظم مستعمراتها القريبة من الولايات المتحدة الأمريكية أو التي في المحيط الأطلسي. وبالفعل قَدْ تنازلت بريطانيا عن الكثير من مستعمراتها للولايات المتحدة الأمريكية في تلك الفترة لعدم جدوى بقائها ما دامت لندن مهددة بالسقوط بيد هتلر إن لم تسعفها الولايات المتحدة وتحالفها لكي يقف بوجه الانهيار القادم من مأساة الحرب العالمية الثانية الضروس. خصوصاً بعد أن انهارت كُلّ الدول الأوربية المتحالفة معها ضدّ ألمانية .
فالمعاهدات البريطانية الأمريكية المعقودة الخاصة بالتعاون النووي كانت في نظر الساسة الأمريكان مبنية على أساس ما يسمى بالحاجة للمعرفة Need to know وليست على أساس ما يسمى بـ: Know how. وبناءاً على هذه الأطروحة ومُنْذُ اللحظات الأولى للاتفاقيات البريطانية الأمريكية أنيطت المهمة النووية بالأجهزة الأمنية التي كان يشرف عليها العميد العسكري الصارم المتحمس لحرمان المملكة المتحدة من أسس الإنتاج النووي الفتاك لزلي كروفز Lt. Col. Leslie R. Groves بصفته رئيساً لمشروع مانهاتن. فهذا الرجل الأمني الصارم المتخفي بزي مدني تمكن من استبعاد العلماء البريطانيين من المساهمة في تصنيع القنبلة الذرية، غير ملتزم بما تَمَّ من معاهدات بين البلدين. مما جعل العلماء البريطانيين غير عارفين بالعمليات التكنولوجية الهندسية الكيمياوية المؤدية لإنتاج اليورانيوم 235 والبلوتونيوم اللذان يدخلان ضمن آلية صناعة القنبلة الذرية مكتفين بالمعلومات النظرية العديمة الفائدة لنقصها أو كون بعض التطبيقات البدائية التي كانت تجرى في كندا لا تنفع لإنجاز مشروع كبير .
لم تتوقف سرية الأمر بالنسبة للولايات المتحدة الأمريكية عند تلك الحدود، بل في الخامس عشر من آب عام 1945م أيّ بعد خمسة أيام من تصريح رئيس الوزراء البريطاني الذي أشار فيه إِلى ضلوع ومساهمة بريطانيا بتصنيع القنبلة الذرية أيّ بعد يومين من استلام ترومان رسالة أتلي التي يدعو فيها الولايات المتحدة الأمريكية لتزويد بريطانيا بكامل المعلومات النووية وفقاً لمعاهدة عام 1943م، رأت الحكومة الأمريكية أن لا يعلن للعيان أيّ معلومة تتعلق بتطوير السلاح النووي باستثناء ما حدث لهيروشيما ونجازاكي. وإن لا يصرح للصحافة بأية معلومة نووية لها علاقة بالبدء بتطوير أي مشروع نووي مستقبلي دون استحصال موافقة الرئيس الأمريكي أولاً. وأصدر ترومان في السادس من أيلول عام 1945م قرار نص على ما يلي :
"إننا في رئاسة الولايات المتحدة الأمريكية قررنا أن يكون سرّ إنتاج السلاح النووي سرّاً باقياً معنا ما دمنا في منصب الرئاسة".
كان قرار الرئيس الأمريكي الأخير في الواقع نابع من تأثير رئيس المستشارين العلميين فانيفر بوش Vannevar Bush عليه. ولبوش خبرة طويلة في مجال العلوم المتعلقة بالأسلحة، فَقَدْ كان يشغل منصب رئيس قسم العلوم والبحث والتطوير في دائرة الحرب الأمريكية. وبحذلقته ودهائه الحاقد لبريطانيا تمكن من إقناع الرئيس الأمريكي ووزرائه ومستشاريه بضرورة إبقاء معلومات صناعة السلاح النووي سرية للغاية وعدم التفريط بها. ليتسنى للولايات المتحدة الأمريكية من أن تفرض سيطرتها على العالم بواسطة هذا السلاح الفتاك . ويبدو لنا من تلك المعلومات إن خبايا الصراع النووي أبعد من ذلك، إذ لابُدَ أن يكون هؤلاء الذين يبدون تأثيراً كبيراً على سياسة الدولة همُّ اتّباع بعض المؤسسات الخفية. تلك المؤسسات التي ربما شريك في إنتاج السلاح النووي لقيادة العالم.
على الرغم من القبضة المحكمة على المعلومات النووية التي نجح في وضعها في ملف النسيان فنيز بوش، كان ترومان متخوفاً من إمكانية بعض الدول من صنع هذا السلاح والدخول مَعَ الولايات المتحدة الأمريكية في منافسة للسيطرة على النفوذ. فلذا كان الرئيس الأمريكي يحاول اللعب بالوقت مَعَ بريطانيا من خلال إبرام المعاهدات وعدم تنفيذها، حَتَّى يتسنى له إجبار الأمم المتحدة على إصدار قرار تحرم فيه تصنيع الطاقة النووية وإعطاء الولايات المتحدة الأمريكية حَقّ مراقبة تنفيذ القرار. لكن وعي بريطانيا وتقنصها لما يضمره لها الحليف كان أقوى من أن يصدر مثل هذا القرار ومن تلك الهيئة الدولية العليا بالذات .
لَقَدْ أثبت التاريخ النووي الدولي في يومنا هذا مدى قدرة الساسة البريطانيين على التكهن لما سوف يصدر من الحليف العدو. وبالتالي كانت خطواته التفاوضية محسوبة بالوقت وكيفية تثبيتها رسمياً وإلزام الولايات المتحدة الأمريكية إما المثول إليها أَو عدم تمكنها من العمل على إشاعتها دولياً من خلال الأمم المتحدة. وبالتالي حَتَّى قرار مكماهون الذي تبناه ترومان شخصياً لم يكن دولياً قَدْ أثر بصورة أَو أُخرى على مسار الأمور المراد اتخاذها بحَقّ عدم السماح لأيّ طرف دولي من إنتاج السلاح النووي. ولعل ظروف الانتهاء من حرب ضروس كالحرب العالمية الثانية قَدْ ساعدت على عدم تمكن الولايات المتحدة الأمريكية من إجبار العالم الرسمي في القبول والتوقيع على مقرراته.
عدل سابقا من قبل ccc.1993 في الإثنين 17 مارس 2008 - 9:30 عدل 1 مرات
موضوع: رد: السياسة النووية الدولية وأثرها على منطقة الشرق الأوسط الأحد 16 مارس 2008 - 18:16
الفصل الثالث
الصناعة النووية البريطانية ونشاطها الدولي
يتضح مما تقدم أن الحكومة البريطانية كانت ألعوبة بيد القادة الأمريكان وأنها ذرفت الدموع للحصول على الخبرة النووية ليتسنى لها مشاركة الولايات المتحدة الأمريكية للسيطرة على العالم ومصادره الاقتصادية مستقبلاً، وذلك من خلال التحالف معها. كانت هذه الأُطروحة ظاهرة بالفعل في بنود المعاهدات والمراسلات المتبادلة بين الرئيس الأمريكي ورئيس الوزراء البريطاني في الفترة الواقعة ما بين عام 1942م ولغاية انهيار التحالف مَعَ الولايات المتحدة الأمريكية وكندا في الأول من آب عام 1946م، حين صادق الرئيس الأمريكي على مشروع مكماهون. المشروع الذي يحرم إعطاء أية معلومة نووية لأية دولة مهما كان نوع التحالف معها. ولكن هل يعقل أن السياسة البريطانية بهذا المستوى من الغباء القيادي؟ في الواقع لا بكل ما فيها من حرارة لغوية، إذ ما عرفنا اعتماد السياسة البريطانية ومُنْذُ انفتاحها على العالم ودخولها حروب المنافسة وبسط النفوذ، وهي تحاول أن تستنفذ كُلّ ما عند الحليف أو العدو دون إعطائه أية فرصة للاستفادة منها.
ولعلنا في بنود هذا الفصل سوف نحاول إزالة الحجاب عن تلك السياسة وملابساتها وما لها من تأثير في تغيير اتجاهات الولايات المتحدة الأمريكية الاستراتيجية.
في أوائل عام 1943م وخلال زهو توقيع الاتفاقيات النووية ما بين بريطانيا والولايات المتحدة الأمريكية، كانت الأولى تركز على جانب جمع المعلومات المتعلقة بالبحوث النووية ومراقبة الدول الأخرى العاملة في هذا المجال وبالأخص الولايات المتحدة الأمريكية وكندا والسويد وألمانية، وذلك لعلمها باهتمام هذه الدول في مجال تصنيع الطاقة النووية. حَيْثُ كان الهدف من ذلك معرفة مكامن الضعف والخطأ وليس جوهر الإنتاج النووي. إلا إن الأمر النووي بدا العمل بمتعلقاته علنيّاً ومباشرة بعد تدمير هيروشيما اليابانية، إذ أعلن أتلي رئيس الوزراء البريطاني في الخامس عشر من آب عام 1945م عن تأسيس لجنة مستشارين متخصصة بدراسة استخلاص الطاقة النووية.
رأس تلك اللجنة للمراقبة والإشراف على برامج الطاقة النووية في وزارة ونستن تشرشل في زمن الحرب العالمية الثانية السير جون أندرسن وضمت في عضويتها كُلّ من السير ألكساندر كادكون Sir Alexander Cadogan وفيلد مارشال Field Marshal والسير ألن بروك Sir Alan Brooke والسير ألن بارلو Sir Alan Barlow والسير أدورد أبلتن Sir Edward Appleton والسير هنري ديل Sir Henry Dale والبروفيسور بي أم إس بلاكتي Professor P. M. S. Blacett والسير جيمز جادوك Sir James Chadwick والسير جورج ثمسون Sir George Thomson. كانت هذه اللجنة بديلاً عن لجنة تيوب اللويز Tube Alloys Committee المنشئة أيام الحرب العالمية الثانية . ولم يمضي أكثر من أسبوع على تشكيل هذه اللجنة حَتَّى أصدر أتلي قراره باستئناف العمل بالبرنامج النووي البريطاني مُؤكِّداً على ضرورة السرية في العمل والاستفادة من المحطة النووية الكندية جولك رفر Chalk River الموجودة في أوتوا Ottawa في موضوع أجراء التجارب النووية والتي سبق وإن تدرب فيها النوويون البريطانيون أثناء فترة الحرب العالمية الثانية .
كان قرار أتلي الذي تضمن المباشرة بالعمل النووي البريطاني الصرف لم يكن ناتجاً من الغضب على ما فعلته الولايات المتحدة الأمريكية مَعَهُ، بل على ما كان مبنيا من نقاش مسبق دار بواشنطن في تشرين الثاني عام 1944 ما بين الحكومة البريطانية التي كان يرأسها ونستن تشرشل آنذاك والعلماء البريطانيين العاملين في الحقل النووي وهم كُلّ من جون كوكروفت John Cockcroft ومارك أولفينت Mark Oliphant وويلس أكرز Wallace Akers وجيمس جادوك James Chadwick ورودلف بيرلز Rudolf Peierls، إذ اشتكى هؤلاء العلماء من المضايقات الأمريكية لهم المتسمة بإبعادهم عن كُلّ ما له علاقة حساسة بالإنتاج النووي. ونصحوا تشرشل آنذاك بضرورة شروع بريطانيا في بناء مشاريعها النووية دون الاعتماد على الولايات المتحدة الأمريكية. إيماناً منهم بان تلك الدولة تنوي الانفراد في امتلاك هذا السلاح تحت مؤثرات العلماء اللاجئين إليها من أوربا وألمانية والذين جلهم من اليهود . ثُمّ استطرد هؤلاء العلماء مخبرين تشرشل بنوع المضايقات الأمنية التي يعانون منها وكيف يعمل لزلي كروفز لإبعادهم عن مواقع خزن المعلومات التي تؤدي إِلى الإنتاج النووي.
وَمَعَ إسهاب العلماء بطرح كُلّ شيء أمام تشرشل، كانت تقاسيم وجهه قبل فعله توحي بعدم نيته في الدخول بمعركة تعكر صفوة الأجواء مَعَ الأمريكان. إلا أن أتلي وبصفته نائب لرئيس الوزراء البريطاني آنذاك كان غير مطمئن لما يفعله الأمريكان فلذا قام مباشرة بدعم البرنامج النووي سياسياً واقتصادياً بعد استلامه منصب رئيس الوزراء في الحكومة الائتلافية .
عدل سابقا من قبل ccc.1993 في الإثنين 17 مارس 2008 - 9:39 عدل 1 مرات
موضوع: رد: السياسة النووية الدولية وأثرها على منطقة الشرق الأوسط الأحد 16 مارس 2008 - 18:17
3.1 المباشرة بالمشروع النووي البريطاني
لم يُعَدّ هناك أيّ منفذ أمام بريطانيا لمواجهة الضغوط الأمريكية بالكَفّ عن المطالبة بحقّها بامتلاك السلاح النووي إلا العمل بخفية تامة. فبعد عودة تشرشل من واشنطن بيومين اجتمع مَعَ أتلي وناقش مَعَهُ النوايا الأمريكية بهذا الخصوص. تلك النوايا التي تمكن تشرشل بهدوءه ودهائه من أن يعرفها خلال جلساته الثلاثة مَعَ ترومان والتي تضمنت عدم نية الولايات المتحدة الأمريكية مشاركة أية دولة أخرى بما لديها من سلاح نووي ونيتها، وهي الأكثر أهمية، بالعمل على منع أية دولة في المستقبل من امتلاك السلاح النووي أو مواده الأولية. وذلك لإجل إن تضمن بسط نفوذها بسهولة وفرض سيطرتها على العالم أجمع دون أية منافسة حَتَّى المنافسة البريطانية التي كانت عاجزة عن فعل أيّ شيء بنظر ترومان. فتصريح تشرشل بواشنطن كان هادئ ودبلوماسي، عَقّب على كُلّ شيء متعلق بالمسالة دون إثارة أية مشكلة. وأكدا على ضرورة التحالف مَعَ الولايات المتحدة الأمريكية التي سوف تتفرد بالقوة والسيطرة على العالم الكبير آجلاً أم عاجلاً . ولكن ما دار بين أتلي وتشرشل في اجتماعاتهم السرية بعد عودته من واشنطن كانت بعيدة كُلّ البعد عما صرح به تشرشل للصحافة.
فهو قَدْ حاول التركيز على بناء ضروريات إنجاح مساعي أتلي للحصول على السلاح النووي. وعليه فَقَدْ رسم الاثنان الخطوات الواجب تنفيذها للحفاظ على الإمبراطورية البريطانية من الهيمنة الأمريكية. وأكد تشرشل على أتلي وهو منصتاً، بضرورة التعجيل في تنفيذ المشروع النووي البريطاني بسرية تامة وإظهار حالة العجز من تنفيذه دون مساعدة الولايات المتحدة الأمريكية. كما أكد على ضرورة إبلاغ روسيا وفرنسا والبرتغال وأسبانيا بالنوايا الأمريكية وحثهم على القيام بتنفيذ برامجهم النووية. لكي لا تستحوذ الولايات المتحدة الأمريكية على مصادر الحياة في هذه الكرة الأرضية لوحدها. كما أكد تشرشل على ضرورة العمل بصورة مباشرة وعلى وجه السرعة على حماية مواقع الإمبراطورية البريطانية في الشرق الأوسط والخليج العربي خاصة حَتَّى ولو كلف الأمر إقامة حلف مَعَ روسيا ضدّ الولايات المتحدة الأمريكية. ثُمّ عرج على ضرورة دعم المؤسسات اليهودية العالمية المتواجدة داخل روسيا والولايات المتحدة الأمريكية فهم حسب تصوره الأدوات التي يمكن أن تُضرب بها تلك القوى الجبارة .
ما أن انفض الاجتماع حَتَّى حرص أتلي على تنفيذ كُلّ ما أملاه عليه عدوه المحافظ بالحرف الواحد وخاصة فيما يتعلق بحماية المصالح البريطانية في الخليج العربي والشرق الأوسط. عمل فوراً على ترصين العلاقة أكثر مَعَ المنظمات اليهودية الصهيونية المترامية في بقاع العالم . ومعطياً ضمانات لمؤسساتهم بالوقوف استراتيجياً في البحث عن دلائل إبادة الألمان لليهود خلال الحرب العالمية الثانية. ومُذكِّراً بالالتزامات بريطانيا لوعد بلفور وضرورة تفعيله بعد ما حدث لهم على يَدّ الألمان. وحسب ادعائه، لجعل هذا المبدأ حقيقة يجب أن تكون بريطانيا في موضع القوة لكي تتمكن من حماية التزاماتها لليهود في إقامة وطنهم القومي .
خلال الفترة التي تَمَّ بها تشكيل اللجنة النووية البريطانية وتعثر المباحثات فيما بين بريطانيا والولايات المتحدة الأمريكية وفق ما بدا من المراسلات المتبادلة ما بين أتلي وترومان، أعلنت الحكومة العمالية البريطانية في التاسع والعشرين من تشرين الأول عام 1945م للبرلمان أنها قررت البدء بالبحث العلمي والتطوير للبرنامج النووي. وإن أول مفاعل نووي بريطاني سينشأ في منطقة هارول Harwell. أعقب ذلك بثلاثة أيام الإعلان عن قرار الحكومة البريطانية برصد مبلغ مليون إسترليني للعمل في تنفيذ مشروع هارول الذي قدرت تكاليفه الإجمالية بـ: 500,000 مليون إسترليني خلال المرحلة الأولى من التنفيذ . ولم يدم طويلاً حَتَّى بوشر بالعمليات الفعلية التي تؤدي إِلى إنتاج البلوتونيوم. إذ في السابع من كانون الأول عام 1945م وبعد عودة أتلي من الولايات المتحدة الأمريكية يعتبر التاريخ الذي أعطى أتلي فيه الضوء الأخضر للبدء بتلك العمليات .
كانت نصائح تشرشل ترن بأذني أتلي في كُلّ خطوة يخطوها بالبرنامج النووي. وكان أتلي حريصاً على إبقاء البرنامج النووي وما يدور حوله من شكوك غامضة تكتنفه السرية التامة. خاصة بعد أن لَمَسَ بكل حَقّ مصداقية تشرشل وتوقعاته الصائبة لما قَدْ تصل إليه المباحثات الأمريكية البريطانية بهذا الشأن. وعليه فَقَدْ كان كُلّ ما يعرف من معلومات علنية عن البرنامج النووي البريطاني لا تتعدى عما يدور من أعمال في مختبرات جالك رفر الكندي. وَمَعَ تلك السرية في عمل أتلي إلا أنَّه لم يتأخر برفد مفاعله السري في هارول بالخبرات والأموال والأجهزة من خلال ميزانية الدولة التي لابُدَ أن تُقرّ بالبرلمان وتطلع عليها الأحزاب السياسية الأخرى. فَفِي الثلاثين من كانون الثاني عام 1946م استدعى البروفيسور كوكلروفت الذي يشغل منصب رئيس مختبرات مفاعل جالك رفر النووي بكندا بحجة عدم جدوى بقائه هناك وعينه رئيساً لمركز الأبحاث النووية في هارول بعد أن أخبر الولايات المتحدة الأمريكية بإحالته على التقاعد لكبر سنه .
كما استدعى اللورد الطيار المتقاعد بوترل Lord Portal الذي شغل منصب قائد القاعدة الجوية الملكية البريطانية في هينكرفورد Hungerford سابقاً وعينه رئيساً لمنظمة الطاقة النووية في هارول، مَعَ إعطائه صلاحية مطلقة لتوفيق سبل العمل ما بين المهندسين والعلماء النوويين وصلاحية اتخاذ القرار الخاص لإنجازه . وأحتفظ أتلي بصلاحية الإشراف الشامل والعام على القضايا النووية لنفسه إضافة إِلى وضيفته كرئيس للوزراء.
على الرغم من التكاليف الباهظة لمشروع هارول النووي وصعدت تكاليفه الإجمالية إِلى حوالي 2800,000 مليون إسترليني بعد أن كانت قبل الشروع بالعمل 500,000 مليون إسترليني ، فَقَدْ كان مشروعاً مخصصاً فقط لعمليات البحث والتطبيق العلمي النووي وليس للإنتاج. لكونه لا يرتقي في مكوناته التكنولوجية والإنشائية مستوى المواقع النووية الأمريكية المنتجة للطاقة النووية كالموجود في أوك ردج Oak Ridge وتنيسي Tennessee وهانفورد Hanford بواشنطن. ولكي تصل بريطانيا إِلى مستوى الإنتاج النووي فيما إذا نجحت بحوثها النووية التطبيقية في هارول فعليها أن تمتلك تصميم بنائي خاص بالمفاعلات النووية. ولأهمية الأمر فَقَدْ كلف أتلي مبكراً كرستوفر هنتن Christopher Hinton المهندس الخبير بشؤون البناء والذي شغل منصب مدير بناء المصانع الحربية في زمن الحرب، ليكون رئيساً للهيئة الصناعية الرئاسية العامة. ولم ينتظر هنتن كثيراً بل باشر فور استلامه السلطة الجديدة بإنشاء مركزاً نووياً متكاملاً وجاهزاً لإنتاج المواد الإشعاعية المخصبة في مدينة رايزلي Risley التابعة لمقاطعة لانكشاير (Lancashire
لم تكن طموحات هنتن قَدْ توقفت عند حدّ الإنشاء السريع للمواقع النووية فحسب، بل في خلال أقل من شهر اختار هو ومساعديه معملاً كيماوياً حربياً في منطقة سبرنك فيلد Springfield بمدينة برستون Preston التابعة لمقاطعة لانكشاير ليكون موقعاً لإنتاج اليورانيوم المخصب . وَمَعَ هذا الإنجاز الكبير السريع الذي حققه هنتن كان طموحه يكبر كثيراً يوماً بعد يوم ليملي جموح التفوق في نفسه.
فراح مُكَثفاً الجهود لبناء أكثر ما يمكن من المفاعل النووية في فترة زمنية قصيرة جداً وهو ما جعل بريطانيا مَعَ نهاية عام 1947م تمتلك إضافة إِلى ما ذكر أعلاه مفاعلاً نووياً في وندسكيل Windscale التابعة لمدينة كمبرلاند Cumberland وكالدر هول Calder Hall وديونري Dounreay. (2)
يبدو أن تعيين هنتن ذُو النشاط المتنامي بمثل هذا المنصب لم يكن مصادفة، بل نابعاً من ضرورة خلق كادر هندسي بريطاني قادر على التصميم النووي مما يسهل على اختصار الزمن لبناء مشروع صناعي ضخم. ولربما أكثر الكوادر خبرة في فترة ما بعد الحرب، خصوصاً وإن بريطانيا تعاني من تلك المشكلة لقلة خبرات مهندسيها في مضمار تشييد الأبنية الخاصة لنصب وتشغيل المفاعلات النووية. وذلك لاعتمادهم على أحلامهم الواهية المبنية على ما ستجود به الولايات المتحدة الأمريكية عليهم من خبرات هندسية نووية . وَمَعَ الإصرار العملي العلمي ذُو المجهود الكبير الذي بذله هنتن تمكنت بريطانيا من امتصاص الهزيمة غير المتوقعة الناتجة من توقيع ترومان على مشروع مكماهون النووي في بداية آب عام 1946م. وبدلاً من أن تتبع نفس الأسلوب المشين ذُو الطابع التهديدي مَعَ الولايات المتحدة الأمريكية راحت معلنة بما فوجئ به ترومان وهو "أن بريطانيا في موقع يمكنها من تنفيذ مشروعها النووي الشامل بدون الحاجة إِلى المساعدة الأمريكية". لا بل وصلت الثقة البريطانية في برنامجها النووي حدّ الإعلان في بداية نيسان عام 1947م توصية اللجنة الاستشارية العليا للطاقة النووية البريطانية المتضمنة تأكيد إنتاج البلوتونيوم في الشهور الثلاثة الأولى من عام 1952م، وهذا ما يعني الخطوة النهائية لامتلاك القنبلة الذرية .
مَعَ نهاية عام 1947م لم يكن هناك أدنى شكّ بطموحات رئيس الوزراء البريطاني سواء كانت السياسية منها أو العلمية في إصراره لامتلاك الطاقة النووية. وَقَدْ بدا ذلك واضحاً في خطابه أمام مجلس الدفاع البريطاني ومجلس الوزراء عندما أعلن عن عزمه وعزم العاملين على امتلاك القنبلة الذرية بأيّ شكل من الأشكال وإن لا يدع الولايات المتحدة الأمريكية تسيطر على العالم سياسياً وعسكرياً واقتصادياً . ولم يكن خطاب أتلي الأخير دون مناسبة تذكر، بل جاء متزامنا مَعَ حرص تشرشل على ضرورة أيجاد أحسن السبل لأخبار الشعب البريطاني عما كان تعمل الحكومة العمالية سرّاً لتصنيع القنبلة الذرية التي تجعلها تقف أمام المَدّ الأمريكي الجديد. وللسبب ذاته قَدْ اختير في اجتماعهم وزير الدفاع السير أيّ في ألكساندر Sir A. V. Alexander ليقوم بهذه المهمة . فَفِي الثاني عشر من أيار عام 1948م قام السير ألكساندر بالإجابة على الأسئلة المطروحة على حكومته حول ماهية التقدم الحاصل في بناء وتطوير الطاقة النووية بإعرابه عن نوايا حكومته في تطوير وصناعة كافة أنواع الأسلحة التي تحمل خصائص ذرية. وعلى الرغم من الخلاف والمنازعة العلنية والسرية المعروفة بين حزب العمال البريطاني والأحزاب البريطانية المعارضة الأخرى، فَقَدْ جوبه قرار الحزب العمالي بالتأييد الحار والشامل من كافة الفصائل السياسية والشعبية بصورة لم يكن يتوقعها أتلي .
عدل سابقا من قبل ccc.1993 في الإثنين 17 مارس 2008 - 9:55 عدل 1 مرات
موضوع: رد: السياسة النووية الدولية وأثرها على منطقة الشرق الأوسط الأحد 16 مارس 2008 - 18:17
3.2 النشاط البريطاني الدولي ضدّ أمريكا
لم تكتفي بريطانيا بإنشاء مفاعلها النووي وراحت تأجج حلفائها ضدّ الأمريكان. محذرة من خطورة انفراد الولايات المتحدة الأمريكية بامتلاك الطاقة النووية. ونتيجة للتحذير البريطاني وبتأييد مطلق منها أعلنت فرنسا في الرابع من تشرين الأول عام 1945م تأسيسها هيئة نووية عامة مرتبطة بمباشرة برئيس الدولة الفرنسية. كما قامت الحكومة الفرنسية وبمساعدة من بريطانيا أَيضاً بتعيين المناطق الغنية باليورانيوم في القارة الأفريقية التي كانت فرنسا تتمتع فيها بنفوذ منقطع النظير والعمل على ترتيب حمايتها ومنع أية يَدّ للوصول إليها (37). وبعد ثلاثة أيام من الإعلان الفرنسي، أعلنت السويد عن رغبتها بالتعاون مَعَ بريطانيا في مجال التصنيع النووي. أعقبتها بأيام معدودة كُلّ من البرتغال وأسبانيا وهولندا بالإعلان عن امتلاكهم اليورانيوم واستعدادهم للدخول مَعَ بريطانيا في معاهدة نووية. ثُمّ أعلنت بلجيكا في الأول من كانون الأول عن وجود مناجم غنية باليورانيوم في محافظة كاتانجا Katanga بالكونجو (والتي كانت آنذاك إحدى مستعمرات بريطانيا) (38).
وأعربت عن استعدادها التام لمساعدة التاج البريطاني في استثمار هذه المناجم التي مما لا شكّ فيه سوف تسهم في إنجاح مشروعها النووي المستقبلي (37). وكما هو روتيني ومتوقع، جوبه الإعلان الأوربي بالهجوم اللاذع من قبل الولايات المتحدة الأمريكية إذ وصفت إعلان الدول الأوربية بخطوة لبداية خراب العالم وتهديد السلام. وبينما الأمريكان يشجبون كانت بريطانيا تعرب عن امتنانها لحلفائها الأوربيين من جهة ومن جهة أخرى تراوغ الأمريكان بضرورة الدخول في حلف نووي واستراتيجي معها لإيقاف المَدّ النووي الأوربي الذي لابُدَ وإن يكون قوة نافذة في القريب العاجل (12).
وبين هذه وتلك تمكنت بريطانيا بقدرتها السياسية من تهييج الدول الأوربية المستعمرة لبقاع العالم، وبعثت النشاط فيهم للتنقيب عن مكامن اليورانيوم والحفاظ عليه من أيدي الأمريكيين التي طالت خلال الحرب العالمية الثانية حال دخولها كحليف لهم ضدّ الألمان. كما أنها باتت تحذر بحزم من مغبة السيطرة الأمريكية على هذه البقاع واستغلال خيراتها وخاصة البترولية منها بمجرد التهديد بالسلاح النووي إذا لم نقف بوجهها حسب تعبير الساسة البريطانيين حينذاك. مما جعل بريطانيا ونتيجة للمعاهدات التي أبرمت حديثاً مَعَ تلك الدول الأوربية، مركز كبير لجمع المعلومات عن النشاطات النووية العالمية ومصادر اليورانيوم باستثناء الولايات المتحدة الأمريكية والاتحاد السوفيتي وحلفائه الاشتراكيين الجدد (15).
عندما ضمنت بريطانيا موقف الدول الأوربية من البرنامج النووي الأمريكي، وبات وشيكاً أن تعاني الولايات المتحدة الأمريكية من شحت اليورانيوم المستخدم في تطوير وصناعة الطاقة النووية آجلاً أم عاجلاً، تفرغت لحصارها بواسطة الاتحاد السوفيتي وحلفائه الاشتراكيين. فدعا رئيس الوزراء البريطاني في الخامس من كانون الثاني عام 1946م سفير روسيا لدى بريطانيا وأبلغه رسالة شفهية إِلى ستالين مفادها أن الولايات المتحدة الأمريكية ستنفرد في السيطرة على العالم بامتلاكها السلاح النووي. وناشده التعاون لإنقاذ الموقف أما بالتعجيل بامتلاك الدولتين للسلاح النووي أو محاصرتها بعدم السماح لها بالحصول على اليورانيوم مُطلقاً (18). ثُمّ توالت الاجتماعات بين السفير الروسي ورئيس الوزراء البريطاني شخصياً دون أن تنتبه الصحافة العالمية لخبايا تلك الاجتماعات، حَتَّى ألقت السلطات الكندية القبض على الجاسوس الروسي جونزنكو Gouzenko في السابع عشر من شباط عام 1946م. إذ اعترف بتزويد الحكومة البريطانية وكالة المخابرات الروسية بكافة التفاصيل المتعلقة بالباحثين النوويين البريطانيين والأمريكيين والكنديين العاملين في المختبرات النووية.
ومما زاد الأمور تعقيداً وحراجة ما اعتراف به الباحث النووي البريطاني الأصل والأمريكي الجنسية ألن نين مي Alan Nunn May في الرابع والعشرين من مارس عام 1946م تسليمه وكالة المخابرات الروسية معلومات قيمة عن مشروع تطوير وإنتاج الطاقة النووية الأمريكية، وبطلب من وكالة المخابرات البريطانية. لكونه الوحيد من العلماء العاملين في هذا الحقل طيلة أيام الحرب العالمية الثانية ممن أرسلتهم الحكومة البريطانية للعمل مَعَ العلماء الأمريكان (30,31,32).
لم تكتفي بريطانيا بمساعدة الاتحاد السوفيتي في بناء برنامجه النووي بمنحه بعض المعلومات، بل ساهمت مساهمة فعالة في عملية بناء الجيش الروسي لكي تجعل منه أداة منافسة في منطقته للقوة الأمريكية. التي باتت تزداد يوماً بعد يوم، وكانت هذه المساعدات العسكرية أشدّها عام 1947م عندما أهدت بريطانيا للحكومة الروسية المئات من المحركات من نوع نين Nene. إذ استعملتها روسيا في بناء طائراتها المقاتلة التي أصبحت فيما بعد حاملة للسلاح النووي بعد تطوير قدراتها الهجومية (1).
لَقَدْ جنّت جنون ترومان دون أن يتمكن من اتّهام بريطانيا وفق إفادات الجواسيس وركز على ضرورة تقوية الجانب الأمني والارتقاء به إِلى أعلى المستويات دون السماح بتسرب أية معلومة نووية حَتَّى ولو كانت بسيطة إِلى أية جهة من الجهات. وهذا بالتأكيد ما دفعه للتصديق على قانون مكماهون الذي تأثرت منه بريطانيا تأثراً كبيراً وحرمها من الحصول على معلومات نووية وأجبرها للبدء من الصفر في مشروعها النووي (21). وعلى الرغم من التشديد والمراقبة الأمنية على المشاريع النووية الأمريكية، تمكنت روسيا من تجنيد كلايس فجز Klaus Fuchs لحسابها، تلك الشخصية المهمة التي كانت تعمل مديراً تنفيذياً لحفظ الوثائق النووية في الولايات المتحدة الأمريكية. ونجح بتزويد روسيا بكامل مخططاتها النووية بدءاً من عام 1946م حَتَّى تمكنت المخابرات الأمريكية من الظفر به نهاية عام 1949م (41).
وبفضل المخابرات الروسية وما قدمه جواسيسها من معلومات قيمة ومفيدة للغاية أُنقذت روسيا المفلسة من آلاف الملايين من الدولارات ومكنتها من أن تعلن في الثالث والعشرين من آب عام 1949م عن نجاحها في تصنيع وامتلاك القنبلة الذرية بزمن اعتبر قياسياً إذ ما قورن مَعَ الجهود الأمريكية والبريطانية النووية (42).
وبين المَدّ والجزر الحاصل ما بين بريطانيا وأمريكا جاء الإعلان الروسي مخيفاً ومفاجئاً للاثنين مَعَاً لإيمانهم بالاعتقاد السائد والمبني على المعلومات المتوفرة لهم من وكالتي مخابراتهما، اللتان تؤمنان بعدم إمكانية امتلاك الروس للقنبلة الذرية قبل عام 1953م، أيّ بعد سنة من احتمال امتلاك بريطانيا لها وفق التاريخ المحدد من قبل الخبراء النوويين البريطانيين. ولم يكن عدم الارتياح الأمريكي نابعاً من امتلاك الروس للقنبلة النووية فحسب، بل عدم الارتياح كان نابعاً من فشل أجهزة المخابرات الأمريكية من مراقبة المشروع النووي الروسي وحماية المعلومات النووية الأمريكية من التسرب أَيضاً. أما بالنسبة إِلى بريطانيا فإنّ عدم الارتياح كان نابعاً فقط من تمكن الروس من تصنيع وامتلاك القنبلة النووية قبلهم. وما عدا ذلك فهو كان من نتاج الجهود التي بذلتها بريطانيا لتحجيم الولايات المتحدة الأمريكية وإجبارها على التحالف والتعاون مَعَ بريطانيا في إنجاز برامجها الخاصة بالطاقة النووية وهذا ما حدث فعلاً وبصورة ملفتة للنظر مباشرة بعد الإعلان السوفيتي.
وبهذا الإعلان بدأ العالم باعتقادنا قَدْ دخل مرحلة جديدة من الصراع يختلف في كنفه عن الصراعات التقليدية التي عاصرها التاريخ.
ويبدو أن الولايات المتحدة الأمريكية قَدْ فَقَدَتْ صواب عقلها مَعَ الإعلان السوفيتي الجديد دون أن تعرف الأسباب التي أدت إِلى امتلاك السوفيت للسلاح النووي بهذه السرعة وبهذه القوة. فعادت دون اكتراث إِلى التعجيل في إعادة التحالف مَعَ المملكة المتحدة وبصورة واسعة. والملفت للانتباه كان هناك تأكيد من قبل العلماء في هذا الحقل على ضرورة التعاون مَعَ بريطانيا في تطوير السلاح النووي وإيجاد الآلية الحربية لنقله، بعد أن كان هؤلاء من المعارضين في إعطاء أيّ معلومة لأيّ دولة لامتلاك السلاح النووي. وهنا لابُدَ أن نشير أن جهود أتلي وتشرشل قَدْ بانت ثمارها من خلال منحهم التعهدات الحقيقة للجاليات اليهودية ومنظماتها المتنفذة في الولايات المتحدة الأمريكية. وخصوصاً ممن يشرف على تطوير وإنتاج السلاح النووي. إذ ما عرفنا إن هذا لم يكن قبل أن تسلم بريطانيا الصهاينة فلسطين وتحميهم لغرض إعلان دولتهم لتبدأ المنطقة حالة من السيطرة والصراع لم تكن قَدْ عرفتها مُنْذُ عصور طويلة جداً.
موضوع: رد: السياسة النووية الدولية وأثرها على منطقة الشرق الأوسط الأحد 16 مارس 2008 - 18:18
3.3 عودة التحالف الأمريكي - البريطاني
لم تكتفِ بريطانيا بتحجيم البرنامج النووي الأمريكي ومحاصرته دولياً بل عملت على مراقبته من داخل المؤسسات الأمريكية المتنفذة القريبة منها والبعيدة عن موقع اتخاذ القرارات الخاصة بالبرامج النووية. مما مكنها من معرفة المكامن الرئيسية المؤثرة على سير البرامج النووية كافتقارها إِلى اليورانيوم والآلة الحربية التي تنقله. فاستناداً إِلى نصيحة تشرشل الخاصة بالاعتماد على الأصدقاء اليهود تمكن أتلي وبمساعدة تشرشل من التفاوض معهم للحصول على ما يريد لقاء تسهيل هجرة اليهود من الاتحاد السوفيتي إِلى فلسطين والإسراع بالانسحاب منها وتهيئة الأجواء للاعتراف بدولتهم حال تمكن بريطانيا وبمساعدة أصدقائها اليهود من أحياء التحالف النووي البريطاني الأمريكي مرة أخرى .
تمكن أتلي وبمساعدة البريطاني اليهودي حاييم وايزمن (رئيس الكيان الصهيوني ما بين 1996-2001) من تشديد قبضة المراقبة على البرنامج النووي الأمريكي ومعرفة مكامن الضعف والتي معظمها يتعلق بالمواد الأولية الأساسية للإنتاج النووي. لغرض التشديد دولياً ومنع الولايات المتحدة الأمريكية من الحصول عليها. وبالتالي لا تجد بداً إلا العودة للتحالف مَعَ بريطانيا، وهذا ما يعجل إنجاز البرنامج النووي البريطاني.
وَمَعَ هذه الجهود الكبيرة المثمرة التي قدمتها المنظمات اليهودية الصهيونية إِلى بريطانيا في فترة لم تتجاوز السنتين إلا قليلاً عادت الولايات المتحدة الأمريكية تحمل كُلّ عبارات الود والاحترام إِلى بريطانيا طالبة منها الجلوس والتفاوض والدخول في تحالف نووي مبني على المصالح المشتركة. وبهذا تكون الحركة الصهيونية قَدْ أوفت بعهدها كاملاً إِلى أتلي مَعَ الأشهر الأولى من عام 1948م وعليه أن يفي هو أَيضاً. وبالفعل لم تمرّ إلا أيام قليلة حَتَّى أوعز إِلى قواته بتسليم فلسطين للحركة الصهيونية ثُمّ استنجد شخصياً بالاتحاد السوفيتي وحلفائه ودول الكومنولث للاعتراف بهذا الكيان الجديد الذي بات جزءاً من مستقبل السياسة النووية في الشرق الأوسط .
لَقَدْ نجحت بريطانيا بالاستحواذ على مناجم اليورانيوم العالمية وتقنينها بالصورة التي تراها مناسبة لسياستها النووية من أجل التضييق على الولايات المتحدة الأمريكية، التي بات مشروعها النووي يتسع أكثر فأكثر. ولاحت معاناته الحقيقة تبدو واضحة جداً ومهددة بوقوف البرنامج النووي لحين توفر اليورانيوم. عندها اضطر ترومان في الأول من كانون الثاني عام 1948م الاتصال بالحكومة البريطانية طالبا منها الجلوس والتفاوض حول مستقبل البلدين النووي. وفي السابع من نفس الشهر اجتمع ممثلو البلدين في واشنطن ووقعا اتفاقاً نووياً مؤقتاً ينتهي العمل بموجبه في نهاية تموز عام 1949م، وَقَدْ نص في بنوده على تزويد الولايات المتحدة الأمريكية باليورانيوم شرط أن تزود الأخيرة بريطانيا بالمعلومات النووية المفصلة في تسع مجالات . وهو ما سبب إحراج للرئيس الأمريكي ترومان بين الأوساط السياسية والشعبية الأمريكية لتنازله عن قراره بدعم قانون مكماهون الذي لا يسمح بإعطاء أية معلومة نووية لأية دولة مهما كانت المعاهدات بينهم. وعليه فلم يجد ترومان بدا إلا الظهور مجدداً أمام الصحافة لتبرير موقفه المفاجئ بالقول :
"أن هذه المعاهدة الأمريكية - البريطانية ما هي إلا للحفاظ على معنويات بنود قانون مكماهون للطاقة النووية، تلك الطاقة التي تنفرد الولايات المتحدة الأمريكية في امتلاك خبرات تصنيعها".
ونظراً لحاجة الولايات المتحدة الأمريكية الماسة لليورانيوم والذي أصبح الإفراج عنه عالمياً خاضع لرغبات بريطانيا ومتى شاءت، فَقَدْ بدأت إدارة الرئيس ترومان تعمل جاهدة من أجل إرضاء البريطانيين من خلال إعطائهم معلومات قيمة تحمل في طابعها العلمي الإحساس النووي الإنتاجي. وَمَعَ كُلّ هذا الاهتمام الأمريكي بالمشروع النووي البريطاني كانت بريطانيا تتحين الفرص وتثير المشاكل لتعطيل استلام الأمريكان حصتهم من اليورانيوم مما جعل الرئيس الأمريكي يطالب بعقد اجتماع فوري مَعَ المسؤولين الأمريكيين في الرابع عشر من تموز 1949م (قبل انتهاء مدة المعاهدة بقليل) لمناقشة الوضع الأمريكي السيئ وتحديد الخطوات الواجب اتّباعها لضمان حصولهم على اليورانيوم من المملكة المتحدة. وبهذا الاجتماع أعلن ترومان للمجتمعين عن هواجسه بقوله :
"المعاهدة مَعَ بريطانيا للحصول على اليورانيوم على أبواب الانتهاء ونحن كما تعلمون لم نحصل من بريطانيا على ما نريد لسبب بسيط جداً يعود لإصرار البريطانيين على ضرورة التعاون الأمريكي الشامل في مجال العمل الذريّ. فنحن بحاجة إِلى اليورانيوم وهم بحاجة إِلى معلوماتنا العلمية فلننسى الماضي ونعمل على ذلك".
وما أن انتهى ترومان من حديثه حَتَّى استقبل قراره المبدئي للتعاون الشامل مَعَ بريطانيا في المجال النووي بالترحيب من كافة الأعضاء. وأصدر في السابع عشر من تموز عام 1949م قراراً يقضي بعقد معاهدة جديدة بين الولايات المتحدة الأمريكية والمملكة المتحدة مبنية على أساس المشاركة والتعاون الشامل في المجال النووي شرط أن لا يتعارض مَعَ قانون الطاقة النووية الزائف أمام المصالح الحتمية . ولما أحسّ ترومان بعدم معارضة حكومته (التي يشكل اليهود فيها 60% أو ربما أكثر) لقراره هذا، دعا لاجتماع سري ضَمّ كُلاً من وزير الخارجية دين أتشسن Dean Acheson ووزير الدفاع لويس جونسن Louis Johnson والرئيس الأعلى لمنشئات الطاقة النووية الأمريكية ديفد ليلنثل David E. Lilienthal أعلن فيه صيغة المعاهدة الجديدة التي يستوجب عقدها مَعَ بريطانيا والمتضمنة ما يلي :
1. تكون معالجة وصناعة وخزن كُلّ اليورانيوم المتوفر عالمياً في الولايات المتحدة الأمريكية.
2. الحَقّ للعلماء النوويين البريطانيين والكنديين العمل في المواقع الأمريكية النووية.
3. تتعهد بريطانيا بإيقاف العمل في مشروع إنتاج السلاح النووي.
4. تتعهد الولايات المتحدة الأمريكية بنصب عدد من القنابل الذرية في الجزر البريطانية.
5. يبدأ العمل بهذه المعاهدة في الأول من أيلول عام 1949م.
كما أصر ترومان على اتخاذ ما يلزم للإبقاء على سرية المعاهدة وعدم الإفصاح عنها للصحافة لمعرفته المسبقة بمعارضة الكونجرس الأمريكي لمثل هذه المعاهدات، التي تجعل بريطانيا مالكاً للسلاح النووي مَعَ أمريكا وهو الحلم الذي طالما تصارع من أجله أتلي مَعَ ترومان.
جاءت خطوة ترومان بهذه الصورة لقناعته التامة بموافقة بريطانيا فيما إذا أفصح عن معاهدته الجديدة التي يروم عقدها معهم. ولكن أتت الرياح بما لا تشتهي سفن السياسة الأمريكية والبريطانية حين أعلن الاتحاد السوفيتي عن نجاحه في تصنيع القنبلة الذرية مما وجه هذا الخبر صفعة إِلى ترومان وراح معلناً في الثالث والعشرين من أيلول عام 1949م وبنبرة حادة خائفة من المجهول القادم إليهم :
"أن روسيا قَدْ امتلكت السلاح النووي وَلابُدَّ أن نَمُدَّ يَدّ العون لبريطانيا لتمتلكها أَيضاً".
وبذلك تكون صفحة جديدة من التعاون النووي بين الولايات المتحدة الأمريكية وبريطانيا قَدْ فتحت بفضل الاتحاد السوفيتي وبفضل البريطانيين الذين أرشدوا الروس إِلى الطريق قبل ثلاثة أعوام وبنشاط المنضمات اليهودية المخلصة للتاج البريطاني.
بدا الارتباك واضحاً على ترومان وأتلي بصورة متفاوتة بينهما، مُنْذُ أن دخل الاتحاد السوفيتي النادي النووي دون سابق إنذار. والذي زاد هموم الدولتين هو امتلاك وكالة المخابرات السوفيتية معلومات كاملة عن البرنامج النووي الأمريكي والبريطاني في حين إن تلك الدولتين ما كانا يعرفا شيئاً عن البرنامج النووي السوفيتي. مما جعل الرئيس الأمريكي ورئيس الوزراء البريطاني يركزان في اجتماعاتهما المتتالية في الفترة ما بين الإعلان عن امتلاك الاتحاد السوفيتي للقنبلة الذرية وحَتَّى مارس عام 1950م على الجانب الأمني للبرنامج النووي ليس في بريطانيا وكندا وأمريكا فحسب، بل في فرنسا وهولندا والسويد أَيضاً. ونتيجة لهذا التطور في الأحداث النووية العالمية وبروز من شارك الأمريكان في هذه القوة الجبارة فَقَدْ أعطى الرئيس الأمريكي في الواحد والثلاثين من كانون الثاني عام 1950م إشارته لتطوير كافة الأسلحة النووية بما فيها القنبلة الهيدروجينية. كما أكد على ضرورة الإسراع بتقديم العون لبريطانيا لإنجاز مشروعها النووي مَعَ التأكيد على الجانب السري في هذا المجال .
وبناءاً على التشاور ما بين الرئيسين المتحالفين نووياً لتوه، التزمت الحكومة البريطانية مبدأ الصمت تجاه أي سؤال يتعلق بالمشروع النووي البريطاني حَتَّى بات حزب المحافظين يشكك في قدرات بريطانيا لصناعة القنبلة الذرية عندما تحدث تشرشل في الخامس عشر من شباط عام 1951م في البرلمان البريطاني قائلاً :
"... مُنْذُ خمس سنوات ونصف انتهت الحرب العلمية الثانية ومازالت الحكومة لم تفي بوعدها بإنتاج القنبلة. عندما نتذكر تقدمنا العلمي والعسكري في الأمس القريب ونقارنه اليوم مَعَ القابلية الأمريكية في هذا المجال نرى من المخجل حَقّاً أن نكون أقل علماً وتقدماً حَتَّى من الاتحاد السوفيتي في هذا المجال. فعلى الحكومة أن تعترف بفشلها في التطور والتقدم والصناعة وخاصة في المجال النووي".
ولم يجبه أتلي إلا بالتأكيد على النجاح والتقدم في ظلِّ حكومته دون الإشارة للبرنامج النووي. مما سبب تأزماً في السياسة البريطانية واتّهام الأحزاب الأخرى للحكومة بإنفاق الميزانية على برامج فاشلة وغير مجدية. خصوصاً وإن بريطانيا قَدْ خرجت من الحرب العالمية الثانية بضائقة مالية كبيرة أخرت سبل إعادة بناء المؤسسات الخدمية المهمة.
عدل سابقا من قبل ccc.1993 في الإثنين 17 مارس 2008 - 10:07 عدل 1 مرات
موضوع: رد: السياسة النووية الدولية وأثرها على منطقة الشرق الأوسط الأحد 16 مارس 2008 - 18:18
3.4 نهاية الخيبة البريطانية
مَعَ الإصرار البريطاني لامتلاك السلاح النووي والسرية التامة التي توخاها أتلي والمساهمة الأمريكية الكبيرة، بدأ التقدم في برنامجهم يبدو ملحوظاً في تموز عام 1950م. وبدأت بوادر الإنتاج الإشعاعي تبدو وشيكة في المفاعل النووي البريطاني وندسكيل Windscale الذي أسسه ونتن مُنْذُ أربعة سنوات مضت. ونشط العمل في إنهاء معمل اليورانيوم المصمم مُنْذُ عام 1948م في كابن هيرتس Capenhurst الواقع في مقاطعة جتشاير Cheshire وأصبح جاهزاً للعمل في بداية مارس من عام 1950م. كما قامت الحكومة البريطانية في الرابع من نيسان عام 1950م بتأسيس مركز بحوث خاص بالأسلحة النووية بمدينة الدرميستن Aldermaston. (18) وبات السلاح الذريّ وشيكاً أن يكون بيد أتلي لولا فشله في الانتخابات واعتلاء تشرشل منصب رئيس الوزراء في الخامس عشر من تشرين الثاني لعام 1951م .
لكن الحَقّ يقال لم يكن تشرشل خبيثاً ومُنْكِراً لما حققه أتلي خلال فترة رئاسته للوزراء والتي دامت ما يقرب ست سنوات أو أكثر بقليل. حَيْثُ أنَّه أثنى على ما قام به غريمه العمالي في هذا المجال عند مناقشة البرلمان لورقة وزارة الدفاع بقوله :
"عمل عظيم وَلابُدَّ أن يسجله التاريخ البريطاني بِكُلّ اعتزاز لأتلي ليس في مجال تهيئة المواد الأساسية لصناعة القنبلة الذرية بل في مجال تصنيعها أَيضاً".
وبعد شهرين من خطاب تشرشل في البرلمان البريطاني، تمكن العاملين في مفاعل وندسكيل من إنتاج البلوتونيوم الذي حقق حلم بريطانيا في السابع عشر من شباط عام 1952م. حين أعلن تشرشل عن إمكانية بلاده من تجربة أول قنبلة ذرية لها قبل نهاية هذا العام . وما أن أنهى تشرشل إعلانه النووي الذي طال وقته كثيراً حَتَّى طار إِلى واشنطن ليخبر حلفائه بما توصلت إليه بريطانيا من تقدم في هذا المجال. ووجد دهشتهم أمامه لعدم معرفتهم بالتقدم الحاصل بالبرنامج النووي البريطاني على الرغم من كُلّ أنواع الدعم العلمي والمالي الذي قدمته الولايات المتحدة الأمريكية لبريطانيا. وهو ما أزعج تشرشل لعدم معرفته بخبايا الأمور مما اضطر للعودة مسرعا ليثير المسائلة مَعَ أتلي إمام البرلمان البريطاني بقوله :
"لَقَدْ حاول حزب العمال جاهدا أن يجعل كُلّ ما يتعلق بالسلاح النووي سرّاً دون استشارة البرلمان أو التصويت وهذا ما يخالف مبادئ السياسة البريطانية".
فما كان من أتلي إلا الردّ عليه بقوله :
"لكونك زعيم المعارضة في ذلك الوقت، كان يمكنك أن تتلقى منا أية معلومة تود معرفتها في هذا المجال، إلا إنك لم تسأل وَمَعَ كُلّ ما حدث فأننا كنا نعلم اللورد جرول Lord Cherwell (كان وزير الدفاع لحكومة المعارضة) أول بأول ما ينفذ في مشروعنا النووي. أما بالنسبة إِلى الأمريكان وأتصور ذلك ما أزعج سيادتكم، فأننا بالتأكيد كنا نخبرهم بين الحين والأخر ما نفعل، نخبرهم فقط في المواقف التي نرى من المحتمل أن تحصل بها المملكة المتحدة على مساعدتهم وتعاونهم معنا في المجال النووي".
ومهما كانت المناقشات في البرلمان ما بين أتلي وتشرشل فإننا نرى بكل يقين، أن أتلي أراد أن يعطي الأمريكان درساً سياسياً في التعامل مَعَ بريطانيا سواء الآن أم في المستقبل. حَيْثُ أنَّه أوضح لنا وللأمريكان بأنَّه أجاد إتقان اللعبة التي لعبها ترومان في بداية الأمر وببراعة فاقت الغرور الأمريكي لحصافة الفكر القيادي البريطاني.
ومهما كانت المهاترات السياسية بين الأحزاب البريطانية داخل البرلمان البريطاني، ومهما كانت مواقف الاتفاق والمعارضة بينهم، فَقَدْ استمرّ العلماء النوويين البريطانيين في عملهم حَتَّى الثالث من تشرين الأول لعام 1952 إذ أعلن عن قيام بريطانيا بتفجير أول قنبلة ذرية تجريبية على سطح جزيرة مونتي بلو (Monte Bello وبهذا أصبحت بريطانيا ثالث دولة في العالم تدخل النادي النووي، لتفرض بامتلاكها هذا السلاح الفتاك تقسيماً جديداً للعالم الذي طالما تنازع حوله الأقوياء وراح ضحيته الضعفاء الأغنياء في هذا الكوكب الأزرق.
عدل سابقا من قبل ccc.1993 في الإثنين 17 مارس 2008 - 10:13 عدل 1 مرات
موضوع: رد: السياسة النووية الدولية وأثرها على منطقة الشرق الأوسط الأحد 16 مارس 2008 - 18:19
الفصل الرابع
دور السلاح النووي في بروز الصراع بين الغرب والشرق
لم يكن نجاح الاتحاد السوفيتي بامتلاك السلاح النووي قَدْ سبب في تعجيل إنجاز البرنامج النووي البريطاني ووضع الولايات المتحدة الأمريكية أمام واقع التحدي الشرقي فحسب، بل تسبب أَيضاً في بروز أهمية الإسراع في تطوير الآلة العسكرية الموروثة من الحرب العالمية الثانية ودراسة البعد الاستراتيجي لبعض أنواع الأسلحة التي لعبت دوراً كبيراً لإنجاز مهمة الحرب التي أثقلت العالم الغربي. وهذا ما دفع الولايات المتحدة الأمريكية والمملكة المتحدة في التركيز على تطوير القوة الجوية وآلتها والتي من خلالها تمكنوا من أن يحلوا عقدة إيجاد واسطة لحمل السلاح النووي. فمع معاناة الحلفاء من التفوق الجوي الألماني، تمكن الأمريكان من استعمال B-29 في حمل السلاح النووي الملقى على هيروشيما ونجازاكي. وعليه فإنّ الاهتمام البريطاني كان مُنْصَبّاً على ضرورة العمل على صناعة طائرة حربية لها القدرة على حمل السلاح النووي وضرب الهدف من مسافة بعيدة. وهذا ما فسر سرّ اهتمام حكومة العمال البريطانية في دعم مشاريع بناء القوة الجوية البريطانية.
وَمَعَ المجهود المكثف في هذا المجال ومُنْذُ أن بدأ العمل بالبرنامج النووي البريطاني ولغاية تطوير وامتلاك السلاح النووي عام 1952م لم تتمكن بريطانيا من إيجاد الطائرة المقاتلة الصالحة لحمل السلاح النووي الاستراتيجي الفتاك . فلذا دأبت الأحزاب السياسية البريطانية المتعاقبة بعد إعلان إنتاج السلاح النووي على تعزيز المشاريع المتخصصة بتطوير الآلة الحربية الناقلة للسلاح النووي. والتي بما لا شكّ فيه سوف تعوض بريطانيا عن عقدة الفشل في سباق التقدم العلمي.
عدل سابقا من قبل ccc.1993 في الإثنين 17 مارس 2008 - 10:16 عدل 1 مرات
السياسة النووية الدولية وأثرها على منطقة الشرق الأوسط