أهلا وسهلا بك زائرنا الكريم، اذا كانت هذه زيارتك الأولى للمنتدى، فيرجى التكرم بالاطلاع على القوانين بالضغط هنا. كما يشرفنا أن تقوم بالتسجيل بالضغط هنا إذا رغبت بالمشاركة في المنتدى، أما إذا رغبت بقراءة المواضيع والإطلاع فتفضل بزيارة المواضيع التي ترغب.

السياسة النووية الدولية وأثرها على منطقة الشرق الأوسط - صفحة 5

حفظ البيانات؟
الرئيسية
التسجيل
الدخول
فقدت كلمة المرور
القوانين
البحث فى المنتدى


 
الرئيسيةأحدث الصورالتسجيلدخول



 

 السياسة النووية الدولية وأثرها على منطقة الشرق الأوسط

اذهب الى الأسفل 
انتقل الى الصفحة : الصفحة السابقة  1, 2, 3, 4, 5, 6  الصفحة التالية
كاتب الموضوعرسالة
2009

مســـاعد أول
مســـاعد أول



الـبلد : السياسة النووية الدولية وأثرها على منطقة الشرق الأوسط - صفحة 5 01210
التسجيل : 10/01/2008
عدد المساهمات : 509
معدل النشاط : 60
التقييم : 1
الدبـــابة : السياسة النووية الدولية وأثرها على منطقة الشرق الأوسط - صفحة 5 Unknow11
الطـــائرة : السياسة النووية الدولية وأثرها على منطقة الشرق الأوسط - صفحة 5 Unknow11
المروحية : السياسة النووية الدولية وأثرها على منطقة الشرق الأوسط - صفحة 5 Unknow11

السياسة النووية الدولية وأثرها على منطقة الشرق الأوسط - صفحة 5 Empty10

السياسة النووية الدولية وأثرها على منطقة الشرق الأوسط - صفحة 5 Empty

مُساهمةموضوع: رد: السياسة النووية الدولية وأثرها على منطقة الشرق الأوسط   السياسة النووية الدولية وأثرها على منطقة الشرق الأوسط - صفحة 5 Icon_m10الأحد 16 مارس 2008 - 18:46

10.5 الأسلحة الأمريكية الفتاكة وآثارها في حروب الخليج على المنطقة

بعد عودة القوات الأمريكية المساهمة في حرب الخليج البالغ تعدادها أكثر من 697 ألف عسكري أمريكي بأشهر قليلة جداً إِلى قواعدها في الولايات المتحدة الأمريكية، لوحظ أن هناك إصابات ورمية جرثومية مرضية بسيطة قَدْ أصابت بضع مئات من الجنود الأمريكيين. وَمَعَ المعالجة والفحص والتأكد من أسباب الإصابة إكلينيكياً وجد أن أسباب الالتهابات عند الجنود الأمريكان سببها فيروسات معينة لم يتم تحديدها، بالإضافة إِلى الفيزكروتربك ليشيمانزيا Viscerotrophic Leishmaniasis (بكتريا تنمو في الكائنات الوحيدة الخلية تنتقل عبرها إِلى الإنسان وتسبب أوراماً متقيحة وَقَدْ تصيب الجهاز العصبي في الإنسان وتعيقه عن العمل في حالاتها المتقدمة) والمايكو بلازما Mycoplasma (فطريات تسبب أوراماً جلدية حارقة) والمايكرو سبوريديا Microsporidia (نوع من الطفيليات يتكاثر بالتوالد البوغي تسبب حرقة في الغشاء الداخلي للمعدة)، وأنواع أخرى من البكتريا غير المعروفة.

وبناءاً على تلك المعلومات المقدمة من الأطباء الأخصائيين قامت مراكز الأمراض والسيطرة على انتشار الأمراض الغريبة بدراسة كُلّ الشواهد المتعلقة بالمصابين وعلاقتها بالخدمة في حرب الخليج. وخلصت في النهاية إِلى عدم وجود دلائل علمية تثبت أن أسباب الإصابة له علاقة بأية ضربة بايولوجية عراقية أَو كيمياوية (219).

اكتفى المصابون بهذه النتيجة بعد أن عالجتهم السلطات الطبّية التابعة لوزارة الدفاع الأمريكية، ولكن لم يبقى كُلّ شيء على ما هو عليه فللفضيحة أسبابها. فَقَدْ لوحظ في ربيع عام 1992م أن أرقام الوفيات أو المصابين بأمراض وتشوهات كبيرة في الأطفال المولودين حديثاً، هُمْ معظمهم من أبوين قَدْ شارك أحدهم في حرب الخليج الثانية.

أحدثت هذه الحالة ضجّة سياسية كبيرة ورفضت السلطات الأمريكية ربط تلك الحالات بالخدمة في الخليج وأوعزت إِلى القسم العسكري الطبّي التابع لوزارة الدفاع بالعمل على دراسة تلك الحالة. وعليه وبعد دراسة دامت لأكثر من أربعة سنوات شارك فيها مركز جاكسون الطبّي والقسم الصحي في ولاية المسسبي أعلنوا بان حالات الوفيات والإعاقة عند الأطفال ليست أكبر مما توقعنا. ولطرافة النتيجة المسيطر عليها من قبل الدولة الأمريكية علقت صحيفة الواشنطن بوست على ذلك بقولها (219):

"لم يحدد الباحثون الرقم الحقيقي الذي يبين هل هو أقل أو أكثر أو مساوياً لما توقعوا"

أيّ إن الصحفي كان يقصد بذلك أن توقعاتهم بجسامة التأثر من حرب الخليج هو نفس ما حدث لهؤلاء العسكر المصابين بتلك الأمراض الغامضة (219). وهنا تبدو الإشارة إِلى العوارض الأخرى التي أصابت الحوامل ممن لهن علاقة بحرب الخليج أو أزواجهن، كالإسقاط والولادات المبكرة والولادات غير الطبيعية أو الأوزان غير الطبيعية للأطفال المولودين حديثاً، وموت الأجنة في بطون أمهاتهم (220,221).

ونتيجة لتلك الملابسات التي أدخلت الحكومة الأمريكية المنتخبة حديثاً في ظروف شائكة، قرر البيت الأبيض الأمريكي في السابع من آب 1992م انشاء مؤسسة خاصة تعنى بفحص ودراسة حالات كُلّ الجنود المساهمين في حرب الخليج وإيداع المعلومات كافة في أنظمة معلومات كومبيوترية تمكن الجهات المعنية الأخرى من أجراء دراسات عليها مستقبلاً. ولم يمضي أكثر من أسبوعين على انشاء المؤسسة أعلاه حَتَّى أعلن القسم الصحي التابع لوزارة الدفاع الأمريكية عن استعداده لفحص الجنود المساهمين في حرب الخليج، حَيْثُ تعرض حوالي 200 ألف عسكري إِلى فحص شامل، ظهر من خلاله، أن 32.2% بصحة جيدة و 40.8% بصحة طبيعية و 25.6% في حالة صحية سيئة جداً. وبالتالي فإنّ حوالي 52,835 عسكري أمريكي يعانون وبصورة مستمرة من الأعراض الآتية (219,222,223):

- 10847 عسكري يعاني من الإجهاد العصبي الحاد، بنسبة 20.5%.

- 9719 عسكري يعاني من الطفح الجلدي الحاد، بنسبة 18.4%.

- 9525 عسكري يعاني من صداع شديد ومرهق للأعصاب، بنسبة 18%.

- 8871 عسكري يعاني من ألم العضلات والمفاصل الحاد، بنسبة 16.8%.

- 7406 عسكري يعاني من فِقْدان الذاكرة وظهور أورام على الجسم، بنسبة 14%.

- 4190 عسكري يعاني من اختلال في التنفس، بنسبة 7.9%.

- 3111 عسكري يعاني من الأرق والنوم المتقطع، بنسبة 5.9%

- 2416 عسكري يعاني من الإسهال وأمراض معدة مزمنة، بنسبة 4.6%.

- 1916 عسكري يعاني من التهابات الجلد وضمور في الخلايا، بنسبة 3.6%.

- 1847 عسكري يعاني من ألم والتهاب حاد في الصدر، بنسبة 3.5%.

- 6496 عسكري يعاني من حالات مختلفة وغير مستقرة تدخل ضمن الأعراض أعلاه، بنسبة 12.3%.



لَقَدْ بدأت المعاناة الحقيقية بعد إجراء الفحوصات التامة لهؤلاء العسكر، وبانت صعوبة تشخيص أمراضهم، لعدم معرفة الأطباء بالأسباب الحقيقة التي أدت إِلى لذلك. ولكي تخرج الحكومة الأمريكية بنتيجة تقنع الرأي العام الأمريكي، قررت انشاء ما يسمى بالمراكز الطبّية للـ: في أيّ VA Medical Centers في كُلّ من واشنطن دي سي، وهيوستن، ولوس أنجلس. حَيْثُ احتفظت تلك المراكز بالخاضعين للفحص الطبّي مدة أسبوعين في مستشفياتها لتحديد هوية أمراضهم. وبعد الفحوصات والتحليلات المختبرية اللازمة لهؤلاء العسكر تمكنت تلك الأقسام الطبّية من تشخيص أمراض جند الخليج كما يلي (221, 223, 224):

- 3715 مرض معدي غير معروف.

- 232 ورم خبيث.

- 7995 اضطراب عقلي.

- 4398 خلل في الجهاز العصبي.

- 3747 خلل في الدورة الدموية.

- 7540 معاناة في الجهاز التنفسي.

- 6028 خلل في الجهاز الهضمي.

- 1774 أمراض انفصام الشخصية.

- 7144 معاناة في الجلد والأغشية الخلوية.

- 13299 خلل في الأجهزة العضلية والهيكلية والعظمية وتلف في النسيج الضام.

- 2485 جروح غير قابلة للشفاء وتسمم.

- 13998 تعذر تشخيص أمراضهم.



كانت تلك النتائج مخيفة للغاية وخاصة بعد أن تعذر على المراكز الطبّية تشخيص بعض الحالات. فلذا طلب الرئيس كلنتون في الواحد والثلاثين من آب 1993م من وزير شؤون المقاتلين الإشراف مباشرة على البحوث الميدانية المتعلقة بحرب الخليج وأمراضه. ولتحقيق ما يريد الرئيس الأمريكي فَقَدْ قام وزير الشؤون الحربية وبالتعاون مَعَ قسمي الشؤون الصحية وقسم الخدمات الإنسانية التابعين لوزارة الدفاع الأمريكية بدعم تسعين برنامجاً مُتَخَصِصاً في دراسة ظواهر أمراض الخليج. كما قام بتأسيس ثلاثة مراكز بحثية متخصصة في دراسة مخاطر البيئة (224). ولكن ليست المخاطر البيئية لوحدها التي جعلت الولايات المتحدة الأمريكية تولي هذا الاهتمام لأمراض الخليج، بل كانت هناك أساسيات في الموضوع تتعلق بعامل اليورانيوم المستنفذ الذي استعمل في عتاد قوات الحرب الأمريكية.

والخطورة في هذا السلاح وغباره الذي استنشقه المقاتلون الأمريكيون هو أنَّه قَدْ يسبب تجمع نسبة معينة منه في داخل جسم الإنسان، مما يسبب في تغيير التركيب الثنائي للحامض الأميني. الذي يعتبر أساساً في تكوين بروتينات الجسم الإنساني. وبالتالي فهذا يعطي تبريراً علمياً إن التشوهات الحاصلة والأمراض السرطانية الأُخرى ناتجة عن تخلخل إنتاج هذه الأحماض وبروتيناتها المتكونة من الـ DNA. هذه في الواقع الحقيقة التي كانت تخيف الولايات المتحدة الأمريكية والتي حاولت حلها قبل إن تأخذ طريقها بعيداً إِلى الشارع الأمريكي فتفسد مخططها.

حاولت الحكومة الأمريكية بشتى الوسائل التقليل من أهمية إصابة الجنود بأمراض جلدية وهضمية وعصبية وغيرها من الأمراض المشخصة. ولكن هذا لم يدم طويلاً فَقَدْ حدث ما لا يحمد عقباه، فَفِي عام 1994م بدأت الأمراض النفسية تدب في جنودهم مما أدت بعضها إِلى إقدام المصابين على الانتحار. وتزايدت أعدادهم بإطراد حَتَّى وصل في نيسان عام 1995م حوالي 1516 منتحراً ممن شاركوا في حرب الخليج الثانية، نتيجة أصابتهم بأمراض نفسية. وعليه فَقَدْ أقدم بل كلنتون في حزيران من عام 1995م على انشاء مركزاً جديداً في برمنغهام أي إل. مُتَخَصِصاً لدراسة ومعالجة الأمراض النفسية، ثُمّ أُلحق به أقسام أخرى لدراسة ومعالجة ضعف المناعة والتسمم وأمراض التنفس والالتهابات الخبيثة. وَقَدْ تمّت دراسة ومعالجة 67819 عسكري أمريكي ممن اشتركوا بحرب الخليج غير الذين تَمَّ تشخيص أمراضهم مسبقاً. وبالتالي يصل عدد المصابين بأمراض الخليج ممن خضعوا للمعالجة حَتَّى عام 1996 حوالي 131 ألف عسكري أمريكي (225, 226).

وَمَعَ إطلالة نيسان من عام 1996م قامت أحد المراكز بدراسة لحالة عشرين ألف عسكري أمريكي جديد يعانون من نفس الأعراض التي عانى منها زملائهم عام 1992م. وبعد الدراسة الطبّية المعمقة توصل هؤلاء إِلى أن 18.6% منهم يعانون من أمراض عضلية وعظمية و 18.3% يعانون من تخلف عقلي و 17.8% من حالات مرضية مختلفة. ونتيجة لتلك الدراسة والدراسات الأخرى التي سبقتها فَقَدْ أجمع الكُلّ على أن سبب الإصابة بتلك الأمراض المزرية يعود بلا شكّ إِلى سوء التطعيم. حَيْثُ تبين أن هؤلاء المصابين قَدْ أخذوا جرعات تلقيحية كبيرة ضدّ الضربات البايولوجية أَو الكيمياوية، وبأصناف مختلفة تسببت بإتلاف بعض الخلايا المهمة في جسم الإنسان والتي لا يمكن تعويضها كالخلايا العصبية. بالإضافة إِلى عرقلة ولخبطت عمل الأنزيمات طبيعياً.

فعلى سبيل المثال تبين أن العسكر الأمريكان قَدْ أخذوا جرعات تصل حدّ 150 ملغم من البايروستوجوماين برومدي Pyridostigmine Bromide لمدة أسبوعين وبواقع كُلّ ستة ساعات. في حين تبين أن 30 ملغم من هذا النوع من الأدوية المضادة لِكُلِّ ثمانية ساعات وبواقع خمسة أيام يكفي لحماية جسم الإنسان من الإصابة بالأنثراكس. كما تبين أن هناك عوارض تؤدي إِلى خلل في الغدد إذ ما استعمل البايروستوجوماين برومدي Pyridostigmine Bromide مَعَ أي مضاد ضدّ البلوتونيوم (219,225,226).

لكن هذه التعليلات غير كافية، وكثيراً ما كان يسأل المحللون عن الأسباب الحقيقية لشيوع مثل هذه الأمراض، وكانت الإدارة الأمريكية دوماً تنفي إخفاء أيّ أسرار لها علاقة بأمراض الخليج. في حين كانت هناك وراء الكواليس وحدة طبية خاصة أسست عام 1993م في بالتيمور Baltimore لدراسة وتحليل ومراقبة المردود السيئ والمعاكس على الأمور الصحية للمشاركين في حرب الخليج وكيفية معالجتهم نتيجة استعمال اليورانيوم المستنفذ إشعاعياً Depleted Uranium. وبقي الأمر سرّاً حَتَّى شتاء عام 1996م عندما شاعت الأمراض بين جنودهم وعجز الأطباء عن تشخيص أمراضهم، فاعترفت وزارة الدفاع الأمريكية بأنها استعملت اليورانيوم المستنفذ أثناء حرب الخليج. وبذلك فَقَدْ تغيرت نصوص بعض التعليلات لأمراض الخليج ولو بصورة بسيطة (227). وَتَمَّ الإفراج عن معلومات سابقة ودراسات معدة مُنْذُ عام 1992م إلا إنها كانت ضمن الدائرة السرية في وزارة الدفاع الأمريكية (227).

وعليه فَقَدْ كانت أُطروحة العلماء المعنيين بالجينات البشرية ومدى تأثير اليورانيوم المستنفذ في كسر الآصرة المكونة للتشكيل الأولي والثنائي للحامض الأميني هي الصحيحة على الرغم من عدم كشفها في حينه من قبل وزارة الدفاع الأمريكية لأسباب سياسية.

الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
2009

مســـاعد أول
مســـاعد أول



الـبلد : السياسة النووية الدولية وأثرها على منطقة الشرق الأوسط - صفحة 5 01210
التسجيل : 10/01/2008
عدد المساهمات : 509
معدل النشاط : 60
التقييم : 1
الدبـــابة : السياسة النووية الدولية وأثرها على منطقة الشرق الأوسط - صفحة 5 Unknow11
الطـــائرة : السياسة النووية الدولية وأثرها على منطقة الشرق الأوسط - صفحة 5 Unknow11
المروحية : السياسة النووية الدولية وأثرها على منطقة الشرق الأوسط - صفحة 5 Unknow11

السياسة النووية الدولية وأثرها على منطقة الشرق الأوسط - صفحة 5 Empty10

السياسة النووية الدولية وأثرها على منطقة الشرق الأوسط - صفحة 5 Empty

مُساهمةموضوع: رد: السياسة النووية الدولية وأثرها على منطقة الشرق الأوسط   السياسة النووية الدولية وأثرها على منطقة الشرق الأوسط - صفحة 5 Icon_m10الأحد 16 مارس 2008 - 18:47

10.5.1 دور اليورانيوم في الإصابة بأمراض الخليج

قبل الخوض في ملابسات وأسباب ومؤثرات اليورانيوم المستنفد بأمراض حرب الخليج، لابُدَ لنا من وقفة على المعنى والدلالة لهذا النوع من اليورانيوم. فاليورانيوم المستنفد هو عنصر أساسي من عناصر اليورانيوم الخام الطبيعي، إذ ما عرفنا أن اليورانيوم الطبيعي تتألف مكوناته الحقيقية من 99% يورانيوم - 238 (U-238) وقليلاً من اليورانيوم - 335 (U-335) واليورانيوم - 234 (U-234).

بعد استخلاص U-335 من اليورانيوم الطبيعي لاستعماله في المفاعلات النووية وتحضيراتها الإشعاعية، يتبقى اليورانيوم من نوع U-238 وقليلاً جداً من اليورانيوم U-335 (أقل من تواجده الطبيعي في المعدن الخام). ومن صفات U-238 المسمى بليورانيوم المستنفد أن حياته الفاعلة حوالي 4.5 مليار سنه، ويمتلك خاصية إشعاعية ضئيلة جداً. وعليه فبعد التقنية والعمليات الروتينية لاستخلاص U-335 من اليورانيوم الطبيعي، يتخلف اليورانيوم المستنفد وبقابلية إشعاعية تصل نصف ما يمتلكه الـ: (U-238 (228.

في عام 1987م حاولت الولايات المتحدة الأمريكية الاستفادة من بقايا اليورانيوم المستخلص عسكرياً، فبدأت الدراسات المكثفة لتصنيعه على أشكال قذائف مدفعية وصاروخية. بالإضافة إِلى إمكانية استعماله في صناعة هياكل العربات والدروع العسكرية. وبعد فترة وجيزة جداً تمكن الخبراء العسكريين الأمريكان في التصنيع من خلط اليورانيوم ذُو الكثافة العالية مَعَ مواد سريعة الاحتراق وتعبئته في عبوات معدنية ذات كثافة متدنية. وبعد التجربة المختبرية توصلوا إِلى نتائج مرضية جداً مفادها إن هذا النوع الجديد من القذائف المدفعية والصاروخية المعبئة باليورانيوم المستنفد، تمتاز بقوتها التدميرية العالية وذات قابلية عالية جداً على اختراق ومقاومة العوارض الصلبة وغيرها.

لَقَدْ كان أول تجريب فعلى لهذا المنتج الفتاك وبصورة ملفتة في أبان حرب الخليج الثانية عام 1991م. وتفيد التقارير الأمريكية التي تيسر الإطلاع عليها، أن الإدارة الأمريكية كانت قَدْ تداولت شأن استعمال مثل هذا النوع من السلاح مَعَ الحكومة السعودية والكويتية وَقَدْ أبدى الاثنان عن رغبتهما في استعمال أيّ سلاح ضدّ العراق حَتَّى ولو كانت نتائجه البيئية عظيمة (229). ولذلك فَقَدْ طورت المختبرات العسكرية الأمريكية في مختبراتها ما بين أيلول وكانون الأول من عام 1990م نوعية جديدة من الأعتدة الحاوية على اليورانيوم المستنفد. حَيْثُ إضافة نسبة من الموليبدينوم Molybdenum (عنصر معدني يشبه الكروم في الخصائص ويستعمل في تقسية الفولاذ) وتيتانيوم Titanium (عنصر فلزّيّ سام) والزركونيوم Zirconium (عنصر فلزّيّ نادر جداً له القدرة على تعجيل تفاعل المواد المؤكسدة ويولد حرارة تصل تذويب الفولاذ) والنيوبيوم Niobium (عنصر فلزّيّ سام) (221,230).

لَقَدْ استعملت القوات الأمريكية وبصورة مكثفة جداً ومؤلمة اليورانيوم المستنفذ وفي الساعات الأُولى للمعركة، وكان لهذا السلاح دور كبير في حسم المعركة في بعض الموقع على الرغم من أنَّه يستعمل لأول مرة بعد إنتاجه دون إن يجرب في مناطق صلاحيته كما هو معتاد في صناعة أيّ سلاح. فمن صفات هذا النوع من السلاح هو الانشطار إِلى أجزاء صغيرة جداً، تنفجر بعدها مولدة حرارة عالية وأجزاء معدنية متشظية عالية الحرارة ذات قابلية قصوى لاختراق أصلب الأشياء، ومخلفة بعد الإصابة أثار جوهرية منها تلويث الهدف المصاب، نتيجة لاستعمال الفلزات المعدنية السامة جداً في مكوناته وشعاع اليورانيوم بقدر عمره المتبقي بعد الاستنفاذ الذي قَدْ يطول إِلى آلاف السنين (229). أما ما تخلفه هذه الأنواع من الأسلحة حين الإطلاق فهي كثيرة جداً، فعلى سبيل المثال في حال إطلاق قذيفة المدفع أو الصاروخ المقاوم للدبابات، فإنها تولد ناراً حرارية وغباراً كثيفاً عند الإطلاق. وهو ما استنشقه الكثير من العسكر الأمريكان في مسرح العمليات.

وبالإضافة إِلى ذلك فَقَدْ حدثت هناك إصابات ما بين القوات المتحالفة من خلال تبادل الإطلاق بصورة غير مقصودة، جعلت من جُثَث هؤلاء تكن ملوثة بتلك المواد مما سبب في انتقالها إِلى الآخرين (229,230,231).

لَقَدْ قامت المجموعات السرية المكلفة بالقيام باستكشاف آثار اليورانيوم المستنفد على العسكر الأمريكيين بالدراسة والتمحيص، منتقلين من الخليج إِلى الولايات المتحدة الأمريكية لجمع العينات اللازمة حول أسباب التلوث. كما قامت بعض من تلك اللجان الطبّية بزيارة المناطق الجنوبية للعراق ودولة الكويت لدراسة بعض الحالات المرضية وخاصة السرطانية والجلدية منها. فَفِي عام 1995 وعام 1996 زارت العراق منظمة الصحة العالمية والمركز الأمريكي لأبحاث تأثيرات اليورانيوم السمية وخلصا إِلى إن الحالات السرطانية قَدْ ازدادت في العراق ما بين عام 1993م وحَتَّى حزيران عام 1998م بنسبة 700%(232). كما أكد تقريرهما بتشابه الحالات المرضية ما بين السكان وما يعاني منه الجنود الأمريكان.

فمهما حاولت الولايات المتحدة الأمريكية نفي عدم تأثير اليورانيوم صحياً، وإيعازها لِكُلِّ ما حدث من أمراض وحالات وفاة وإجهاض وولادات غير طبيعية وتخلف عقلي، إِلى تفجير مخزن عراقي يحتوي على المواد الكيمياوية، فأنها لم تتمكن من ردّ ما قال إف. روكي F. Rokke المعين رئيساً في البنتاغون، قسم دراسات اليورانيوم المستنفد وتأثيراته الصحية، في عام 1994م، والذي ترك العمل في تموز عام 1997م، حَيْثُ قال في استقالته (232):

"لعدم أمانة وزارة الدفاع الأمريكي بإعلان أسباب مرض الخليج، أقدمت على الاستقالة"

ثُمّ عقب قائلاً: "اليورانيوم المستنفد هو أسباب كُلّ هذه الأمراض إضافة إِلى سوء استعمال التطعيم ضدّ الضربات البايولوجية"

كما أوضح أن هناك 192 ألف عسكري أمريكي مصاباً بأمراض الخليج وبدرجات متفاوتة جداً، من سيئة جداً لا علاج لها إِلى حالات يمكن علاجها. وأكد أن هناك 83 ألف حالة بشرية تواجه الموت قبل دخول القرن الواحد والعشرين، بسبب التأثيرات السمية التي ولدها اليورانيوم المستنفد على الرئة والكبد والغدد الليمفاوية، موضحاً أن الأطباء عجزوا عن مكافحة ذلك (232).

وبعد مرور ثلاث سنوات من استقالة روكي، ظهر على الشاشات الأمريكية معلناً ها نحن قَدْ دخلنا القرن الحادي والعشرين وَقَدْ هلك بمرض الخليج نتيجة اليورانيوم المستنفذ 90% ممن توقعتهم من العسكر المهددين بالموت والبالغ عددهم 83 ألف عسكري أمريكي. إما البقية الباقية فالموت أطيب لهم للمعاناة الجسدية التي يعانونها (233).

هذه معاناة الجنود الأمريكيين الذين دارت رحى الحرب بعيداً عن أرضهم وشعبهم وأُصيبوا بتلك الأمراض نتيجة استنشاقهم غبار اليورانيوم المستنفذ. فيا ترى كم من العراقيين والكويتيين والسعوديين الأبرياء الذين تضرروا بهذا السُمّ "الديمقراطي"، ولم تسجل إصاباتهم إحصائياً ولم يتطرق أحد إِلى معاناتهم؟. خصوصاً إذا ما عرفنا إن المنطقة الواقعة ما بين جنوب البصرة ومروراً بالناصرية والعمارة وحَتَّى مداخل الكوت والسماوة قَدْ تعرضت إِلى ما يقارب 2000 طن من الأسلحة المستعمل فيها اليورانيوم المستنفذ. ويبدو من هذه العملية غير الإنسانية إن سياسة الاستحواذ على أهداف الحرب لا ترعى حقوق الإنسان بل تتخذ من حقوق الإنسان ذريعة لقتل الإنسان في بقاع أُخرى. ولعل مثلما للنظام العراقي البائد والولايات المتحدة الأمريكية وحلفائها من أياد مدنسة لتلويث البيئة العراقية ومعاناة العراقي الجنوبي، كان للمعارضة العراقية قبل سقوط صدام مساهمة فعالة في هذا الموضوع.

فعندما كانت تصدر أصوات حول معاناة العراقي الجنوبي بسبب الأسلحة واليورانيوم، كان ممن يروم الحصول على حظوة أمريكية يحاول إن يعارض تلك الأصوات ويحاول إسكاتها بشتى التهم، ولا يدعها تخرج إِلى مواقع الحَقّ، كي لا يتعكر صفو الولايات المتحدة الأمريكية. وحين كنا نكتب دراستنا ومن كان معنا الذي يهمه أمر وحياة العراقيين والعرب المحيطين في العراق ممن نقلت لهم الرياح الكارثة، عن آثار اليورانيوم ووجوب تظافر الجهود الدولية لتطهير المنطقة، كي لا تتسبب بكارثة إنسانية أكبر من التي هي الآن، كان هناك رفضاً مشوشاً من عناصر شتى في أحزاب المعارضة العراقية ولعبت دوراً كبيراً لطمس الحقائق التي كان لابُدَ لها إن تظهر. ورغم الأنوف عرف العالم أهداف الولايات المتحدة الأمريكية وأساليبها الهمجية في قرن عرف بالتحضر والإنسانية.

الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
2009

مســـاعد أول
مســـاعد أول



الـبلد : السياسة النووية الدولية وأثرها على منطقة الشرق الأوسط - صفحة 5 01210
التسجيل : 10/01/2008
عدد المساهمات : 509
معدل النشاط : 60
التقييم : 1
الدبـــابة : السياسة النووية الدولية وأثرها على منطقة الشرق الأوسط - صفحة 5 Unknow11
الطـــائرة : السياسة النووية الدولية وأثرها على منطقة الشرق الأوسط - صفحة 5 Unknow11
المروحية : السياسة النووية الدولية وأثرها على منطقة الشرق الأوسط - صفحة 5 Unknow11

السياسة النووية الدولية وأثرها على منطقة الشرق الأوسط - صفحة 5 Empty10

السياسة النووية الدولية وأثرها على منطقة الشرق الأوسط - صفحة 5 Empty

مُساهمةموضوع: رد: السياسة النووية الدولية وأثرها على منطقة الشرق الأوسط   السياسة النووية الدولية وأثرها على منطقة الشرق الأوسط - صفحة 5 Icon_m10الأحد 16 مارس 2008 - 18:47

سياسة النووية الدولية تجاه إيران


مهما كانت الولايات المتحدة الأمريكية يقظة تجاه دول الشرق الأوسط للحيلولة دون تمكين أيا منها أن تخطو خطوة إِلى الأمام وجعل إسرائيل إمامهم أمر واقع فلم تتمكن من سدّ كُلّ الثغرات. فبينما هي منشغلة بمتابعة موضوع العراق وحصاره اقتصادياً وثقافياً وعلمياً لتجعل شعبه عاجزاً على أن يحل رموزه الأبجدية، استفادت إيران من الاستقرار والهدوء فيها لبناء منشأتها الصناعية والعسكرية وتأكدت من أهمية امتلاك السلاح النووي. وراحت مستغلة الانهيار الاقتصادي الروسي لتنفيذ مشروعها النووي وشراء بعض الأسلحة التي يمكنها حمل رؤوس نووية، إضافة إِلى فرقاطتين تعملا بالطاقة النووية. ولم تكتفي إيران بما حصلت عليه من روسيا بل مدّت جسورها إِلى الصين وباشر البلدان بالتعاون في المجال النووي مُنْذُ عام 1994م بخطيه السلمي والعسكري (234).

المعرف عن إيران إنها حَتَّى في عهد الشاه الحليف الرئيسي للولايات المتحدة الأمريكية في المنطقة، كان محرما عليه تطوير البحث النووي حَتَّى في الجوانب السلمية. ويعود السبب في ذلك إِلى تخوف الولايات المتحدة الأمريكية من تهديدات الشاه باحتلال مناطق الخليج العربي والتي قَدْ تصل إِلى حدّ احتلال دول كانت إيران تدعي بعائديتها لها. وبينما بدأت إيران في مراحلها الأولى لاكتساب الخبرة النووية التي كانت تمتلكها، تنبهت إسرائيل إِلى خطورة الموقف وأخذت التصريحات تعلو لمحاصرة إيران وراحت أمريكا تجبر القيادة الروسية على عدم التعاون مَعَ إيران. إلا أن الضائقة الاقتصادية التي وقعت فيها روسيا نتيجة لعبقرية يلسن ومساعديه جعلت الطلب الأمريكي غير مقبول ما لم تكن هناك مساعدات أمريكية لروسيا تعادل ما سوف تجنيه من العقود النووية مَعَ إيران البالغة ثمانية عشر مليارا دولار أمريكي لغاية عام 1998م.

ولما رأت الولايات المتحدة الأمريكية لابُدَ من أن تمتد يَدّ إيران إِلى دول نووية أخرى لتتسابق مَعَ الزمن وتصبح قوة مهيمنة في منطقة الشرق الأوسط كما كانت عليه في عهد الشاه، كثف الساسة الأمريكيون جهودهم للقاء الدول التي لها خبرات نووية ككوريا الشمالية والأرجنتين والهند وجنوب أفريقيا ولربما دول أُخرى، لحثهم على عدم التعاون مَعَ إيران في هذا المجال النووي الاستراتيجي البحت (235,236).

ما أن انتهت الولايات المتحدة الأمريكية من هذا العناء حَتَّى بدأت تمد شباكها على الصين الشعبية بعد أن ضمن الرئيس الأمريكي كلنتون الوعد الروسي بعدم إعطاء إيران أية تجهيزات وخبرات نووية أخرى خارج ما كان متفق عليه مسبقاً. ونتيجة لتلك الجهود المضنية التي بذلها الرئيس الأمريكي ومساعديه اليهود للتقارب مَعَ الصين الشعبية لحثها على عدم التعاون نووياً مَعَ إيران، لَبَّى الرئيس الصيني دعوة كلنتون لزيارة الولايات المتحدة الأمريكية في أواخر تشرين الثاني عام 1997م. تلك الزيارة التي أعلن فيها الرئيس الصيني قبل مغادرته نيويورك بثلاثة أيام أن لا تعاون نووي مسبق مَعَ إيران وسوف لم يكن مستقبلاً. وذلك لقاء منح الولايات المتحدة الأمريكية الصين الشعبية مساعدة اقتصادية على شكل مواد غذائية قدرت قيمتها بعشرة مليارات دولار أمريكي لغاية نهاية عام 2000م. إضافة لتزويدها بأربعة مفاعلات نووية لتوليد الطاقة الكهربائية تبلغ قدرة كُلّ واحد من تلك الأربع 88 ميغاطن (237).

وباتفاق أمريكي مَعَ وكالة الطاقة النووية التابعة لجنوب أفريقيا حصلت الصين أَيضاً من تلك الدولة على أربعة مفاعلات نووية لتوليد الطاقة الكهربائية قدرة كُلّ منها 71 ميغاطن. ومن مفاجئات العقد الصيني الجنوب أفريقي الذي نفذ خلال أسبوعين فقط، أن حكومة جنوب أفريقية لم تكن تعرف بتلك الصفقة إلا بعد أن شاهد وزير خارجيتها مصادفة بعض خبراء الصين وهم يعدون العدة لنقل تلك المفاعلات إِلى الصين. حينها أعلن رئيس وكالة الطاقة النووية في جنوب أفريقية (238):

"أن الوكالة لها الحَقّ في عقد صفقات نووية دون الحاجة للرجوع إِلى وزارة الخارجية أو إعلامها بالصفقة".

لم تتوقف العلاقات الأمريكية الحديثة جداً على تبادل الخبرات النووية مَعَ الصين وحرصت الولايات المتحدة الأمريكية على حَلّ كُلّ العوالق المأساوية مَعَ الصين، والتي دامت أكثر من أربعين عاماً لمنعها مساعدة إيران في تطوير مفاعلاتها النووية. فَقَدْ التقت الولايات المتحدة الأمريكية والصين الشعبية على مائدة المفاوضات لإنهاء حالة اللاحرب واللاسلم ما بين كوريا الجنوبية وكوريا الشمالية المستمرة مُنْذُ عام 1953م. وهو ما يعني زوال كُلّ عوائق ومشاكل الولايات المتحدة الأمريكية مَعَ الدول الكبرى المناهضة لها لتدخل القرن الجديد بسياسة جديدة تكون لها اليد العليا للتصرف بمقدرات العالم. ولمنع العالم الآخر من البحث والعمل في الجوانب النووية حَتَّى ولو كان سلمياً. ويبدو إن الذي توصلت له الصين مَعَ الولايات المتحدة الأمريكية هو مساعدة كوريا في حَلّ مشاكلها الاقتصادية مقابل تعطيل إنتاج مفاعلها النووية في مجال الأسلحة.

وما أن غادر الرئيس الصيني الولايات المتحدة الأمريكية حَتَّى صرح وزير الدفاع الإسرائيلي بان إسرائيل تحتفظ بحقّها لضرب المفاعل النووي الإيراني الذي يُعَدّ تهديداً كبيراً لأمن إسرائيل (239). وبين هذا التصريح والمتغيرات الحاصلة في منطقة الخليج العربي، والتي تأزمت نتيجة للخلاف الحاصل ما بين العراق والولايات المتحدة الأمريكية بشأن ما يسمى بمهمة مفتشي الأمم المتحدة المتخصصين بنزع أسلحة الدمار الشامل، قامت الولايات المتحدة الأمريكية بحشد قواتها وبمشاركة بريطانيا واضحة في منطقة الخليج العربي (240)، وبأعداد أكبر من حجم المشكلة. مما نذر باحتمال حدوث مواجهة عسكرية جديدة في منطقة الشرق الأوسط، ولربما ضرب المفاعل النووي الإيرانية الفتي الذي لم يرى النور بعد باكورة إنتاجه. لتعود إسرائيل منفردة بامتلاكها القوة النووية في الشرق الأوسط بعد غياب الأثر النووي العراقي تَماماً.

إلا أن الحسابات السياسية الأمريكية التي قَدْ تؤدي إِلى إشعال المنطقة من جديد وخسران عمقها الاستراتيجي أدى إِلى تأجيل ذلك والاحتفاظ بحقّها في تدمير النوويات الإيرانية من جهة، وتكثيف المشاورات السياسية والدبلوماسية مَعَ الدول التي يعتقد إنها تلعب دوراً كبيراً في مساعدة إيران من جهة أُخرى.

إن هدف الولايات المتحدة الأمريكية في تقويض سلطة امتلاك الأسلحة النووية هو مسار تود الولايات المتحدة الأمريكية تحقيقه. وذلك ليتم حلم ترومان الذي تجسد بإقرار الكونغرس لما يسمى بقانون مكماهون الخاص بالأسلحة النووية بعد غياب دور كُلّ الأطراف الحقيقية المالكة للسلاح النووي الاستراتيجي وانفراد الولايات المتحدة الأمريكية به. وضمان بقاء إسرائيل التي لمؤسسيها اليهود دور بارز في إشعار ترومان بأهمية السلاح النووي ومساهمتهم الفعالة في إنتاجه لقاء منحهم أرض فلسطين كوطن مسلوب لهم.

إن الخوف الغربي والإسرائيلي من تطوير إيران إِلى أسلحة بعيدة المدى من جهة والعمل في المشروع النووي من جهة أُخرى سبب عدم ارتياح للبلدين. فتارة كانت الولايات المتحدة الأمريكية تهدد بتدمير ترسانة إيران ومرة تسعى لفرض عقوبات اقتصادية وأُخرى بالضغط على الدول المتطورة على إن لا تساعدها في هذا المضمار. ولكن يبدو إن بعض الدول الغربية ضمن هذا الحلف الأمريكي ضدّ إيران قَدْ أبدت عدم ارتياحها للسياسات الأمريكية في زجّ الدول الأوربية بالمشاحنات الأمريكية. وكانت ألمانية من أكثر الدول الداعية للتفاوض السلمي مَعَ إيران بخصوص برنامجها النووي دون اللجوء إِلى عقوبتها. وانضم إِلى صفها ليس بعد فترة طويلة، كُلّ من بريطانيا وفرنسا، مما أجبر الولايات المتحدة الأمريكية إن تترك الملف للدول الأوربية في مسألة التفاهم مَعَ إيران.

الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
2009

مســـاعد أول
مســـاعد أول



الـبلد : السياسة النووية الدولية وأثرها على منطقة الشرق الأوسط - صفحة 5 01210
التسجيل : 10/01/2008
عدد المساهمات : 509
معدل النشاط : 60
التقييم : 1
الدبـــابة : السياسة النووية الدولية وأثرها على منطقة الشرق الأوسط - صفحة 5 Unknow11
الطـــائرة : السياسة النووية الدولية وأثرها على منطقة الشرق الأوسط - صفحة 5 Unknow11
المروحية : السياسة النووية الدولية وأثرها على منطقة الشرق الأوسط - صفحة 5 Unknow11

السياسة النووية الدولية وأثرها على منطقة الشرق الأوسط - صفحة 5 Empty10

السياسة النووية الدولية وأثرها على منطقة الشرق الأوسط - صفحة 5 Empty

مُساهمةموضوع: رد: السياسة النووية الدولية وأثرها على منطقة الشرق الأوسط   السياسة النووية الدولية وأثرها على منطقة الشرق الأوسط - صفحة 5 Icon_m10الأحد 16 مارس 2008 - 18:48

10.7 الدول العربية وإسرائيل نووياً

يبدو إن الولايات المتحدة الأمريكية والدول الأوربية الأُخرى أرادت إن تتخلص من البحوث النووية وتطوير الجانب التسليحي في الدول العربية وبعض دول منطقة الشرق الأوسط جملة. فمع دخول العقد الأخير للقرن العشرين كانت المعلومات تؤكد إن كُلّ من العراق وليبيا وسوريا وإسرائيل وإيران وباكستان كانوا يبحثون لتطوير وإنتاج السلاح النووي بالاستعانة بخبرات كورية وصينية وأرجنتينية وخبرات أُخرى توفرت من الدول المنسلخة من الاتحاد السوفيتي. وكانت هناك خطة لاستيعاب هذه البرامج من خلال إجبار تلك الدول وخاصة العربية منها في التوقيع على معاهدة بإشراف الأمم المتحدة تحذر من إنتاج السلاح النووي وقيام وكالة الطاقة النووية الدولية بتزويد تلك الدول بمساعدات نووية للبحث السلمي وبإشراف مباشر من الوكالة (240). إلا إن التغيرات السياسية التي صاحبت منطقة الشرق الأوسط وخاصة غزو العراق للكويت قَدْ عطلت العمل بهذا المشروع وأصبح الأمر مُنْصَبّاً على لجان التفتيش وكيفية تدمير آلة العسكرية العراقية بإلحاح من الكيان الصهيوني وبمساعدة جميع دول الشرق الأوسط دون استثناء.

بمجرد الانتهاء من المسألة العراقية ونزع أسلحته عادت دول النادي النووي في أُكتوبر عام 1995م وبمساعدة حلفائها للترويج لمشروع إيقاف ومنع أيّ تطوير نووي في منطقة الشرق الأوسط. وَقَدْ تَمَّ إعلان ذلك على لسان ممثل بريطانيا بالأمم المتحدة بالنيابة عن الدول الأوربية الأعضاء في الاتحاد الأوربي وغير الأعضاء (241)، وَقَدْ جاء في المشروع المقدم النص التالي (241):

"الاتحاد الأوربي يشجع على خلق شرق أوسط خالي من الأسلحة النووية تَماماً للمحافظة على أمن المنطقة والأمن العالمي في آن واحد. وتتطلع الدول التي نمثلها في هذا المشروع إن يتم إخلاء الشرق الأوسط ليس من السلاح النووي فحسب كخطوة أُولى بل من جميع الأسلحة ذات التدمير الشامل التي تمتلكها دول المنطقة. ونحن نعتقد إن أيّ سلام في الشرق الأوسط لا يمكن إن يتم إذا لم يتم وضع الشرق الأوسط منطقة خالية من السلاح النووي"

حالما أعلن المشروع وَتَمَّ إقراره من قبل مجلس الأمن صرح الكيان الصهيوني بأنَّه غير معني بهذه المشاريع وعلى دول الشرق أوسط الأُخرى وخاصة العربية المحيطة بإسرائيل الالتزام به. وصاحب هذا القرار رفض عربي جاء في البداية من مصر إذ رفضت التوقيع على المشروع ما لم توقع إسرائيل وتنهي ترسانتها النووية، تبعتها ليبيا وسوريا. إلا إن الولايات المتحدة الأمريكية ولتفعيل القرار وعدم إفشاله أجبرت دول مجلس التعاون الخليجي على التوقيع ثُمّ اعتبرت التوقيع على القرار جزءاً من نزع أسلحة العراق فأجبرت النظام العراقي إن يوقع عليه أَيضاً (242).

لم تتابع الولايات المتحدة الأمريكية بصورة ذات أهمية البرامج النووية في الشرق الأوسط وأقلقها البرامج النووية الباكستانية والهندية لكونها دول تقع في محيط الشرق الأوسط ولأنها جربت بالفعل عدة تجارب ناجحة. ولعل الأكثر تعقيداً في هذه المسألة هو إن الباكستان والهند تمكنتا من تجربة الآلة الحربية الناقلة للسلاح النووي. وللحيلولة دون استمرار العملية هذه أُزيح نواز شريف من السلطة وأُبدل بالعسكري مشرفي لضمان استقرار حالة المنطقة.

على الرغم من تمكن الدول العربية من إنجاز بعض البحوث النووية إلا إن الولايات المتحدة الأمريكية كانت تعرف إن أيّ مشروع نووي في الدول العربية لا يمكن إن يأخذ موقع العراق النووي. وبالتالي فَقَدْ كان تركيز الولايات المتحدة الأمريكية على إيران في هذا العقد وعلى أكثر تقدير مَعَ نهاية هذا العقد ونهاية القرن العشرين للطموحات التي أبداها خاتمي في تطوير أسلحة إيران لضمان الدفاع عن حدودها وللأزمة الاقتصادية الروسية التي تحتاج لبيع التكنولوجية النووية. كما لعبت الصين دور ضغط أَيضاً على الولايات المتحدة الأمريكية في مساعدة إيران نووياً لِحَلّ الخناق الاقتصادي عنها ولتقليل اتهامها بعدم احترام حقوق الإنسان في الصين وزعزعت استقرارها.

إما بالنسبة إِلى إسرائيل فَفِي عقد التسعينات كانت منكبة على تطوير الآلة العسكرية الناقلة للسلاح النووي أكثر من انكبابها في إنتاج السلاح النووي. ولعل إسرائيل كانت تعنى بالأوضاع السياسية والدفاعية العسكرية التقليدية في هذا العقد أكثر من أية فترة مضت لتسارع الأحداث وزيادة النقمة في المنطقة على إسرائيل والولايات المتحدة الأمريكية. وبهذا يمكن إن نقول انتهى القرن العشرين بنتائج مهمة جداً في أولويات السياسة الأمريكية يمكن إجمالها بما يلي:

1. تمكنت الولايات المتحدة الأمريكية من شبه احتلال لمنطقة الشرق الأوسط والسيطرة على منافذ الملاحة لضمان تدفق البترول.

2. تمكنت من تحطيم الآلية العسكرية العراقية وحصرها في زاوية الاحتواء المزدوجة ريثما تأتي الساعة للانقضاض عليه وتضمن بذلك الريادة والسيادة لإسرائيل في المنطقة تسليحياً واقتصادياً وتكنولوجيا.

3. تمكنت من ترويض الساسة العرب من مغبة إرهاق دولهم بمشاكل مماثلة للعراق وأجبرتهم على إعطاء تسهيلات كبيرة وتوقيع معاهدات عسكرية مستقبلية.

4. حددت التحرك الإيراني دولياً من خلال المضايقات الاقتصادية ومراقبة برامج تطور أسلحتها وتطور برنامجها النووي.

5. أثبتت للعالم إن السيادة الدولية أصبحت للولايات المتحدة الأمريكية وليست هناك أية دولة يمكن إن تنافسها هذا الموقع.

6. ساعدت على الاستقرار الاقتصادي الأمريكي وأخرجت حكومة كلنتون أمريكا من مرحلة الكساد الاقتصادي إِلى مرحلة النمو الاقتصادي لانخفاض أسعار البترول وثباتها طيل فترة التسعينات.

7. تمكنت من القضاء على الترابط العربي بالقضية الفلسطينية وعزلها داخل حدود أراضيها ومن ثُمّ الانقضاض على حركة تحرره ومتابعتهم في الدول التي تأويهم.

8. تمكنت من فكّ منظومة الدول العربية والدول الإسلامية في عملية التصويت لاتخاذ أيّ قرار في مجلس الأمن أَو الجمعية العمومية للأمم المتحدة، أَو الوقوف بجانب بعضهم الآخر في أية قضية. إذ نجحت في عدة مسائل من إثبات ذلك كمسألة تيمور الشرقية وضرب العراق وتحطيمه.

9. حققت حلم مكماهون قبل ثمانين سنة المتمثل بالسيطرة على العالم من خلال القوة في إصدار القرارات دولياً وإجبار العالم على تنفيذها تحت ذرائع الشرعية الدولية. إذ بات واضحاً إن السيادة في مجلس الأمن لقرارات الولايات المتحدة الأمريكية وليس هناك من يستعمل حَقّ الفيتو ضدها. وإن لم يصدر قراراً بصالحها لا تهتم بمجلس الأمن وتعتبر القرارات السابقة تفويضا للقيام بأية مهمة تراها مناسبة لها.

10. حققت أَيضاً حلم مكماهون في سيطرة الولايات المتحدة الأمريكية على العالم اقتصادياً من خلال البنك الدولي وموارد العالم الطبيعية الأساسية. فالبنك الدولي مُنْذُ القرن الماضي لعب دوراً كبيراً في تحطيم اقتصاد العديد من الدول وربطها بمعاهدات لا يمكن إن تفك ديونها بواسطة تلك المعاهدات بسهولة.

هذه جملة من النقاط التي استنتجناها من خلال ملاحظاتنا لأحداث القرن العشرين وما ألت إليه الأمور فيه وددنا وضعها بالصورة أعلاه، لنبين مدى بعد السياسة النووية الدولية ومؤثراتها على استقلال واستقرار الشرق الأوسط بأنظمته وموارده. والتي برمتها تعتبر امتداداً حقيقياً للسياسة الغربية تجاه الشرق الأوسط وسيادة إسرائيل المتفردة ليس بالجانب العسكري فقط، بل من الناحيتين الاقتصادية والسياسية. ولقد شهد العالم في نهاية القرن العشرين تجاوبا كبيراً لمطالب إسرائيل يتلخص أهمها بإلغاء مقررات مؤتمر أوسلو وكامب واي ريفر وحَتَّى ما سمي لاحقاً بخارطة الطريق.

الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
2009

مســـاعد أول
مســـاعد أول



الـبلد : السياسة النووية الدولية وأثرها على منطقة الشرق الأوسط - صفحة 5 01210
التسجيل : 10/01/2008
عدد المساهمات : 509
معدل النشاط : 60
التقييم : 1
الدبـــابة : السياسة النووية الدولية وأثرها على منطقة الشرق الأوسط - صفحة 5 Unknow11
الطـــائرة : السياسة النووية الدولية وأثرها على منطقة الشرق الأوسط - صفحة 5 Unknow11
المروحية : السياسة النووية الدولية وأثرها على منطقة الشرق الأوسط - صفحة 5 Unknow11

السياسة النووية الدولية وأثرها على منطقة الشرق الأوسط - صفحة 5 Empty10

السياسة النووية الدولية وأثرها على منطقة الشرق الأوسط - صفحة 5 Empty

مُساهمةموضوع: رد: السياسة النووية الدولية وأثرها على منطقة الشرق الأوسط   السياسة النووية الدولية وأثرها على منطقة الشرق الأوسط - صفحة 5 Icon_m10الأحد 16 مارس 2008 - 18:48

الفصل الحادي عشر
التطورات السياسية النووية الدولية في القرن الحادي والعشرين




انتهى القرن العشرين وهو حافل بالأحداث المريبة دون إن يتمكن أحد من إن يضمر أَو يتصور ما سوف يحدث في منطقة الشرق الأوسط. حَيْثُ كان التصعيد على أشُدّه ما بين الدولتين المحيطتين بالشرق الأوسط، الهند وباكستان. والأزمة السياسية تعصف في تركيا والعلاقات ما بين دول الشرق الأوسط في فتور وفي تنامي وفي انقسام شديد على مسألة العراق. والمسألة الفلسطينية قَدْ بدأت حكومة الكيان الصهيوني تنهي الاتفاقات الدولية بصددها شيئاً فشيئاً من خلال الضغط على السلطة الفلسطينية للحصول على تنازلات الواحدة تلي الأُخرى. وبدأ القرن الحادي والعشرين والتوتر على الجبهة اللبنانية - الفلسطينية على أشُدّه الذي انتهى مُكللاً بالانسحاب الصهيوني واعتبار المقاومة اللبنانية مصدر إزعاج للولايات المتحدة الأمريكية والكيان الصهيوني. وباتت حماس الفلسطينية والجهاد الإسلامي تنفذ عمليات نوعية ضدّ الكيان الصهيوني. كما أصبح الحال في الجزائر لا يعرف أحد عن مأساته أَو مَن يَقْتُلُ مَن. هكذا انتهى القرن والولايات المتحدة الأمريكية مُقدِّمة على انتخابات مصيرية كبيرة.

إذ الكُلّ كان يصبو لمن سوف يقود الولايات المتحدة الأمريكية خلال الأربع سنوات القادمة مَعَ هذه السيولة النقدية الكبيرة والنمو الاقتصادي الكبير الذي سيخلفه كلنتون.

هناك العديد من الشوائب المريبة التي عصفت بالشرق الأوسط خلال السنوات العشر الأخيرة من القرن العشرين. إلا إن هناك أحداث أثرت بصورة كبيرة وتركت بصماتها لتنتقل كما هي إِلى القرن الحادي والعشرين، أهمها الحالة الجزائرية والأحداث العراقية والقمع الصهيوني في فلسطين. ولعل من أهم الأمور التي كان متوقعاً تصعيد الأحداث بموجبها في الشرق الأوسط هي الحالة الانتخابية المضحكة التي أُجريت في الولايات المتحدة الأمريكية. حَيْثُ استعملت كُلّ الألاعيب السياسية غير اللائقة لأبعاد ألغور ونجاح جورج بوش (الابن). إما على الصعيد النووي فيبدو إن مرحلة التصريحات الروسية الأمريكية لم تتغير، بل لها دورها الروتيني.

ولكن الحقيقة التي كانت بعد انتهاء القرن العشرين هو إن الولايات المتحدة الأمريكية انفردت بقوتها النووية وأصبح الاتحاد السوفيتي لا يمتلك إلا ما يقارب 7% مما تمتلكه الولايات المتحدة الأمريكية من قوة نووية قياساً بواقعها التدميري. حَيْثُ أُجريت ما بين البلدين مباحثات سرية للغاية لتقليل ترسانة روسيا النووية مقابل الدعم المادي الذي ساهمت فيه الولايات المتحدة الأمريكية لدعم الاقتصاد الروسي وخروجه من المأساة الصعبة. هكذا بدا لنا القرن الحادي والعشرين مرتبكاً حاراً متوتراً في كُلّ مكان في سنته الأُولى ولكن ما هي نتائج هذا التوتر وما هو التطور السياسي الذي حصل من دول النادي النووي الذي تقوده الولايات المتحدة تجاه الشرق الأوسط؟ في هذا الفصل سوف نحاول تسليط الضوء على تلك الأحداث لإيجاد مؤثراتها المرحلية والمستقبلية على الشرق الأوسط. وسنحاول مناقشة أُطروحة جورج بوش (الابن) حول مفهوم شرق أوسط كبير بعد إن فشلت إدارة كلنتون من إدخال الكيان الصهيوني إِلى المنظمة العربية بصفته التجارية من خلال المؤتمرات العالمية التي عقدت في الدوحة.

كما سنحاول مناقشة دور العلاقة العربية الصهيونية لبعض الدول ومردوداتها على الواقع الشعبي العربي. وسننتهي من هذا الفصل بكمال الحصيلة التحليلية التي نأمل إن نكشف بها ما يمكن توقع حدوثه في المستقبل ضمن تداعياته المستمرة.

الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
2009

مســـاعد أول
مســـاعد أول



الـبلد : السياسة النووية الدولية وأثرها على منطقة الشرق الأوسط - صفحة 5 01210
التسجيل : 10/01/2008
عدد المساهمات : 509
معدل النشاط : 60
التقييم : 1
الدبـــابة : السياسة النووية الدولية وأثرها على منطقة الشرق الأوسط - صفحة 5 Unknow11
الطـــائرة : السياسة النووية الدولية وأثرها على منطقة الشرق الأوسط - صفحة 5 Unknow11
المروحية : السياسة النووية الدولية وأثرها على منطقة الشرق الأوسط - صفحة 5 Unknow11

السياسة النووية الدولية وأثرها على منطقة الشرق الأوسط - صفحة 5 Empty10

السياسة النووية الدولية وأثرها على منطقة الشرق الأوسط - صفحة 5 Empty

مُساهمةموضوع: رد: السياسة النووية الدولية وأثرها على منطقة الشرق الأوسط   السياسة النووية الدولية وأثرها على منطقة الشرق الأوسط - صفحة 5 Icon_m10الأحد 16 مارس 2008 - 18:49

11.1 الانتخابات الأمريكية والتحديات النووية

لم يكن فوز جورج بوش الابن في الانتخابات الرئاسية للولايات المتحدة الأمريكية متوقعاً لعدة سمات كان يتصف بها شخصياً. فَقَدْ فشل حزبه من حَلّ الأزمات الاقتصادية الداخلية وكذلك السياسية والخارجية. ولكن الألعوبة الانتخابية التي حدثت جعلت من جورج بوش الابن يتقدم بـ: 27 ألف صوت على منافسه ألغور. مما جعل اللجنة الانتخابية بعد الاعتراض إن تقوم بتعداد الأصوات يدويا. ولما كان القانون الانتخابي الأمريكي لا يسمح بالعدّ اليدوي أكثر من أسبوعين تمكن بوش الابن من الفوز بالتزكية وليس بالاختيار المباشر من قبل شعبه.

ولعل سبب الارتباك الذي حصل في الانتخابات الأمريكية يعود للعبة من داخل أروقة التخطيط السياسي الدولي، إذ كان في أمريكا نظاماً تصويتياً يسمح لثلاثة أنظمة كومبيوترية لثلاث شركات مستقلة إن تحتفظ بنتائج الانتخابات ثُمّ يتم مقارنتها مَعَ بعضها البعض لمنع أية عملية تزوير تحدث، وإن حدثت تعود اللجنة للعَدّ اليدوي دون سقف محدد من الوقت. ولكن الذي حدث أنَّه قبل الانتخابات الأمريكية بسنة ونصف تَمَّ تعديل ذلك النظام الانتخابي الذي لا يمكن لأية جهة التدخّل في شؤونهم حَتَّى الحزب الحاكم لاستقلاليتها التامة. فمن خلال إلغاء الشركات الإلكترونية الثلاث الخاصة بجمع الأصوات الانتخابية والحفاظ على المعلومات لحين إعلان النتيجة وإبدالها بنظام جديد يتم بمضمونه الاحتفاظ فقط بنظام كومبيوتري أُحادي، يتم من خلاله تسجيل الصوت لأيّ ناخب دون الاحتفاظ بالمعلومات. وبالتالي فلا يبقى إلا العدّ اليدوي للتأكد من عدم التزوير والذي قَدْ حدده النظام الجديد بأسبوعين (243).

بهذه الصورة تمكن جورج بوش الابن من إن يصل إِلى السلطة بعد إن كان جميع أعضاء إدارته الانتخابية ومساعديه هُمْ ممن كان لهم دور في إدارة أبيه خلال مأساة الشرق الأوسط، ومتمرسون في الألاعيب الدولية. فمُنْذُ ذلك الحين وبتلك الصورة الانتخابية أصبح المعنيون بالعلوم السياسية والاستراتيجية يتوقعون إن هناك حالة دولية ستكون مربكة للاستقرار تود الإدارة الجديدة الاضطلاع بها.

لَقَدْ بدأ جورج بوش الابن لغته التهديدية مُنْذُ اليوم الأول لوصوله إِلى السلطة، وذلك من خلال توجيهه تهديداً سافراً إِلى بوتن رئيس روسيا الاتحادية، وطلب منه تطبيق معاهدة START II بحذافيرها وإن لا تكون الرؤوس النووية التي تمتلكها روسيا أكثر من 2500 رأس نووي بل لابُدَ إن تهبط هذه مَعَ 2002 إِلى أقل من ثلثها، وعلى روسيا إما تفكيكها وتخزينها، أَو تدميرها والولايات المتحدة الأمريكية على استعداد لمساعدة روسيا فنيا في التدمير. ويبدو إن الأزمة أخذت أكثر تعقيداً عندما قال بوش مصرحاً إننا سوف نبدأ ببرنامج حرب النجوم وغير ملزمين بما أعطيناه من وعود ماضية لروسيا أَو غيرها (196, 244).

لم تكترث روسيا لتصريحات بوش بل واجهتها بتصريحات أقوى، إلا إن اندلاع الجبهة الشيشانية ووضع روسيا الاقتصادي المأساوي جعل من بوتن يطلب الجلوس مَعَ بوش لإعادة بلورة معاهدة START II. وبالفعل تَمَّ إعادة بلورة المعاهدة في 22 مايو/مارس 2002م خرجت منها روسيا خاسرة تَماماً في التسليح النووي. ويبدو إن جورج بوش قَدْ هدد بوتن ببناء قواعد عسكرية في الدول المنسلخة من الاتحاد السوفيتي والمحيطة بروسيا، بحجة إن هذه الدول طلبت من الولايات المتحدة الأمريكية الانضمام للحلف الأطلسي. وعليه تمّت التسوية بعدم انخراط أُوكرانيا ولتونيا وقرقيزستان إِلى حلف شمال الأطلسي لقاء الرضوخ والقبول ببرنامج حرب النجوم الأمريكية وتفتيت الرؤوس النووية لتبقى روسية محتفظة بما يقارب 1230 رأس نووي و 1350 قذيفة تكتيكية. في حين إن الولايات المتحدة الأمريكية قَدْ آلت إليها الأمور بالاستمرار في مباحثها النووية وهي تمتلك 22 ضعف مما تمتلك روسيا وبمقدار 71 مرة أكثر مما تمتلك روسية من قوة تفجيرية تدميرية (196, 244,245).

يبدو إن الاتفاق المبرم ما بين روسيا والولايات المتحدة الأمريكية بشأن المحاصصة الاقتصادية الدولية والسلاح النووي وتدميره قَدْ أزعج الصين الشعبية، مما جعل الصين تعلن عن تجربتها النووية المتطورة في 23 يونيو/حزيران 2002م. وهو ما أجبر الولايات المتحدة الأمريكية في الاستجابة إِلى المطالب الاقتصادية الصينية شرط إن لا تساعد الصين إيران في تطوير سلاحها النووي وإن تعرب استعدادها لاستقبال رئيس الوزراء الصهيوني والتعامل مَعَ إسرائيل في صناعة المنظومة الدفاعية المضادة للصواريخ. وبالفعل تمّت الموافقة على جميع الأمور المترتبة من خلال زيارة رئيس دولة الصين الشعبية وبدأت المضايقات في برنامج التسلح الإيراني وخاصة النووي منه (245). ومن خلال التفاهم الحاصل مَعَ أقوى دولتين كبريين غير متحالفتين مَعَ الولايات المتحدة الأمريكية تمكن جورج بوش الابن من تحيديهما في أية قضية ينوي الإقدام عليها حَتَّى ولو كانت هناك عدم موافقة في مجلس الأمن. شرط إن لا تستعمل أيّ من تلك الدولتين حَقّ الفيتو وبالتالي ترجع الولايات المتحدة الأمريكية إِلى حال الحرب الباردة التي كانت أوجها في عهد خروشوف.

بعد إن انتهى جورج بوش من هاتين المسألتين عاد ليبسط ذراعه على العالم من خلال فرضه وبالقوة التوقيع على معاهدة الحَدّ من إنتاج الأسلحة النووية للدول التي لم توقع عليها من قبل. وحدث هذا بعد إن ألزم دول النادي النووي في آذار/ مارس 2002م التوقيع على معاهدة تنص على الموافقة في عدم إعطاء أية معلومة نووية لأيّ دولة حَتَّى ولو كانت حليفة. وتمكنت الولايات المتحدة الأمريكية من إجبار أكثر من 180 دولة على التوقيع على هذه المعاهدة، ومضيفة فقرة أُخرى لها، تعطي الحَقّ لوكالة الطاقة النووية زيارة تلك الدول بصورة مفاجئة ولأيّ موقع تعتقد اللجنة إن فيه نشاط نووي. وواقع الأمر تمكنت الولايات المتحدة الأمريكية من خلال منظمة الطاقة النووية الدولية التي يصل عدد الأمريكيين العاملين فيها حوالي 78% وما تبقى منهم يمكن وصفهم بالمتأمركين، من السيطرة على العالم أمنياً مَعَ إعطائها فرصة إن تكون كُلّ قوانين الدول تحت قانون الولايات المتحدة الأمريكية من خلال التفتيش المباشر والمباغة. وهذه حالة تمكنت الولايات المتحدة الأمريكية من تجربتها مَعَ النظام العراقي وجعلت منها أساساً للعمل في ضوئها ضمن الحالة الجديدة التي فرضتها ظروف العراق.

لم تستجب إيران وإسرائيل وكوريا إِلى هذا المنحى، بل تمكن جورج بوش من ربط الهند وباكستان بمعاهدة تنص على ضرورة إشعار الولايات المتحدة الأمريكية بموعد ووقت وحجم أية تجربة نووية. وبالتالي بقي أمامه ثلاث دول نعتهم بالدول الشيطانية كان أولها إيران لعدم تمكنه من وضع إملاءاته عليهم وكوريا الجنوبية لكونها بدأت تتهم عدم التزام الولايات المتحدة الأمريكية بما متفق عليه من مساعدة مالية وبالتالي فهي مضطرة للعودة إِلى بيع معلوماتها النووية (245,196). إما العراق فيبدو على الرغم من قناعته بعدم وجود سلاح نووي فيه وتوقيعه على المعاهدة عام 1973م إلا أنَّه بدأ يركز على تلك النقطة ليتمكن من إيجاد مبرر لإزالة الخطر الذي كان يتأمله فيه، ولتعتبر الدول الأُخرى في ذلك.

كان الرئيس جورج بوش تدور في أروقة إدارته خطة للاستقرار العالمي كما كان يسميها، وكان رامسفيلد وزير دفاعه ودك تشيني نائبه كثيراً ما يرددون في الصحافة والإعلام إن مهمة حكومتنا إيجاد استقرار عالمي والتخلص من الإرهاب الدولي. وتتلخص خطتهم التي أسماها جورج بوش بالخطة ذات الرؤوس الأربعة في التخلص من العراق أولاً وإيران ثانياً وسوريا ولبنان ثالثاً وفلسطين رابعا. إلا إن أيّ مبرر لتلك الخطة لم يكن موضوع طرح أَو نقاش معروف. كما إن إدارة بوش كان لابُدَ لها من إن تبحث عن مبرر لذلك، وإلا سوف تجابه رفضاً دولياً دون إن تسندها الدول المتحالفة (246).

نتيجة للمتغيرات الدولية تغيرت خطة بوش ذات الرؤوس الأربعة في ترتيب الدول المُصار إِلى القضاء عليها فأصبح الترتيب العراق، فلسطين، إيران ومن ثُمّ لبنان وسوريا، إيماناً من إدارة بوش بأنَّه في عملية القضاء على إيران سوف تسهل عملية إنهاء لبنان وسوريا مَعَاً، والمقصود بلبنان حزب الله. إلا إن الكُلّ متفق لابُدَ من إن يكون هناك موقع قدم ثابت للولايات المتحدة الأمريكية في الخليج العربي بقدرة عسكرية قتالية تطول أشهر ليتمكنوا من زرع قواعد في العراق تكن بعد ذلك باباً للفتح لهم. ولكن كما قلنا كانت تحتاج الولايات المتحدة الأمريكية إِلى تبرير لتنفيذ الخطة ذات الرؤوس الأربعة.

لَقَدْ جاءت أحداث 11 سبتمبر وسقوط برج التجارة الدولي مفاجئا للجميع من الناحية العامة إلا أنَّه غير مفاجئ لإدارة بوش ومخابراته. وغيَّر الحدث مجرى مجريات العالم الاقتصادية والسياسية والدولية بصورة أَو أُخرى. فبمجرد إن تَمَّ سقوط برج التجارة العالمية ومن دون أيّ تحري خرج الرئيس بوش بعد دقائق عدة يتهم بالتفجير تنظيم القاعدة وإسامة بن لادن بهذه العملية. ويبدو من حجم التوجه الإعلامي كانت الولايات المتحدة الأمريكية المتمثلة بالصحافة ومؤسسات إصدار القرار متهيئة تَماماً للحدث وكأنها على علم بما سوف يحدث. إذ كانت هناك تغطية بصورة غير طبيعية وبصورة مباشرة لموقع الحدث وكأن الصحافة كانت ترتقب شيئاً (247,248,249). وهذا يعني أنَّه مهما كان السبب فَلابُدَّ إن تتوجه الاتهامات إِلى أفغانستان وإسامة بن لادن ومن ثُمّ يعرجون على العراق.

لم ينتظر جورج بوش طويلاً ليهجم على أفغانستان وهو صاحب قوات الانتشار السريع المسماة بقوات القيادة المركزية. تلك القوات التي تحتاج إِلى مناورات حقيقية قبل إن تقوم بمهمة عسكرية جبارة في مكان ما من العالم المهم للولايات المتحدة الأمريكية وعليها إن تتهيأ لعملية أكبر. فشنّ هجومه الكاسح على أفغانستان خلال خمسة أسابيع من ضرب برج التجارة العالمي، وكان الكُلّ متوقعاً ما سيحدث دون مفاجئة تذكر. وقبل إن يقدم على عمله تمكن من لملمة من يريد من الأفغان لإعطائه شرعية في عمله هذا، وبالفعل تحت غطاء بناء الديمقراطية وجعل أفغانستان هون كونك أُخرى شنّ هجومه الكاسح بمباركة الأفغان المتأمركين.

كانت أخطاء بوش الاستباقية في الكلام مؤشراً كبيراً على إقدامه لتغيير وجه المنطقة خصوصاً عندما تفوه وقال "إنها حرب صليبية". واعتقد أنَّه أراد من ذلك جَسّ نبض الشارع الإسلامي من خلال تصريحه هذا. وعندما كانت ردود الفعل عنيفة كان المستشارين حاضرين لسدّ الثغرات في هذا الموضوع. ومهما تكن التصريحات فَقَدْ أقدم بوش على تغيير صورة أفغانستان المحكومة من قبل طلبان وحقق النجاحات المستقبلية التالية (250،251،252):

1. تمكنت الولايات المتحدة الأمريكية من إقناع العالم بأُطروحة الإرهاب الدولي التي جاء مفهومها على لسان وزير خارجية ريغان آنذاك ألكساندر هيغ بتاريخ 28 كانون الثاني عام 1981م (159).

2. من خلال أُطروحة الإرهاب الدولي ومدى مقدرته للوصول إِلى أية بقعة في العالم حَتَّى الولايات المتحدة الأمريكية البعيدة الآمنة، تمكن بوش من إن يقنع حلفائه إن اقتصادهم مهدد كما هو تَماماً اقتصاد الولايات المتحدة الأمريكية. وَقَدْ بان ذلك من خلال هبوط أسعار البورصة الأمريكية والأوربية والأسيوية بواقع 56% مباشرة بعد ضرب برجي التجارة العالميين في أمريكا.

3. وجد الرئيس الأمريكي جورج بوش الابن المبررات الأساسية التي تمكنه من العمل بجدبة لتنفيذ الخطوة الأُولى في عمليته المسماة "ذات الرؤوس الأربعة"، والتي لم يفصح بها عما يروم فعله إلا لماماً أَو خطأ لسان مَعَ الصحافة والإعلام.

4. بعد إن تمكنت الولايات المتحدة الأمريكية من إدخال جميع الدول الأوربية في لعبة شبح الإرهاب، مارس جورج بوش ضغوطات على دول الشرق الأوسط وخاصة العربية من تحديد مسارها وتقييمها للإرهاب تحت مقولته المشهورة: "من ليس معنا فهو ضدنا".

5. تمكنت الولايات المتحدة الأمريكية من تصوير الإرهاب كحالة متلاحمة متماسكة مَعَ المسلمين وخاصة القادمين من الشرق الأوسط من خلال التركيز على الأفغان العرب وإسامة بن لادن وغيره من مساعديه العرب. وبالتالي تمكن من الإيحاء للدول العربية إن لم تدعمه في مسعاه الحالي سيتم الحاقهم بركب الإرهاب واتهامهم بمساعدة تنظيم القاعدة وهو ما تَمَّ فعله بالعراق.

6. من خلال أُطروحة الإرهاب ووجوب تكاتف العالم للقضاء على شبحه تمكن من إجبار جميع الدول الإسلامية الشرق أوسطية للمساهمة مساهمة فعالة في جمع المعلومات الاستخباراتية وتقديم المساعدة التي تحتاجها الولايات المتحدة لحربها ضدّ الإرهاب.

7. تمكنت الولايات المتحدة الأمريكية من قيادة العالم عسكرياً ومالياً تحت هذه الظاهرة دون مناقشة تذكر. وراحت جميع الدول التي لم تساهم بقوات في الحرب الأفغانية، تشترك بسدّ فواتير الحرب على الإرهاب خوفاً من اتهامها بمساعدة الإرهاب.

8. كانت تجربة حية لامتصاص نقمة الشارع الإسلامي من خلال التعرض لدولة إسلامية أَو مقدساتها من خلال إدخال الباكستان ذات القوة النووية باللعبة الأمريكية. والتي بدورها أوحت إن الإسلامية فقط تسمية لدولة ولا تتعدى غير ذلك.

9. أوقعت جمهورية إيران الإسلامية في فَخّ ضرورة المساعدة الاستخباراتية والمخابراتية في القضاء على الإرهاب من خلال إجبارها أَو تطويعها بتزويد الولايات المتحدة الأمريكية بمعلومات عن أفغانستان وطلبان، أَو إنها تساند الإرهاب.

10. تهديد بوش في قمع الإرهاب أينما كان حَتَّى في الدول التي تستضيفهم كانت مسألة دولية خطيرة تعطي الحَقّ للولايات المتحدة الأمريكية محاكمة أيّ كان تحت قانون هي تسنه وهي تجد الظروف لذلك. وبالتالي أصبحت دول العالم بأجمعها في مرمى مدفعية وطائرات الولايات المتحدة الأمريكية من خلال أيّ تقرير كاذب أَو غير متزن يرفع للرئيس الأمريكي من وكالة المخابرات الأمريكية.

11. أعطت الحرب على أفغانستان فرصة للولايات المتحدة الأمريكية في زيادة أعداد جيشها ومخازن عتادها في البحر العربي والمحيط الهندي. ليكون تمهيدا لأيّ حرب مستقبلية دون اللجوء إِلى نقل القوات مرة أُخرى ليكون الهجوم مباغة. حَيْثُ وصل تعداد العسكر الأمريكي في الخليج العربي إِلى حوالي 320 ألف عسكري مَعَ انتهاء الحرب الأمريكية-الأفغانية.

12. يعتبر العالم الصين قوة اقتصادية وبشرية وعسكرية حقيقة، ويتوقع مَعَ عام 2015م إن تكون دولة ذات تأثير مباشر في المتغيرات الدولية، وبالتالي لابُدَ من إن يكون للولايات المتحدة الأمريكية منفذاً قريباً من حدودها البعيدة غير المقابلة لكوريا وتايوان. فكانت أفغانستان هي القاعدة الأمريكية لمناهضة الصين المستقبلية.

13. كانت الإشارة الاقتصادية والسياسية والعسكرية الاستراتيجية تشير إِلى إن الدول الأوربية مَعَ إقرار اليورو كعملة ستكون دولة كبرى في المستقبل القريب، وكان لابُدَ للولايات المتحدة الأمريكية من معرفة ولاء أوربا لها وكيفية التعامل مَعَ الأزمات لتحديد أدوارها الدولية مستقبلاً وتواجد قوات الولايات المتحدة الأمريكية في منطقة النفوذ والمصالح دون اللجوء لمساعدة قوات حلف شمال الأطلسي. ويبدو إن مسألة أفغانستان أحسستها بأن الحلف مَعَ أوربا مصيره للانهيار وسف تكون في يوم ما قوة مناهضة أَو معارضة للولايات المتحدة الأمريكية وسياستها في منطقة الشرق الأوسط.

14. تمكنت الولايات المتحدة الأمريكية من إعادة انتشار قواتها بصورة تغطي العالم وتكون قريبة من أيّ بقعة ساكنة دون حشدها في أوربا أَو بعيداً في الولايات المتحدة الأمريكية وشمال شرق آسيا.

15. تمكنت إدارة بوش من خلال تسويق الإرهاب اعتبار الكيان الصهيوني وشارون عنصراً مساهماً في قمع الإرهاب لغرض توجيه ضربات إِلى الشعب العربي الفلسطيني والانقضاض عليه في داره من جانب، وإرسال رسالة إِلى العالم الآخر بعدم التدخّل وإلا سيتم معاداتهم وتصفيتهم أَيضاً لكون الفلسطيني المقاوم قَدْ تَمَّ احتسابه في خانة الإرهاب حسب تعبيرهم.

16. المحافظة على عدم تطور البرنامج النووي الباكستاني والهندي من خلال المراقبة عن قرب وضمان عدم استعمال الباكستان كقوة إسلامية مستقبلاً ضدّ أيّ توجه أمريكي في أية منطقة فيها أغلبية إسلامية.

هذه جملة من البيانات التي نراها قَدْ أدت إِلى كسب الولايات المتحدة الأمريكية الحرب الأفغانية من أجل تصعيد آخر في منطقة أُخرى. ومن ثُمّ يصار إِلى إرساء الأجندة الأمريكية، ولو بصورة تكتيكية، المعدة للقرن الواحد والعشرين. ولم تكن تلك الأجندة قَدْ أعدتها الولايات المتحدة الأمريكية للسيطرة فقط، لا بل لهواجسها بالانحسار عالمياً ما لم تقتنص الفرصة للسيطرة على منافذ البقاء كدولة حضارية. كان ذلك لعلمها بأن العالم مقبل على ظهور أكثر من قطب خلال الربع الأول من القرن الحادي والعشرين. وتشير الدلائل الإحصائية والاستراتيجية إن مسحاً سياسياً واقتصادياً وبشرياً وعسكرياً قَدْ وجد أنَّه سوف يكون هناك تفوّق وتدخّل دولي لِكُلِّ من منظمة الدول الأوربية والصين الشعبية والهند في المستقبل القريب. وبالتالي فأنه من هذا المنحى تمكنت الولايات المتحدة الأمريكية من إشعال بؤر ساخنة في العالم من جهة والسيطرة على مناطق النفوذ من جهة أُخرى. وكانت أفغانستان باباً أساسياً للخطة ذات الرؤوس الأربعة التي بدأت تتأثر بعد حرب أفغانستان سريعاً.

الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
2009

مســـاعد أول
مســـاعد أول



الـبلد : السياسة النووية الدولية وأثرها على منطقة الشرق الأوسط - صفحة 5 01210
التسجيل : 10/01/2008
عدد المساهمات : 509
معدل النشاط : 60
التقييم : 1
الدبـــابة : السياسة النووية الدولية وأثرها على منطقة الشرق الأوسط - صفحة 5 Unknow11
الطـــائرة : السياسة النووية الدولية وأثرها على منطقة الشرق الأوسط - صفحة 5 Unknow11
المروحية : السياسة النووية الدولية وأثرها على منطقة الشرق الأوسط - صفحة 5 Unknow11

السياسة النووية الدولية وأثرها على منطقة الشرق الأوسط - صفحة 5 Empty10

السياسة النووية الدولية وأثرها على منطقة الشرق الأوسط - صفحة 5 Empty

مُساهمةموضوع: رد: السياسة النووية الدولية وأثرها على منطقة الشرق الأوسط   السياسة النووية الدولية وأثرها على منطقة الشرق الأوسط - صفحة 5 Icon_m10الأحد 16 مارس 2008 - 18:50

11.2 دول شرق الأوسط نووياً

دخل الشرق الأوسط القرن الواحد والعشرين بمأساة سياسية حادة، إلا إن الطموح في امتلاك دوله للسلاح النووي بات أكثر وضوحاً عند بعضها. فعلى الرغم من اتهام العراق بتطويره السلاح النووي إلا أنَّه وبشهادة منظمة الطاقة الدولية لم يُعَدّ العراق قادراً على إنتاج الأسلحة النووية، وذلك لتحطيم جميع أبنيته وأجهزته ومصادرة جميع المواد التي يمكن من خلالها تخصيب اليورانيوم واستعماله في إنتاج القنبلة النووية. وَقَدْ بينت تقارير لجان التفتيش هذا الأمر بصورة واضحة من خلال تقاريرها التي رفعتها لمجلس الأمن الدولي.

إن سبب إصرار الولايات المتحدة الأمريكية على امتلاك العراق للسلاح النووي ووجوب تدميره يكمن في كونها تتخوف من مقدرة العراق في إعادة لملمة واقعه العلمي بواسطة الكم الهائل من علمائه. فَلَقَدْ بات واضحاً على لسان الساسة الأمريكيين وجوب التخلص من العلماء العراقيين. كما إن هاجس الخوف الثاني الذي كان يطارد الولايات المتحدة الأمريكية من مقدرة العراق النووية، هو الخوف من إن ينطلق هؤلاء العلماء إِلى جهة أُخرى لا تقوى الولايات المتحدة الأمريكية على تقويضها. وبالتالي سوف تكون لهم مساهمة فعالة لعلمها بمقدرة العلماء العراقيين وما توصلوا إليه بفترة تعتبر خارج نطاق التصديق نووياً.

حاولت الولايات المتحدة الأمريكية قبل إن تنفذ غزوها الأخير للعراق شراء ذمم هؤلاء وإخراجهم العلماء بشتى الوسائل مَعَ أهلهم سالمين إلا إن جلهم رفضوا ذلك، على الرغم من إن البعض القليل ممن كان يلهث وراء المادة قَدْ انساق لهذه الوعود. وهم قلة ولديهم معلومات بسيطة وطفيفة طبلوا لها إعلامياً في الغرب وتبين جلها أكاذيب لا صحة لها أَو إنها قديمة لاستبعادهم من البرنامج النووي لقلة كفاءتهم فيه أَو عملهم ضمن مشاريع نووية ثانوية لفترات بسيطة من الزمن. وحين عجزت الولايات المتحدة الأمريكية عن ذلك استعملت أسلوب الاغتيالات للتخلص من الكادر العلمي العراقي الكبير، وراح ضحية الاغتيالات خيرة العلماء العراقيين ممن يمكنهم خدمة الإنسانية من خلال تسليط بحوثهم للبحث الذريّ السلمي كما كان زملائهم عام 1964م، بالإضافة إِلى العلماء من ذوي الاختصاصات الأُخرى.

ويمكن إن نخص بالذكر ممن طالت إليهم يَدّ القتل والاغتيال كُلّ من العلماء: الدكتور أسعد سليم الشريدة، الدكتور على عبد اللطيف الميّاح، والدكتور شاكر الخفاجي، والأُستاذ الدكتور مروان غائب مظهور الهيتي، والدكتورة ليلى عبد الله السعد، الدكتور منير الخيرو، والأُستاذ الدكتور محي حسين، والأُستاذ الدكتور مهند الدليمي، والدكتور خالد شريدة، والدكتور عبد الله الفضل، والأُستاذ الدكتور مُحَمَّد فلاح الدليمي، والأُستاذ الدكتور باسل الكرخي، والأُستاذ الدكتور عماد سرسم، الأُستاذ الدكتور مُحَمَّد عبد المنعم الإزميرلي، والأُستاذ الدكتور حازم عبد الهادي، والأُستاذ الدكتور عبد السميع الجنابي، والأُستاذ الدكتور عالم عبد الحميد، والأُستاذ الدكتور عباس العطار، والأُستاذ الدكتور حيدر البعاج، والأُستاذ الدكتور نزار عبد الأمير العبيدي، والدكتور مجيد حسين على، والدكتور فلاح الدليمي، والدكتور صباح محمود، والدكتور أسعد الشريدة، والدكتور حمزة ياسين والدكتور عبد الحسين مُحَمَّد البهادلي، والدكتور صفاء مدحت حسن، والدكتور وائل مصطفى قاسم، والدكتور نبيل فاضل عباس وآخرهم الدكتور طالب إبراهيم ظافر الذي تَمَّ اغتياله يوم 21/12/2004م.

كانت للجزائر اهتمامات نووية بجانبيها السلمي والحربي إلا إنها بدأت تندثر شيئاً فشيئاً نتيجة عدم الاستقرار في الدولة. وَمَعَ عام 1998م تَمَّ على أيدي مجهولين تحطيم مركز البحوث النووي الجزائري الفتي. مما أجبر فرنسا على إن تطالب الجزائر بإعادة المفاعل النووي التجريبي الممنوح لها عام 1981م، وبالتالي فمع دخول القرن الحادي والعشرين أصبحت الجزائر خالية من أيّ طموح نووي لا سلمي ولا عسكري (241). إما البرنامج النووي السوري الذي لا يتعدى كونه برنامج بدائي جداً مُنْذُ عام 1977م عندما أهدى الاتحاد السوفيتي مفاعل بحثي صغير بقوة 20 ميغاواط، فلم يتطور كثيراً. وذلك أولاً لقلة الخبرة فيه وعدم تمكن الدولة من إرسال بعثات تدريبية أَو دراسية لتطويره، وثانيها عدم اكتراث الدولة بصورة أَو أُخرى من جدية هذا الموضوع لأسباب سياسية واقتصادية.

لذا كانت الولايات المتحدة الأمريكية لا ترعى مَعَ هذا العقد أيّ اهتمام لسورية ومصر لعدم كفاءة البلدين في الجانب النووي لأسباب مالية (253,245). على الرغم من وجود كفاءة مصرية علمية نووية كبيرة تدربت في كبرى المؤسسات الدولية وخاصة الاتحاد السوفيتي في عهد خروشوف الذي كان يُجِلُّ عبد الناصر ويدعم القضايا العربية المصيرية. إلا إن الجانب السلمي وبإشراف الولايات المتحدة الأمريكية مُنْذُ عام 1983م قَدْ حَقَقَ نجاحاً مهما في مصر. ولذ فأن هناك مراقبة شديدة على علماء مصر في التنقل عالمياً خوفاً من استفادة الدول المارقة التي تسميهم الولايات المتحدة الأمريكية من خبرة هؤلاء العلماء المصريين النوويين.

من هنا يمكننا إن نقول إن مَعَ القرن الحادي والعشرين لم تكن هناك برامج نووي تذكر وعلى مدى من الإزعاج إلا في إيران وإسرائيل وشكوك حول امتلاك ليبيا وتطويرها. وعليه سوف نتطرق لتلك الدول وبرامجها النووية بالتفصيل.



11.2.1 البرنامج الليبي النووي

كان هناك اعتقادٌ أمريكي إن الدول الغنية بالبترول والتي تسميها بالراديكالية تطمح لامتلاك السلاح النووي. وكانت هناك شكوك إن الكثير من العلماء المصريين قَدْ تعاقدوا مَعَ ليبيا لتطوير برنامج نووي، إلا إن الاستخبارات الدولية لا تعرف حجم وتطور البرنامج الليبي. ويبدو إن البرنامج الليبي نشأ بشكل من السرية ما جعل وكالة المخابرات الأمريكية تعيش التكهنات حوله أكثر مما إن تكون متأكدة. وكما يبدو للبحث إن وكالة المخابرات الليبية كانت على درجة من الدهاء ما جعلت أضواء العالم تتجه إِلى علنية ليبيا في تطوير السلاح البايولوجي والكيمياوي. وهو ما جعل الجميع يفكر إن ليبيا ليس لها أيّ طموح نووي. ولكن الواقع عكس ذلك، لكون ليبيا استغلت تفكك الاتحاد السوفيتي وتعاقدت مَعَ شخصيات كانت تعمل في تلك الدول وتمكنت من تعاقدها معهم من فكّ ثلاث مفاعل نووية تبلغ طاقتها ما بين 120-210 ميغاواط ونقلها سرّاً إِلى ليبيا. بالإضافة إِلى ذلك فهي لم تعتمد على خبرة غربية في هذا الجانب بل اعتمدت على خبرات مصرية وعراقية وليبية في هذا المجال مُنْذُ منتصف التسعينات.

لم يتمكن أحد من معرفة ما يدور في برنامج التطور النووي الليبي، وحَتَّى التكهنات كانت تأتي مشوشة وغير صائبة تَماماً. ولكن على حين غفلة وفي العشرين من ديسمبر عام 2003م صرح معمر القذافي إن ليبيا مستعدة للتخلص من أسلحة الدمار الشامل بما فيه برنامجه النووي الذي بدأه في مطلع التسعينيات من القرن المنصرم (254). وبمجرد إن أعلن القذافي للصحافة نيته وبعد إن اتصل مباشرة بجورج بوش وتوني بلير رئيس الوزراء البريطاني وأخبرهم بذلك قبل ليلة، سافر على وجه السرعة وفدان من بريطانيا والولايات المتحدة الأمريكية ضَمَّ متخصصين في مختلف الأسلحة ذات التدمير الشامل وزاروا عشرة مواقع للأسلحة منها ثلاثة متخصصة في الشؤون النووية. وَقَدْ أبلغ العلماء الليبيين الوفدين البريطاني والأمريكي إنّهم كانوا يعملون مُنْذُ أكثر من عشر سنوات مَعَ العلماء المصرين والعراقيين لإنتاج مواد انشطارية تمكنهم من صنع قنبلة نووية (254).

بعد تقصي الوفدان حقيقة الأسلحة الليبية السرية، أوعزت الولايات المتحدة الأمريكية لوكالة الطاقة الذرية للقيام بالمهمة ومتابعة صحة البرنامج النووي الليبي وماهية تقدمه البحثي والسيطرة على المستمسكات والأجهزة والتحفظ عليها. وبالفعل زار ليبيا مُحَمَّد البرادعي الرئيس التنفيذي لوكالة الطاقة الذرية الدولية والتقى المسؤولين الليبيين في الأول من فبراير عام 2004م وقدم تقريره لمجلس الأمن الدولي في العشرين من فبراير 2004م. ولم يكن تقريره يحمل معلومات علمية مهمة، ويبدو إنها كانت مقصودة لإبقاء المعلومات متوفرة فقط للولايات المتحدة الأمريكية وبريطانيا (255).

لَقَدْ إتضح حجم تقدم البرنامج النووي الليبي في الخامس عشر من مارس/آذار 2004م في المؤتمر الصحفي الذي عقده المختبر الوطني الأمريكي في أوك ريج Oak Ridge National Laboratory المتخصص في العلوم النووية، والذي رأسه وزير الطاقة الأمريكي سنسر أبرهام إذ قال فيه (255):

"سلمت ليبيا لجنة الولايات المتحدة الأمريكية مواد مركزة لفصل النيترونات الانشطارية وهذه تعتبر مرحلة متقدمة في التخطيط والتنفيذ لصنع القنبلة الذرية. إما من الناحية العملية فأن المواد المعروفة بالـ: P-2 أَو L-2 تعتبر متقدمة في انشاء المفاعل النووي المنتج للسلاح النووي".

كما أوضح من خلال الصور في مؤتمره الصحفي المواد الأساسية لبناء المفاعل النووي المفكك والذي يتألف من أنابيب خاصة لإجراء التفاعلات والمواد التغليفية الأُخرى التي تعتبر مادة أساسية في قصف اليورانيوم لتوليد البلوتونيوم الانشطاري. وأفاد في المؤتمر الصحفي إن 25 مسؤولاً لبياً قَدْ استجوب في هذه المسألة وأفادوا إنّهم طلبوا من الدول المنحلة من الاتحاد السوفيتي وباكستان وكوريا الشمالية 5 آلاف وحدة انشطارية للتخصيب من نوع L-2 لإكمال احتياجات مخطط المفاعل النووي قبل التنفيذ في عام 2000م. إلا إنها تمكنت من الحصول على ضعف المواد المطلوبة في عام 2002م كما أفادوا إن ليبيا تمكنت أَيضاً في عام 2002م من الحصول على بعض المكننة الداخلة في بناء المفاعل النووي في صناديقها ولم تستعمل في تلك الدول قط. وبالتالي وحسب ما جاء في المؤتمر الصحفي إن ليبيا كانت على أبواب التخصيب والتطوير وليس البحث لبناء مفاعل نووي، وهنا تكم خطورة سرية هذا المشروع الذي وصل لتلك المرحلة ولم يفصح عنه أيّ مسؤول ليبي ولو بإشارة عابرة قبل إن يفضح أمره القذافي شخصياً.

لَقَدْ تبين من التحقيق في المسألة إن أول كمية من اليورانيوم الخام قَدْ استلمتها ليبيا في غضون أُكتوبر من عام 1978م ثُمّ تمكنت من الحصول على ضعف الكمية البالغة 155 كيلوغرام عام 1981م دون إن تشعر وكالة الطاقة النووية بذلك (255). كما اعترفت ليبيا أَيضاً إنها استلمت كمية من اليورانيوم النقي في التفاعلات النووية في غضون عام 1985م بصورة سرية، ويبدو إن وكالة الطاقة النووية كانت على عِلْم بفِقْدان هذا الحجم من اليورانيوم النقي إلا إنها عجزت في معرفة الجهة التي هربت لها تلك الكمية من اليورانيوم إِلى إن اعترفت ليبيا بذلك مؤخراً. وبالتالي وبالاستناد إِلى المعلومات التي أشعرت ليبيا بها وكالة الطاقة النووية إنها استلمت عام 2001م وعام 2002م شحنات من اليورانيوم ليصل مجموع ما استلمته لمفاعلها النووي ما يقارب 1.7 طن من اليورانيوم ومعظمه كان من الباكستان.



لم يكن البرنامج النووي الليبي فقط لتطوير مشروع ننوي لصنع قنبلة نووية، بل دأبت ليبيا أَيضاً على تطوير برنامجاً آخر لتعبئة الرؤوس النووية. هذا المشروع كان يسمى الفجر الجديد، وتمكنت وكالة الطاقة الدولية من الاستحواذ على كُلّ مخططاته وأبعاده المستقبلية حين زارت ليبيا بعد تخلي القذافي عن البرنامج النووي. وبالتالي فأنه مَعَ إعلان القذافي تمكنت الولايات المتحدة الأمريكية ببساطة من إنهاء البرنامج النووي الليبي والاستحواذ عليه دون إن تدخل في متاهات حربية. فيا ترى ما الذي دفع القذافي لذلك؟ سؤال يحتاج إِلى دراية تامة ومتابعة لدراسة فحوى الإقدام على تلك النهاية.

كان إعلان القذافي عن تسليم ملفه النووي مفاجئ جداً ولا صحة لمن يقول كنت أتوقع حدوث ذلك أَو إنني على معرفة بالبرنامج النووي الليبي. لأنَّه لا وجود لأية معلومة عن هذا المشروع حَتَّى لدى المخابرات البريطانية والأمريكية. لكن الذي حدث باعتقادنا إن القذافي أعاد قراءة التاريخ والقوة ومراكز نفوذها وتمكن من فهم اللعبة قبل إن يأتيه المدّ التغييري تحت مظلة الديمقراطية للشعوب المظلومة، فأعلن أنَّه مستعد للتخلي عن برنامجه النووي. فالأمور التي كانت تسير نحوها منطقة الشرق الأوسط أوضحت للقذافي لا داعي للمنادات بمحاربة الإمبريالية الأمريكية مادامت هي موجودة أصلاً على الأراضي العربية ويمكنها الانقضاض على أيّ بلد تريد. ولعل ما حدث في العراق هو خير شاهد على نية الولايات المتحدة الأمريكية على تغيير وجه الشرق الأوسط ضمن الأُطروحة الجديد للسيطرة على العالم. هذه الشواهد هي التي دفعت برأينا القذافي لاتخاذ القرار بالتخلي عن أمور عديدة منها أسلحة الدمار الشامل والقضية الفلسطينية والأعمال الإرهابية التي تتهم بها ليبيا وما إِلى ذلك.

لَقَدْ نجحت الولايات المتحدة الأمريكية من وضع اللبنة الأُولى لمشروع الشرق الأوسط الكبير بانسلاخ ليبيا من منظومة الدول العربية لو سياسياً دون أيّ عناء يذكر. وبالتالي فالقذافي سهل على الولايات المتحدة الأمريكية آلية انخراط الدول المحيطة بليبيا والرضوخ للأمر الواقع والتخلي عن الأُطروحات التي أتت بالكيانات العسكرية إِلى كرسي الحكم. ولعل أهمية انسلاخ ليبيا لا تنبع فقط من كونها دولة نفطية غنية وحسب، بل لكونها دولة عربية في الجانب الأفريقي، وَلابُدَّ من تحديد أهداف تلك الدولة بما ينسجم مَعَ واقع الدول الأفريقية أكثر مما ينسجم مَعَ واقع الدول العربية، فتكون الدول العربية مستقبلاً تشكل بوجودها كومنوليث يتحدث اللغة العربية كما هو معروف بالكومنويلث الإنكليزي والفرنسي والسوفيتي. وهو ما يحقق اللبنة الأساسية لمفهوم الشرق الأوسط الكبير الذي لابُدَ إن يكون نتيجة لنهاية العملية العسكرية والسياسية الأمريكية في المنطقة.

وبالتالي يتحقق حلم جورج بوش الابن في إنشاء الشرق الأوسط الكبير الذي ردد مفهومه مُنْذُ إن بدأ عمليته الانتخابية في الدورة الأُولى لرئاسة الولايات المتحدة الأمريكية. كما إن انسلاخ ليبيا له مردوداته الحسنة أَيضاً على إمكانية إنجاز خطة بوش ذات الرؤوس الأربعة، والتي تدخل ضمن تكتيكها سورية وبالتالي ضمنت الولايات المتحدة الأمريكية عدم وجود أيّ حليف لسورية باستثناء إيران الموجودة أصلاً ضمن الخطة الأمريكية للانقضاض والسيطرة.

الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
2009

مســـاعد أول
مســـاعد أول



الـبلد : السياسة النووية الدولية وأثرها على منطقة الشرق الأوسط - صفحة 5 01210
التسجيل : 10/01/2008
عدد المساهمات : 509
معدل النشاط : 60
التقييم : 1
الدبـــابة : السياسة النووية الدولية وأثرها على منطقة الشرق الأوسط - صفحة 5 Unknow11
الطـــائرة : السياسة النووية الدولية وأثرها على منطقة الشرق الأوسط - صفحة 5 Unknow11
المروحية : السياسة النووية الدولية وأثرها على منطقة الشرق الأوسط - صفحة 5 Unknow11

السياسة النووية الدولية وأثرها على منطقة الشرق الأوسط - صفحة 5 Empty10

السياسة النووية الدولية وأثرها على منطقة الشرق الأوسط - صفحة 5 Empty

مُساهمةموضوع: رد: السياسة النووية الدولية وأثرها على منطقة الشرق الأوسط   السياسة النووية الدولية وأثرها على منطقة الشرق الأوسط - صفحة 5 Icon_m10الأحد 16 مارس 2008 - 18:50

11.2.2 إيران نووياً

يعود التاريخ النووي الإيراني لعام 1960م حين كانت إيران ذات علاقة قوية وطيبة مَعَ الولايات المتحدة الأمريكية. فَفِي غضون عام 1960 وبمساعدة أمريكية أنشأ شاه إيران مُحَمَّد رضا بهلوي منظمة الطاقة النووية الإيرانية ومركز طهران للبحوث النووية. إلا إن هذا المركز لم يأخذ الدور البحثي المطلوب إلا عام 1967م عندما أُلحقَ بجامعة طهران وأشرفت عليه منظمة الطاقة النووية الإيرانية. وبمجرد إن بدأ المركز بحوثه النووية من جامعة طهران أهدت الولايات المتحدة الأمريكية للمركز مفاعلاً صغيراً بقدرة 5 ميغاواط لأغراض البحث. وكان لهذا المفاعل التدريبي قدرة على إنتاج 600 غرام من البلوتونيوم سنوياً من وقوده النووي المستهلك.

وقعت إيران على معاهدة الحَدّ من إنتاج وتجربة الأسلحة النووية في الأول من يوليو/تموز 1968م، وأصبح التوقيع نافذاً في الخامس من مارس/آذار عام 1970م. وَقَدْ جاء في نص القرار الذي وقعته إيران في الفقرة الرابعة منه إن معاهدة الحَدّ من إنتاج الأسلحة النووية وتجربتها تعترف بما يلي (256):

"بأن لإيران الحَقّ في تطوير وإنتاج واستعمال الطاقة النووية للأغراض السلمية دون تمييز يذكر وامتلاك المواد والأجهزة والمعلومات التكنولوجية والعلمية"

In the language of Article IV of the Treaty, the NPT recognized Iran's "inalienable right to develop research, production and use of nuclear energy for peaceful proposes without discrimination, and acquire equipment, materials, and scientific and technological information."

واستناداً إِلى توقيع المعاهدة ونص الفقرة أعلاه تمكنت إيران من استيراد ما تحتاجه من مصادر لبناء المفاعل النووي وللأغراض التي حددتها نص الفقرة الرابعة من المعاهدة ما بين إيران ومجلس الأمن بخصوص منع انتشار الأسلحة النووية.

لَقَدْ تطورت العلاقة الإيرانية الأمريكية النووية بعد حرب أُكتوبر عام 1973م حين امتنع الشاه من إن يدخل لعبة استعمال البترول كأداة ضغط على الولايات المتحدة الأمريكية. وتمكنت إيران من ضَخّ بترولها إِلى الأسواق العالمية وبكميات كبيرة سدّت الاحتياج المطلوب في وقته. ولهذا مَعَ عام 1973م كانت الولايات المتحدة الأمريكية تشجع على تطوير المشروع النووي الإيراني السلمي بحجة حاجة إيران إِلى طاقة أُخرى غير الطاقة النفطية مَعَ مطلع عام 1990م لسدّ احتياجاته من الطاقة الكهربائية. وَمَعَ عام 1975م بدأ المشروع النووي الإيراني السلمي يأخذ طريقه لإنتاج الطاقة الكهربائية حين أصدر معهد ستان فرد للبحوث التابع للحكومة الأمريكية تقريراً جاء في مضمونه: على الولايات المتحدة الأمريكية إن تساعد إيران على بناء 5-7 مفاعل نووية لإنتاج الطاقة الكهربائية (257). وبالتالي خلال ثلاثة أشهر من هذا التقرير قامت الشركات الأمريكية ببناء تلك المفاعلات في أماكن متفرقة من إيران.

كان طموح شاه إيران أبعد من مما أعلنه معهد ستان فرد الأمريكي، وشده طموحه لبناء 23 مفاعلاً نووياً لإنتاج الطاقة الكهربائية وبمدة قصيرة جداً وعلى مرأى ومسمع من الولايات المتحدة الأمريكية. إلا إن العقد الذي أبرمه الشاه مَعَ الشركة الألمانية كرافت ورك Kraftwerk Union في عام 1975م قَدْ سبب إزعاجاً كبيراً للولايات المتحدة الأمريكية. وكان فحوى العقد هو بناء مفاعل نووي في منطقة بوشهر بقدرة 1200 ميغاواط تنفذه شركة سيمنز الألمانية. ولإرضاء الولايات المتحدة الأمريكية قام الشاه بتوقيع معاهدة مَعَ معهد ماسيوشست التكنولوجي Massachusetts Institute of Technology لتدريب 800 مهندس وفني إيراني لإدارة وتشغيل مفاعل بوشهر عند الانتهاء منه (256,257). كما تعاقد الشاه عام 1974 مَعَ الحكومة الفرنسية لبناء مفاعلين نوويين، تنفذهما شركة فرام أتم Framatome قدرة كلا منهما 950 ميغاواط. إلا إن هذين المفاعلين لم يريا النور أبداً كنتيجة لقيام الثورة الإيرانية وسقوط الشاه.

وبالإضافة إِلى ما تَمَّ ذكره من عقود نووية مَعَ الشركات الغربية كان هناك عقدان آخران وقعهما الشاه قبل سقوطه مَعَ الصين لبناء مفاعلان نوويان في منطقة داركوفن Darkhovin قرب نهر كارون، لكنهما أَيضاً لم يريا النور قَطّ لقيام الجمهورية الإيرانية الإسلامية.

يبدو إن شاه إيران بدأ داء القوة وعدم الاكتراث لإرضاء الولايات المتحدة الأمريكية يجعله يتصرف بوسيلة انعكست عليه سلبياً، فعلى الرغم من خروجه من أزمة التعاقد مَعَ الشركة الألمانية إلا أنَّه أخطأ دون استشارة الولايات المتحدة الأمريكية بتوقيع معاهدة تعاون نووي مَعَ الهند. ولم تكن الهند البلد الوحيد الذي التجأ إليها الشاه للحصول على المعلومة النووية بل وقع عقداً مَعَ فرنسا تَمَّ على أثره فتح مركز للدراسة والتدريب والإنتاج النووي في أصفهان. كانت حجة افتتاحه لتدريب المهندسين والفنيين لإدارة مفاعل بوشهر عند الانتهاء منه من قبل الشركة الألمانية وتسليمه إِلى الإيرانيين لتشغيله (257). إلا إن فرنسا سرعان من أخلفت معاهداتها فأغلق المركز وترك مفاعله إِلى إن تَمَّ الاتفاق مَعَ الصين لفتحه عام 1996م، وهو الآن يعمل ضمن المعاهدة النووية الصينية الإيرانية وفيه مفاعل نووي بقدرة 400 ميغاواط.

كانت الولايات المتحدة الأمريكية تترقب تطور العلاقات النووية الإيرانية السلمية عن كثب وتحاول إن تتدخل بصورة سريعة لإنهاء أية نية لتطوير السلاح النووي، فعندما واجهت الولايات المتحدة الأمريكية تحديات الشاه بعقد اتفاقيات مَعَ الهند وفرنسا كحقيقة تؤدي إِلى الاستغناء عن خبرة الولايات المتحدة الأمريكية نووياً، أرسلت في أُكتوبر عام 1977م ممثل وزارة الحكومة الأمريكية في وزارة الخارجية سدني سوبر Sydney Sober للتفاوض مَعَ الشاه بخصوص البرنامج النووي الإيراني، وَتَمَّ الاتفاق على إلغاء كُلّ المعاهدات القائمة بين إيران والدول الأُخرى، شرط إن تقوم الولايات المتحدة الأمريكية بتزويد إيران بثمانية مفاعلات نووية لإنتاج الطاقة الكهربائية (258). وَقَدْ تَمَّ التوقيع على شراء هذه المفاعلات رسمياً ما بين البلدين في العاشر من يوليو/تموز عام 1978م. وَقَدْ كان الاتفاق شاملاً ويحتوي على تزويد إيران بكل ما يحتاجه المفاعل بما فيه الوقود النووي وكيفية تطويره ومواده الأساسية.

لم يرى العقد الأمريكي الإيراني النووي النور أبداً وصادرت الولايات المتحدة الأمريكية مبلغ ثماني مليارات كجزء من سعر المفاعلات التي تَمَّ التعاقد عليها، بعد نجاح الثورة الإيرانية ضدّ الشاه وإلغاء رئيس الوزراء حينذاك مهدي بزركان العقد عام 1979(257,258). وبهذا لم تكتسب إيران بعده أية خبرة نووية إلا من خلال البحوث البسيطة لعلمائها بين أروقة الجامعات الإيرانية. وبقي هكذا الحال حَتَّى عام 1992م عندما بدأت إيران تنشط نووياً مجدداً. ولكن مَعَ سقوط الشاه كان مفاعل (بوشهر-1) Bushehr-1 قَدْ أنجز العمل فيه بما يقارب 90%. في حين لم ينجز من مفاعل (بوشهر-2) 2-Bushehr إلا 50%.

خلال الحرب العراقية الإيرانية التي دامت أمداً طويلاً قصفت الطائرات العراقية مفاعل بوشهر-1 ست مرات وعلى وجه التحديد في 13 مارس/آذار 1984م، 22 شباط/فبراير 1985، 11 آذار/مارس 1985، 17 يوليو/تموز 1986، 2 تشرين الثاني/نوفمبر 1987 و 13 تشرين الثاني/نوفمبر 1987م. وخلال هذا القصف المركز والمستمر دمر مفاعل بوشهر-1 بالكامل وسويَّ بالأرض تَماماً (258).

لَقَدْ خلفت الحرب العراقية الإيرانية دماراً كبيراً في البنى التحتية الإيرانية، فلذا كان من أول أولويات الدولة الإيرانية بعد انتهاء الحرب العراقية الإيرانية البحث عن العقود السابقة مَعَ الدول الأوربية لبناء مفاعل نووية لتوليد الطاقة الكهربائية. وكانت حكومة رفسنجاني ترى إن توليد الطاقة الكهربائية تعد أساساً في إعادة تشغيل المعامل التي أغلقت مُنْذُ زمن الشاه بعد تحسينها لإعادة بناء إيران. وعليه فَقَدْ فاتحت حكومة إيران برئاسة رفسنجاني في أبريل عام 1990 شركة كرافت ورك لإكمال عملها في مشروع بوشهر الثلاثي الذي نفذت منه مشرعين أحدهما بواقع 90% والآخر بـ: 50% وكلاهما دمرتهم الحرب. إلا إن الشركة رفضت التجاوب تحت ضغط أمريكي فطلبت حكومة رفسنجاني من الحكومة الألمانية التدخّل في حَلّ المشكلة لأن الشركة قَدْ استلمت مبالغ بناء المشروع الثلاثي في بوشهر بالكامل دون إن تنجز مشروعها، مؤكدة إن التعاقد كان مَعَ الحكومة الإيرانية وأيّ عقد موقع مسبقاً يبقى يحافظ على صورته القانونية حَتَّى عند سقوط الحكومة.

لم تفلح الدبلوماسية في إقناع شركة كرافت ورك التابعة لشركة سمينز لتنفيذ المشروع، مما أجبر الحكومة الإيرانية في الخامس من آب/ أُغسطس على إن تقدم شكوى للمحاكم الألمانية بحَقّ الشركة والحكومة الألمانية. وَقَدْ طالبت بشكواها دفع مبلغ 5.2 مليار دولار كتعويض عن عدم التزام الشركة والحكومة الألمانية بتنفيذ العقد وبنوده، ومازالت القضية في أروقة المحاكم الألمانية.

مُنْذُ عام 1990م وإيران تحاول إن تبني مفاعلها النووي لتوليد الطاقة الكهربائية في بوشهر. إلا إن في كُلّ مرة تحاول الولايات المتحدة الأمريكية إن تضع ضغوطاتها على تلك الدول لإلغاء أيّ صفقة أَو تعاقد مَعَ إيران. فعلى سبيل المثال تعاقدت إيران عام 1990م مَعَ المركز الوطني الأسباني للصناعة والأجهزة النووية Spain's National Institute of Industry and Nuclea Equipment لتزويدها بالأجهزة والمعدات لأكمل مفاعل بوشهر. إلا إن هذا العقد الغي بعد شهرين بضغط من الولايات المتحدة الأمريكية. وتعاقدت إيران في عام 1993م مَعَ شركة إنسلودو Ansaldo الإيطالية التي تعمل مَعَ مجموعة شركات Kraftwerk Union الألمانية لتزويدها بست مجسات نووية فصادرتها الحكومة الإيطالية. وتعاقدت عام 1993م مَعَ شركة سكودا بلزن Skoda Plzen الجيكية لتزويدها بأجهزة لبناء مفاعل نووي لتوليد الطاقة الكهربائية والغي في صيف عام 1994م وبضغط أمريكي أَيضاً. وتعاقدت في الرابع من مارس/آذار مَعَ الحكومة البولندية لتزويدها بمعدات تكميلية لمفاعل لتوليد الطاقة الكهربائية فأُلغيت بعد أسبوعين بضغط من الولايات المتحدة الأمريكية.

هكذا كانت الولايات المتحدة الأمريكية تلاحق إيران في بناء مفاعلها النووي. والواقع إن السبب الكامن ليس في معاقبة إيران من التمتع بطاقة كهربائية من مشروع نووي سلمي بقدر ما إن الوقود النووي عند تفاعله لتوليد الطاقة الكهربائية يولد كمية من البلوتونيوم. ولمثل مشروع بوشهر ذُو الطاقة الكبرى يمكنه إن يولد ما يقارب 23 كيلو من البلوتونيوم سنوياً. ويعني ذلك إن إيران بهذا القدر المتولد من البلوتونيوم يمكن لها إن تطور السلاح نووي ببساطة من خلال تحوير أيّ مفاعل نووي سلمي إِلى مفاعل نووي للبحوث والتجارب التسليحية.

يبدو إن إيران كانت تتوقع الضغوط الأمريكية على تلك الدول الصديقة والمتطلعة لرضا الولايات المتحدة الأمريكية، فاستغلت بناءاً على ذلك إنهيار الاتحاد السوفيتي وحاجة روسيا الفتية للخلاص من أزمتها الاقتصادية فوقعت عقداً مَعَ الحكومة الروسية في موسكو في الأول من مارس 1990م لإكمال مشروع مفاعل بوشهر الثلاثي النووي وبناء مفاعلين أُخريين في إيران (259). إلا إن البلدين اختلفا على تسديد الفواتير المالية الخاصة بالمشروع فتأخر عن التنفيذ في حينه. كما استغلت إيران العداء الصيني - الأمريكي السلمي وتمكنت من التعاقد مَعَ الصين لتزويدها بالوقود النووي مَعَ يناير/كانون الثاني من عام 1991م. كما إن انشغال الولايات المتحدة بالمسألة العراقية- الكويتية قَدْ ساعد على تمرير التعاقد الصيني - الإيراني لاعتبارات سياسية. فكان من تلك الاعتبارات تحييد الصين وإيران في المسألة العراقية - الكويتية حَتَّى تنهي الولايات المتحدة الأمريكية أعمالها الحربية التي اندلعت قبل التعاقد الإيراني - الصيني بيومين (15 كانون الثاني 1991م).

كان العقد مَعَ الصين والذي تَمَّ تنفيذ بسرعة كبيرة ينص على تزويد إيران بالوقود النووي اليورانيومي الغازي المسمى باليورانيوم الهكسا فلورايد Uranium Hexafloride (وهو عبارة عن مركب يورانيوم يستعمل في تخصيب اليورانيوم الخام من خلال قصفه بكمية منه وبصورة متسلسلة). ومن خلال المعلومات التي قدمتها إيران إِلى وكالة الطاقة النووية الدولية تبين إن إيران استلمت من الصين عام 1991م ما يقارب 1000 كيلوغرام من اليورانيوم الغازي، و 400 كيلوغرام من اليورانيوم المتأكسد Uranium Dioxide دون إشعار وكالة الطاقة النووية الدولية، و 400 كيلوغرام من اليورانيوم الفلوريدي الرباعي uranium tetrafluoride، بالإضافة إِلى 120 كيلوغرام من اليورانيوم المكثف الخام دون إن تشعر وكالة الطاقة النووية أَيضاً.

مَعَ بداية عام 1993م عادت إيران للتعاقد مَعَ روسيا مجدداً لإحياء عقد موسكو في بناء مفاعل بوشهر ومفاعلين أُخريين إلا أنَّه لم يتم التنفيذ نتيجة مرور إيران بأزمة اقتصادية ومالية شرسة أدت إِلى أعادت تقييم العملة الإيرانية وهبوطها 7% من قيمتها الحقيقية. ولكن أصبح المشروع النووي الإيراني يأخذ صورة أكثر واقعية للتنفيذ مهما كانت الظروف الإيرانية الاقتصادية خلال آذار/مارس من عام 1995م حين وقعت عقداً مَعَ روسيا لتنفيذ مشروع بوشهر تحت إشراف وكالة الطاقة النووية الدولية. وكان العقد ينص على انشاء عدة مفاعلات نووية لتوليد الطاقة الكهربائية لها القابلية على إنتاج 180 كيلوغرماً من البلتونيوم في السنة من الوقود النووي المستنفذ. كما كان العقد ينص على ضرورة إنجاز روسيا عملها في أول مفاعل نووي في بوشهر لتوليد 30-50 ميغاواط خلال أربعة سنوات وإن تدرب خمسة عشر خبيراً نووياً إيرانياً في السنة. بالإضافة إِلى بناء وحدة لإنتاج الغاز النووي القاذف لتخصيب اليورانيوم (260).

لَقَدْ حاولت إدارة كلنتون اتّباع كُلّ السبل لإلغاء العقد المبرم ما بين روسيا وإيران إلا إنها فشلت في إلغائه وباشرت روسيا في بناء وتطوير المفاعلات النووية في بوشهر. ويبدو إن سبب إصرار روسيا على ذلك الأمر يعود لأسباب مادية بحتة نتيجة أزمة روسيا الاقتصادية. ووجدت روسيا في المفاعلات النووية لتوليد الطاقة الكهربائية أداة لدخول السوق الدولية بقوة لجلب مليارات الدولارات لروسيا من جانب وللضغط على الولايات المتحدة الأمريكية من جانب آخر. إلا إن إدارة كلنتون استغلت مسألة البلوتونيوم المتولد من الوقود النووي وأخذت تصرح إن إيران سوف تستعمله لإنتاج السلاح النووي. وبناءاً على المناقشات التي دارت بين إدارة كلنتون وإدارة بوتن توصل البلدان إِلى إن تقوم روسيا باستعادة الوقود النووي المستنفد في بوشهر إِلى روسيا. إلا إن إيران تمكنت في عام 1998م من إقناع روسيا بضرورة ترك البلوتونيوم لها وقررت إن تعوض روسيا مالياً لقاء عدم نقل النفايات النووية لروسيا لخزنها في سبيريا. وهو من الناحية العلمية والسياسية اعتبرته الولايات المتحدة الأمريكية إنجازاً يصب في خانة إيران لتطوير سلاحها النووي وتهديد وجود إسرائيل حسب تعبيرها.

بعد إن عجزت الولايات المتحدة الأمريكية وبضغط من إسرائيل على منع إنجاز مفاعلات بوشهر راح الاثنان يصرحان بخطورة البرنامج النووي الإيراني وكيفية استعمال النوويات الإيرانية السلمية للأغراض الحربية. وكان السبب الذي حشد هواجس إسرائيل وأمريكا يعود إِلى قيام روسيا على تدريب علماء نوويين إيرانيين للعمل في بوشهر بعد الانتهاء من التعاقد مَعَ روسيا.

يتضح لنا من خلال ما تقدم دون الدخول في تفاصيل زيارة مُحَمَّد البرادعي وتأجيل إفتتاح مفاعل بوشهر أَو مفاعلات بوشهر إلا في عام 2006م إن الولايات المتحدة الأمريكي تعكف الآن على منع العالم حَتَّى من امتلاك النوويات السلمية. لكون الوقود النووي يؤدي بصورة أَو أُخرى لصناعة تسليحية نووية. وهو ما جعل التصعيد ما بين إيران والولايات المتحدة الأمريكية يأخذ دور التحدي. إذ دخلت إسرائيل طرفاً آخر لتهديد ضرب مفاعل بوشهر الإيراني. وواقع الحال إن موقع بوشهر مخيف للولايات المتحدة الأمريكية وإسرائيل لكون مفاعل واحد بقدرة 30-50 ميغاواط يولد 180 كيلو من البلوتونيوم. فكيف إذا كانت النية لإحياء المشروع الإيراني المفاعلي الثلاثي الذي كان ينوي شاه إيران إنجازه. أنَّه بلا شكّ سوف يزيد من إنتاج البلوتونيوم، مما يسهل عملية إنتاج السلاح النووي. ناهيك إن مشروع شهاب-1 وشهاب-2 الصاروخي الإيراني قَدْ ذلل الصعاب في إيجاد الآلة الناقلة للرأس النووي. إنها لعبة السياسة الدولية النووية التي لابُدَ إن نفهمها كي نفهم مستقبلنا وما دار في ماضينا.

الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
2009

مســـاعد أول
مســـاعد أول



الـبلد : السياسة النووية الدولية وأثرها على منطقة الشرق الأوسط - صفحة 5 01210
التسجيل : 10/01/2008
عدد المساهمات : 509
معدل النشاط : 60
التقييم : 1
الدبـــابة : السياسة النووية الدولية وأثرها على منطقة الشرق الأوسط - صفحة 5 Unknow11
الطـــائرة : السياسة النووية الدولية وأثرها على منطقة الشرق الأوسط - صفحة 5 Unknow11
المروحية : السياسة النووية الدولية وأثرها على منطقة الشرق الأوسط - صفحة 5 Unknow11

السياسة النووية الدولية وأثرها على منطقة الشرق الأوسط - صفحة 5 Empty10

السياسة النووية الدولية وأثرها على منطقة الشرق الأوسط - صفحة 5 Empty

مُساهمةموضوع: رد: السياسة النووية الدولية وأثرها على منطقة الشرق الأوسط   السياسة النووية الدولية وأثرها على منطقة الشرق الأوسط - صفحة 5 Icon_m10الأحد 16 مارس 2008 - 18:51

11.2.3 الكيان الصهيوني نووياً

سبق وإن تحدثنا عن القوة النووية الإسرائيلية في عقودها الماضية، وما هو متوقع لها مَعَ نهاية القرن العشرين، بحيث أشرنا إِلى إن إسرائيل ستمتلك ما يقارب 100 إِلى 200 رأس نووي على أقل تقدير حسب الإحصائيات الأمريكية غير المؤكدة رسمياً. ولكن ما حقيقة هذه الترسانة وما هو حجمها وآلة حملها في القرن الحادي والعشرين، سنحاول في هذا القسم تسليط الضوء على ذلك ضمن المصادر المتوفرة لدينا حول موضوع إسرائيل حَتَّى ولو كانت متضاربة، حَيْثُ نأمل إن نرسم الصورة الحقيقة لهذا السلاح الفتاك (261).

خلال عام 1990 ولغاية عام 1996م كانت تقديرات هيئة المخابرات الأمريكية لما تمتلكه إسرائيل 75-130 نوعاً من السلاح النووي. وعندما نقول نوعاً من السلاح ليس معناه الكمية، بل معناه إن إسرائيل تمتلك أنواعاً مختلفة وذات قوة تدميرية مختلفة المديات منها التكتيكية ومنها الاستراتيجية التي يدخل من ضمنها صاروخي جريكو-1 وجريكو-2 والقذائف المدفعية والقذائف المحمولة جوّاً التي جميعها سبق وإن تطرقنا لوصفها بالتفصيل. وذهبت بعض التحليلات في تقديراتها للقوة النووية الإسرائيلية إِلى أبعد من الرقم المذكور أعلاه وقدرته بحوالي 400 نوع من السلاح النووي والتي من ضمنها الأسلحة النووية التكتيكية على الرغم من تصورنا إن هذا العدد مبالغ فيه جداً. ونعتقد إن الغرض منه يقع ضمن مفهوم الحرب النفسية أكثر من الواقع العسكري المراد منه الهدف (262).

فالمفاعل النووي الرئيسي الذي تعتمد عليه إسرائيل هو مفاعل ديمونة، وَقَدْ تحدث عنه تفصيلا عام 1986م العالم النووي الصهيوني مردخاي فنونو Mordechai Vanunu وبين إن حوالي 40 كيلوغرام من البلوتونيوم سنوياً يمكن إنتاجه من هذا المفاعل. وعليه إذا صحت أقوال العالم الصهيوني فهذا يعني إن المفاعل النووي الإسرائيلي قَدْ زيدت قدرته إِلى ما يقارب 150-170 ميغاواط بعد إن كان 75 ميغاواط. ويبدو إن هذه الزيادة في القدرة ناتجة من تقوية عملية التكثيف التبريدي للطاقة الناتجة للبلوتونيوم. وبتعبير علمي آخر إذا حددنا إن وقت عمل المفاعل الإسرائيلي حوالي 250 يوماً في السنة بعد استثناء العطل الأسبوعية والأعياد فإنّ المفاعل النووي حسب رواية فنوني ينتج ما يقارب غرام واحد يومياً من البلوتونيوم لِكُلِّ ميغاواط حرارية.

ولو افترضنا حسب رواية فنوني إن كُلّ سلاح يستعمل 4 إِلى 5 كيلوغرام من البلوتونيوم، فأن مُنْذُ عام 1970 عندما كان ينتج ديمونة 20 كيلوغرام ولغاية تحديثه لإنتاج 40 كيلوغرام في عام 1980م يعني إن إسرائيل تمتلك ليومنا هذا (ديسمبر 2004م) ما يقارب 200 إِلى 220 نوعاً من السلاح النووي مَعَ الإبقاء على نفس قابلية الإنتاج والتصنيع النووي (261,262).

واستناداً إِلى تحليلنا أعلاه نجد إن ما توقعناه يتطابق مَعَ حجم الإنتاج النووي الإسرائيلي طيلة الفترة الواقعة في العقود الخمسة من القرن العشرين والمبينة أدناه إزاء كُلّ سنة:

1. عام 1967م: أنتجت 13 قنبلة (263) وألحقتها بقنبلتين ذريتين أُخريين (264).

2. عام 1969م: 6 قنابل قدرة كلا منها 19 كيلوطن (265).

3. عام 1973م: 13 قنبلة (266)، و 20 صاروخ نووي (652) والبدء في تطوير صناعة أغلفة قذائف نووية (662).

4. عام 1974م: ثلاث أنواع من قذائف المدفعية وَقَدْ تَمَّ إنتاج 12 قذيفة من كُلّ نوع من هذه الأنواع الثلاثة يمكن إطلاقها من المدفعية 175 ملم. بالإضافة 108 رأس نووي و 10 قنابل نووية (264).

5. عام 1976م: 10 قنابل نووية (267).

6. عام 1980م: 200 قنبلة نووية تكتيكية قصيرة المدى (268).

7. عام 1984م: 31 قنبلة نووية أوتوماتيكية، 31 قنبلة بلوتونومية، و 10 قنابل يورانيومية (268).

8. عام 1985م: 100 قنبلة نووية تكتيكية (268).

9. عام 1986م: 200 قنبلة انشطارية نووية تكتيكية وخمسة قنابل هيدروجينية (268).

10. عام 1994م: 112 قذيفة صاروخية تحمل كلا منها رأساً نووياً بمقدار 5 كيلوغرام بلوتونيوم مَعَ 50 راساً نووياً إِلى صاروخ جريكو-2(269).

11. عام 1995م: 116 قذيفة مدفعية و 80 نوعاً من السلاح النووي المختلف، بالإضافة إِلى بدء مشروع القنبلة النيترونية والألغام البحرية النووية (270).

12. عام 1996م: 80 نوعاً من السلاح البلوتونيومي، و 90 راساً لصاروخ جيركو-1 و 50 صاروخاً إِلى جريكو-2(270).

13. عام 1997م: أكثر من 400 قذيفة وصاروخ حراري نووي ورأس جريكو بنوعيه (271).

14. عام 1999: تركز على صناعة الأسلحة النووية التكتيكية وإعادة بناء ما تَمَّ منها بعد تطويرها لتكن ذات قابلية تفجيرية أقوى (271).

15. عام 2000: 13 رأس نووي متطور محمول على صاروخ جريكو، والبحث في انشاء منظومة صاروخية لمقاومة الهجوم الصاروخي النووي.

16. عام 2002م: 134 قذيفة صاروخية تحمل كلا منها رأساً نووياً مزدوجاً بمقدار 12 كيلوغرام بلوتونيوم (269).

17. عام 2003م: 35 قنبلة نووية أوتوماتيكية، 39 قنبلة بلوتونومية، و 6 قنابل يورانيومية (268).

على الرغم من جمعنا لتلك المعلومات أعلاه من مصادر علمية وأكاديمية مؤسساتية بحتة إلا إننا ضمن التحليل العلمي لا يمكن إن نستوعب حجم السلاح النووي الإسرائيلي كما هو ظاهر أعلاه. ونتوقع إن سلاحه النووي أقل بكثير مما مدون أعلاه وهناك عدم دقة لكون الحكومة الإسرائيلية لم تصرح قَطّ عن حجم ترسانتها للأسلحة. كما إن الوكالة النووية للطاقة الذرية لا تقوى على زيارة ومحاسبة إسرائيل لإشعارنا بحجمها. وإن حدث ذلك كما فعل البرادعي في 22 يوليو/تموز 2004م فأنَّه لم يتمكن من معرفة أية معلومة وخرج مصرّحاً ومهدداً الدول العربية والإسلامية بنزع أسلحتها النووية. وعندما سألته الصحافة الأمريكية والبريطانية عن الأسلحة الإسرائيلية قال إسرائيل حالة خاصة يجب إن تحمي نفسها من الدول العربية المحيطة فتأمل عزيزي القارئ ولا يغرنّك أسمه مُحَمَّد وأصله العربي!

الحقيقة التي لابُدَ إن يفهمها القارئ إن إسرائيل تمتلك سلاح نووي فتاك يمكنها إن تدمر المنطقة بصورة أَو أُخرى خلال ساعات قليلة جداً. فهي تمتلك قوة جوية قادرة على حمل القنابل الذرية المدمرة. وهذه القوة الجوية بآلياتها وطياريها وفنييها متمركزة تَماماً في قاعدة تل نوف Tel Nof. وَقَدْ تمكنت إسرائيل من تحوير طائرات فانتوم-4 لتكون ذات قابلية على حمل السلاح النووي مُنْذُ عام 1969م. إلا إن التطور الفعلي الذي حصل في القوة الجوية والذي سوف يغير مجرى الأحداث في أية معركة هو امتلاك إسرائيل اليوم طائرات إف-16 التي بإمكانها إطلاق صواريخها النووية إِلى مسافة 1250 كيلومتر. وبهذه المسافة ممكن إن تغطي إسرائيل المنطقة نووياً من البحر الأسود إِلى السعودية وأواسط روسيا وشمال شرق إيران. وبالإضافة إِلى التطور في الآلة الجوية الإسرائيلية المتمثل بطائرات إف-16 تمكنت من تطوير صواريخ جريكو-1 وجريكو-2 مَعَ بداية القرن الحادي والعشرين ليصل مدى الأول 1500 كيلومتر في حين يصل مدى جريكو-2 2500 كيلومتر.

والإضافة إِلى امتلاك إسرائيل إِلى 200 صاروخ من كلا الجنسين هناك أكثر من 100 صاروخ تكتيكي المدى، يصل عمق الإطلاق لِكُلِّ منها حوالي 72 ميل (115 كيلومتر). وتسمى منظومة الصواريخ الإسرائيلية بمنظومة صواريخ طراز لانس تكتكل، وهي مجموعة قَدْ أهدتها الولايات المتحدة الأمريكية لإسرائيل أبان حرب الخليج الثانية لتزيد من ترسانتها النووية.

بعد هذا العرض لابُدَ إن نعرف، تلك هي الولايات المتحدة الأمريكية التي يعتبرها البعض دون مسؤولية أَو تفكير صديق وتريد إن تنشر الديمقراطية. وفي الحقيقة لا تضمر في داخلها إلا الحقد والضغينة ووجوب مداراتنا بالقمع والقتل والحرب وإبقائنا شعباً متدنياً رديئاً لا يمكنه إن يجاري حالة التحضر والتقدم التي يعيشها العالم. ونحن بهذا الصدد نرى إن السبب الأساسي للنظرة إلينا بتلك الصورة من قبل الولايات المتحدة الأمريكية، يندرج تحت مفهوم صراع كبح الحضارة العربية السلامية لمنعها من النهوض مرة أُخرى لتسود العالم كما كانت تسوده سابقاً.

الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
2009

مســـاعد أول
مســـاعد أول



الـبلد : السياسة النووية الدولية وأثرها على منطقة الشرق الأوسط - صفحة 5 01210
التسجيل : 10/01/2008
عدد المساهمات : 509
معدل النشاط : 60
التقييم : 1
الدبـــابة : السياسة النووية الدولية وأثرها على منطقة الشرق الأوسط - صفحة 5 Unknow11
الطـــائرة : السياسة النووية الدولية وأثرها على منطقة الشرق الأوسط - صفحة 5 Unknow11
المروحية : السياسة النووية الدولية وأثرها على منطقة الشرق الأوسط - صفحة 5 Unknow11

السياسة النووية الدولية وأثرها على منطقة الشرق الأوسط - صفحة 5 Empty10

السياسة النووية الدولية وأثرها على منطقة الشرق الأوسط - صفحة 5 Empty

مُساهمةموضوع: رد: السياسة النووية الدولية وأثرها على منطقة الشرق الأوسط   السياسة النووية الدولية وأثرها على منطقة الشرق الأوسط - صفحة 5 Icon_m10الأحد 16 مارس 2008 - 18:52

الفصل الثاني عشر


حصيلة البحث
السياسة النووية والهيمنة على الشرق الاوسط



كانت الحرب العالمية الثانية نقطة تحوّل مهمة للسيطرة على العالم بأجمعه بتحالف الأقوياء لمنع أية حرب عالمية أُخرى. فالحرب العالمية الثانية ليست كَكُلّ الحروب الأُخرى بما فيها الحرب العالمية الأُولى، لكونها اتخذت طابعاً عسكرياً واستخباراتياً وصناعياً وفكرياً وصراعاً من أجل النفوذ مُنْذُ أيامها الأُولى. فعلى الرغم من كون الماضي كان يشكل أقطاباً أساسية ضمن مقياس القوة والتحصين، كانت الحرب العالمية الثانية قَدْ أخذت طابعاً فكرياً عقائدياً عشناه عقوداً طويلة ومازالت تحدياته تخترق المجتمع الدولي ليومنا هذا.



لَقَدْ ولد الصراع الفكري ما بين المعسكرين الغربي والشرقي بجميع منظوماته الأساسية الاقتصادية والدولية حربا باردة، تقاسم الاثنان من خلالها مناطق النفوذ من ناحية وصراعاً على مناطق أُخرى من ناحية أُخرى. وكان كُلّ من المعسكرين يبحث في وسائل اختراق الآخر، والتي تسببت في إشعال الحروب خارج منطقتي القطبين. ويعتبر مفهوم إشعال الحروب وتطبيقه في مناطق خارج مناطق المعسكرين المتحاربين ببرودة لإظهار أحدهما قوته للآخر وبالعكس تحولاً لم يعهد إن حدث في السابق أبداً. فعند استعراضنا لصراع الكوريتين، وحرب السويس وحرب فلسطين عام 1967 وحرب اليمن وحرب فلسطين الثانية عام 1973م وحرب أفغانستان وحروب العراق، نلاحظ إن هناك تدخّلاً من كِلا المعسكرين بصورة حثيثة، ولكن كان الاثنان يريدان تلك النزاعات، التي هما من ورائها، إن لا تكون على أرضهما أَو أرض حلفائهم. ولعل الشرق الأوسط بصورة عامة والمنطقة العربية بصورة خاصة كان لها النصيب الأعظم من الحروب والانتهاكات وعدم الاستقرار.

فيا تُرى لماذا المنطقة العربية بالذات؟ ويا تُرى لماذا دول الشرق الأوسط بالذات؟ دائماً تكون وكانت وستكون محل صراعات الدول المتحاربة المالكة للسلاح النووي، أنَّه سؤال يطرح نفسه بكل ما فيه من محاذير أساسية.

لعل العامل الرئيسي الذي يدفع عدم خوض المعسكرين الحروب في مناطقهم أَو مناطق حلفائهم هو الخوف من السلاح النووي وقدرته التدميرية. وكلا المعسكرين يعرف تَماماً ما معنى السلاح النووي واستعماله. فلم يتخذا منه أداة حربية بقدر ما اتخذه الاثنان أداة تهديدية كما حدث في الأزمة الكوبية. ولكن كان لابُدَ لكلا المعسكرين من الاستفادة من الكم الهائل من الأموال التي صرفت لإنتاج هذا السلاح في تعميق الصراع في المناطق الغنية بمواردها والحصول على منافع تؤدي بالنتيجة إِلى ديمومة بقاء حضارة كُلٍّ منهما. فالولايات المتحدة الأمريكية ومُنْذُ بداية اكتشاف السلاح النووي بمعاونة اليهودية العالمية كانت تحاول إن لا يمتلك هذا السلاح أية دولة حَتَّى ولو كانت حليفة ما عدا إسرائيل، وهو ما قَدْ لاحظنا في فصول الكتاب ما حدث لبريطانيا. إما استثناء إسرائيل فيعود لكون الجالية اليهودية قَدْ ساعدتهم في اكتشاف وامتلاك السلاح النووي. وبالتالي لتحقيق هذا المبدأ عليها تطبيق مشروع مكماهون الذي يطمح للسيطرة على العالم من خلال مؤسسة دولية مثل مجلس الأمن ومؤسسة مالية مثل البنك الدولي.

بالمقابل كان الاتحاد السوفيتي يحاول إن لا تكون اليد العليا للولايات المتحدة الأمريكية لكي لا تنسلخ منه الدول المتحالفة والمنطوية تحت الاتحاد السوفيتي. وكان الاتحاد السوفيتي يطمح للسيطرة على العالم فكرياً من خلال نشر مبادئ الحزب الشيوعي العالمي. ناهيك عن الدولة القيصرية التي كانت دوماً تطمح باحتلال المناطق الدافئة (الخليج العربي). وعلى الرغم من سقوط القيصرية ومجيء الشيوعية مازال التراكم الفكري للمجتمع السياسي الروسي الذي كان هو القائد الحقيقي للاتحاد السوفيتي يطمح لتحقيق أحلام القيصرية.

ومهما كانت الأسباب والمسببات يمكن إن نفهم نقطة مهمة جداً وهي إن كُلّ من المعسكرين الغربي والشرقي إذا أراد تحقيق أهدافه المعلنة وغير المعلنة لابُدَ إن يستعمل أسلوب الصراع الكلاسيكي مَعَ الآخر. وهو الصراع على مصادر الحياة وشريانها وتجنيد العامل الاقتصادي لتحقيق ذلك، دون اللجوء إِلى الحرب والاكتفاء بالتلويح بالسلاح النووي وإجراء المعاهدات. وبالتالي يحاول كلاهما إسقاط الآخر وزحزحته من مناطق نفوذه وكسب الشارع للضغط على الحاكم أَو تسيير الحاكم ليحفظ المصالح الضرورية.

هنا تكمن الإجابة لماذا الشرق الأوسط عامة والمنطقة العربية خاصة؟ وهذه مسألة تاريخية لها أبعدها الأساسية، فقبل ظهور البترول العربي كانت بريطانيا تعتبر منطقة الشرق العربي الخَطّ الأول للدفاع عن الهند من أطماع القيصرية. وكانت تعتبر بريطانيا الهند، لما فيها من موارد زراعية كبيرة، جوهرة التاج البريطاني. ولكن بعد ظهور البترول في منطقة الشرق الأوسط عام 1908م عندما تمكنت من استخراج أول برميل نفط من إيران وبدء التنقيب عليه في المنطقة، اعتبرت بريطانيا دول الشرق الأوسط غير العربية الخَطّ الدفاعي الأول بين أوربا والمصالح في المنطقة العربية. ولهذا ركزت الولايات المتحدة الأمريكية على تركيا وأنشأت قواعد لحلف شمال الأطلسي فيها لتمنع السوفيت من تحويط أوربا كليا وإسقاطها ومن ثُمّ الانقضاض على الشرق العربي.

والتزمّت الولايات المتحدة الأمريكية إيران على طول العقود السابقة، وساهم الشاه في ذلك من خلال منح قواعد للولايات المتحدة الأمريكية على أبواب الخليج العربي لمنع امتداد السوفيت إِلى المنطقة. كما قامت بزرع الكيان الصهيوني ليكون الرقيب على أيّ تلاحم بين دول المنطقة لمنع كلا المعسكرين من حصرهما بـ: مَعَ أو ضدّ. في حين إن الاتحاد السوفيتي قَدْ فضل اختراق المنطقة من الداخل وإرباك حلفاء الولايات المتحدة الأمريكية من دول المنطقة.

لم تكن أهمية المنطقة نابعة فقط من كونها كنفوذ استراتيجي مرحلي ضدّ الاتحاد السوفيتي، بل بسبب غناها في المواد الأولية الأساسية، ولأنها تساهم في استمرارية أية حضارة من جهة. وإضافة إِلى ذلك فأنها مفتاح تغيير العالم اقتصادياً وسياسياً من خلال التلاعب في عمليات التصدير للبترول وغيره من المواد. كُلّ هذه الأسباب جعلت الصراع النووي بين الدول التي تمتلكه يؤثر بصورة مباشرة على مستقبل هذه المنطقة. فشهدت عدة نظريات مثل منطقة الحرب التي لا تنتهي كما أسماها هيكل، ومنطقة الضرب المتتالي كما أسماه هيغ وزير خارجية الولايات المتحدة الأمريكية ونظرية التفتيت الشمولي لكيسنجر والاحتواء المزدوج لمارتن أندك وأخيراً الحرب ذات الرؤوس الأربعة لجورج بوش. هذه النظريات التي طبقها الجميع كانت أساساً للصراعات الدولية ما بين تلك التي تمتلك السلاح النووي. ولا ننكر إن الولايات المتحدة الأمريكية، ومُنْذُ عام 1946م، كانت تعمل بجدية على نزع السلاح النووي من كُلّ دول العالم، وتعرقل أية مساعٍ لإنتاجه أَو البحث فيه، لتنفرد به هي وإسرائيل فقط.

انعكست تلك المأساة بصورة أَو بأُخرى على المنطقة وخلفت أهدافاً وحالات كان لابُدَ من العمل على تفتيتها لكي تبقى الولايات المتحدة الأمريكية سيدة الموقف في الشرق الأوسط والمنطقة العربية. ولقد ساعدت التغيرات الدولية السريعة الولايات المتحدة الأمريكية على إنجاز مهمتها والتعجيل في السيطرة على العالم قبل ظهور قوة دولية أُخرى تنافسها من جهة، أَو ظهور تحالفات لا يمكن اختراقها فتفشل سياسة الولايات المتحدة الأمريكي. وعليه فأن البحث سيتطرق في هذا الفصل إِلى أسباب ومسببات مشاكل المنطقة الثابتة والمتجددة لنتعرف على أثر السياسة النووية الدولية عليها مباشرة.

الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
2009

مســـاعد أول
مســـاعد أول



الـبلد : السياسة النووية الدولية وأثرها على منطقة الشرق الأوسط - صفحة 5 01210
التسجيل : 10/01/2008
عدد المساهمات : 509
معدل النشاط : 60
التقييم : 1
الدبـــابة : السياسة النووية الدولية وأثرها على منطقة الشرق الأوسط - صفحة 5 Unknow11
الطـــائرة : السياسة النووية الدولية وأثرها على منطقة الشرق الأوسط - صفحة 5 Unknow11
المروحية : السياسة النووية الدولية وأثرها على منطقة الشرق الأوسط - صفحة 5 Unknow11

السياسة النووية الدولية وأثرها على منطقة الشرق الأوسط - صفحة 5 Empty10

السياسة النووية الدولية وأثرها على منطقة الشرق الأوسط - صفحة 5 Empty

مُساهمةموضوع: رد: السياسة النووية الدولية وأثرها على منطقة الشرق الأوسط   السياسة النووية الدولية وأثرها على منطقة الشرق الأوسط - صفحة 5 Icon_m10الأحد 16 مارس 2008 - 18:52

12.1 قضية فلسطين وعمقها السياسي

مُنْذُ إن وضعت الحرب العالمية الثانية أوزارها تغير التفكير الغربي تجاه المنطقة بإجمالها من عدة نواحي، كان أهمها وجوب التزام الولايات المتحدة الأمريكية وبريطانيا لليهودية أَو الصهيونية العالمية (سمها ما تشاء) بمنحها أرض الميعاد. وهذا لا يعني إن الدولتين المنتصرتين والمتحالفتين العدوتين في مسألة امتلاك السلاح النووي كانتا ترضخان لمطالب اليهودية العالمية، بل نتيجة لخسران الحلفاء لمناطق نفوذهم في المنطقة العربية أبان الحرب العالمية الثانية جعل سبل التفكير تتغير في كيفية أحكام المنطقة. فعلى الأقل في تلك الآونة التقت مصالح الدول مَعَ طلب اليهودية المتمثل بتسهيل الأمر بتسليم فلسطين إِلى اليهود من قبل بريطانيا وتَجْهِزيهم بالمال والسلاح من الولايات المتحدة الأمريكية ودعمهم بالاعتراف والهجرة اليهودية من قبل الاتحاد السوفيتي.

تعتبر هذه نقطة تحوّل مهمة في المنطقة، لأن الولايات المتحدة الأمريكية وبريطانيا تمكنت من تغيير ديمغرافية المنطقة ليسهل التلاعب بها مَعَ العمل على إيجاد أحزاب سياسية مناهضة لهم وأحزاب سياسية مساندة لهم. وكلا الاتجاهين يعملان بالاستشارة الأمريكية كما بينا في الفصول السابقة. ولكن لابُدَ إن نعي إن في الدول الكبرى كان هناك تياراً يهودياً مسانداً لما حدث لتغلغلهم في داخل المؤسسات الحكومية والشعبية من جهة ولتواجدهم في موقع إقناع الذين يتخذون القرار من جهة أُخرى. ومن خلال هذا التوجه، منحت اليهودية الصهيونية العالمية موقعاً في قلب المنطقة، وهذا لا يعني إنها مجرد دولة بقدر ما كان هناك مخطط تدوره نخبة ما يسمى بالمسيحية المتصهينة. وهؤلاء مجموعة من الأفراد بدأوا في بريطانيا عام 1477م وانتشروا إِلى أوربا يدعون لسيادة اليهودية وإشاعة الحروب والفوضى لتسود اليهودية فيظهر المسيح ليحكم العالم.

هذه المسيحية المتصهينة كانت تؤمن بالتبشير بنسبة 90% من نشاطها، إما العمل السياسي والتغلغل الاقتصادي والإعلامي فكانت توليه فقط 10%، حَتَّى تحين الفرصة لحكم الدول الكبرى ويتم توجيه الضربة القاضية للعالم وفق مبادئهم. ومن خلال ذلك لا يمكن إن تكون مسألة فلسطين مسألة عابرة، بل هي لُبّ موضوع المنطقة وتغيراتها التي أسندتها دول النادي النووي. فمُنْذُ تأسيسها كانت القضية الفلسطينية قضية دولية لا يمكن المساس بها وكانت دول صديقة للدول الإسلامية والعربية تدعم مبدأ إعادة الأرض لأصحابها والعدول عن تهجير أُناسها. هذه المفاهيم كانت تشغل العالم بصورة أَو أُخرى، لأن جميع الأديان السماوية لابُدَ إن لها أثر تاريخي في المنطقة العربية والشرقية بالذات. ومن خلال السنوات التي تلت إعلان وجود الكيان الصهيوني بدأ الغرب في تقوية هذا الكيان اقتصادياً وسياسياً ودبلوماسياً. وكانت الحكومة الإسرائيلية في نفس الوقت عين ساهرة لهم في المنطقة من خلال مراقبة الدول المحيطة وجمع المعلومات ونقطة انطلاق لكبح أيّ تمرد في أيّ مستعمرة وما شاكل ذلك.

لم يكن أيّ أمر يسير بالصورة الحسنة التي يمكن إن تتصورها دول الغرب، بل كانت هناك ردود أفعال عديدة من الشارع العربي. وكانت الولايات المتحدة الأمريكية تتوقع من خلال إيجاد ودعم أحزاب سياسية عديدة بمختلف اتجاهاتها اليسارية واليمنية والقومية والإسلامية والليبرالية والبين بين إن تتمكن من السيطرة على الشارع العربي لإيقاف المطالبة بتحطيم إسرائيل وعودة الفلسطينيين. ولعل كان أهمها الأصوات القادمة من مصر وسوريا بعض الشيء. ويبدو إن الولايات المتحدة الأمريكية تمكنت من إخماد أصوات سوريا من خلال حزب البعث وشخصياته القيادية كأكرم الحوراني وميشيل عفلق وصلاح البيطار وغيرهم الذين كانوا يتمتعون بعلاقات حثيثة مَعَ المخابرات الأمريكية وتحدثنا عن ذلك مسبقاً.

لكن الحال في مصر كان مختلفاً تَماماً جداً بسبب الكثافة السكانية والخبرة السياسية والثقافية عند المصريين، فما كان إلا العمل على أشغالها حربياً وإرهاقها بعجلة الحرب وإيقاف حركة البناء والضغط عليها من خلال تفاوضها مَعَ المالكين للسلاح النووي. وهو ما جرى بالفعل إذ أرهقت مصر بحرب السويس عام 1956م وحرب اليمن 1961م وحرب حزيران ذات الهزيمة المنكرة عام 1967م وحرب الاستنزاف وحرب عام 1973م وغيرها، مَعَ الاعتماد على رجال يوالون الغرب في إنجاز مخططاتهم كعبد الحكيم عامر وأنوار السادات والباقوري وعبد المنعم إبراهيم وغيرهم.

إن الهدف من التركيز على مصر يعود إِلى جمح المطالبة بإخراج المستعمر البريطاني والفرنسي والإيطالي من المنطقة من جهة، ومن جهة إخراج طابع القضية الفلسطينية من طابعها الدولي إِلى طابعها العربي الإسلامي. وبالتالي يمكن إنجاز المخطط الرئيسي للصهيونية العالمية والمسيحيين المتصهينين. وبالفعل مَعَ عام 1969م خرجت القضية الفلسطينية من طابعها الدولي بفضل وزير خارجية الاتحاد السوفيتي ألكسي كوسيجن والرئيس السوفيتي بريجنيف، بعد إن كان خروشوف يصر على دولية القضية الفلسطينية ووجوب حلها في النادي النووي. ولعل أنور السادات قَدْ أكمل اللعبة بطرد الخبراء الروس في نوفمبر/تشرين الثاني عام 1971م والاعتماد على الولايات المتحدة الأمريكية، فتأمل كيف يكون العدو حليفاً!

هذه التغيرات التي تلاحقت بعد حرب أُكتوبر التي يعتبرها الكثير نصراً، ونحن نعتبرها بداية الهزيمة المستقبلية، بدأ انسلاخ القضية الفلسطينية من الواقع الإسلامي نتيجة زيارة السادات لإسرائيل. إذ شجعت زيارته بعض الدول الإسلامية، (المسماة بالإسلامية) على إقامة علاقات مباشرة مَعَ إسرائيل ووقوف المناداة بحفظ الأماكن المقدسة. كما سبب شَرخاً كبيراً في المنطقة العربية إذ انقسمت بين مؤيد له وبين رافض لما فعل، مما سبب انتقال القضية الفلسطينية من مرحلتها الدولية إِلى المرحلة العربية الإسلامية ومن ثُمّ إِلى مرحلة اعتبارها قضية عربية.

نجحت الولايات المتحدة الأمريكية نجاح كبيراً في جعل القضية الفلسطينية قضية عربية بحتة في وقت أقل ما كانت تتوقعه. وحاولت جرها إِلى الموقع الإقليمي فقط مُنْذُ وصول ريغان للحكم. إذ شهدت إدارة ريغان عام 1981م وصول أول دفعة من المسيحيين المتصهينين لمركز القرار. ولعل ضعف ريغان سياسياً وشخصياً واجتماعياً دفع هؤلاء للخروج من موقع التبشير إِلى موقع القرار السياسي. ومن خلال هؤلاء تغيرت معالم العالم بصورة جمعاء، وصارت أهداف الولايات المتحدة الأمريكية عام 1981م ليس للدفاع عن حقوق الإنسان عالمياً، بل محاربة الإرهاب الدولي ليكن باباً في إنهاء الحسابات مَعَ من لا يقف بصفّهم.

ولكن ليس من السهولة جعل القضية الفلسطينية إقليمية وسلخها من الواقع العربي بهذه السهولة، وكان لابُدَ من العمل على ترسيخها، فكانت الحرب العراقية الإيرانية مدخلاً رئيسياً لذلك بغض النظر عن أسباب ومسببات الحرب التي طرحناها مفصلاً مسبقاً. وشهد الشرق الأوسط اختلافاً في المواقف من الحرب العراقية - الإيرانية فانفصلت الدول العربية عن بعضها البعض وتحقق للولايات المتحدة الأمريكية ما يلي:

1. فصل الكتلة العربية والإسلامية عن بعضها البعض في دعم القرارات أَو رفضها في مجلس الأمن والجمعية العمومية للأمم المتحدة، نتيجة عدم توافق آرائهم حول الحرب العراقية- الإيرانية.

2. إشعال المنطقة القريبة البعيدة عن إسرائيل بالحرب لتتمكن من بناء ترسانتها التسليحية وتطور اقتصادها في حين ترهق الدولتين المتحاربتين.

3. امتصاص الأموال المتراكمة في المنطقة نتيجة ارتفاع أسعار البترول كي لا توجه مستقبلاً لإسقاط إسرائيل. أو تطوير اقتصادها فيصبح وجود إسرائيل المستقبلي للسيطرة على المنطقة اقتصادياً غير حثيث.

4. إلغاء مفهوم اعتبار القضية الفلسطينية قضية أساسية وجعل الدول العربية تركز على حفظ أمنها من الاعتداءات الخارجية من خلال إشاعة النزاعات الحدودية بين الدول المجاورة.

5. تقليل العمق الاستراتيجي العسكري للدول المحيطة بإسرائيل نتيجة تفاوت المواقف في الحرب العراقية - الإيرانية، وهو ما حدث لسوريا إذ كان العراق يمثل لها عمقا استراتيجياً.

6. جَعِل دول المنطقة تَفْقِدُ قدراتها الصناعية والزراعية والاقتصادية وكفاءة أبنائها من خلال سحقهم في محرقة الحرب الطويلة لتصبح دولا مستوردة بعد كانت مصدرة في نواح زراعية وصناعية عديدة.

7. خلق حالة من التأزم الاقتصادي الإقليمي من خلال تورط الدولتين المتحاربتين وحلفائهما بعقود عسكرية يستوجب دفعها، مما يدفع إِلى زيادة ضَخّ البترول وهبوط أسعاره لإيقاف النمو الاقتصادي في الدول المساندة للحرب إقليمياً.

هذه جملة من النقاط المهمة التي استفادت منها إسرائيل بصورة جمة، ولعل أهمها هي عزل القضية الفلسطينية من الناحية العربية وحصرها في محورها الإقليمي. مما يجبر الفلسطينيين على قبول أيّ حَلّ تفرضه الولايات المتحدة الأمريكية. وهو ما تَمَّ بالفعل خلال موافقة السلطة الفلسطينية على مؤتمر أوسلو الذي تقصقصت أطرافه ولم يبقى منه إلا حرف الواو.

وبهذا نجحت إسرائيل والولايات المتحدة الأمريكية من خلال مرحلة الحروب العراقية-الكويتية على جعل القضية الفلسطينية قضية إسرائيلية فلسطينية داخلية. أيّ بالمعنى السياسي العام مسألة تمرد داخلي، فلذا يقتل الشعب الفلسطيني الآن على مسمع العالم العربي والإسلامي وحَتَّى الفلسطيني ولم يتخذ موقف واحد لإيقاف هذا النزف الدائم. هذه في الواقع تصوراتنا للقضية الفلسطينية وأهداف سياسة الدول النووية تجاهه، ولا يعني ذلك إن ليس في المنطقة أولويات أُخرى، بل سنتطرق إليها الآن مَعَ وجوب الانتباه لارتباط جميع النقاط ببعضها البعض. وبأعتبار المسألة مسألة سيادة على العالم فَقَدْ تنطلق الممارسات السياسية من السيطرة التامة على المنطقة العربية. وبالتأكيد نحن مَعَ هذا النظرة لكون من يتمكن إن يسيطر على الكعبة الشريفة وبيت المقدس الشريف يسيطر على العالم بأجمعه من خلال المقدسات البشرية ومنابع الاقتصاد العالمي المتمثل بالبترول الخليجي العربي.

الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
2009

مســـاعد أول
مســـاعد أول



الـبلد : السياسة النووية الدولية وأثرها على منطقة الشرق الأوسط - صفحة 5 01210
التسجيل : 10/01/2008
عدد المساهمات : 509
معدل النشاط : 60
التقييم : 1
الدبـــابة : السياسة النووية الدولية وأثرها على منطقة الشرق الأوسط - صفحة 5 Unknow11
الطـــائرة : السياسة النووية الدولية وأثرها على منطقة الشرق الأوسط - صفحة 5 Unknow11
المروحية : السياسة النووية الدولية وأثرها على منطقة الشرق الأوسط - صفحة 5 Unknow11

السياسة النووية الدولية وأثرها على منطقة الشرق الأوسط - صفحة 5 Empty10

السياسة النووية الدولية وأثرها على منطقة الشرق الأوسط - صفحة 5 Empty

مُساهمةموضوع: رد: السياسة النووية الدولية وأثرها على منطقة الشرق الأوسط   السياسة النووية الدولية وأثرها على منطقة الشرق الأوسط - صفحة 5 Icon_m10الأحد 16 مارس 2008 - 18:53

التغيرات السياسية والدور الدولي فيها


لعبت كُلّ من بريطانيا وفرنسا وروسيا وألمانية دوراً كبيراً في منطقة الشرق الأوسط ومُنْذُ عام 1768م، إذ تكللت نتائجها بالحرب العالمية الأُولى. وانسحبت روسيا من الحرب لاندلاع الثورة البلشفية الشيوعية وسقوط الدولة العثمانية وتقطيعها أوصالاً لبريطانيا وفرنسا وتقهقر ألمانية بعد إن خسرت ما يقارب 35% من أراضيها التي أُلحقت بالدول المجاورة لها. وبالتالي شهدت منطقة الشرق الأوسط ما بعد الحرب العالمية الأُولى تخطيطاً طوبغرافياً غريب الأطوار جعل منها مناطق ساخنة لاندلاع الأحداث في أيّ لحظة تشاء أَو تود فرنسا وبريطانيا. كان الهدف من ذلك في واقع الأمر ليس لخلق بؤر عدم استقرار بقدر خوف فرنسا وبريطانيا من الدولة العثمانية التي تراجعت لتؤسس تركيا أتاتورك والدولة الألمانية ذات العبء الاقتصادي الذي خلفته الحرب. فَقَدْ كان هناك اعتقاد لدى الساسة البريطانيين إن جمهورية أتاتورك سوف لن تتوانى في إشعال الحرب مرة ثانية لإعادة التسلط العثماني على المنطقة العربية. وإن ألمانية لابُدَ من إن تثور ثانية لاستعادة مجدها التاريخي وأرضها المسلوبة. ولكن متى وأين، هذه هي المحنة التي كانت تنتظرها بريطانيا وفرنسا.

لَقَدْ كان التخوف البريطاني والفرنسي من ظهور تركيا الجديدة نابع من الدراسات المكتشفة حديثاً عن البترول الشرق أوسطي ومدى ولوج تأثيره في الاقتصاد العالمي المستقبلي. وعلى ضوء ذلك عملت فرنسا وبريطانيا مُنْذُ حينها في خلق تيارات سياسية عديدة متناقضة في الفكر والأُطروحات. وكثيراً ما كانت تحرك تلك التيارات لإيقاف تهديد خروجها من المنطقة. وهو ما حصل بالفعل أبان إضرابات عمال السويس في مصر والنسيج في سوريا والفحم في الجزائر.

فبدأت فرنسا وبريطانيا تعطيان أهمية كبيرة للحفاظ على مستعمراتهما في الشرق الأوسط بعد إنتاج البترول في منطقة الخليج العربي عام 1926م والجزائر عام 1929م ووضوح الرؤيا بأن تلك المناطق جالسة على بحيرة من النفط تجعل من الحضارة تستمر 300 سنة على قلة اكتشافه في ذلك الوقت. وبدأت الدولتان توقعان اتفاقات سرية مَعَ الولايات المتحدة الأمريكية التي كانت فتية في دخولها للمنطقة من خلال منح بريطانيا لها امتيازات للتنقيب عن البترول في العربية السعودية. واستمرّ الحال في السيطرة على المنطقة من خلال تسيس شعوبها للبقاء في خطّ الدولة المحتلة لقاء إعطائهم بعض صلاحيات الحكم البسيط.

هذه الممارسات التي يمكن إن نقول إن بريطانيا تمكنت من إنجاحها نوعاً ما على الرغم من هدير التيار الشيوعي في المنطقة ومحاولة بريطانيا إيقافه بالتيارات السياسية المتأسلمة والوطنية والقومية التي نجحت نوعاً ما. إلا إنها لم تدم طويلاً لاندلاع الحرب العالمية الثانية وفِقْدان فرنسا وبريطانيا السيطرة على مستعمراتهما وخاصة في الشرق الأوسط، وبالصورة التي كانت سائدة. ولقد استغلت ألمانية الهتلرية التخبط البريطاني الفرنسي في المنطقة وولدت تيارات سياسية أُخرى مناهضة للاستعمار. تلك التيارات وجدت استحساناً كبيراً في الشارع الشرق أوسطي حَتَّى إن التيارات التي خلقتها بريطانيا وفرنسا وجدت من انشق عنها للالتحاق بالتيار النازي وأهدافه في حينها.

تلك الصورة السياسية المرسومة للشرق الأوسط خلال فترة التسلط الفرنسي البريطاني لما قبل الحرب العالمية الثانية، وعلى هذا لم تكن الولايات المتحدة الأمريكية طرفاً في النزاع فيه، أيّ النزاع الذي دخلته فرنسا وبريطانيا ومن ثُمّ روسيا، فبدأت تحاول رسم خطتها للأحكام على المنطقة الغنية بالبترول من خلال انشغال أصدقائها في الحرب. وَقَدْ حاول تشرشل جَرَّ الولايات المتحدة الأمريكية مراراً إِلى الحرب إلا أنَّه في كُلّ لحظة كان يفشل في ذلك. هذه الأمور كلها ساعدت الولايات المتحدة الأمريكية على دفع نفوذها عميقاً إِلى داخل إيران ومنطقة الخليج العربي وتركيا ووصولاً إِلى الدول المحيطة بالشرق الأوسط. وتمكنت من رسم الصورة الحقيقة لما تمتلكه تلك المنطقة من موارد تعتبر أساساً لتحقيق أهداف مكماهون لسيادة العالم في المستقبل.

تمكنت الولايات المتحدة الأمريكية من خلال بحثها النووي استلاب جميع المستعمرات البريطانية المحيطة بالولايات المتحدة الأمريكية وجنوب شرق آسيا للتحالف مَعَ بريطانيا نووياً. ثُمّ تمكنت الولايات المتحدة الأمريكية من تجريد بريطانيا مخابراتياً في منطقة الشرق الأوسط باستثناء الهند وثلاثة إمارات في الخليج العربي وواحدة في شمال شرق آسيا مقابل المساعدة في آلية الحرب أَو الدخول فيها كطرف. إلا إن بريطانيا كانت تنظر لمستقبل الهيمنة الأمريكية بحذر ودراية منصفة فقررت توقيع حلف استراتيجي وعسكري وسياسي ونووي ومخابراتي مَعَ الولايات المتحدة الأمريكية.

وَمَعَ الأسابيع الأخيرة التي صاحبت الحرب العالمية الثانية وضرب اليابان وهيروشيما بقنبلتين ذريتين، ألغت الولايات المتحدة الأمريكية التحالف النووي البريطاني وأبقت على التحالفات الأُخرى. ولكن على الرغم من الالتقاء والافتراق ما بين الولايات المتحدة الأمريكية وبريطانيا حول السلاح النووي الذي دام خمس سنوات إلا أنَّه في النهاية جلس الاثنان وخَططا لمستقبل السيطرة على المنطقة، من خلال إيجاد دول وحكومات بصفة جمهوريات وملكيات وغيرها للحفاظ على مصالح الدولتين من التهديد السوفيتي لها.

لعل نتاج نظرية البروفيسور بروكن الخاصة في منطقة الشرق الأوسط وخاصة الغنية منها بالبترول قَدْ أخذ مجراه خلال العقود الثلاثة بدءاً من عام 1967م والمتضمن إيجاد حكومات عسكرية تحكم المنطقة بتوجه وطني. الهدف من ذلك حصر مطالب كُلّ شعب وتطوره واقتصادياته داخل حدود دولته لتأمين تنفيذ البنود الأُخرى. كما عملت نظرية بروكن على بناء منظومات استخباراتية أرفدتها بالخبرة والتدريب في كُلّ دولة للمحافظة على ديمومة الحكومات للقيام بأداء واجباتها المرسومة على أتم وجه. هذه المنظومات الاستخباراتية التي أوجدها بروكن في بحثه مستقاة من النظرية اللينينية، والتي مفادها كُلّ جهاز يراقب الآخر دون معرفته بمن يراقبه.

كما نصت نظرية بروكن على ضرورة عزل منطقة الخليج العربي سياسياً واجتماعياً وفكرياً عن المنطقة العربية ودعم مشروع إسنادها بكوادر عمل غير عربية كالآسيويين مثلاً. لتتمكن الولايات المتحدة الأمريكية وبريطانيا من السيطرة على منابع البترول. ومن خلال دعم العراق وإيران من جهة وتخويف تلك الحكومات من تهديداتهم من جهة أُخرى ارتبطت تلك الدول بمعاهدات كبيرة أعطت الولايات المتحدة الأمريكية وبريطانيا الحَقّ في استعمال الأراضي والتواجد فيها حيثما شاءت. هذه المعاهدات لم تكن وليدة أحداث اليوم بل مُنْذُ عام 1961م. وبالتالي تمكنت الولايات المتحدة الأمريكية من السيطرة على منطقة الخليج العربي ومنع استخدام مواردها ضدّ الولايات المتحدة الأمريكية في أية مواجهة مستقبلية. ولكن كانت حرب 1967م وتوجيه رئيس الوزراء العراقي آنذاك طاهر يحيى انذراً باستعمال البترول كسلاح قَدْ فَجَّر صمام الأمان. وبالتالي عندما استعمل البترول كسلاحاً نسبياً في حرب أُكتوبر أصبح توجه الولايات المتحدة الأمريكية يقترب للسيطرة على المنطقة العربية الغنية بالبترول من خلال إيران لضمان عدم تكرارها.

سبب سقوط الشاه تغيراً كبيراً في سياسة الولايات المتحدة الأمريكية تجاه المنطقة فعملت على استنزاف مواردها وإرهاق شعوبها قبل احتلالها. وبالتالي كانت سلسلة الحروب التي عاشتها المنطقة حَتَّى عام 1990م هي أنذر لحرب شمولية أكبر وذات أهداف أسمى بالنسبة لهم. وعندما إنهار الاتحاد السوفيتي وجدت الولايات المتحدة الأمريكية إن الحرب الباردة قَدْ انتهت وتخوف غزو السوفيت لإيران ومن ثُمّ إِلى الخليج العربي لا وجود له. فعملت على احتلال المنطقة بعد انتهاء الترتيبات اللازمة لذلك والتي منها انشاء قوات الانتشار السريع.

من هنا نرى التوجه الأمريكي البريطاني تجاه المنطقة نابعاً أساساً عن عدة أساسيات أولها الحفاظ على الكيان الصهيوني لتسود اليهودية وهو توجه عقائدي، ومنع الاتحاد السوفيتي من السيطرة على المنطقة أَو تحالفها مَعَهُ وهو صراع فكري، وآخرها منابع البترول العالمي وهو اقتصادي بحت. ولكن مَعَ دراستنا لوقائع الأمور لابُدَ من إن نؤكد أنَّه ليس من الممكن فصل أيّ من التوجهات عن الأُخرى لترابطهن مصيرياً ضمن آلة الاستراتيجية الغربية لعقود طويلة.

الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
2009

مســـاعد أول
مســـاعد أول



الـبلد : السياسة النووية الدولية وأثرها على منطقة الشرق الأوسط - صفحة 5 01210
التسجيل : 10/01/2008
عدد المساهمات : 509
معدل النشاط : 60
التقييم : 1
الدبـــابة : السياسة النووية الدولية وأثرها على منطقة الشرق الأوسط - صفحة 5 Unknow11
الطـــائرة : السياسة النووية الدولية وأثرها على منطقة الشرق الأوسط - صفحة 5 Unknow11
المروحية : السياسة النووية الدولية وأثرها على منطقة الشرق الأوسط - صفحة 5 Unknow11

السياسة النووية الدولية وأثرها على منطقة الشرق الأوسط - صفحة 5 Empty10

السياسة النووية الدولية وأثرها على منطقة الشرق الأوسط - صفحة 5 Empty

مُساهمةموضوع: رد: السياسة النووية الدولية وأثرها على منطقة الشرق الأوسط   السياسة النووية الدولية وأثرها على منطقة الشرق الأوسط - صفحة 5 Icon_m10الأحد 16 مارس 2008 - 18:53

صراع المتحالفين وأثرها على المنطقة


بعد إن خرج الحلفاء منتصرين في الحرب العالمية الثانية وأعلنت الولايات المتحدة الأمريكية إن بريطانيا غير شريك معها في امتلاك السلاح النووي، بدأ الصراع يأخذ مجرى آخر. فَقَدْ انتبهت بريطانيا إن الولايات المتحدة الأمريكية تنوي الانفراد بالسيطرة على العالم من خلال تهديدها بالسلاح النووي. وستكون أُولى أولوياتها منطقة الشرق الأوسط لتأمين الملاحة للوصول إِلى البترول الخليجي.

لم تدع بريطانيا هواجسها في داخل حدودها بل تعدى ذلك إِلى أوربا وروسيا آنذاك. ولكن حين تأسس الاتحاد السوفيتي وبدأ طموحه يظهر في امتلاك السلاح النووي بصورة سريعة قياساً بالفترة التي صرفتها الولايات المتحدة الأمريكية لإنتاجه، امتد طموحه ليضم أجزاءاً من أوربا. هذا الطموح جعل الحلفاء الفرقاء يلتقون مرة أُخرى لدرء الخطر السوفيتي الذي حسب وصفهم ما إن تسنح له الفرصة حَتَّى يكون مثل ألمانية في طموحاته المتنامية.

ولدرء الخطر السوفيتي تقرر تأسيس حلف شمال الأطلسي بتموين أمريكي مالاً ورجالاً وسلاحاً وبمشاركة أوربية شرط إن تكون قواعده في أوربا قبالة الاتحاد السوفيتي. إن الولايات المتحدة الأمريكية كما يبدو للبحث أرادت من ذلك أبعاد شبح الحرب النووية عن بلادها في مواجهة الاتحاد السوفيتي الممتلك للسلاح النووي حديثاً. على أية حال بدأت اجتماعات الدول الأوربية تأخذ مجالاً أوسع فأوسع وكثيراً ما يختلفون على جهة وتدريب القوة وبأية أسلحة سوف تُجَهّز هذه القوات. ولعل فرنسا كانت أكثر الدول حماسا في هذا المجال باعتبارها مسؤولة عن آمن أوربا.

كان الاختلاف الأساسي ليس على القواعد والتجهيز بقدر ما كان الاختلاف على آلية القرار ولمن يكون القرار. فَفِي الحين كانت فرنسا وإيطاليا وألمانية تُصِرّ على المشاركة في القرار، كانت بريطانيا تُصِرّ على إن يُعطى القرار بيد الولايات المتحدة الأمريكية. ولعل اجتماع كانون الثاني 1957م كان من أشدّ الاجتماعات التي اختلفت فيه الولايات المتحدة الأمريكية مَعَ حلفائها في شمال الأطلسي. وعندما وجدت إصرار من فرنسا وعدم تنازل رأت الولايات المتحدة الأمريكية الأمور تسير في حَلّ الحلف. ولقد تجسد ذلك عندما أعلنت فرنسا وإيطاليا في مارس/آذار 1958م إنهما سوف يقومان بتأسيس جيش أوربي متعدد الجنسيات لحماية أوربا من خطر الاتحاد السوفيتي.

على الرغم من عدم تجرأ فرنسا للقيام بهذا العمل وقبلت الولايات المتحدة الأمريكية صيغة الائتلاف في اتخاذ القرار في حلف شمال الأطلسي، إلا إنها عرفت لا مستقبل لها مَعَ الأوربيين في المستقبل القريب. فلذا ومُنْذُ تلك الفترة بدأت الولايات المتحدة الأمريكية تبحث عن قواعد في مناطق النفوذ لحماية مصالحها. ولعل أول قوة تَمَّ نشرها كانت في السعودية عام 1961م، وذلك بحجة حماية آبار البترول.

كانت تلك القوات التي أُلحق بها بضعة آلاف لتدريب الجيش السعودي نواة لبناء قواعد عسكرية على الأرض والبحر السعودي. وصاحب التواجد العسكري دراسات اجتماعية وفكرية واقتصادية من قبل كبار المؤسسات الأكاديمية الأمريكية لمعرفة الواقع السعودي بوجه خاص والخليجي بوجه عام لتتمكن الحكومة الأمريكية من استقراء المستقبل. وَمَعَ مرور الزمن تدفق العسكر الأمريكي للمنطقة بصورة مدروسة شيئاً فشيئاً حَتَّى باتت لا تعتمد على حلف شمال الأطلسي إلا في النواحي التي تحتاج فيها مشاركة دولية لإضفاء الشرعية.

كانت الولايات المتحدة الأمريكية تفكر في حينها بإنشاء جيش يفوق أَو يضاهي حلف شمال الأطلسي بتجهيزاته وقواعده. فتمكنت مُنْذُ عام 1972م من إن تضع أدبيات جيش الانتشار السريع حَتَّى تَمَّ التنفيذ في عهد جيمي كارتر عام 1977م. ورصدت الولايات المتحدة الأمريكية مبالغ طائلة جداً لإنجاز هذه المهمة من خلال إيجاد القواعد الثابتة القريبة من منطقة الخليج العربي أَو المتواجدة فيها.

هذه القوات تَمَّ إنشاؤها وتدريبها بصورة تدريجية توحي إنها مهيأة لإنجاز مهمة مستقبلية. فمع التدريب والمناورة كان تعداد هذا الجيش مَعَ الاحتياطي يقارب 680 ألف عسكري أمريكي يمكنه الانتشار في أية بقعة من العالم بواحد وعشرين يوماً ويمكنه إن يقاتل 5 أسابيع قبل وصول أية تعزيزات. كما جهّز هذا الجيش الذي بدأت نواة تأسيسه عام 1977م وكان جاهزاً للتنفيذ عام 1989م بأحداث الأسلحة الأمريكية وأدقها إصابة للهدف وأشملها دماراً. ولعل الآلة العسكرية التي استعملتها قوات الانتشار السريع في خرب الكويت الأُولى والثانية والتي بعضها كان من الحداثة إن استعمل فوراً في أرض المعركة دون الحاجة لتجريبه ويدخل الخدمة الأمريكية بقرار من الكونغرس.

لم تكتفي الولايات المتحدة الأمريكية من التواجد عسكرياً في المنطقة من خلال جيشها الجرار بل عقدت عدة معاهدات مَعَ دول المنطقة لكي تأسس البقاء الشرعي لهذه القوات في مياه وأرض الخليج العربي. وكانت معظم الدول في المنطقة ترى في تواجدها حماية لآبار النفط وتأمين الملاحة، في حين كان تواجدها لاحتلال المنطقة بصورة سلمية دون إن تتكبد خسائر في أرواح أبنائها. وبهذا الجيش تمكنت الولايات المتحدة الأمريكية من اختراق المنطقة ومحاصرتها من الداخل لتنفيذ مشاريعها المستقبلية.

ولعل كبرى المشاريع المستقبلية الأمريكية تلك هي التي كانت تتوقع إن أوربا ستصبح بلداً اقتصادياً كبيراً مما قَدْ يشكل بإمكاناته البشرية والاقتصادية والعسكرية قطبا ينافس الولايات المتحدة الأمريكية، بالإضافة إِلى الصين كما توردها الدراسات الاستراتيجية لمستقبل الدول الصناعية. وبالتالي فإحدى أولويات الولايات المتحدة الأمريكية بعد سقوط الاتحاد السوفيتي هو الاستحواذ على البترول العالمي لتتحكم في صنبوره من المنبع إِلى السوق. وأخيراً تضمن عدم ظهور قطب دولي منافس لها إلا إذا كانت هناك حرب ضروس. وهو ما نستبعده على الأقل في السنوات العشر القادمة لتفرد الولايات المتحدة الأمريكية وتسلطها على العالم دون منافس. ولكن كيف يمكنها إن تحافظ على قطبيتها واستمرارية تحكمها بدول العالم من خلال وضع يدها على صنبور البترول؟ وماذا لو اكتشف البترول في دول أُخرى غير دول الشرق الأوسط وتمكنت الدول التي يتوقع نهوضها لتكن كبرى ومماثلة للولايات المتحدة الأمريكية من إن تضع يدها على تلك المنابع البترولية الجديدة؟

يبدو إن الولايات المتحدة الأمريكية من خلال دراساتها الاستراتيجية النفطية توصلت إن احتياطي النفط العالمي يكمن في منطقة الخليج العربي. إذ سوف يصل مَعَ عام 2010م إِلى 86.1% من إجمالي الاحتياط النفطي العالمي. وستبقى المنطقة هي الرائدة في هذا المضمار. فلذا عمدة في السيطرة على الخليج بصورة سلمية، وكان هذا نابعاً من إيمانها بنجاح خطتها الاستراتيجية وضمان مستقبل البترول العالمي واحتياطية الذي تتوقع إن لا مكان لوفرته بهذه الكثافة إلا في الخليج. ولكن ما الذي جعل سياسة الولايات المتحدة الأمريكية تصل إِلى حدّ احتلال العراق بحرب كانت مجزرة أقرب من حرب لمجرد الاحتلال؟ ولماذا كان الأسلوب السياسي الذي اتبعته الولايات المتحدة الأمريكية مَعَ العراقيين يختلف تَماماً عن ما اتبعته في مناطق أُخرى؟ وما هي الأهداف المستقبلية وراء ذلك؟

في الواقع كلها أسئلة مهمة تحتاج لإجوبة شافية لنتمكن من خلالها إن نستنتج ما الذي ستقدم عليه الولايات المتحدة الأمريكية مستقبلاً. وهل هذه سياسة استراتيجية أم إن الظروف المحيطة دفعت بها لتكن هكذا. سيحاول البحث في مناقشته في القسم القادم عن مسألة احتلال العراق، إن يكشف عن إن التطبيقات الأمريكية لسلوكها اتجاه العراق هي التي ستقوم بالإجابة على تلك الأسئلة ضمناً أَو مباشرة.

الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
2009

مســـاعد أول
مســـاعد أول



الـبلد : السياسة النووية الدولية وأثرها على منطقة الشرق الأوسط - صفحة 5 01210
التسجيل : 10/01/2008
عدد المساهمات : 509
معدل النشاط : 60
التقييم : 1
الدبـــابة : السياسة النووية الدولية وأثرها على منطقة الشرق الأوسط - صفحة 5 Unknow11
الطـــائرة : السياسة النووية الدولية وأثرها على منطقة الشرق الأوسط - صفحة 5 Unknow11
المروحية : السياسة النووية الدولية وأثرها على منطقة الشرق الأوسط - صفحة 5 Unknow11

السياسة النووية الدولية وأثرها على منطقة الشرق الأوسط - صفحة 5 Empty10

السياسة النووية الدولية وأثرها على منطقة الشرق الأوسط - صفحة 5 Empty

مُساهمةموضوع: رد: السياسة النووية الدولية وأثرها على منطقة الشرق الأوسط   السياسة النووية الدولية وأثرها على منطقة الشرق الأوسط - صفحة 5 Icon_m10الأحد 16 مارس 2008 - 18:54

12.4 أزمة العراق وتداعياتها

تاريخياً يعتبر العراق حالة خاصة تختلف عن أية بقعة في الشرق الأوسط. فعلى طول مدى التاريخ كان العراق بموقعه وتركيبة سكانه وانفتاحه على بوابات الشرق والغرب العالميين امتداداً للجزيرة العربية ورابطاً ديمغرافياً للأقوام غير العربية المحيطة به. هذا التصور الغريب الذي يتمتع به العراق حَتَّى من الناحية التضاريسية اصطدمت به بريطانيا اصطداماً كبيراً خلال وبعد الحرب العالمية الأُولى. ولعل المقاومة التي شهدتها من لدن العراقيين كانت سبباً بتأخر زحفهم رويداً رويداً نحو بغداد ومن ثُمّ ولاية الموصل. ولعل المقاومة التي أرهقت القوات البريطانية لم تكن من شعب كان يتمتع بحرية وكفاية معيشية وتطور اجتماعي بقدر ما كان مقهوراً مضطهداً من قبل الدول العثمانية السيئة الصيت والسمعة في التاريخ العربي على الأعم والعراقي خاصة. ولذا كانت مُنْذُ اليوم الأول لدخول القوات البريطانية أرض العراق تسأل نفسها، ما الذي يجبر هؤلاء للدفاع عن الدولة العثمانية؟ وواقع الأمر إن العراقي في حينها لم يكن يدافع عن العثمانيين بقدر ما كان يقاوم كُلّ من يريد إن يحتله ويتبعه بكافة كياناته إِلى مخططاته ومصالحه الاستراتيجية.

تمكنت بريطانيا لامتصاص النقمة العراقية، في حينها إن تقنع العراقيين بان جيشها جاء فاتحاً محرراً وليس محتلاً. فاستجاب البعض غير المتأكد وبقي البعض يراقب متى تقدم بريطانيا على الإيفاء بوعودها. وَمَعَ الزمن تبين إن البريطانيين لم يَفُوا بوعودهم، بل زادوا غطرسة وانتقاما فانفجرت ثورة العشرين بكل بساطتها وعدم تكافئها مَعَ المحتل لتضع العراق في نقطة تحوّل كبيرة في التفكير البريطاني. ويبدو إن السبب في عدم تمكن أيّ محتل من الإحساس بالسيطرة التامة على العراق مُنْذُ عصور التاريخ القديمة وحَتَّى الحديثة منها يعود لتركيبة العراق العشائرية المرنة التي تمتزج فيها المدنية والثقافة مَعَ الانتماء العشائري. كما إن الواقع الديني الذي يعيشه العراق بكافة طوائفه ووجود تراث فكري كبير لكبار المذاهب الإسلامية من شيعة وسنة ألهمتهم الصحافة في الرأي وسمو الشخصية التي تطمح لأن تكون قيادية في داخل نفسها. ناهيك عن الامتداد العشائري الذي يصل شمال العراق بجنوبه مَعَ اختلاف الانتماء الطائفي.

وهذه حالة لم يتمكن أيّ محتل إن يستغلها لصالحه من خلال إثارة النازع الطائفي. وحين نمر بالتكوينات غير العربية في العراق كالكردية والتركمانية والآثورية نرى إنّهم يتكونون من كيانات عشائرية أَيضاً لها قوانينها الخاصة التي لا تختلف في أدائها وتصورها الكينوني عن أداء وتصور العشيرة العربية. فتشكل بذلك مكون عراقي يتألف من عشيرة واحدة تتخللها فروع شتى.

هذه الصورة التي كان يتمتع بها المكون العراقي والأحداث التي صاحبت الاحتلال البريطاني جعلتهم يكونون ملزمين لدراسة الوضع العراقي الاجتماعي لخرقه كي يدوم الاحتلال. وبالتالي فَقَدْ اعتمدت بصورة أَو أُخرى على شخصيات كان لها دور في حكم العراق لا يعرف العراقيون أُصولهم التكوينية والانتمائية. ومعظمهم ممن كان في الإستانة قبل سقوط الدول العثمانية، والبعض منهم ممن ينتمي للواقع العراقي فانهار أمام المغريات ثُمّ عاود دراسة الوضع بجوهره فسقط على الرغم من انتمائه للعشيرة أَو القبيلة، فاستجاب للأهواء دون الأصالة والالتزام فسقط كما تريد بريطانيا.

كانت بريطانيا ومُنْذُ احتلالها للعراق تبحث في المكون العراقي وكيفية السيطرة عليه دون تقديم ضحايا. وتمكنت من رسم صورة حيّة للواقع العشائري والقبلي. وتمكن باحثيها من معرفة أبسط المعلومات عن المكون العراقي خلال فترة قصيرة وَتَمَّ جمعها في ملف مودع في مكتبة الوثائق البريطانية تحت رقم W0252 وباسم The Tripes of Iraq. وبمجرد إن يطلع أيّ منا على هذا الملف سوف يرى إن بريطانيا قَدْ صنفت العراق تصنيفاً جوهرياً حَتَّى من ناحية أخلاق وكبرياء ودناءة كُلّ فرد. وراحت أبعد من ذلك في دراسة الواقع الاقتصادي لِكُلِّ قبيلة ومدى النمو السنوي لِكُلِّ منها ومدى تأثيرها على القبائل الأُخرى ومن هي أرذلها ومن هي أسماها وما إِلى ذلك من صفات جمة. ناهيك عن دراسة المشاكل العالقة ما بين القبائل مُنْذُ عصور طويلة وكيفية حلها وعلاقة العشائر فيما بينهما وكيفية حَلّ مشاكلهم بالتزاوج فيما بينهم.

من خلال تفحص بريطانيا للمكون العراقي تمكنت من إن تصل إِلى حَلّ مشكلتها دون إن تجهد نفسها بعد إن وجدت من الصعوبة إن تعتمد على عشيرة أَو طائفة ما. وبذلك فَقَدْ اتبعت بريطانيا أسلوب التقسيم المناطقي لعدة أسباب منها:

1. يجب إن تعتمد على منطقة أحد مكوناتها الأساسية الحرمان وقلة الثقافة لتتمكن من تدريبهم وزجهم في أجهزة الدولة وخلصت إِلى إن جميع عشائر العراق من شماله إِلى جنوبه تتمتع بالحرمان الثقافي نتيجة بطش واضطهاد الدولة العثمانية لهم.

2. الاعتماد على المنطقة التي ليس لها حدود مَعَ الدول غير العربية لربط امتدادها داخل الجزيرة العربية وعشائرها هناك لتكون بعداً استراتيجياً مستقبلياً داخل حدود القبيلة الواحدة.

3. يجب إن تكون تلك المنطقة تتواجد فيها عشائر لها امتداد في اتجاهات العراق المختلفة وفيها من الطوائف الإسلامية جميعها لتضمن سيادتها أينما تطلبت الحاجة إليها.

4. إن يكون للعشائر أو القبائل في تلك المنطقة مجموعة من الفروع كي يمكن من خلال ذلك دعم أحدهم ضدّ تمرد الآخر.

كانت هذه أحد التصورات التي عملت عليها بريطانيا لحكم العراق من خلال دعم العشائر في مناطق محددة في شمال ووسط وجنوب العراق بصورة انتقائية تتطابق مَعَ مصالحها الخاصة. إلا إن حَتَّى هذا التوجه لم يأخذ مجراه الذي إرادته بريطانيا، حَيْثُ سرعان ما حصل التوتر ونتجت عنه إفرازات أُخرى على الرغم من استمرار بريطانيا في جمع المعلومات عن العراق ومكوناته طيلة فترة تواجدهم. مما وضعها في حالة من اليأس لحكم العراق وكيفية التعامل مَعَ أبنائه فقررت مراجعة المسألة العراقية مراجعة جذرية لعلها تتمكن من فكّ لغز التكوينة الاجتماعية العراقية. ويبدو إن بريطانيا بقوتها وجبروتها المنتصر في الحرب العالمية الثانية كان ينظر للعراق الأصعب نقطة في مستعمراته التي كانت هادئة.

لَقَدْ تبين فيما بعد لبريطانيا إن جميع الدراسات التي وضعتها عن المكون العراقي قَدْ انهارت مَعَ الحرب العالمية الثانية، إذ عاد الجميع إِلى الإضراب والمطالبة برحيل بريطانيا وإلغاء المعاهدات. ولم تتمكن بريطانيا من خلال القبائل إن تسكت تلك الأصوات بل وجد البعض ممن تعتمد عليهم بريطانيا من سياسيين ورجال دولة ضرورة الالتحاق بالأصوات العراقية. مما قَدْ سبب إرباكاً في قراءة وضع العراق وكيفية التعامل مَعَهُ في خصوصية الحكم عند بريطانيا. لذا كان البديل إيجاد حكومات تحت مفهوم الوطنية لإخراس أصوات العراقيين ومن خلالهم تتم عملية تمرير المخططات الشمولية والعامة. وحَتَّى هذه الحكومات قَدْ فشلت على الرغم من قمعها أبناء الشعب، في تمرير الكثير من تلك المخططات. فعلى سبيل المثال لم تجرأ أية حكومة إن تساوم أَو تتمادى في استحقاقات القضية الفلسطينية أَو تغيير توجهات الشعب فيها. مما جعل تلك المهمة عائقاً كبيراً أمام المملكة المتحدة والولايات المتحدة الأمريكية. إذ بدون تتابع الأحداث وموافقة بلدان الشرق الأوسط والتخلي عن انتمائهم وإيمانهم بقضاياهم لا يمكن إن يتم المخطط.

بعد إن أخذت الولايات المتحدة الأمريكية دور اللاعب الأساسي في منطقة الشرق الوسط مباشرة وفشل حلف بغداد، تمكنت من استلام جميع الملفات الخاصة بالعراق استخباراتياً واجتماعياً واقتصادياً من بريطانيا. فعلى الرغم من سهولة تطبيق المشاريع وتطبيع شعب منطقة الخليج العربي لمهمة أوسع، واجهت صعوبة كبيرة في إدخال العراق اللعبة الأمريكية المستقبلية للمنطقة. ولم يسعفها حَتَّى تفاهمها مَعَ نظام الحكم، لأن الأخير أخفق في ترويض العراقيين لقبول أيّ حَلّ ضمن الأُطروحة الأمريكية. وبالرغم من بطش النظام العراقي الذي جثم 35 سنة وورود أصوات تطالب بتغييره حَتَّى ولو بحاكم إسرائيلي، كان اللاعب الجديد يعرف إن المجتمع العراقي ليس بهذه البساطة من القبول بأيّ تغيير تراه هي مناسباً له.

كان لابُدَ للولايات المتحدة الأمريكية من إن تستغل غباء صدام حسين وحزب البعث اللذان يقودان السلطة في العراق لتعميق الشق في الداخل العربي والعمل على انقسامات جوهرية تؤدي بالنتيجة إِلى الإفتراق العربي. وصولاً إِلى اعتماد كُلّ دولة على علاقاتها الخارجية وتحالفاتها التاريخية لصدّ أيّ عدوان. فكانت مهزلة وقوع صدام في الفَخّ وإقدامه على اجتياح الكويت قَدْ جسد مرحلة بداية الإنهيار للمنطقة العربية والخلاص من عناد المكون العراقي لتمرير المخطط الأمريكي. ولعل البوابة الرئيسية التي اتخذت طابعاً دولياً شمولياً أكثر منه أمريكياً بريطانياً كان في خيمة صفوان، عندما وافق مبعوثو صدام حسين على بنود الاتفاق دون إن يفقهوا مردوداته الأساسية. ولعله كانت خيمة صفوان نقطة الانطلاق لانهيار المنطقة وترتيبها ترتيباً جديداً يتلاءم مَعَ معطيات المرحلة القادمة إذا ما قرأنا بإمعان التنازلات التي قدمها العسكر من أجل بقاء نظام الحكم غانماً سالماً على ركام آهات ومعاناة الشعب العراقي.

وبدأت الولايات المتحدة الأمريكية تضغط بلجان التفتيش على النظام العراقي لإيقاف حركة التطور العراقي من جهة وإذلاله بالحصار من جهة أُخرى ليوافق مستقبلاً على أيّ حَلّ لمشكلته. وكان في الجانب الآخر عملاً سياسياً عراقياً معارضاً يعمل لتبرير ما تقترفه الولايات المتحدة الأمريكية من أعمال وحشية تجاه الشعب العراقي، ويضفي عليها طابع الشرعية الدولية لقاء حفنة من الدولارات. فحين بدأ يتضح للعالم مدى إجحاف العقوبات على العراق وحصار شعبه اقتصادياً وتمتع النظام بأيامه الخوالي كانت أصوات الساسة الكبار وأحزابهم السياسية الكبرى تجهض صوت كُلّ عراقي يدعو إِلى فكّ العقوبات الاقتصادية وإبدالها بمحاصرة النظام دبلوماسياً ودولياً.

ومُنْذُ إن بدأ التفتيش في العراق بقيادة أونسكوم دأبت الولايات المتحدة الأمريكية على تهيئة مستلزمات المرحلة القادمة. وكانت هذه المرحلة تعتمد دون شكّ على البعد السياسي المعارض للنظام وبصورة علنية. ويبدو إن الولايات المتحدة الأمريكية أرادت من ذلك إن تشعر نظام صدام حسين بأننا قادرين على إبدالك بغيركَ مثلما أتينا بكَ. خصوصاً وأنّهم اعتمدوا كثيراً على مَن كان يعمل في داخل حلقته القريبة من خلال تدليلهم وإظهارهم بصورة أَو أُخرى. ناهيك عن إن حركة المعارضة العراقية قبل دخول صدام إِلى الكويت كانت هزيلة ضعيفة لا وجود لها تقريباً. ويكمن ذلك في عدة أسباب مهمة أولها دعم العرب في حينها إِلى نظام صدام حسين فلم تعطِ هؤلاء المعارضين أية أهمية. وثانيها إن تلك الأحزاب القليلة المعارضة كانت تعويلية الأداء، أيّ إنها تعول نجاحها وخلاصها من النظام على غيرها الآتي من خارج أسوار العراق.

فهي وقيادتها غير الكفوءه كانت تتمنى إن يتم سقوط صدام من خلال الحرب العراقية- الإيرانية. وعند الانتهاء من تلك الحرب وتوقيع معاهدة السلام ووقف إطلاق النار بين البلدين المتحاربين كادت تلك المعارضة إن تنحسر بعد إن تَمَّ شقها لعدة اتجاهات. فوجدت الولايات المتحدة الأمريكية الوحل الذي وقع فيه هؤلاء ومرض الفشل السياسي أحسن فرصة لتجنيدهم لمخططها المستقبلي وإن طال ولكن بقيادات ترتأيهم هي.

فعلى الرغم من اجتماعات المعارضة العراقية تحت لافتات عديدة خلال السنة الأُولى ونيف من الأشهر لما بعد احتلال الكويت وتهافتهم على كسب الأموال من السعودية والدول الخليجية الأُخرى لم يتمكنوا من ترتيب حالهم. فجاءت الترتيبات من الولايات المتحدة الأمريكية من خلال فرضها شخصية غير سياسية فاشلة مهنية وتتمتع بسمعة فاسدة محكومة في قضايا فساد لتجعلها شخصية قيادية. ولعب مُحَمَّد بَحَر العلوم وليث كبة وهاني الفكيكي وغيرهم دوراً كبيراً في تسويق أحمد الجلبي لينطلق تحت عباءته مؤتمر فينا عام 1991م ليقود اللواء الأمريكي الذي أوصلنا لما نحن عليه الآن.

كان مؤتمر فينا وانضمام الفصيلين الكرديين والمجلس الأعلى وحزب الدعوة والحزب الشيوعي وغيرهم من الأحزاب ذُو قوة جماهيرية كبيرة كما يبدو للعيان. ولكن الحقيقة كانت غير ذلك إذ إن سيرته وترتيباته وانعقاده كان من لدن وإشراف مخابرات الولايات المتحدة الأمريكية، وكنا نشاهد تدخلهم العلني حَتَّى في نصوص البيانات وكيفية الانتخابات والترشيحات. فكانت نتيجة هذا المؤتمر الذي أصبح أساساً لتدمير العراق وتفتيته هي المحاصصة الطائفية والعرقية. وعلى الرغم من رفض الكثير ممن يهمهم استقلال العراق وانفرج كربه ما حدث في أروقة المؤتمر من انتهاكات، إلا إن ما إرادته الولايات المتحدة الأمريكية صار وبإصرار من الأطراف الكبيرة في المؤتمر. ومُنْذُ ذلك الحين عرفنا إن العراق مقبل على تهميش وسوف يكون التقسيم الطائفي هو الدلالة المستقبلية لأيّ عمل سياسي مستقبلي.

لَقَدْ تمكنت الولايات المتحدة الأمريكية بنجاح من رسم معالم العراق الذي تريده مستقبلاً مُنْذُ أول يوم لأيام مؤتمر فينا، وذلك من خلال المقررات والشخصيات التي فرضتها كقيادة له. وصاحب مقررات مؤتمر فينا وبدعم أمريكي تأسيس ثمانية وعشرين حزباً سياسياً خلال ثلاثة أسابيع. وذلك لإضفاء طابع الشرعية على المؤتمر وتوجهاته من كثرة الأحزاب التي توافدت عليه والتي بعضها لا يتعدى المنتمين فيه عدد أصابع يَدّ واحدة. هكذا كان السياق السياسي في القضية العراقية من قبل الولايات المتحدة الأمريكية. فما إن انفض مؤتمر فينا حَتَّى عقد بعد أقل من سنة مؤتمراً في أربيل، ذلك المؤتمر الذي عمق مسألة الطائفية وأهدافها المستقبلية في العراق، وصاحب المؤتمر النتائج والتطورات التالية التي يمكن حصرها بما يلي:

1. تجنيد القيادات البعثية التي تركت العراق بعد أحداث 1991م لتنخرط تحت مظلة ما يعرف بالمؤتمر الوطني العراقي وارتباطهم مباشرة بأحمد الجلبي.

2. تأسيس أربعة مقرات لوكالة المخابرات الأمريكية وسبع مقرات للاستخبارات الأمريكية لترتبط مباشرة مَعَ شخصيات وأحزاب المعارضة العراقية التي هي جزء من مؤتمر أربيل.

3. تجهيز بعض الأحزاب السياسية العراقية بأجهزة استقبال وتنصت ترتبط مباشرة بدوائر المخابرات والاستخبارات في الولايات المتحدة الأمريكية.

4. تقرير منح الأحزاب العراقية التي تنضوي تحت المؤتمر الوطني مواقع في شمال العراق وتدعم بكافة تجهيزاتها العسكرية والمالية من قبل الولايات المتحدة الأمريكية.

5. فتح معسكرات تدريبية تشرف عليها الولايات المتحدة الأمريكية وتدعمها عسكرياً ومالياً.

6. ترشيح كُلّ حزب عدد من عناصره تحدد نسبهم فيما بعد لغرض التدريب في قواعد الولايات المتحدة الأمريكية خارج منطقة شمال العراق.

7. عدم الاعتراف بأيّ تشكيل سياسي أَو نشاط سياسي لأية شخصية سياسية مهما كان تاريخها خارج مظلة المؤتمر الوطني والإيعاز إِلى دول الجوار في التحفظ في التعاون معهم.

كانت هذه الاتفاقات السرية التي تمخض عنها مؤتمر أربيل وشيوعها في الساحة العراقية السياسية خارج أسوار النظام السفاح قَدْ تواترت. وبدأ الكُلّ يتهم الكُلّ في الوصول إِلى الحالة وبات كُلّ منهم يتخوف من الانسحاب كي لا يفوته قطار التغيير. فما أُشيع عن إن هذا الحزب قَدْ انسحب أَو هذه الشخصية قَدْ انسحبت لا صحة له. لكون الواقع كان يبين عكس ذلك وتمكن العراقيون من معرفة إنها مسألة أدوار لابُدَ لِكُلِّ حزب من الأحزاب السياسية إن يلعبها من خلال توقيف نشاطه وزجّ بكبار شخصياته في داخل اللعبة تحت مسميات كثيرة.

الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
2009

مســـاعد أول
مســـاعد أول



الـبلد : السياسة النووية الدولية وأثرها على منطقة الشرق الأوسط - صفحة 5 01210
التسجيل : 10/01/2008
عدد المساهمات : 509
معدل النشاط : 60
التقييم : 1
الدبـــابة : السياسة النووية الدولية وأثرها على منطقة الشرق الأوسط - صفحة 5 Unknow11
الطـــائرة : السياسة النووية الدولية وأثرها على منطقة الشرق الأوسط - صفحة 5 Unknow11
المروحية : السياسة النووية الدولية وأثرها على منطقة الشرق الأوسط - صفحة 5 Unknow11

السياسة النووية الدولية وأثرها على منطقة الشرق الأوسط - صفحة 5 Empty10

السياسة النووية الدولية وأثرها على منطقة الشرق الأوسط - صفحة 5 Empty

مُساهمةموضوع: رد: السياسة النووية الدولية وأثرها على منطقة الشرق الأوسط   السياسة النووية الدولية وأثرها على منطقة الشرق الأوسط - صفحة 5 Icon_m10الأحد 16 مارس 2008 - 18:56

ولقد حرصت الولايات المتحدة الأمريكية على إعطاء مؤتمري فينا وأربيل ونشاط الأحزاب المشاركة فيه أهمية كبيرة. الغرض من ذلك العمل على تهميش أيّ دور وطني لشخصيات رفضت الانخراط في بوتقة المشروع الأمريكي. وَمَعَ ذلك كانت تزجّ بين الحين والآخر بشخصيات تعتمد عليها في مخططها المستقبلي لإفشال أية محاولة لإيقاف سيطرة الولايات المتحدة الأمريكية على الشارع السياسي العراقي. ولكن هذه الحالة لم تدم طويلاً فسرعان ما لاحظت الولايات المتحدة الأمريكية إن هناك مداً جماهيرياً عراقياً من القاعدة البسيطة التي عانت من النظام الصدامي الفاسد تنخرط بمجاميع كبيرة في المعسكرات المشيدة في أربيل والسليمانية. وإن هؤلاء بدأوا يطالبون قياداتهم بضرورة الزحف نحو بغداد إذا كانت الولايات المتحدة الأمريكية ذات مصداقية في حمايتهم من طائرات النظام.

وعندما وجد أحمد الجلبي وأعضاء مؤتمره إنّهم لم يتمكنوا من إيقاف تلك الجموع، حصلت مهزلة 31 أُغسطس/آب 1996م التي تمخض عنها دخول القوات العراقية إِلى أربيل وبطلب رسمي من مسعود البرزاني واكتسحت المعسكرات وألقت القبض على المبدأين منهم وأرسلتهم إِلى بغداد. وللأسف ساهم في هذه العملية بعض الأحزاب المنظوية تحت راية المؤتمر وبطلب أمريكي.

كانت مهزلة أربيل عام 1996م قَدْ كشفت اللعبة الأمريكية، إذ قامت وكالة المخابرات الأمريكية والبتاغون بإجلاء 3400 فرد من العراقيين العاملين تحت لوائها، بالإضافة إِلى شخصيات قيادية في المؤتمر كشفتهم الصحافة الأمريكية في حينها ومنهم مُحَمَّد عبد الجبار شبوط، موفق باقر (الربيعي)، مُحَمَّد بَحَر العلوم، نبيل الموسوي، نوري البدران، رياض القره غولي، آراس حبيب، جودت العبيدي، عبد الحليم الرحيمي (الرهيمي)، حامد البياتي (طالب الأصفهاني).

بعد هذه المهزلة كان لابُدَ للولايات المتحدة الأمريكية من إن تغير التكتيك وليس الاستراتيجية، فعملت خلال السنوات الأربعة فقط على جمع المعلومات من داخل العراق بالاعتماد على الأحزاب المنخرطة تحت راية المؤتمر الوطني. وَقَدْ تَمَّ صرف أموال كثيرة لترويج هذا الأمر دون متابعة حثيثة من الولايات المتحدة الأمريكية عن صحة المعلومات من عدمها. ولكن لم يتوقف المؤتمر عن اجتماعاته الدورية وأن كانت بين مدّ وجزر مَعَ الأحزاب الأُخرى، ولوحظ إن في كُلّ اجتماع أَو لقاء كانت المحاصصة الطائفية تلعب دوراً كبيراً. ولعل الملفت للنظر في غضون هذه الأحداث التي جمدت فيها الولايات المتحدة الأمريكية نشاطاتها لإسقاط النظام الحاكم هو إن إدارة كلنتون وجهت إِلى مؤسسة راند الأمريكية المتخصصة بالاستراتيجيات الشرق أوسطية طلباً لدراسة وضع العراق المستقبلي. خلصت الدراسة التي أجراها الكاتب الاستراتيجي المخابراتي الأمريكي كراهام أي فولر المسماة "العراق في العقد القادم: هل سيبقى العراق لغاية عام 2002م"، إِلى نتيجة مفادها أنَّه إذا استمرّت الولايات المتحدة الأمريكية في تطبيق تصورتها المستقبلية نحو العراق، فأنَّه سوف لا يبقى العراق عراقاً حَتَّى عام 2002م. وسوف يصاحب العراق تقسيماً ما بين 4-6 ولايات صغيرة يمكن السيطرة عليها بسهولة. كما إضافة الدراسة، إن على الولايات المتحدة الأمريكية إن لا تفرط بالشخصيات التي تعاملت معها وإن تحتضنهم ليتمكنوا من القيام بمهام مصيرية، تجعل الولايات المتحدة الأمريكية في المستقبل الدولة الوحيدة التي لها الريادة والسيادة في المنطقة. وبالنتيجة نحن الآن نرى مدى إصرار الولايات المتحدة الأمريكية على إبقاء تلك الشخصيات قيادات مستقبلية للعراق لتتحقق نتائج دراسة الباحث كراهام بحذافيرها.

خضعت دراسة فولر إِلى تطبيق شديد من قبل إدارة كلنتون ما بين عام 1996م ولغاية 1998م. ويبدو إنها استشارت بعض الدول المحيطة في العراق، وأبدت تلك الدول عدم ارتياحها لتلك الفكرة التي تعتبر أحد بنود المخطط الإسرائيلي للوصول إِلى المنطقة. وبادرت بعض الدول تحرك شخصيات عراقية لإجهاضها ولكن بدون تخطيط أَو وضوح. ولعل من تلك الأُطروحات هي وصول عدنان الباجه جي إِلى لندن في تلك الفترة والالتقاء بشخصيات عراقية سياسية يدعوهم لعدم المناداة بسقوط صدام بل إبداله بابنه قصي. إلا إن هذا المقترح جوبه بالرفض وعدم النضج السياسي عند الباجه جي، بالذات من كاتب السطور شخصياً، حَيْثُ كنا نصر على ضرورة إن يسقط النظام بأيدي عراقية ويحاكم ضمن القانون الجنائي العراقي هو ومن مَعَهُ من الذين قَدْ يثبت ارتكابهم جرائم بحَقّ العراقيين. وَمَعَ التوجهات العربية لإجهاض الخطة الأمريكية كان هناك عمل شاق دأبت عليه الولايات المتحدة الأمريكية مُنْذُ صيف عام 1997م. تمخض هذا العمل برصد أموال طائلة عن طريق المؤتمر الوطني لفتح مؤسسات إعلامية وثقافية عراقية مدنية. فشهدت الساحة في وقت واحد صورة غير طبيعية لما يسمى بجمعيات التحول المدني. والواقع هذه حالة حضارية لابُدَ منها ولكن ليس بالصورة التي تريد منها الولايات المتحدة الأمريكية خدمة مصالحها وتنفيذ مخططاتها. على أية حال كان لهذه الجمعيات نشاط ملحوظ ودعم مادي كبير. وبالفعل تَمَّ من خلالها طرح عدة بحوث تخدم التحول الأمريكي في المنطقة ضمن إعادة برمجة الدولة العراقية.

في الجانب الآخر كانت هناك شخصيات اعتمدتها الولايات المتحدة الأمريكية، واجبها دحض أيّ عمل سياسي وطني تقوم به ثلة من الوطنين ضدّ المخطط الأمريكي من جانب وضدّ النظام الصدامي من جانب آخر. فكانت على سبيل المثال اجتماعات كثيرة وعديدة للمستقلين للخروج من هذا الصمت وما يضمره المستقبل. وتمخض أحدها عن إعلان سري بتأسيس حركة للمستقلين العراقيين في المهجر في 17 أبريل 1997م، وأقدمت هذه الحركة على رسم ملامح العراق الجديد بعد سقوط صدام والعمل من الداخل على إسقاطه وإعادة برمجة الحياة فيه ضمن الأُسس الحضارية الدولية ورفض التدخّل الأمريكي في شؤون العراق ومحاكمة صدام ومن أجرم بحَقّ الشعب العراقي محاكمة عادلة.

كما صاحب هذه المجموعة التي أسسها كُلّ من حسين الشعلان وعبد الأمير علوان وجلال البياتي وسامي فرج علي ونوري العبد وقاسم غالي وفائق الشيخ على (فائق دعبول المرندي) وفارس الجادر وهيثم الناهي وطالب علي وفلاح شفيع (انسحب بعد اجتماعين) ومحمد نبيل (انسحب بعد اجتماع واحد)، دراسات في التكنولوجيا والاجتماع والإدارة والسياسة والتربية كنظرة مستقبلية لبناء العراق الجديد. ولكن المشروع قَدْ فشل، بعد عمل متناهي لمدة أربعة عشر شهراً عندما تَمَّ مناقشة النظام الداخلي للحركة حين أصر فائق الشيخ على وقاسم غالي على ضرورة إضافة فقرة تنصّ على ضرورة إقامة علاقات مَعَ إسرائيل. فانسحب كاتب السطور لاعتراضه على الفقرة وعلى تواجد من يفكر بهذا المستوى فانسحب مَعَهُ فارس الجادر وسامي فرج علي وطالب علي. واستمرّت حركة المستقلين أشهر قليلة وفشلت تَماماً بعد انسحاب جلال البياتي منها لنفس السبب الذي انسحب الآخرون بموجبه.

وتبين فيما بعد إن الكثير ممن كان منخرطاً في حركة المستقلين قَدْ زجّ بهم لإفشال الحركة من قبل أحزابهم، فبعضهم كان من منتمياً إِلى الحركة الملكية الدستورية، والوفاق الوطني، والمؤتمر الوطني العراقي، ومجلس العراق الحرّ. ومنهم من كان مرتبطاً ارتباطاً مباشراً بمؤسسات مخابراتية دولية وإقليمية هدفها تعطيل أيّ مشروع عراقي وطني حُرّ.

الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
 

السياسة النووية الدولية وأثرها على منطقة الشرق الأوسط

استعرض الموضوع التالي استعرض الموضوع السابق الرجوع الى أعلى الصفحة 
صفحة 5 من اصل 6انتقل الى الصفحة : الصفحة السابقة  1, 2, 3, 4, 5, 6  الصفحة التالية

 مواضيع مماثلة

-
» أسلحة الدمار الشامل.. انتشارها وأثرها الإستراتيجي في الشرق الأوسط
» تقرير: شبح الحرب يطغى على منطقة الشرق الأوسط
» دلالات ورؤى حول التسليح الروسي في منطقة الشرق الأوسط
»  أهم صفقات التسلّح في منطقة الشرق الأوسط خلال 2017
» لماذا لا تبني السعودية أكبر جيش في منطقة الشرق الأوسط؟

صلاحيات هذا المنتدى:لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى
 :: الأقســـام الاداريـــة :: الأرشيف-
التعليقات المنشورة لا تعبر عن رأي ادارة الموقع ولا نتحمل أي مسؤولية قانونية حيال ذلك ويتحمل كاتبها مسؤولية النشر

Powered by Arab Army. Copyright © 2019