أهلا وسهلا بك زائرنا الكريم، اذا كانت هذه زيارتك الأولى للمنتدى، فيرجى التكرم بالاطلاع على القوانين بالضغط هنا. كما يشرفنا أن تقوم بالتسجيل بالضغط هنا إذا رغبت بالمشاركة في المنتدى، أما إذا رغبت بقراءة المواضيع والإطلاع فتفضل بزيارة المواضيع التي ترغب.

السياسة النووية الدولية وأثرها على منطقة الشرق الأوسط - صفحة 4

حفظ البيانات؟
الرئيسية
التسجيل
الدخول
فقدت كلمة المرور
القوانين
البحث فى المنتدى


 
الرئيسيةأحدث الصورالتسجيلدخول



 

 السياسة النووية الدولية وأثرها على منطقة الشرق الأوسط

اذهب الى الأسفل 
انتقل الى الصفحة : الصفحة السابقة  1, 2, 3, 4, 5, 6  الصفحة التالية
كاتب الموضوعرسالة
2009

مســـاعد أول
مســـاعد أول



الـبلد : السياسة النووية الدولية وأثرها على منطقة الشرق الأوسط - صفحة 4 01210
التسجيل : 10/01/2008
عدد المساهمات : 509
معدل النشاط : 60
التقييم : 1
الدبـــابة : السياسة النووية الدولية وأثرها على منطقة الشرق الأوسط - صفحة 4 Unknow11
الطـــائرة : السياسة النووية الدولية وأثرها على منطقة الشرق الأوسط - صفحة 4 Unknow11
المروحية : السياسة النووية الدولية وأثرها على منطقة الشرق الأوسط - صفحة 4 Unknow11

السياسة النووية الدولية وأثرها على منطقة الشرق الأوسط - صفحة 4 Empty10

السياسة النووية الدولية وأثرها على منطقة الشرق الأوسط - صفحة 4 Empty

مُساهمةموضوع: رد: السياسة النووية الدولية وأثرها على منطقة الشرق الأوسط   السياسة النووية الدولية وأثرها على منطقة الشرق الأوسط - صفحة 4 Icon_m10الأحد 16 مارس 2008 - 18:37

إسرائيل نووياً في هذا العقد


بعد انهيار مصر وانسلاخها من موقعها العربي ووضعها ضمن قائمة الدول الشرق الأوسط دون أن يكون لها تأثير على ما يدور في الساحة العربية كما كانت قبل عام 1973م، وانشغال العراق وإيران بحربهما الضروس التي استنزفت كُلّ الطاقات، خلت الساحة لإسرائيل وباتت تنمي اقتصادها وتقوي ترسانة سلاحها وخاصة النووية منها خصوصاً وأنها لم توافق على توقيع أية معاهدة تَحِدّ من نشاط الإنتاج النووي. وكما عرفنا مفصلاً في جوانب هذا البحث من أن إسرائيل باتت مَعَ منتصف السبعينات تمتلك من اليورانيوم ما يمكنها من إنتاج قنابل ذرية عديدة، ولكنها كأيّ دولة تريد التسلط والنفوذ لابُدَ لها أن تبحث عن وسيلة تمكنها من أن توصل رؤوسها النووية وتصيب أهدافها بدقة متناهية. فلذا فَقَدْ اختارت إسرائيل الصواريخ الباليستية لحمل رؤوسها النووية لدقتها وسرعتها في ضرب الهدف.

وبالطبع لم يكن مشروع الكيان الصهيوني النووي المعروف بجريكو Jericho الذي بيناه سابقاً، إسرائيلياً بالتمام والكمال دون مساهمة غربية أو أمريكية، وعليه فَقَدْ كان مبنيا على مشروع الصواريخ الفرنسية المعروفة ب MD-620-MD وMD-600-MD المصنعة من قبل شركة مارسيل ديزيلت (Marcel Dassault (95,98,141.

وَمَعَ بداية هذا العقد وحَتَّى نهايته بدت إسرائيل نشطة في تطوير منظومتها النووية وآلتها بصورة غريبة جداً، مكنتها في إنتاج أنواع أخرى جديدة بالإضافة إِلى ما وضحناه في الفصل السابق. فعلاوة على ما تمتلكه إسرائيل من سلاح نووي منتج داخل مصانعها الحربية زودتها الولايات المتحدة الأمريكية بأسلحة نووية تكتيكية من الأنواع التالية (94,98):

1. الصواريخ القتالية من نوع لانس Lance التي لها القدرة على حمل رأس نووي قوته التفجيرية 50 كيلوطن ويصل مداه إِلى 120 كيلومتر.

2. الصواريخ القتالية من نوع سرام SRAM التي لها القدرة على حمل أكثر من رأس نووي واحد وبطاقة تدميرية نووية تصل إِلى 200 كيلوطن وبمدى يتراوح ما بين 60 كيلومتر إِلى 160 كيلومتر.

3. قذائف مدفعية نووية من طراز 155 ملم قادرة على حمل 0.5 كيلوطن إِلى 2 كيلوطن وبمدى 20 كيلومتر.

4. قذائف مدفعية نووية من طراز 203 ملم قادرة على حمل 0.5 كيلوطن إِلى 2 كيلوطن وبمدى يتراوح ما بين 21 كيلومتر إِلى 25 كيلومتر.

ولعل من أخطر ما عرف عن ترسانة الأسلحة النووية الإسرائيلية في مرحلة الثمانينات هو ما جاء بتقرير مركز البحوث الاستراتيجية والدراسات الدولية التابع لمعهد بحوث واشنطن في جامعة جورج تاون الأمريكية المعروف بصلته الحميمة بالبنتاجون الأمريكي الصادر في كانون الأول عام 1984م حَيْثُ أوضح هذا التقرير أن إسرائيل تمتلك ما لا يقل عن 100 رأس نووي يمكن أن تصل مَعَ نهاية هذا العقد إِلى 340 رأس نووي. دون ذكر نوعية الآلة الناقلة ومدى كُلّ نوع من هذه الأسلحة وقوتها التدميرية وما إِلى ذلك من خصائص مهمة. إلا إن مثل هذا التقرير الصادر من تلك مؤسسة له أهمية قصوى في حصر إمكانية ترسانة إسرائيل النووية ومدى تأثيرها على السياسة الدولية مستقبلاً.

وَمَعَ نهاية الثمانينات ظهرت نتائج البحوث والتطوير الإسرائيلية ظهوراً جليّاً، إذ تمكنت من تطوير طائرات الفانتوم نوع F-4E-2000 لحمل رؤوس نووية ويقدر عدد هذه الطائرات المحورة بما يقارب 50 طائرة. كما تمكنت من تطوير 250 طائرة من نوع Falcon F-10 يمكنها حمل قذائف نووية أَيضاً. ويعتقد إن مدى الهدف المرصود من تلك الطائرة نوع فانتوم يتجاوز 1600 كيلومتراً.

على الرغم من بساطة المعلومات التي تمكنت الصحافة الدولية وبعض الباحثين المهتمين في الحصول عليها عن البرنامج النووي الإسرائيلي، إلا إنها تعتبر ذات أهمية قصوى لتأسيس النظرة المتفحصة حول مدى تطور البرنامج النووي الإسرائيلي، وبيان الزمن الذي تمكنت به إسرائيل من الفوز بالمعلومات النووية وغيرها. ولعل تلك المعلومات التي سوف نتحدث عنها عندما نبحث نوويات العقد القادم ستظهر لنا مدى تقدم الآلة النووية الإسرائيلية التي ربما قَدْ تصل قوتها التفجيرية أكثر من القوة التفجيرية البريطانية والفرنسية النووية ولربما حَتَّى الآلة الحاملة للسلاح النووي تعتبر أكثر تطوراً من الآلة الفرنسية والبريطانية. ويبدو إن هناك شراكه غير معلنة بين الولايات المتحدة الأمريكية وإسرائيل مُنْذُ فترة طويلة.

ويبدو إن الولايات المتحدة الأمريكية أخذت على عاتقها نزع أسلحة العالم النووية لتتمتع إسرائيل والولايات المتحدة الأمريكية بالقوة النووية التي من خلالها يمكن بسط النفوذ على مكامن العالم وموارده، وهو ضمن السياق الذي اتفق عليه أنشتاين وترومان مَعَ بدء البحث النووي عام 1941م. الذي نصّ على ضرورة سيطرة وانفراد إسرائيل والولايات المتحدة الأمريكية بالسلاح النووي دون غيرهما من الدول ذات القدرة على إنتاجه وامتلاكه.

الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
2009

مســـاعد أول
مســـاعد أول



الـبلد : السياسة النووية الدولية وأثرها على منطقة الشرق الأوسط - صفحة 4 01210
التسجيل : 10/01/2008
عدد المساهمات : 509
معدل النشاط : 60
التقييم : 1
الدبـــابة : السياسة النووية الدولية وأثرها على منطقة الشرق الأوسط - صفحة 4 Unknow11
الطـــائرة : السياسة النووية الدولية وأثرها على منطقة الشرق الأوسط - صفحة 4 Unknow11
المروحية : السياسة النووية الدولية وأثرها على منطقة الشرق الأوسط - صفحة 4 Unknow11

السياسة النووية الدولية وأثرها على منطقة الشرق الأوسط - صفحة 4 Empty10

السياسة النووية الدولية وأثرها على منطقة الشرق الأوسط - صفحة 4 Empty

مُساهمةموضوع: رد: السياسة النووية الدولية وأثرها على منطقة الشرق الأوسط   السياسة النووية الدولية وأثرها على منطقة الشرق الأوسط - صفحة 4 Icon_m10الأحد 16 مارس 2008 - 18:37

الدول العربية نووياً في هذا العقد


لم يكن للعرب وجود في مضمار تطوير واستخدام الطاقة النووية إلا في المعاهدات والمواثيق مَعَ وجود تلك المليارات التي تَدُرّ على واشنطن والعواصم الأوربية الأخرى. أيّ أنَّه لم يكن أحد من العرب يتجرأ بعد عام 1970م من أن يطلب تطوير برنامج نووي حَتَّى ولو كان الغرض منه تصنيع لعب الأطفال (142). فمع عام 1983م كان العرب بأجمعهم قَدْ وقعوا معاهدة منع تكاثر استخدام الأسلحة النووية إضافة إِلى اتفاقية الوقاية من الأسلحة النووية والتي بموجبها يكون الحَقّ لوكالة الطاقة النووية العالمية مراقبة أي مشروع نووي من موقع التطوير. وَمَعَ هذا التطور وكتمان الأصوات بتلك المعاهدة التي لم توقعها إسرائيل تحت ذريعة ضرورة تسليح إسرائيل خوفاً من انقضاض سوريا والعراق عليها مستقبلاً، تمكنت سوريا من تطوير برنامج نووي سلمي بعد حصولها على مفاعل نووي صغير جداً لغرض التدريب من الاتحاد السوفيتي في عام 1978م، وتحت شروط تجعل وجوده كعدمه. كما تمكنت ليبيا من امتلاك مفاعل نووي صغير أَيضاً لتطوير مشروع نووي للأغراض السلمية بمساعدة إيطالية.

ولكن كان من أكبر الدول العربية امتلاكاً لبرنامج نووي كبير وجدي قَدْ يحسب له حساب مستقبلي، هو البرنامج النووي العراقي الذي أصبح مَعَ بداية 1981م يمثل ثلاثة مفاعل نووية كان أكبرها على بعد قليل من العاصمة بغداد. وبالاتفاق مَعَ فرنسا وإيطاليا تَمَّ تطوير برنامج نووي للأغراض السلمية في العراق.

كان العراقيون أَيضاً يعدون العدة لامتلاك سلاح نووي شبيه بما تمتلكه إسرائيل ولو بزمن طويل. ونظراً لوفرة الأموال في السبعينات فَقَدْ أقدم العراق على إرسال بعثات كبيرة لدراسة العلوم النووية وعاد الكثير منهم مَعَ بداية عام 1979م وانضم هؤلاء الدارسين الجدد إِلى مجموعة البحث النووي العراقية التي ضمت بين دفتيها خبراء عرب من مصر وفلسطين إضافة إِلى خبيرين نوويين باكستانيين. قدرت أعداد العاملين في المجال النووي العراقي مَعَ نهاية عام 1988م بواقع 10,000 فرد ما بين عالم وباحث ومهندس وإداري وفني، ويشكل العراقيون ما يقارب 97% من إجمالي هذا الكادر النووي (143). حَيْثُ تمكن هؤلاء بأجمعهم من التوصل إِلى نتائج مرضية جداً مَعَ نهاية عام 1980م الأمر الذي أذهل الخبراء الإيطاليون والفرنسيون لقصر مدة الاكتشاف التي قدرت بواحد إِلى إحدى عشر من المدة التي استغرقها الباحثون الغربيون مَعَ وجود كفاءة الأجهزة العلمية نفسها (94,98,141,143).

كان البرنامج النووي العراقي الذي يعمل دون موافقة ومراقبة الوكالة الدولية للطاقة النووية IAEA يعمل على شقين. الأول هو عملية الحصول على اليورانيوم من خلال السوق العالمية وبصور شتى والعمل على تخصيبه. والوجهة الثانية تعتمد على تأسيس وبناء مفاعل يمكن من خلاله إنتاج وتجربة الرؤوس النووية. وهذا بالتأكيد لم يرق للغرب وربما الشرق أَيضاً، فَقَدْ دمر بالكامل هذا المشروع المسمى تموز واحد من قبل إسرائيل وبطريقة غامضة جداً (141,143).

فبينما رحى الحرب العراقية الإيرانية التي خطط لها كانت بعد لا تزال تطحن الحضارة والتقدم والتكنولوجية لأقدم شعبين عرفتهم المنطقة الخليجية على مَرِّ العصور. وبينما الاثنان منشغلان بقصف بعضهم البعض، وفي الساعة الرابعة بتوقيت بغداد من يوم الأحد الموافق السابع من حزيران عام 1981م انطلقت ثمانية طائرات إسرائيلية من نوع إف - 16 من القاعدة الجوية الإسرائيلية في سيناء. كانت هذه الطائرات القاصفة تحمل كُلّ منهم قنبلتين تزن الواحدة منهما 2000 باوند من المتفجرات المحملة على موجه إلكتروني له قابلية اختراق الكونكريت المسلح لأعماق من 60م إِلى 90م. وَقَدْ صاحبت الطائرات القاصفة هذه ست طائرات حماية من نوع إف-15 لتنفيذ مهمتها المعروفة بعملية بابل Babylon Operation. وبينما كانت تلك الطائرات الإسرائيلية المحلقة في طريقها إِلى بغداد وطائرات الأواكس الأمريكية العاملة في السعودية في سبات لمدة أربع وعشرين ساعة تحت حجة الصيانة، وبطاريات الرادار العراقية العاملة في مواقعها القريبة من الحدود السعودية الأردنية قَدْ تَمَّ نقلها بالكامل إِلى جهة الحدود العراقية السورية قبل ثلاثة أيام من العملية الإسرائيلية ودون سبب أو سابق إنذار، وبينما كان جنود الحراسة العراقيين في عملية تبديل واجباتهم، وصلت الطائرات الإسرائيلية بعد ثلاثة ساعات من طيرانها وألقت بقنابلها على المفاعل النووي العراق الرئيسي الذي دمر بالكامل وعادت إِلى إسرائيل سالمة منتصرة. بعد أن استغرقت عمليتها ما يقارب خمسة عشر دقيقة فقط قضتها فوق سماء بغداد (94,98,144).

الغموض المبهم غير القابل للتصديق المرافق للهجوم الإسرائيلي على المفاعل النووي العراقي، صاحبه أَيضاً مفاجئات على أرض الواقع مازالت تنتظر من له الشجاعة لِحَلّ لغزها منها اختفاء اثنين من الخبراء الفرنسيين وواحد إيطالي ومعهم 650 كيلو من البلوتونيوم المحفوظ في المفاعل النووي المدمر. هذا الاختفاء قَدْ تزامن مباشرة بعد العملية الإسرائيلية المسماة ببابل (144). وبالتالي نرى إن تلك العملية قَدْ كانت مدبرة بالفعل وبالاتفاق مَعَ العلماء الغربيين العاملين في المفاعل النووي العراقي. ولكن هناك بعض النقاط التي تحتاج بصدق إِلى وقوف وتفكير عميقين جداً أولها، سحب وحدات الإنذار المبكر العراقية من على الحدود الغربية قبل موعد العملية بـ: 72 ساعة ومعاقبة القادة الذين لم ينفذوا الانسحاب تَماماً واستلام المواقع البديلة فوراً. وثانيها عدم كشف الرادارات الأُردنية والسعودية الطائرات الإسرائيلية، فلكلاهما قصتان غير منطقيتان ويبدو من خلالهما إن هناك تهاوناً مهماً جداً للانقضاض على المشروع العراقي الفتي الذين تبين فيه أداء أبناء العراق من الناحية العلمية.

ولأهمية موضوع السلاح النووي العراقي سوف نناقش مسألة التأسيس والإنتاج تاريخياً في محصلة البحث وبفقرة خاصة لإطلاع القارئ الكريم على مدى التطور الفكري والبحثي لعلماء العراق. الذين لو قدر الاستفادة الحقيقية منهم لبناء الوطن وخدمة أبنائه والإنسانية عامة لكان أفضل من هذا السبق التسليحي الذي ولد نتيجة لا يحسد عليها العراق.

على أية حال، فعلى الرغم من ردّت الفعل العالمية لما أقدمت عليه إسرائيل إلا أن الكُلّ لزم الصمت إزاء أيّ موقف يتخذ ضدها. نتيجة لتحذير الرئيس الأمريكي الذي أنذر من مغبة أيّ تهور لاتخاذ أيّ موقف ضدّ إسرائيل معقبا بقوله (94, 145): "أنها عملية دفاع عن النفس".

بدا التورط الأمريكي واضحاً عندما صرح رئيس الوزراء الإسرائيلي بيغن بواشنطن في الثامن عشر من حزيران عام 1981م بما يلي (94,145):

"في تشرين الأول من عام 1980م أرسلنا للولايات المتحدة الأمريكية اثنين من خبرائنا للتشاور مَعَ الحكومة الأمريكية بشأن الردود المتوقعة في حال تدميرنا المفاعل النووي العراقي باستعمال قذائف 2000 باوند".

ولكن بالإضافة إِلى الموقف الأمريكي الغريب، لم يكن الموقف الفرنسي أقل حدة وتورطا للانقضاض على المفاعل النووي العراقي من موقف حليفه الأمريكي، إذ ما علمنا أن الرئيس الفرنسي فرانسوا ميتران قَدْ قال في التاسع عشر من حزيران عام 1981م في مقابلة صحفية ما يلي (146):

"هناك فقرة سرية في الاتفاق العراقي الفرنسي النووي تعطي فرنسا الحَقّ خلال عام 1989م فحص الأجهزة المختبرية النووية المنصوبة من قبلنا. وَمَعَ هذا فأنا اليوم أحسّ بحرارة الفرحة والإحساس المعبر باحترام إِلى ما وصلت إليه العقلية الإسرائيلية من تقدم ثقافي تاريخي لمعالجة الأمور بصواب وحكمة. أنا أعرف حقّاً مدى التضحيات التي قدمتها إسرائيل لتصل لما هي عليه الآن، فلذا أنا فخور وممتن جداً لقابليات هذا الشعب وهذا ما يجعلني أضمن وجودهم وبقاءهم كدولة متقدمة من جميع النواحي. وعليه فضرب إسرائيل للمفاعل النووي العراقي سوف لا يغير من اعتزازي واحترامي وإجلالي لشعب إسرائيل، وإذا أردت أن استنكر فأنني سوف استنكر العملية فقط وليس إسرائيل كدولة، فنحن هنا في فرنسا استنكرنا قادة العملية العسكرية الإسرائيلية على المفاعل النووي العراقي فقط. ولا يمكنني أبدا أن أطلب معاقبة شعب إسرائيل أو محاصرتهم".

ومن خلال ما لاحظنا من تبرير صادر لعمل إسرائيل من قبل الرئيسين الفرنسي والأمريكي، وَمَعَ الشواهد والملابسات التي حدثت بصورة غير واقعية نرى أن المخطط الإسرائيلي لتفجير المفاعل النووي العراقي كان مدروساً من قبل الأطراف الثلاثة خصوصاً وإن إسرائيل قَدْ فشلت في تحطيم الأجهزة الأساسية لبناء المفاعل النووي العراقي في نيسان عام 1979م عندما كان مخزونا لغرض الشحن للعراق في الميناء الفرنسي لا-سيني-سور- مير La-Syne-sur-Mer. ولم تكن تلك هي المحاولة الإسرائيلية الأولى لتعطيل سير البرنامج النووي العراقي، بل كانت لها محاولات كثيرة وصلت حدّ اغتيال الخبراء العاملين في البرنامج النووي العراقي. فَفِي صباح التاسع من آذار عام 1980م شوهد البروفيسور النووي العربي المصري يحيى المشدّ أحد كبار المسؤولين في البرنامج النووي العراقي مقتولاً في غرفته بأحد فنادق باريس.

وبعد هذا الحادث الغامض الذي لم تتوفر فيه أدلة وشواهد على تورط إسرائيل إلا أحد نزلاء الفندق وهي ميري كلود ميغل Marie Claude Magal عندما تمكنت من التعرف على الجناة، شوهدت هي أَيضاً في الثامن عشر من آذار عام 1980م مقتولة بحادث دهس غامض. مما اضطر الحكومة الفرنسية أن تطوي ملف القضية وتقييدها ضدّ مجهول، وهو ما شجع إسرائيل على إتمام مخططها (146).

بعد غلق قضية العالم النووي يحيى المشدّ بأسبوعين فقط انفجرت عبوة ناسفة في روما بمقر شركة سنيا تكنت Sinai TechNet الإيطالية النووية العاملة في العراق، وَقَدْ قيدت تلك العملية ضدّ مجهول أَيضاً. ولما رأت المخابرات الإسرائيلية هذا التواطؤ من الحكومة الفرنسية والإيطالية على حدّ سواء أخذ جموحها الدموي يمتد حَتَّى وصل حدّ محاولة اغتيال بعض الخبراء الفرنسيين العاملين في البرنامج النووي العراقي والذي فشل بعضها (94,98,147).

لَقَدْ بات واضحاً الآن إصرار إسرائيل على تدمير أيّ محاولة نووية عربية، ففشلها بتدمير المفاعل النووي العراقي عندما كان راقداً في الموانئ الفرنسية، عزز من حزمها للمضي قدماً إِلى ما تريد فهي وإن فشلت في فرنسا وهذا ما نختلف فيه مَعَ الآخرين. وذلك لكون عدم النجاح في تدمير المفاعل النووي العراقي في الأراضي الفرنسية كان نابعاً من حرص الحكومة الفرنسية على استلام المليارات التسع من العراق وما بعد ذلك فهو مباح ومسلم به وهو ما جاء بالفعل على لسان الرئيس الفرنسي فرانسوا ميتران. ولهذا فما حدث من إجراءات قبل عملية بابل الإسرائيلية بثلاثة أيام كمثل إعطاء الأواكس فترة سبات لمدة أربع وعشرين ساعة وسحب الرادارات العراقية من تلك المنطقة قبل العملية بثلاثة أيام لم يكن مصادفة، إذا ما علمنا أن إسرائيل وقبل عمليتها بالإغارة على المفاعل النووي العراقي وبالتعاون مَعَ الولايات المتحدة الأمريكية وربما فرنسا قامت ببناء دمية شبيهة للمفاعل النووي العراقي ووضعته في عمق صحراء نكف بإسرائيل قرب مفاعل ديمونة النووي لتدريب طياريها قبل التنفيذ (94,96,98,148).

من هنا نرى ماهية إصرار الولايات المتحدة الأمريكية على إرسال طائرات الأواكس إِلى تلك المنطقة بحجة حماية العربية السعودية ويعني إنها سياسة نووية دولية لتقويض العلم وترويضه للمسير وفق وجهتم التي يرومونها. وأننا بهذه الحقائق نكتفي بما نقول وندع المهتم بالنوويات الدولية أن يصل إِلى نتيجة يضع فيها من هو المتورط والمسؤول عن تدمير المفاعل النووي العراقي بعد إن وضعنا أمامه جميع المسلمات والحقائق التاريخية كما وردت على لسان أصحابها.

هذه الملابسات التي مرت بها عملية الانقضاض على المشروع النووي العراقي ومحاولة طمره، جعلت العراق كمؤسسة حكومية وليست سياسية تنتبه إِلى أهمية التعامل مَعَ هذا الموضوع بسرية تامة. فجمع العراق الباحثين النوويين وركز على ضرورة الوصول إِلى نتائج علمية تهدف لتطوير الطاقة النووية باستعمال مفاعلات نووية صغيرة تَمَّ زرعها في مواقع بعيدة عن مرمى هدف التدمير. ويبدو من ذلك إن الخبراء النوويين العراقيين قَدْ فهموا اللعبة والدرس الذي تلقوه من إسرائيل فبينوا للمؤسسة السياسية وبإصرار إن أيّ برنامج نووي في العراق لا يمكن إن يكتب له النجاح إذا ما أخذ سرية تامة في البناء والتخطيط والإنشاء.

لَقَدْ أقدم العراق بعد الهجوم الإسرائيلي على مفاعله وتدميره بالكامل على اتّباع استراتيجية علمية تكنولوجية جديدة مبنية بصورة عامة على فصل النظائر الإشعاعية بواسطة الأجهزة الكهرومغناطيسية المسماة بالكاليترونز (Calutrons (137. والكاليترونز هي عملية فيزيائية كيميائية تتلخص بحقن اليورانيوم بواسطة الغاز الأيوني، ومن ثُمّ يوضع بمجال مغناطيسي قوى لغرض حرف جزيئات الكتلة والتي ينتج عنها إشعاع هائل من خلال أيونات اليورانيوم من نوع 235-U، والذي يمكن فصله بواسطة استعمال اليورانيوم الثقيل من نوع 238-U غير المستخدم للأمور العسكرية. إن عملية استعمال الكهربة المغناطيسية لتخصيب اليورانيوم قَدْ ولدت طاقة إشعاعية كبيرة تَمَّ تقديرها بحوالي 100 ميغاواط من طاقة الهيدرو إلكترك (137).

من خلال تلك الاستراتيجية العلمية الجدية والتي يتوقع إنها بصورة أو أخرى مبنية على ما هو متوفر من معلومات نظرية، تمكن العلماء من بناء مفاعل الطارمية والتويثة على غرار مفاعل Y-12 Oak Ridge الأمريكي الذي بني في الحرب العالمية الثانية. وَقَدْ توصل العلماء العراقيون بهذه المعلومات البسيطة والقدرة الفنية العالية إِلى نتائج أذهلت العالمين الإيطاليين الوحيدين والفرنسي الوحيد العاملين في هذا المضمار. حَيْثُ توقع هؤلاء بمقدرة مجمع البحث النووي العراقي من تطوير برامجه النووية في المجال الطبّي وتوليد الطاقة خلال فترة لم تتجاوز عام 1991م (110,137).

أما على صعيد تطوير برنامج التسليح النووي فَقَدْ صرح مايكل روس الخبير الفرنسي للشؤون النووية في العاشر من آب عام 1985م (149,150):

"بان العراق وبجهود باحثيه يمكنه أن يصنع أربعة أنواع من الأسلحة التكتيكية النووية التي لا تتجاوز مدياتها 70 كم مَعَ نهاية عام 1993م، وهناك جهود كبيرة مبذولة لصنع أول قنبلة ذرية بحجم قنبلة هيروشيما خلال السنوات الخمس القادمة".

إلا إن المفاعل النووي العسكري في التويثة لم يكتمل ولم ينتج اليورانيوم ذُو الخاصية العسكرية، كما كان مخططاً له. والذي كان يتوقع له إنتاج سبع كيلوغرامات من البلوتونيوم سنوياً، ليمكن العراقيين من إنتاج أول قنبلة نووية في عام 1994م. لكن العراق سرعان ما وقع في شرك كلفه خسران آلته التصنيعية والاقتصادية والعسكرية ليعود إِلى ما قبل الحرب العالمية الثانية من ناحية التطور. ويبدو إن عملية التطور النووي العراقي وكادره الكبير والمكتسب للخبرات كان له دور كبير في تفسير ما حدث للعراق مَعَ بداية العقد الأخير من القرن العشرين تحت أية ذريعة أو سبب سياسي. خصوصاً وإن السياسة الدولية النووية وكما يبدو، لا تسمح ولن تسمح لأيّ أحد من الدول الشرق أوسطية وبالأخص المسلمة والعربية منها بامتلاك السلاح النووي في هذه المنطقة باستثناء إسرائيل.

الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
2009

مســـاعد أول
مســـاعد أول



الـبلد : السياسة النووية الدولية وأثرها على منطقة الشرق الأوسط - صفحة 4 01210
التسجيل : 10/01/2008
عدد المساهمات : 509
معدل النشاط : 60
التقييم : 1
الدبـــابة : السياسة النووية الدولية وأثرها على منطقة الشرق الأوسط - صفحة 4 Unknow11
الطـــائرة : السياسة النووية الدولية وأثرها على منطقة الشرق الأوسط - صفحة 4 Unknow11
المروحية : السياسة النووية الدولية وأثرها على منطقة الشرق الأوسط - صفحة 4 Unknow11

السياسة النووية الدولية وأثرها على منطقة الشرق الأوسط - صفحة 4 Empty10

السياسة النووية الدولية وأثرها على منطقة الشرق الأوسط - صفحة 4 Empty

مُساهمةموضوع: رد: السياسة النووية الدولية وأثرها على منطقة الشرق الأوسط   السياسة النووية الدولية وأثرها على منطقة الشرق الأوسط - صفحة 4 Icon_m10الأحد 16 مارس 2008 - 18:38

تسارع الأحداث في المنطقة وتطور الخطة الاستراتيجية الأمريكية


كانت حرب 1973م واستعمال البترول كسلاح نقطة تحوّل في السياسة الأمريكية العسكرية، فمن خلال هذه الأحداث تبلورت فكرة قوة التدخّل السريع عند كارتر وطلب على حين غرة من مجلس الأمن القومي مراجعة القدرات العسكرية. وأخذ مجلس الأمن القومي المسألة بصورة جدية ومهمة جداً، وحملت المذكرة رقم 10 التي رفعت للرئيس الأمريكي صورة حية عن مراجعة القدرات العسكرية، وَقَدْ جاء فيها استنتاجاً مهما مفاده (151):

"إن قدرات الولايات المتحدة الأمريكية العسكرية ليست معدة تَماماً للتعامل مَعَ الأزمات الناشبة في العالم الثالث وبالذات منطقة الخليج الفارسي (العربي) الغنية بالبترول خصوصاً وإن الاتحاد السوفيتي بات له قطعات عسكرية في تلك المنطقة"

وبناءاً على تلك الوثيقة التي رفعها مجلس الأمن القومي الأمريكي أصدر الرئيس الأمريكي أمراً لوزارة الدفاع الأمريكي وأوجب تنفيذه فوراً ينص على تشكيل قوة عسكرية أمريكية محمولة جوّاً تستعمل خارج حلف شمال الأطلسي في حالات الطوارئ. وعلى الرغم من تباطؤ وزارة الدفاع لتنفيذ هذا الأمر إلا إن ما حدث من تطورات لم يكن في حسبان الولايات المتحدة الأمريكية، مما عجل تنفيذ أمر كارتر. وأهم هذه الأحداث الطارئة أمران يعتبران في غاية الأهمية بالنسبة للولايات المتحدة الأمريكية، الأول إضراب عمال شركة النفط في عبادان في فبراير 1978م الذي عجل بسقوط الشاه، والثاني سقوط سالم ربيع على في يوليو عام 1978م الذي كان رئيساً للمجلس الرئاسي اليمني الشمالي. هذان الأمران غَيَّرا فعلاً الخطة الأمريكية للسيطرة على منابع البترول. لأن ما حدث كما قلنا لم يكن في الحسبان وَقَدْ تَمَّ رسم الخريطة الاستراتيجية على ما هو عليه من وقائع وأحداث خطط لها خلال وبعد الحرب العالمية الثانية.

لَقَدْ كثفت الولايات المتحدة الأمريكية عملها وبدأت تنفذه بجدية لم تكن موجودة بالأصل. ولعل لأحداث أفغانستان أَيضاً كان له دور أساسي في عملية تغيير استراتيجية الولايات المتحدة الأمريكية، فيبدو إن وصول الشيوعية لدفة الحكم بأفغانستان قَدْ غير من ملامح الخريطة المرسومة للمنطقة مُنْذُ الحرب العالمية الثانية وليوم حدوث ما حصل على الرغم من الاتفاق المسبق ما بين الاتحاد السوفيتي والولايات المتحدة الأمريكية على ذلك.

سببت أحداث أفغانستان أزمة حقيقة للولايات المتحدة الأمريكية، وأصبح الاتحاد السوفيتي في موقع أفضل، فزجّ قطعاته البحرية في المحيط الهندي وجزءاً من الخليج العربي والبحر الأحمر. مما أجبر الولايات المتحدة الأمريكية بالعودة إِلى سياسة التصعيد العسكري وكيفية التعامل مَعَ الأزمات بالقوة النووية. كما قررت الولايات المتحدة الأمريكية احتواء أزمة اليمن من خلال إمدادها بالمساعدات العسكرية والاعتراف بها كدولة موحدة واعتبار النظام الشيوعي في عدن نظام غير شرعي. وعلى أثر ذلك قرر الرئيس الأمريكي كارتر في مارس 1979 منح اليمن الشمالي مساعدة عسكرية فوراً، مقدارها 390 مليون دولار تصرف كمعدات عسكرية وخبراء تدريب على إن تصل تلك المساعدات مَعَ نهاية السنة ل 540 مليون دولار (281).

لكن تلك المساعدة لم تجعل الولايات المتحدة الأمريكية مرتاحة لما يحدث في المنطقة التي توجت بالثورة الإيرانية، خصوصاً وإن حكام إيران الجدد بدأو يصرحون بأن مبادئ الثورة سوف لا تقف عند حدود إيران بل سوف تصدر إِلى الدول المجاورة ونحن لابُدَ من إن نحارب الاستكبار العالمي لإيقافه من بسط النفوذ. وبين هذه وتلك التصريحات الواردة ممن لا يعرف أسلوب الحكم بعد، صرح وزير الدفاع الأمريكي مهدداً بصورة أَو أُخرى الاتحاد السوفيتي في أفغانستان والحكومة الإيرانية الجديدة بقوله (128):

"إن الولايات المتحدة الأمريكية سوف لا تقف متفرجة عندما ينتهك أحدٌ مصالحها الحيوية، بل سوف ندافع بكل الوسائل المتاحة عنها بما في ذلك ما نمتلك من قوة عسكرية إذا تطلب الأمر ذلك. وإن أُشير هنا إِلى مصالحنا ليس في الشرق الأوسط فقط بل في غيره من الأماكن. وليعلم من يريد إن يعلم بأننا قوة نووية متطورة يمكننا إخراس من نريد بها"

يبدو إن تصريح وزير الدفاع لم يكن دون علم مسبق من إدارة كارتر، بل كان تصريح حكومي خول وزير الدفاع ليصرح به. إذ خلال ساعات قليلة من تصريح وزير الدفاع في 12 مارس 1979م صرح أَيضاً وزير الطاقة الأمريكي جيمس شليسنجر بقوله (128):

"إن إدارة الرئيس كارتر تدرس بحذر شديد إمكانية إرسال قوات أمريكية لمنطقة الخليج الفارسي (العربي). وإن لدى الولايات المتحدة الأمريكية مصالح حيوية في منطقة الخليج وعلينا إن نتحرك بسرعة لدفع الخطر عن مصالحنا حَتَّى ولو تطلب الأمر استخدام أعنف الأسلحة العسكرية بما فيها النووية"

هذه التطورات السريعة والمتزامنة مَعَ بعضها البعض أجبرت البيت الأبيض الأمريكي في الأول من يونيو/حزيران 1979 على إعلان مهم مفاده إن زعماء الإدارة قَدْ توصلوا بالإجماع إِلى الحاجة لوجود عسكري أمريكي قوى بما في ذلك القوات البحرية. وكان القرار ينص على إرسال القطعات العسكرية لمنطقة الخليج العربي فوراً. وبناءاً على ذلك القرار كلف البيت الأبيض الأمريكي مؤسسة أمريكان انتربرايز مرة أُخرى بدراسة الوضع الحالي في المنطقة ورسم وتحديد الخَطّ العسكري في المنطقة التي لابُدَ إن يكون فيها قوات للولايات المتحدة الأمريكية للحفاظ على المصالح التي أسماها بالحيوية. وبعد دراسة مستفيضة قدمت مؤسسة أمريكانا انتربرايز دراستها التي تخللتها التوصيات الآتية (152):

1. ضرورة تقوية الوجود العسكري الأمريكي في المحيط الهندي والخليج العربي على حدّ سواء وفق ما تسمح به المواثيق الدولية. وإذا كانت هناك ضرورة فيستوجب كسر كُلّ التعهدات والمواثيق للتواجد في المنطقة. ونرى إذا دعت دول المنطقة القوات الأمريكية لحمايتها يكون أفضل من أجل عزل الاتحاد السوفيتي ومنعه من الوصول إِلى المنطقة.

2. ضرورة وضع دراسة تفصيلية لكيفية توزيع القوات الأمريكية في المنطقة وما يحيط بها من دول. واجبها إن تكون مستعدة للدخول في أية معركة خلال 12 ساعة ولمدة 72 ساعة ريثما تصل الإمدادات من القواعد العسكرية القريبة التي قَدْ تزيد قوتها القتالية لمدة 120 ساعة وريثما تصل التعزيزات من القواعد العسكرية المتواجدة خارج نطاق المحيط الهندي والخليج العربي.

3. ضرورة إنشاء قيادة عسكرية خاصة بالشرق الأوسط تعمل على إدارة القوات المتواجدة في المنطقة دون الرجوع للقيادة العامة في فلوريدا. وهو ما يستوجب تعزيز الوجود الأمريكي السابق في المحيط الهندي والخليج العربي لكي يكون تحت أمرتها جيش قتالي متكامل معظمه من القوات الضاربة.

بعد الانتهاء من هذه الدراسة التي لم يستغرق إنجازها سوى أقل من ثلاثة أسابيع بيومين، أعلن برنارد روجرز رئيس هيئة الأركان في 21 يونيو/حزيران 1979م في مؤتمر صحفي عن إنشاء قوة ضاربة سريعة تتألف من 100 ألف رجل سوف يتدربون ويُجَهّزون للقتال فوراً في الخليج العربي والشرق الأوسط. ثُمّ تبعه تصريح الجنرال كيلي قائد القوة البحرية الأمريكية الذي وضع الصورة الحقيقة عن تلك القوة أمام الصحفيين. وَقَدْ وصفها كيلي بجاهزيتها حين تطلب ومن مختلف صنوف القوات العسكرية وسوف تكون تحت إمرة قوة التدخّل السريع بصورة قصوى. كما أضاف كيلي إن هذه القوة الضاربة سوف تَضُمّ في بداية تأسيسها الفرقة 82 والفرقة 101 من القوات المحمولة جوّاً بالإضافة إِلى ثلاثة كتائب برمائية (153). وعلى الرغم من أهمية تلك المعلومات التي أدلى بها روجرز وكيلي، لكن أهم نقطة نَطَقَ بها هي محاولتهم إيصال تلك القوة إِلى بلدان صديقة في المنطقة تَمَّ تحديدها مسبقاً. أيّ يعني إن القيادة الأمريكية قررت إرسال تلك القوة إِلى بلدان في المنطقة حددت من قبلهم دون الرجوع إِلى تلك البلدان، وما على تلك البلدان إلا استضافتها.

ولعل من الغريب المفيد هو ما جاء في التقرير المنشور بمجلة فورتشن الأمريكية بتاريخ 7 مايو 1979م أيّ قبل إعلان تشكيل قوة الانتشار السريع وقبل بحث مؤسسة أمريكان انتربرايز، والذي مفاده:

"إن قوة للتدخّل السريع سوف تؤسس قريباً وتنحصر مهمتها في إحدى الاحتمالات الأربع الآتية:

1. صدّ أيّ غزو سوفيتي لمنطقة الخليج العربي يهدف إِلى احتلال والسيطرة على منابع البترول في تلك المنطقة.

2. التدخّل لمنع أيّ حظر نفطي مستقبلاً لتحقيق أهداف سياسية.

3. وقف أيّ محاولة لإغلاق مضيق هرمز.

4. منع أيّ غزوٍ عراقي للكويت."

في الواقع هذه المفردات الأربع المذكورة أعلاه تبدو جداً اعتيادية خلال مرحلة نهاية السبعينات، حَيْثُ كان التنافس السوفيتي الغربي على المنطقة في أوج عظمته. بالإضافة إِلى التغيرات السياسية التي طرأت على المنطقة والتي أولها انبثاق نظام جديد في أفغانستان حليفاً للشيوعية العالمية ومن ثُمّ انبثاق النظام الإيراني الجديد الذي من المؤكد إن لا يكون مرغوباً فيه من قبل الولايات المتحدة الأمريكية ودول المنطقة على حدّ سواء. خصوصاً وإن رجال النظام الإيراني الجديد لم يكن لديهم أيّ تصور لأيّ نظام حكم في حينه، ولا حَتَّى تصور لكيفية إدارة الدولة بعد سقوط الشاه. ناهيك عن تهديدهم بتصدير الثورة إِلى خارج أسوار إيران. والذي فسرته دول المنطقة إن المقصود منه دول الخليج العربي. ولكن النقطة الرابعة التي جاءت في التقرير أعلاه لها مردوداتها ومسبباتها التي تجعل كُلّ باحث يتوقف عندها. أولها إن التقرير الذي نشرته الصحيفة قَدْ أفردت لتحليل نقطة احتمال غزو العراق للكويت ما يقارب ثمان صفحات في حين تَمَّ ذكر النقاط التي قبلها عابراً.

في هذه الصفحات الثمانية تَمَّ خلالها شرح وتحليل الأهداف والمعوقات والاستراتيجيات الخاصة باحتمال غزو العراق للكويت مستقبلاً. وثانيها إن التقرير أدرج سناريو عملية الاحتلال والأسباب الموجبة للقيام بمثل هذه العملية. واتضح بعد اجتياح العراق للكويت إن كُلّ ما ورد في تقرير مجلة فورتشن الأمريكية قَدْ نفذ بالحرف الواحد بما فيه تدمير البنية التحتية والقدرة التصنيعية العراقية وربط الكويت وذخائرها النفطية بالسياسة الأمريكية.

إن أهمية هذا التقرير الذي ورد في مجلة فورتشن لم تتوقف عند نشره فقط أَو الإيماء إليه، بل بعد إن تَمَّ تشكيل قوة الانتشار أَو التدخّل السريع كما يرغب أيّ منا إن يسميها، بلورت الإدارة الأمريكية تلك الدراسة وتقارير اللجان الأُخرى التي أسندت لها نفس المهمة في خطاب الرئيس الأمريكي الذي ألقاه في الرابع والعشرين من كانون الثاني عام 1980م، إذ قال فيه (128):

"ليكن موقفنا واضحاً لِكُلِّ العالم، إن محاولة أية قوة خارجية للسيطرة على الخليج (العربي) ستعتبر تهديداً لمصالح الولايات المتحدة الأمريكية وسوف نستخدم كُلّ الوسائل الضرورية لردعها بما في ذلك الاحتلال العسكري"

وهو ما يبدو لنا مُنْذُ عام 1980م كانت الولايات المتحدة الأمريكية تنوي احتلال المنطقة بأية صورة وإن لها نوايا لاحتلال الدول التي تعتبر خطّ للدفاع عن حوض الخليج العربي والذي من ضمنه السودان، وأفغانستان ومصر وباكستان. وعطفاً على ما جاء في خطاب الرئيس الأمريكي فَقَدْ خَصَصَ البنتاغون ما قيمته 7 مليارات دولار لبناء قوة الانتشار السريع مُنْذُ 27/12/1979م حين أعلنها وزير الدفاع آنذاك هارولد براون. وحدد بروان مقرّ القيادة للتشكيل الجديد في ماكديل بفلوريدا، وعين لهذا المنصب الجنرال جون تيلي كقائد للقوات. وبعد أسبوع من تخصيص مبلغ سبعة مليارات دولار، أعلن البنتاغون تخصيص ثلاثة مليارات دولار أُخرى لبناء أُسطول آخر يتكون من 15 سفينة شحن تلحق بقوات الانتشار السريع مجرد إتمام بنائها. وبناءاً على تلك المساعدات التي ذكرناها أعلاه فأن قوات الانتشار السريع تمّت ولادتها العملية بعد تخصيص هذا المبلغ الذي شرعت السلطات الأمريكية باستخدامه فوراً وبدأت التدريبات العسكرية.

نستنتج مما تقدم إن التنفيذ الفعلي لقوات الانتشار السريع بدأ ما بين صيف عام 1979م وصيف 1980م. وما هذه الفترة التي قَدْ أجبرت الرئيس كارتر بالتنفيذ قَدْ جاءت مصادفة، بل ناتجة من مجمل الأحداث غير المستقرة في منطقة الخليج العربي ومحيطها بالذات. فأهم تلك التغيرات هو البعد الفكري، فَفِي أفغانستان كانت هناك شيوعية جديدة تحاول الاختراق فتقوى شوكة الاتحاد السوفيتي العدو التقليدي للولايات المتحدة الأمريكية. وفي إيران كانت هناك دولة إسلامية فتية يخاف إن تخترق المنطقة لما هو أبعد فيكون تواجد الولايات المتحدة الأمريكية في المنطقة مستقبلاً حرجاً. فلذا كان تنفيذ قوات الانتشار السريع الذي أخذ بعداً سياسياً نووياً أكثر ما هو عسكري نووي كان مبنيا على أُسس استراتيجية، ويمكننا التماس ذلك من الأهداف الأساسية للتنفيذ المبنية على فرق العمل الثلاثة والمتبناة شخصياً من قبل الرئيس الأمريكي كارتر والتي يمكن إدراجها كما يلي (154):

1. العمل على تدريب قوة عسكرية كبيرة لها دور كبير في زيادة سرعة انتشار القوات الأمريكية في الخليج العربي ومنطقة شمال شرق آسيا وبالتحديد الصين وما يحيط بها من دول غير متحالفة مَعَ الولايات المتحدة الأمريكية. على إن تكون مرتبطة بقيادة عسكرية يحددها وزير الدفاع بعد الاستشارة مَعَ الرئيس الأمريكي.

2. العمل على إنشاء قيادة مشتركة مستقلة عن قيادة الجيش الأمريكي تتلخص مهامها في الانتشار السريع في المناطق التي يراها الرئيس الأمريكي حساسة واستراتيجية. شرط إن يتم تدريب هذه الوحدات والإشراف على تجهيزاتها في وحدات وزارة الدفاع الأمريكية المتمركز في أمريكا، وإن تكون مواقعها الثابتة داخل الولايات المتحدة الأمريكية قبل انتشارها.

3. إنشاء وحدة إدارية تابعة لقوات الانتشار السريع متعاونة مَعَ وزارة الخارجية الأمريكية ووكالة المخابرات الأمريكية والوكالة الاستخباراتية الوطنية مهمتها جمع المعلومات ورصد التحركات السياسية والعسكرية في المناطق الحساسة من العالم وخاصة الخليج العربي. كما يترتب على تلك الوحدة الإدارية القيام بمهام دبلوماسية لإقناع الدول الحليفة والضغط على الدول غير الحليفة لإعطاء تسهيلات لمرور قطعاتها أَو استخدام منافذها الحيوية والمساعدة في التجهيزات اللوجستية.

وما إن تمّت بعضاً من التدريبات الخاصة لتلك القوات في الصحراء الأمريكية لتشابهها مَعَ صحراء منطقة الخليج العربي مَعَ الفوارق البسيطة حَتَّى أعلن تشكيل قيادة مركزية جديدة خاصة بها في ديسمبر عام 1983م. وَقَدْ حددت مهام تلك القيادة لتشمل 19 قطراً وما محيط 44 قطراً آخر تمتد من باكستان إِلى المغرب. ولعل من أكثر الأمور أهمية عند تشكيل تلك القيادة المركزية هي أناطت 200 ألف عسكري لتكن تحت أمرتها، مَعَ العمل على زيادتها. حَتَّى تصل إِلى ما يقارب 600 ألف عسكري مَعَ إطلالة عام 1989م، شرط إن يكونوا مدربين تدريباً كاملاً للقتال في ظروف المناطق المناطة بها. وَقَدْ أشارت نشرة اللوموند دبلوماتك إِلى هذا الخبر معلقةً بقولها "ما فائدة هذا الكم من القوات العسكرية، والأنظمة التي تحكم الأقطار التي تخضع مهمتها للقيادة المركزية موالية للولايات المتحدة الأمريكية دون استثناء".

الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
2009

مســـاعد أول
مســـاعد أول



الـبلد : السياسة النووية الدولية وأثرها على منطقة الشرق الأوسط - صفحة 4 01210
التسجيل : 10/01/2008
عدد المساهمات : 509
معدل النشاط : 60
التقييم : 1
الدبـــابة : السياسة النووية الدولية وأثرها على منطقة الشرق الأوسط - صفحة 4 Unknow11
الطـــائرة : السياسة النووية الدولية وأثرها على منطقة الشرق الأوسط - صفحة 4 Unknow11
المروحية : السياسة النووية الدولية وأثرها على منطقة الشرق الأوسط - صفحة 4 Unknow11

السياسة النووية الدولية وأثرها على منطقة الشرق الأوسط - صفحة 4 Empty10

السياسة النووية الدولية وأثرها على منطقة الشرق الأوسط - صفحة 4 Empty

مُساهمةموضوع: رد: السياسة النووية الدولية وأثرها على منطقة الشرق الأوسط   السياسة النووية الدولية وأثرها على منطقة الشرق الأوسط - صفحة 4 Icon_m10الأحد 16 مارس 2008 - 18:39

مراحل التواجد العسكري الأمريكي في منطقة الخليج العربي


لم يكن قرار تعزيز قوات الانتشار السريع بادرة جديدة للتواجد العسكري الأمريكي في منطقة الشرق الأوسط وبالتحديد الخليج العربي، فالقوات الأمريكية موجودة فعلاً مُنْذُ منتصف الستينات على الأراضي السعودية ولكن بقوات رمزية أَو ائتلافية مَعَ القوات العسكرية السعودية. ولكن مَعَ بداية عام 1970م شهدت المناطق السعودية إنفاقاً عسكرياً كبيراً قدر بحوالي 44 مليار لعقدٍ من الزمان.

يبدو إن سبب الانتشار العسكري الأمريكي في العربية السعودية كان يعود لتصريح رئيس الوزراء العراقي طاهر يحيى أبان هزيمة عام 1967م المنكرة، التي أصر فيها على استعمال البترول كسلاح. فلذا اتخذت الولايات المتحدة الأمريكية التدابير اللازمة لذلك خوفاً من تطور الأحداث خصوصاً وإن التوتر العربي - الصهيوني مازال شاخصا والحرب الباردة مَعَ الاتحاد السوفيتي المنهار في أعلى مراحلها.

كان الهدف من العلاقات العسكرية الأمريكية - السعودية هو بناء قواعد ومطارات عسكرية عديدة تكون مشتركة ما بين الولايات المتحدة الأمريكية والمملكة العربية السعودية. ولكن حين تَمَّ الانتهاء من بناء تلك المشاريع في غضون صيف عام 1977م شغلتها القوات الأمريكية بالكامل. ويبدو إن الترتيبات العسكرية الأمريكية قَدْ سارت على عجل وبتركيز بعد إعلان الدعم المالي لقوات الانتشار السريع، وبعد استكمال الترتيبات البسيطة للقرار سعت الولايات المتحدة الأمريكية إِلى إيجاد قواعد في المنطقة لاستيعاب هذا الكم الهائل من الجيش الكبير برجاله ومعداته. وبالفعل فَقَدْ أجبرت الإدارة الأمريكية ثلاث دول في المنطقة على توقيع عقود عسكرية، وَقَدْ لعب الرئيس المصري أنور السادات في حينها دوراً كبيراً في ذلك. إذ أعطى القوات الأمريكية مُنْذُ تأسيس قوات الانتشار السريع كافة التسهيلات داخل الأراضي المصرية. ووضع قاعدة قنا الجوية قرب الأُقصر تحت تصرفهم بالكامل (155). ولهذه القاعدة ميزة استراتيجية مهمة لم يكن حَتَّى الأمريكان يعرفونها لولا إبلاغ السادات لهم بمزاياها، وهو ما نبه إليه كيسنجر حين قال في مذكراته (156):

"لم أكن أفهم غباء السادات إلا حين طرد الخبراء السوفيت من مصر دون مقابل قَدْ يطلب من الولايات المتحدة الأمريكية، وحين وهب لنا قاعدة قنا الجوية عرفت إن العرب في طورهم للانهيار وقبول إسرائيل كدولة بينهم دون اعتراض. فمازالت أقول إنها مسألة وقت لا غير فلننتظر ونرى سقوط البلدان العربية راكعة تحت أرجل إسرائيل".

من خلال السيطرة على تلك القاعدة الجوية المهمة أصبح الأمريكيون يراقبون الخليج العربي والشرق الأوسط بطائراتهم والرجوع إِلى القاعدة دون الحاجة للتزود بالوقود. وهذه مهمة بالنسبة إِلى أية استراتيجية عسكرية، حَتَّى ولو كانت أسلحة الجيش وتجهيزاته متقدمة. لكون مواقع القيادة لإدارة أية معركة إذا كانت قريبة ومحصنه تؤدي نتائج جمة. خصوصاً في إيصال اللوازم اللوجستية، وهو ما تتصف به قاعدة قنا وَتَمَّ تجربتها في المناورات بصورة حققت نجاحاً ملموساً بنسبة عالية.

لم يكن الرئيس المصري الراحل أنور السادات قَدْ منح قاعدة قنا للولايات المتحدة الأمريكية فقط، بل أعطى قوات الانتشار السريع الأمريكية هبة أُخرى مهمة أَيضاً وهي قاعدة رأس بناس الحربية التي استعملتها القوات الحربية الأمريكية بكثافة في حروب الخليج لحماية إسرائيل من خلال استعمالها لطائرات الأواكس المعروفة (154, 128). وباعتقادنا إن ما أقدم عليه الرئيس أنور السادات من عمل لا يمكن وضعه في أية خانة سياسية، إلا كونه أراد إن يلعب دور شاه إيران لا غير. وليحافظ على بقائه، فلذا ما قدمه لإسرائيل من لقمة سائغة نعاني منها اليوم وسوف نبقى نعاني منها طويلاً كانت ضمن مفهومه الضيق الذي أراد به إن يكون في المنطقة حليفاً أوحداً للولايات المتحدة الأمريكية بعد إسرائيل بالطبع. فالرئيس السادات حاول تعميق صلاته العسكرية بالولايات المتحدة الأمريكية مَعَ بوادر بدأ الاضطرابات في إيران الشاه، فأصدر على حين غفلة قرار يسمح فيه للقوات الأمريكية استعمال أيّ مطار عسكري ترغب فيه.

وعليه إن بدايات التواجد الأمريكي والتسهيلات الممنوحة في المنطقة العربية كانت على يَدّ أنور السادات، إذ مَعَ تلك الفترة أَيضاً وفي صيف عام 1979م بالتحديد بدأت القطعات الأمريكية البحرية تصل منطقة الخليج العربي بعد إن أمنّت حمايتها جويّاً من المطارات الحربية المصرية. فوصل ما يقرب 19 قطعة بحرية تمركزت في بادئ الأمر في موانئ بعض الدول الخليجية المتعاقد معها تواً. ولكن حين دخل السوفيت أفغانستان كان للولايات المتحدة الأمريكية مبرراً شديداً لتعزيز قواتها بالمنطقة، فلذا فَقَدْ شهدت منطقة الشرق الأوسط عامة والخليج العربية خاصة دخول أول أعداد للقوات البحرية البرمائية الأمريكية إذ كان تعدادهم حينذاك 1800 عسكري مقاتل مَعَ 19 طائرة مقاتلة من نوع فانتوم أربعة و 123 دبابة (154).

عندما اعتلى ريغان سدة الحكم في الولايات المتحدة الأمريكية اتبع نفس مبدأ الذين سبقوه، والمتضمن ضرورة تعزيز التواجد الأمريكي في منطقة الخليج العربي والتلويح بالقوة النووية للسيطرة على منابع البترول. وبمجرد إن باشر مهامه بدأ العمل بجدية لإتمام مشروع قوات الانتشار السريع وتواجدهم في منطقة الخليج حَتَّى وصلت عملية الإنفاق الكلية على هذا الجيش خلال فترته الرئاسية ما يقارب 185 مليار دولار. تَمَّ خلاله بناء حاملتي طائرات هجومية و 14 غواصة و 143 سفينة و 900 طائرة مقاتلة و 208 طائرة عمودية أُلحقت جميعها بالقيادة المركزية لقوات الانتشار السريع التي تضاعفت قوتها من ثلاث فرق إِلى خمس فرق (154). وَقَدْ تَمَّ خلال مدة وجيزة التدريب على كيفية نشر 180 ألف عسكري بكامل تجهيزاتهم القتالية وإمداداتهم العسكرية في خلال 21 يوم في أيّ معركة قَدْ تكون مفاجئة في منطقة الخليج العربي (128).

عملية التدريب والانتشار السريع هذه لم تكن بتلك المصادفة التي نتوقعها، فوزير الدفاع الأمريكي في حكومة ريغان مثلاً قَدْ مهد لفضح الأمر وبيان حقائق مهمة عندما قال مصرحا بمؤتمر صحفي (155):

"لابُدَ إن نسدل جزيل الشكر لصديقنا أنور السادات الذي أشار علينا بضرورة تدريب قواتنا على القتال الصحراوي في صحراء مصر".

من خلال هذا التصريح وبالمقارنة مَعَ الأحداث التي تزامنت مَعَهُ نرى أنَّه ومُنْذُ عام 1980م شهدت مصر تواجد أمريكي للتدريب ومن ثُمّ مناورات سنوية تحت ما يسمى بمناورات النجم الساطع. وكانت مصر خلال تلك المناورات والتدريبات تقدم كُلّ الدعم اللوجستي للقوات الأمريكية المتدربة، حَتَّى إن ريغان قال ما معناه سوف نستغني عن قواعدنا في المحيط الهندي ما دمنا في وسط العرب. ويعني بذلك إننا دخلنا في عمقهم دون إن يشعرون ودون أيّ مقابل تجاه الخدمات التي تسديها حكومة مصر لهم.

يبدو إن قناعة ريغان في ديمومة العلاقة مَعَ مصر واستمرار المعاهدة مَعَ الكيان الصهيوني شجعت ريغان في التحرش بالاتحاد السوفيتي دون إن يأبه من امتلاك الأخير للسلاح النووي. والواقع كان ريغان أَو إدارته قَدْ اختارت الوقت المناسب للتصريح على أدق تعبير، خصوصاً بعد إن بدا الاتحاد السوفيتي يضعف سياسياً في الداخل وتستشري الأزمة الاقتصادية فيه. فمع هذا الضعف وقف ريغان متحدياً وهاجماً على الاتحاد السوفيتي بوصفه أكبر شرير في العالم وقائلاً ما لا يفقه بالتأكيد في التاسع من مارس عام 1981م (157,158):

"لا نخدع أنفسنا مُطلقاً، فالاتحاد السوفيتي هو السبب الرئيسي لِكُلِّ اضطراب في هذا العالم، ولو لم يكن السوفيت متورطين في لعبة الدمينو هذه (ويقصد أفغانستان) لما كانت هناك نقاط ساخنة في العالم".

إن تصريح ريغان بصورة وأُخرى كان دعما لتصريح وزير خارجيته آنذاك ألكساندر هيغ الذي صرح للصحفيين بتاريخ 28 كانون الثاني عام 1981م بقوله (159):

"ليعلم الجميع إن الإرهاب الدولي سيحل محل اهتماماتنا في حقوق الإنسان الذي كنا نتحدث عنه في الثمانين سنة السابقة".

تكمن أهمية هذا التصريح في أن الولايات المتحدة الأمريكية مُنْذُ ذلك الوقت كانت تعد العدة للترويج ونشر ما يسمى بالإرهاب الدولي وتبحث في كيفية تصديره دولياً. خصوصاً إذا ما عرفنا إن وزير الخارجية الأمريكي الذي حدد الملامح المستقبلية للسياسة الأمريكية من خلال هذا التصريح من المسيحيين المتصهينين والداعين لسيادة إسرائيل على العالم وَقَدْ تمكن من الصعود سياسياً في عهد ريغان الأبلد. ويبدو من هذا التصريح إن الولايات المتحدة الأمريكية مُنْذُ ذلك الوقت تمكنت من رسم صورة لقمع قوة التحرر ونبذ الاستبداد والداعين إِلى الحرية والسلام بعد سقوط الاتحاد السوفيتي بتشبيههم بالإرهابيين ودعم الإرهاب الدولي. وهذا التصريح الذي جاء على لسان وزير الخارجية الأمريكي لا يقل هدفا أَو شناعة مما ورد على لسان وزير الدفاع الأمريكي في 16 مارس 1981م لمجلة التايمز إذ قال (160):

"إن الاضطرابات الدولية في العالم الثالث بلا شكّ تهدد وبخطورة قصوى أمن الولايات المتحدة الأمريكية وهذه في الواقع لا تقل خطراً عن تهديدات الاتحاد السوفيتي. فحالات الخروج على القانون التي سنته الولايات المتحدة الأمريكية لتلك الدول متزايدة في العالم الثالث. وهو ما يهدد منافذ الولايات المتحدة الأمريكية الاستراتيجية في السنوات المقبلة".

ولعل مفهوم الإرهاب وكيفية فلسفته كان أكثر عمقا في تصريح رئيس الأركان الأمريكي الجنرال ديفيد جونز عندما قدم ميزانيته أمام الكونغرس الأمريكي. وقبل إن نخوض غمار تصريحه لابُدَ إن نعرف أنَّه أَيضاً من المتشددين المسيحيين المتصهينين الذين وصلوا دفة الحكم مَعَ ريغان، إذ قال عند تقديمه عرضاً للميزانية العسكرية الأمريكية في 3 كانون الثاني 1981(160):

"ليعلم الكونغرس بأعضائه المحترمين إن كُلّ مناطق العالم تعتبر مناطق حيوية بالنسبة للولايات المتحدة الأمريكية. فنحن الآن نعيش في عصر يمكن لأيّ انقلاب عسكري أو إضراب كبير أَو هجوم إرهابي أَو حرب بعيدة إن تؤدي إِلى نتائج عالمية تؤثر على ازدهار الولايات المتحدة الأمريكية وأمنها. وبالتالي حَتَّى السلاح النووي الذي ننفرد بقوته الجبارة مَعَ امتلاك البعض له لم يكن فعالاً".

ما جاء على لسان الجنرال ديفيد لم يكن محض صدفة بل هو تأسيس فكري لشبح الإرهاب الذي استعملته الولايات المتحدة الأمريكية في السنوات العشر الأخيرة. وكأن الولايات المتحدة الأمريكية بذلك كانت تتوقع انهيار الاتحاد السوفيتي وَلابُدَّ من تأسيس فكري لمن سوف يكون مرشحاً بدلاً من الحرب الباردة. ويبدو إنها نجحت في استغفال العالم من جهة، ومن جهة أُخرى عملت على إيجاد الأرضية المناسبة لذلك، فجندت مليشيات إسلامية كثيرة لتحارب بها الاتحاد السوفيتي في أفغانستان. وكنت تنوي في بطانة فكرها اعتبار تلك المليشيات بؤرة لما يسمى بشبح الإرهاب حين تريد التعامل مَعَ هذا المبدأ. فعلى سبيل المثال وفي نفس الفترة شارك وزير الدفاع الأمريكي وأين ببرغر بالتعبير عن الإرهاب ولو بصورة غير واضحة من خلال لقاء في مجلة نيويورك تايمز حين قال (161):

"يجب على الولايات المتحدة الأمريكية إن تكون مستعدة تَماماً للاشتراك بأيّ حرب وبأيّ حجم وبأيّ شكل وفي أيّ منطقة تعتقد الولايات المتحدة الأمريكية بأن لها مصالح حيوية فيها".

أيّ إن القصد من ذلك إن الولايات المتحدة الأمريكية معرضة لأن تدخل حرباً مستقبلية طويلة الأمد مثل الحرب الباردة، ولكن بأسلوب وتكتيك يختلف عن الحرب الباردة. فهي كانت تطمح إن تكون هناك حرب مستمرة لتبقى ضمن مفهوم القوة التي يمكنها إن تتصدى في أيّ موقع إذ ما تهددت المصالح الأمريكية. وهو بالفعل ما حدث بعد حين من الزمن وبنفس الفلسفة التي أرادت لها الولايات المتحدة الأمريكية إن يروج لها كي تعتبر عدواً أساسياً يأخذ موقع الصراع بدلاً من الاتحاد السوفيتي بعد انهياره.

لَقَدْ تبنت إدارة ريغان كُلّ ما خطط له كارتر في عملية إنشاء وتجهيز قوات الانتشار السريع وهو ما يؤكد إن سياسات تلك الدول لا يمكن إن يغيرها أشخاص حَتَّى ولو كانوا رؤسائها، بل إن هناك خطّ استراتيجي عام لابُدَ اتّباعه. فلذا اعتبرت إدارة ريغان مبادئ كارتر أساساً مهما للمحافظة على الخليج العربي ومنابع البترول فيه. ولعل أُولى هذه الاهتمامات منح إدارة ريغان 185 مليار دولار إضافية لميزانية وزارة الدفاع التي خصصها كارتر لمدة خمس سنوات اعتباراً من نوفمبر 1981 ولغاية نوفمبر 1986. وبذلك أصبحت الميزانية المعلنة 1385 مليار دولار.

هذه الزيادة في مخصصات وزارة الدفاع جعلت سلاح القوة البحرية يتمتع بحصة الأسد منها، ويبدو إن ذلك يعود للمهمة القادمة لهذا السلاح وكيفية تجهيزه للتحرك أينما تروم السياسة الأمريكية المستقبلية. فَقَدْ خَصَصَ مبلغ 120 مليار دولار لزيادة القطع البحرية العسكرية لتكون 600 قطعة بحرية ما بين غواصة وسفينة رئيسية مَعَ حلول عام 1986م، بعد إن كانت 350 قطعة بحرية في عام 1981م. ولعل بناء حاملتي طائرات هجومية و 14 غواصة هجومية تعمل جميعها بالطاقة النووية و 147 سفينة أُخرى و 1900 طائرة حربية من ضمنها 300 طائرة عمودية طراز سوبر هاريير خير شاهد على إن هناك أمراً مهما سوف يحدث في بقعة من هذا العالم. ناهيك عن قيام البحرية الأمريكية بتعمير 6 بوارج يعود عمرها للحرب العالمية الثانية. أعقبها زيادة الميزانية بخمسة وثلاثين مليار دولار لبناء 20 ناقلة نفط لتموين الأُسطول البحري و 18 طرادا نوع أيجبس مسلحة بصواريخ هابون لها القابلية على إطلاق سلاح نووي (162، 163).

ضمنت إدارة ريغان عدم ممانعة الكونغرس الأمريكي من الاعتراض على الميزانية العسكرية المطلوبة فقامت ببناء 13 قاعدة عائمة على شكل سفن كبيرة في المحيط الهندي لخزن الأعتدة والصواريخ في شتاء عام 1982م. كما أبرمت وزارة الدفاع عقداً طويل الأمد مَعَ شركة هالي برتون لتأجير 15 سفينة مدنية شرط يتم تحويرها للعمل العسكري لغرض تخزين الأسلحة والمعدات الحربية الأُخرى. واتخذت تلك السفن من جزيرة دييغوغارسيا الواقعة في المحيط الهندي مقراً لها. ولم تَمرّ إلا فترة وجيزة حَتَّى صرحت وزارة الدفاع الأمريكية إن خطتها الجديدة للانتشار السريع تهدف مَعَ نهاية عام 1989م لامتلاك 88 طائرة نقل مدنية من نوع سي -5 و 84 طائرة من نوع كي سي - 10 لنقل الوقود (162،163).

الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
2009

مســـاعد أول
مســـاعد أول



الـبلد : السياسة النووية الدولية وأثرها على منطقة الشرق الأوسط - صفحة 4 01210
التسجيل : 10/01/2008
عدد المساهمات : 509
معدل النشاط : 60
التقييم : 1
الدبـــابة : السياسة النووية الدولية وأثرها على منطقة الشرق الأوسط - صفحة 4 Unknow11
الطـــائرة : السياسة النووية الدولية وأثرها على منطقة الشرق الأوسط - صفحة 4 Unknow11
المروحية : السياسة النووية الدولية وأثرها على منطقة الشرق الأوسط - صفحة 4 Unknow11

السياسة النووية الدولية وأثرها على منطقة الشرق الأوسط - صفحة 4 Empty10

السياسة النووية الدولية وأثرها على منطقة الشرق الأوسط - صفحة 4 Empty

مُساهمةموضوع: رد: السياسة النووية الدولية وأثرها على منطقة الشرق الأوسط   السياسة النووية الدولية وأثرها على منطقة الشرق الأوسط - صفحة 4 Icon_m10الأحد 16 مارس 2008 - 18:39

إن إدارة ريغان في واقع الأمر كان محورها الرئيسي الانتهاء من تجهيز قوات الانتشار السريع لتكون جاهزة مَعَ نهاية عام 1989م. ولكن هذه التجهيزات لم تمنع الولايات المتحدة الأمريكية من النظر إِلى البعد التنظيمي العسكري والتعبوي على حدّ سواء. فلذا أعلنت إدارة ريغان في السابع من كانون الثاني عام 1983م هيكلة القيادة المركزية ووضعت تحت أمرتها قيادات القوات الآتية (155):

1. قوة المارينز الأمريكية المتواجدة في لبنان حينذاك.

2. قوات حفظ السلام ما بين إسرائيل ومصر المتواجدة في سيناء والبالغ تعدادهم 1300 عسكري. وأُلحقت هؤلاء بالقواعد الأمريكية المتواجدة في مصر.

3. طائرات الأواكس وأطقمها التي بمهمة في العربية السعودية والأُردن في وقتها والبالغ عددهم 730 عسكري وفني وإداري.

4. 12 ألف عسكري أمريكي متواجد في القواعد الأمريكية في المملكة العربية السعودية.

هذه الترتيبات التي أوجدتها إدارة ريغان عززت ضرورة تشكيل قيادة للقواعد المترامية في المحيط الهندي. فبعد تشكيل هذه القيادة تَمَّ إرسال أُسطول جديد إِلى المحيط الهندي، لتكن تحت إمرة القيادة المركزية في حَتَّى صيف عام 1984م ما يلي (155):

1. 5 فرق عسكرية خاصة،

2. 11 قاعدة عسكرية جوية بكافة تجهيزاتها القتالية،

3. مركز قيادة يضم 912 ضابطاً،

4. 12 عسكرياً احتياطياً مظلياً.

كُلّ هذه القوات العسكرية وتجهيزاتها قَدْ دخلت تدريبات عسكرية عميقة صحراوية الطقس، جلها كان في منطقة سيناء والخليج العربي. وبعد استكمال التدريبات الموقعية ومن ثُمّ المناورات المحصورة فقط على القوات الأمريكية والمصرية، تمكنت قوات الانتشار السريع في ربيع عام 1984م من إقامة مناورات كبيرة ضمت 50 ألف عسكري واشتركت فيها عدة دول مَعَ القوات الأمريكية على رأسها الأُردن ومصر. وفي عام 1989م شمل التدريب والمناورات المشتركة بالإضافة إِلى مصر والأُردن والولايات المتحدة الأمريكية قوات خليجية. وتدربت جميعها على كيفية القتال وتنفيذ القرار الصادر من إمرة القيادة المشتركة. وكلفت تلك العمليات التدريبية مُنْذُ ابتدائها عام 1980م ولغاية عام 1989م ما يقارب 41 مليار دولار أمريكي، انفق جزءاً منها لبناء ما يقارب 37 مخزناً للسلاح والقواعد العسكرية الثابتة والمطارات الواقعة في دول المنطقة التي يمكن استخدامها خلال 72 ساعة لِشَنّ أيّ هجوم متوقع على تلك المناطق.

ما إن انتهت قوات التدخّل السريع من تدريباتها وتأهبها ومناوراتها في الانتشار السريع وعلى كيفية إدارة العمليات القتالية لأكثر من سلاح واحد. صرح كوردسمان المستشار في وزارة الدفاع الأمريكية في السابع عشر من مايو عام 1990م ما يلي:

"يمكننا اليوم إن نحتفل بانتهاء المناورات العسكرية لقوات التدخّل السريع التي أُجريت في مصر قبل عشرة أيام. إذ من هذه التدريبات يمكننا إن ننشر ما يقارب 672 ألف عسكري وندير قواتنا الضاربة ببسالة وصلابة. فهذه القوات دربت على القتال الصحراوي القاسي وسوف تكون جاهزة للعمل إذا ما حصل غزو عراقي للكويت مستقبلاً".

السؤال الذي يطرح نفسه هنا كيف عرف كوردسمان إن هناك غزو عراقي ما سوف يحدث للكويت ولم تكن هناك حَتَّى بوادر أزمة ما بين العراق والكويت؟ والأمر الآخر الذي لابُدَ إن نعير الأهميته له هو إن قوات الانتشار السريع يبدو إنها أسست ودربت للقيام بعمل كهذا مُنْذُ عام 1976م، ويبدو إن تعداد القوات العسكرية مرسوم حجمه للقيام بتلك المهمة، إذا ما عرفنا إن تعداد القوات الأمريكية التي شاركت في حرب الكويت الأُولى كانت بالضبط نفس الحجم الذي صرح به كوردسمان.

نستنتج مما تقدم إن حالة الإرباك التي عاشتها المنطقة ومعمعة اجتياح العراق للكويت كان مرسوماً له من قبل الولايات المتحدة الأمريكية بالذات مُنْذُ إن أعلن العرب استعمالهم البترول كسلاح أَو نيتهم استعمال البترول كسلاح. ومن جانب آخر نضوب الاحتياطي الأمريكي للبترول وتمركزه في الكويت والعراق بالنسبة للمستقبل البعيد خاصة ووجود كمياته الاحتياطية حالياً، كان لابُدَ للولايات المتحدة الأمريكية من إن تجد الذرائع التي تمكنها من استغلال النفط والدخول بقواتها إِلى تلك الأراضي شاء شعب تلك المنطقة أم أبى. ولقد أوضح ذلك وبرره جيرالد فورد الرئيس الأمريكي السابق وسار على خطاه كُلّ من كارتر وريغان. ناهيك إن الإدارة الأمريكية التي ساهمت في حرب العراق والكويت عام 1991م كان رئيسها جورج بوش الأب من العاملين بالخفاء في برمجة مشروع ما يسمى بقوات الانتشار السريع وأهمية دوره في احتلال المنطقة.

الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
2009

مســـاعد أول
مســـاعد أول



الـبلد : السياسة النووية الدولية وأثرها على منطقة الشرق الأوسط - صفحة 4 01210
التسجيل : 10/01/2008
عدد المساهمات : 509
معدل النشاط : 60
التقييم : 1
الدبـــابة : السياسة النووية الدولية وأثرها على منطقة الشرق الأوسط - صفحة 4 Unknow11
الطـــائرة : السياسة النووية الدولية وأثرها على منطقة الشرق الأوسط - صفحة 4 Unknow11
المروحية : السياسة النووية الدولية وأثرها على منطقة الشرق الأوسط - صفحة 4 Unknow11

السياسة النووية الدولية وأثرها على منطقة الشرق الأوسط - صفحة 4 Empty10

السياسة النووية الدولية وأثرها على منطقة الشرق الأوسط - صفحة 4 Empty

مُساهمةموضوع: رد: السياسة النووية الدولية وأثرها على منطقة الشرق الأوسط   السياسة النووية الدولية وأثرها على منطقة الشرق الأوسط - صفحة 4 Icon_m10الأحد 16 مارس 2008 - 18:40

الحرب العراقية - الإيرانية والمستجدات


يعتبر المراقبون التغيرات السياسية التي طرأت على المنطقة العربية الشرقية والدول المحيطة بالخليج العربي تغيرات مفاجئة في العرف الاستراتيجي، ولكن من خلال كم المعلومات التي أوردناها في الفصول السابقة يبدو لنا إن ما حدث خصوصاً أواخر السبعينيات كان مدروساً ومخططاً له كاستراتيجية للمنطقة قَدْ تطول إِلى نهاية القرن الحادي والعشرين. فما حدث في إيران من تداعيات مَعَ بداية عام 1978 كرد فعل على دخول القوات السوفيتية لأفغانستان وسقوط الشاه السريع ومن ثُمّ إقالة أحمد حسن البكر ليحل محله صدام حسين وتغيير وجه الحكم في العراق من ولاء حزبي إِلى ولاء شخصي. كانت هذه التغيرات التي ذكرناها آنفاً جميعها ملفتة للنظر ومنذرة بحدوث شيء عصيب لا يمكن إن يحمد عقباه. ويبدو من سرعة التغيرات التي أحدثها صدام حسين حزبياً وسياسياً كانت جُلَّها تهدف للبدء دون انتظار بضرورة ما أُنيطت به من مسؤوليات. ولعلى هنا أدرج ملاحظات شخصية عشتها أول بأول لأني من مدينة محاذية للحدود الإيرانية العراقية (البصرة).

يمكن تلخيص تلك الملاحظات من خلال المشاهدات اليومية في المناطق الجنوبية العراقية، فبعد إن انتهى حزب البعث في العراق من ألعوبة الخلايا الجاسوسية وإعدام الكثير من الساسة العراقيين تحت طائلة هذا الاتهام، الذي لا يمكن لأحد إن يعرف من خلاله الحقيقة، كانت ألعوبة التأميم على البترول. في حين إن ما حدث من أُكذوبة التأميم ما هي إلا تنفيذاً لاتفاقية طاهر يحيى رئيس الوزراء العراقي في عهد عبد الرحمن عارف والتي تنص في بنودها إن تترك الشركات البترولية العراق عام 1972م مَعَ دفع تعويضات 5% من قيمة المبيعات خلال العشر سنوات السابقة (164). بعد كُلّ هذه التصفيات وامتلاء الخزينة العراقية بالأموال، باشرت حكومة البعث وبإشراف صدام حسين شخصياً على إنشاء جسور كبيرة بدأت من شَطّ العرب في البصرة وامتدت حَتَّى الكوت وديالى. كانت هذه الجسور الكونكريتية من الصلابة والقوة حين كنت أُتابعها واستفسر عنها من مهندسيها والذين بعضهم كان طالبا مَعِي على أعتاب جامعة البصرة، يصفونها من القوة إن تتحمل 1000 طن في وقت واحد.

ولعل الأهم من ذلك كانت تلك الجسور تحتوي في تركيبها على مخابئ لنصب حاميات عسكرية عليها. ولعل من المهم إن نبين إن تلك الجسور كانت تصل مناطق خالية من السكان أَو بعضها يعبر لمزارع بسيطة تتبعها الصحراء الواقعة ما بين إيران والعراق.

لَقَدْ كنت أطرح عدة تساؤلات حول ماهية تلك الجسور التي صاحبتها على امتدادها من الجهة القريبة لإيران شبكة من الطرق السريعة في حين كانت المدن تفتقر إِلى أبسط مستلزمات المدنية. كما قام العراق في الفترة الواقعة ما بين عام 1973 ولعام 1980م بتعديل شبكة الطرق ما بين المدن الجنوبية وبغداد بصورة ملحوظة. وكان من أهم تلك الطرق التي جلب الانتباه للجميع هو ربط شبكة الطرق المؤدية لبغداد لما يسمى بطريق العمارة-بغداد بشبكة طريق الناصرية - بغداد وبصورة عمودية إذ يمكن للمناورة فيها إن تكون بسيطة خصوصاً في مثلث البصرة - الناصرية - العمارة. لتربط هذه الشبكة غرب وشرق العراق بمنظومة مواصلات واحدة.

قدر المتخصصون كلفة إنجاز هذه الشبكة من الجسور والطرق في حينها 7 مليارات دولار كان بعضها مساهمة من دول خليجية والآخر منحة مجانية من الولايات المتحدة الأمريكية بقيمة مليارين وما تبقى كان من خزينة العراق. كانت هذه المعلومات متواترة بين الناس جميعا. ولعل من أهم المشاريع التي أقدمت عليها حكومة البعث في العراق في حينها التعجيل في بناء عدة مشاريع مهمة منها مدنية والأُخرى عسكرية نجملها بما يلي:

1. عام 1973م تقرر نقل جامعة البصرة الواقعة في التنومة القريبة من الحدود الإيرانية إِلى منطقة الكرمة القريبة من القرنة. وَقَدْ رصد لإنشائها مبلغ مليار دولار لتنتهي في عام 1979م وتنقل الجامعة بالكامل.

2. تغيير مجرى المصب المائي من الأهوار (هور الحويزة) بنهر سمي أولاً بنهر البصرة عام 1972م ومن ثُمّ غُيّر أسمه إِلى نهر القائد.

3. بناء تسعة عشر مطاراً عسكرياً في المناطق الحدودية الغربية والجنوبية القريبة من السعودية والأُردن.

4. بناء مخازن عسكرية حديثة لمديرية العينة العسكرية لسدّ احتياجات 500 ألف عسكري ولمدة سنتين.

5. إصلاح شبكة خطوط الهاتف والتعاقد مَعَ شركات كبيرة لإنجاز خطّ هاتف عسكري يسمى (قابلو) لتسهيل نقل المعلومات.

6. تقوية جهاز الاستخبارات العسكري وإعطائه صلاحيات التحقيق مَعَ المواطنين في الأمور السياسية.

7. تشكيل وحدات عسكرية مرتبطة بالقصر الجمهوري مباشرة ولها جهازها الأمني الخاص.

8. تطوير مؤسسة ما يسمى بالتوجيه السياسي العسكري وربط منتسبيها في الوحدات العسكرية مباشرة.

9. توسيع القبول في الكلية العسكرية العراقية بواقع سبعة إضعاف.

10. التركيز على بناء المعاهد الفنية والمدارس المهنية لزجّ خريجها كفنيين في الوحدات العسكرية.

11. تطوير المعامل العسكرية لجعلها قادرة على إصلاح الأسلحة المعطوبة لضربات عسكرية مباشرة.

12. الإصرار على ترويج الحَقّ في استعادة عربستان والجزر الإماراتية المحتلة من قبل إيران واعتبارهما مسألتين مصيريتين في الفكر الوطني العراقي.

هذه جملة من النقاط المهمة التي تمكنا من تسجيلها آنذاك وهناك الكثير من النقاط المهمة التي تحتاج إِلى دراسة خاصة كان نظام الحكم في العراق يريد الانتهاء منها مَعَ مطلع عام 1979م. بالإضافة إِلى صفقات الأسلحة والأعتدة والأُسطول البحري العراقي الذي خُصِصَ له ثلاثة مليارات وَتَمَّ بناء سفنه في إيطاليا ولكن لم يتم تسليمه لاندلاع الحرب العراقية - الإيرانية. كُلّ هذه الأمور جعلتنا لا نفاجئ بالحرب العراقية- الإيرانية لكون ما حدث من تغيرات سياسية وبنيوية واقتصادية وعسكرية كان ينذر بحرب ضروس قَدْ أكلت بالفعل الأخضر وما يبس.

لا أريد إن أخوض أكثر من ذلك في مسببات الحرب العراقية - الإيرانية لوضوح أهدافها ولكن لنا إن نناقش تحديات تلك الحرب وكيفية دخول الولايات المتحدة الأمريكية للمنطقة من خلالها ومن خلال كمية الأموال التي امتصت من الدول التي انخرطت في لعبتها. ولعل من تلك التحديات التي واجهت الولايات المتحدة الأمريكية والغرب هو إمكانية تأمين حرية الملاحة في الخليج العربي وضمان عدم غلق مضيق هرمز لكي لا يؤثر ذلك على إمدادات البترول لها ولحلفائها. ويبدو إن الولايات المتحدة الأمريكية قَدْ حذرت العراق وإيران على لسان وزير الحربية الأمريكي آنذاك من عدم سماحها من ضرب آبار البترول في الدول المجاورة، وإذ ما حدث ذلك من أيّ منهما سوف تكون الولايات المتحدة الأمريكية طرفاً فيه (165).

لَقَدْ حددت الإدارة الأمريكية أهدافها من الحرب العراقية- الإيرانية مُنْذُ اليوم الأول لاندلاعها عام 1980م، إذ أُعلن على لسان الرئيس الأمريكي حينذاك جيمي كارتر، إن الولايات المتحدة الأمريكية لابُدَ إن تحدد حجم المخاطر على مصالحها في الخليج من هذه الحرب وَلابُدَّ من معرفة ما ينبغي إن يكون حجم قواتنا هناك لحماية المصالح، خوفاً من استغلال السوفيت لما يحدث والسيطرة على الخليج العربي. وبالتالي يتم خنقناً من قبل السوفيت من خلال التحكم بالممرات المائية الاستراتيجية في المنطقة. وعلى ضوء هذا الحديث أرسلت الولايات المتحدة الأمريكية سريعاً أربعة طائرات إنذار مبكر (أواكس) للمملكة العربية السعودية لمراقبة ومتابعة الأحداث الجارية في الخليج، بالإضافة إِلى المأرب الأُخرى التي درجنا على التطرق إليها سابقاً.

وَمَعَ الأيام الأُولى للحرب العراقية - الإيرانية وجه كارتر شخصياً وعلى أوج السرعة دعوة إِلى كُلّ من بريطانيا وفرنسا وكندا وألمانية وأيرلندا واليابان للتشاور في كيفية تأمين وصول البترول للولايات المتحدة الأمريكية وحلفائها. بالإضافة إِلى تقاسم الأدوار في كيفية دعم آلة الحرب العراقية - الإيرانية لتستمر بنظرهم لفترة أكثر مما ينبغي. ناهيك عن مناقشة السبل التي يمكن من خلالها الحفاظ على أسعار البترول العالمية وعدم ارتفاعها لسعر يعجز الاقتصاد العالمي التعامل مَعَهُ. وللحيلولة دون حدوث ما يحمد عقباه ترأس كارتر في 13 أُكتوبر اجتماعاً لمجلس الأمن القومي قال فيه (160):

"إن طرق إمدادات البترول العربي يجب إن تكون آمنة ومفتوحة، وإن حدث ما يسبب توقف تلك الإمدادات النفطية عبر مضيق هرمز سيشكل تهديداً جدياً للوضع الاقتصادي العالمي. وستكون الولايات المتحدة الأمريكية أول المتضررين وأكثرهم تضرراً".

لَقَدْ تمخض عن الاجتماع الذي ترأسه كارتر مَعَ مجلس الأمن القومي عدة قرارات أساسية كان أهمها الإسراع بإرسال قوات أمريكية للخليج العربي حَتَّى ولو سبب ذلك توتراً مَعَ الاتحاد السوفيتي الذي بدأت مأساته تأخذ طريقها الوعر في أفغانستان. وبالفعل مَعَ بداية نوفمبر عام 1980م أبحرت حاملة الطائرات ميد واي وحاملة الطائرات أيزنهاور و 17 سفينة ما بين سفن حماية وسفن تموينية، وبالتالي فَقَدْ تبين من خلال ذلك إن مسألة الدخول في الحرب أَو السلم هي مسألة بترولية أكثر مما هي مسألة ديمقراطية وحقوق إنسان.

كانت مقررات كارتر مَعَ مجلس الأمن القومي لم تكن فقط إرسال قوات إِلى الخليج العربي فحسب، بل عبر في الاجتماع عن حمايته للأنظمة الخليجية من مضار تلك الحرب وأمانيه بعدم كسب إيران الحرب وعدم خروج العراق كقوة عسكرية منتصرة تؤدي إِلى السيطرة على الخليج العربي فتعود مأساة استمرار تدفق البترول مرة أُخرى. وهنا لابُدَ إن نشير إِلى أهم البنود التي دأبت الولايات المتحدة الأمريكية على تحديدها وحث حلفائها للعمل عليها هي (166):

1. تعارض الولايات المتحدة الأمريكية وسوف تقمع بشدة ظهور دولة قوية في الخليج العربي تهدد الدول المنتجة للبترول في المنطقة.

2. عدم السماح بخروج العراق كقوة عسكرية واقتصادية مهيمنة في المستقبل.

3. إذا لم يتم السيطرة على عدم السماح للعراق للبروز كدولة قوية، يجب إن نضع في الحسبان إن هناك تحديات لا يمكن حسبانها ربما تظهر بعد إن تضع الحرب أوزارها كقيام العراق باحتلال السعودية أَو الكويت. أَو إمكانية سيطرة إيران على البحرين وجزء من الإمارات العربية.

يبدو إن احتمال بروز العراق كقوة عسكرية واقتصادية وسياسية هو الأكثر اهتماماً لدى الولايات المتحدة الأمريكية، ويبدو إن هاجس الخوف من سيطرت العراق على الكويت والعربية السعودية كان هاجساً قوياً لاعتبارات جغرافية وجيولوجية. فلذا كانت تصريحات كارتر لدعم دول الخليج والحفاظ على أنظمتها مبنيا على هواجس تضمنتها دراسات استراتيجية عديدة. وكان كارتر يتحدث لمساعديه دوماً عن ضرورة الاستفادة من تلك الحرب والعمل على استمراريتها لغرض تحقيق الأهداف الأساسية الخاصة بمستقبل الولايات المتحدة الأمريكية ومنع العراق من السيطرة مستقبلاً على الدول المحيطة به ومنع الثورة الإيرانية من الامتداد إِلى عمق الخليج العربي.

نستنتج من ذلك إن الولايات المتحدة الأمريكية كانت تهاب الدولتين ليس من الناحية السياسية والقيادية بل من ناحية الامتداد نحو مداخل الخليج العربي وتغيير وجهة الأنظمة تجاه الولايات المتحدة الأمريكية على أقل تقدير. لذا وجدت من الأفضل أشغالهما وإضعافهما لتبقى سيطرتها على منابع البترول. وعليه فَقَدْ استثمرت الولايات المتحدة الأمريكية حالة الحرب العراقية - الإيرانية بصورة أَو أُخرى لتعزيز تواجدها في منطقة الخليج العربي تحت ضالة التهديد من الحرب ونتائجها. ولعل أول خطوة نحو ذلك كانت تكليف الميجر جنرال جي بتروفسكي بقيادة 34 ضابطا مهنيا من قبل الإدارة الأمريكية في السابع من كانون الأول عام 1980 للإشراف على أنظمة الدفاع في العربية السعودية (160). وفي غضون ثلاثة أسابيع ارتفع العدد ليصل 920 خبيراً أمريكياً مَعَ معدات حربية وعتاد قتالي ورادارات ضخمة جداً اتخذت مواقع لها على طول الحدود الواصلة ما بين السعودية والعراق من جهة وقبالة الشواطئ الإيرانية من جهة أُخرى (162,163).

لَقَدْ استمرّت الحرب العراقية الإيرانية ثمان سنوات إلا نيف من الأشهر، تخللتها معارك طاحنة ما بين البلدين، في حين كانت الولايات المتحدة الأمريكية ترتب أحولها للتواجد في الخليج العربي والشرق الأوسط إِلى ما لا نهاية. وعلى ضوء ذلك تَمَّ عقد عدة اتفاقيات عسكرية مَعَ دول الخليج العربي تحت ذريعة حماية أمن الخليج. ناهيك عن بناء مخازن للعتاد الحربي في دول تلك المنطقة وبصورة غريبة جداً، ويتضح ذلك من خلال المقابلة التي أجرتها جريدة السياسة الكويتية مَعَ قائد القوة الأمريكية في الشرق الأوسط جون أدمز الذي أوضح إن هناك تسهيلات تسعى الولايات المتحدة الأمريكية للحصول عليها من دول المنطقة تتصل بالتواجد الأمريكي وتجهيزاته العسكرية وخزن معداته على إن تكون بعض تكاليفها مساهمة من دول المنطقة (167). ثُمّ أوضح إن الكويت وقطر وأبو ظبي قَدْ أبلغتنا بصورة رسمية حاجتها للوجود العسكري الأمريكي المكثف وأعلنت تلك الدول رغبتها بأن يكون التواجد العسكري في الوقت الراهن خارج حدودها ودون الإعلان عنه للصحافة كي لا تدخل طرف في الحرب العراقية - الإيرانية.

وبناءاً على تلك الاتفاقيات السرية كما أوردها أدمز أصبح بحلول عام 1984م في العربية السعودية ومياهها الإقليمية ما يقارب 12 ألف عسكري أمريكي و 8000 خبير مدني متعاقد مَعَ وزارة الدفاع السعودية (162، 163).

فبعد إن ضمنت الولايات المتحدة الأمريكية تواجدها في الأرض والبحر في منطقة الخليج العربي، بدأت تنفيذ خطتها شيئاً فشيئاً. وكما نعرف إن الولايات المتحدة الأمريكية والدول الكبرى لا تكون قراراتها ارتجالية وفورية بقدر ما تهيئ لها الجو الإعلامي أولاً، المنبعث سياسياً والذي يصور الخطر للرأي العام. وبخصوص هذه المهمة طلب ريغان من وأين برغر وزير الدفاع حينذاك من إن يقدم تقريره السنوي عن حالة الجيش في منطقة الخليج العربي وما هي السبل التي تحتاجها الولايات المتحدة الأمريكية لإنجاح المهمة. فَفِي منتصف فبراير من عام 1983م قدم وأين برغر تقريره الذي جاء فيه (168):

"إن أمن دول الخليج دون أيّ أشكال في خطر، لذا توصي وزارة الدفاع الأمريكية بضرورة التدخّل عسكرياً إذا تصاعد الموقف حدّ الخطر على الصادرات البترولية. ويجب إن لا تنتظر الولايات المتحدة الأمريكية التهديد السوفيتي للقيام بمهامها بل على القوات الأمريكية التدخّل في الوقت المناسب دون دعوة أَو أذن من دول المنطقة. ومهما كانت الظروف المحيطة بمنطقة الحرب هذه لابُدَ إن نكون دائماً مستعدين لنقل قواتنا لتلك المنطقة بصورة سريعة جداً في حالة يصبح بها آمن الوصول إِلى بترول الخليج مهدداً".

الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
2009

مســـاعد أول
مســـاعد أول



الـبلد : السياسة النووية الدولية وأثرها على منطقة الشرق الأوسط - صفحة 4 01210
التسجيل : 10/01/2008
عدد المساهمات : 509
معدل النشاط : 60
التقييم : 1
الدبـــابة : السياسة النووية الدولية وأثرها على منطقة الشرق الأوسط - صفحة 4 Unknow11
الطـــائرة : السياسة النووية الدولية وأثرها على منطقة الشرق الأوسط - صفحة 4 Unknow11
المروحية : السياسة النووية الدولية وأثرها على منطقة الشرق الأوسط - صفحة 4 Unknow11

السياسة النووية الدولية وأثرها على منطقة الشرق الأوسط - صفحة 4 Empty10

السياسة النووية الدولية وأثرها على منطقة الشرق الأوسط - صفحة 4 Empty

مُساهمةموضوع: رد: السياسة النووية الدولية وأثرها على منطقة الشرق الأوسط   السياسة النووية الدولية وأثرها على منطقة الشرق الأوسط - صفحة 4 Icon_m10الأحد 16 مارس 2008 - 18:40

من خلال هذا التقرير الذي قدمه وأين برغر يتضح مدى عمق التفكير الأمريكي للوصول إِلى أهدافه بسهولة قصوى، دون إن يعطي الأحداث تفرض عليه ملابساتها. ولكن على الرغم من الدراسات الاستراتيجية ومراكزها التي خصصتها الولايات المتحدة الأمريكية للبحث في أمن الخليج العربي ومدى تأثير الحرب على سريان البترول لها لم تتمكن من تحديد خطوط تطور الحرب. ولعل التصعيد الحربي الذي خرج عن نطاق الحدود الإقليمية للبلدين متمثلاً بضرب الناقلات النفطية، وتوسيع أُطر الحرب نحو الحصار الاقتصادي لينهك أحدهما الآخر، جعل الإرباك يدب في أروقة الأنظمة الخليجية. وباتت تلك الدول تَحسّ إن ناقلات نفطها هدفاً عسكرياً للعراق وإيران على حدّ سواء لإرباك المنطقة وإعلانها منطقة حرب. هذا الأمر جعل من الولايات المتحدة الأمريكية تشجع الكويت بتقديم طلب إِلى مجلس الأمن الدولي لوضع حدّ لتلك الانتهاكات وحماية ناقلاتها النفطية. إذ كان المقترح إن تقوم الدول الكبرى برفع إعلامها على الناقلات النفطية لمنع العراق وإيران من ضربها.

لكن الاتحاد السوفيتي وجد في الطلب الكويتي فرصة للدخول إِلى منطقة الخليج بصورة قانونية لمنع غريمه النووي من السيطرة على المنطقة دون أيّ تدخّل سوفيتي. وبالفعل مَعَ مطلع عام 1987م استغل السوفيت هذا النداء الكويتي لدخول المنطقة بحجة حماية ناقلات النفط وقدم ثلاث ناقلات سوفيتية بدلاً من رفع العلم السوفيتي على الناقلات الكويتية. والواقع إن تقديم هذه الناقلات لا يخلو من البعد العسكري، إذ أرسل السوفيت مَعَ هذه الناقلات ثلاث كاسحات ألغام وثلاث طرادات عسكرية بحجة حماية الناقلات. ومن خلال هذه اللعبة تمكن السوفيت من زيادة أعداد قطعها البحرية شيئاً فشيئاً مما سبب عدم ارتياح للولايات المتحدة الأمريكية. ودفعها لزيادة تواجدها في الخليج العربي إِلى ما يقارب 55 سفينة حربية وأربع كاسحات ألغام و 27 ألف مقاتل وثمان وحدات حرس سواحل تعدادها 1720 عسكري مَعَ كامل معداتهم لإسناد القوات البحرية الأمريكية. ولعل الشيء المهم في هذه التغيرات هو تصريح وزير الدفاع الأمريكي عند خطابه بالجنود المتوجهين إِلى الخليج، إذ قال فيه (169):

"إن الولايات المتحدة الأمريكية تستعد الآن للبقاء في الخليج مدة غير قصيرة، ونحن بصدد إعلان قيادة جديدة لتنسيق عمل قواتنا العاملة في الخليج والمناطق القريبة منه".

لَقَدْ تمكنت الولايات المتحدة الأمريكية من خلال هذه العملية من الاحتفاظ بما يقارب 37 قاعدة عسكرية تابعة لمنطقة القيادة المركزية. إذ سمحت دول الخليج للولايات المتحدة الأمريكية من امتلاك قواعد عائمة في مياهها الإقليمية وقواعد على أرضيها يمكن من خلالها والأجهزة المتطورة التي تعنى بالإنذار المبكر من مراقبة ليس الشرق الأوسط فحسب بل يمتد لمحيطه الخارجي القريب من حوض البحر الأبيض المتوسط المطل على السواحل الأوربية.

إن الحالة التي وصلت إليها الحرب العراقية الإيرانية لم تتوقف فقط عند استغلال الموقف من قبل السوفيت والأمريكان ليزيد كلا منهما حشده العسكري في منطقة الخليج العربي فحسب، بل طال مشاركة الدول الكبرى الأُخرى. فعلى سبيل المثال وبحجة حماية السفن التجارية كان لبريطانيا مَعَ صيف عام 1987م 22 قطعة بحرية من ضمنها مدمرتان وثلاث فرقاطات وكاسحتي ألغام وسفينة قيادة. في حين كان لفرنسا 33 قطعة بحرية أهمها حاملة الطائرات كليمنصو، وكان لبلجيكا وهولندا أَيضاً مشاركة رمزية متمثلة بكاسحتي ألغام وسفينتي دعم و 17 طائرة حربية مقاتلة. إما إيطاليا فَقَدْ أرسلت للمنطقة نفسها ثمان قطع عسكرية، ثلاثة منها كاسحات ألغام بالإضافة لسفينة قيادة (170).

المهم في هذا التواجد الكبير، كان الكُلّ لا يمكن إن يمنع الآخر عن إرسال قواته إِلى منابع البترول. لأن الكُلّ يمتلك السلاح النووي والكُلّ متحالف ومتفق على ضرورة تقسيم خيرات المنطقة بصورة أَو أُخرى على الرغم من اختلافهم العلني. وبالتالي كانت الكفة رابحة لهم إذ وصل سعر برميل البترول في تلك الفترة لما يقارب خمسة دولارات للبرميل الواحد. واستمرّ الحال لغاية صيف عام 1990م.

مما دفع الكثير من الشركات الأجنبية وخاصة الأمريكية إيقاف استخراج البترول في دولهم والاعتماد على بترول الخليج لأن سعر البرميل ونقله وخزنه يكلف أقل من نصف قيمة البرميل المستخرج من آبار دولهم كالولايات المتحدة الأمريكية وبريطانيا وغيرها. وهو ما سبب طفرة نوعية في اقتصاديات أوربا لوفرة المواد الأولية ورخصها كالبترول واحتفاظها باحتياطيها البترولي مستقبلية من جانب، ومن جانب آخر ربما يعزز النمو الاقتصادي ويضمن عدم هبوط عملاتهم وأسهم البورصة عالمياً في حالة ظهور أيّ ركود اقتصادي مرحلي مَعَ توقع وصول العراق وإيران إِلى اتفاقية لوقف إطلاق النار والجلوس للمفاوضات في أية مرحلة من حربهما الطويلة لِحَلّ كُلّ مشاكلهم العالقة ونبذ الحرب والافتراق والتخطيط لمستقبل المنطقة.

الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
2009

مســـاعد أول
مســـاعد أول



الـبلد : السياسة النووية الدولية وأثرها على منطقة الشرق الأوسط - صفحة 4 01210
التسجيل : 10/01/2008
عدد المساهمات : 509
معدل النشاط : 60
التقييم : 1
الدبـــابة : السياسة النووية الدولية وأثرها على منطقة الشرق الأوسط - صفحة 4 Unknow11
الطـــائرة : السياسة النووية الدولية وأثرها على منطقة الشرق الأوسط - صفحة 4 Unknow11
المروحية : السياسة النووية الدولية وأثرها على منطقة الشرق الأوسط - صفحة 4 Unknow11

السياسة النووية الدولية وأثرها على منطقة الشرق الأوسط - صفحة 4 Empty10

السياسة النووية الدولية وأثرها على منطقة الشرق الأوسط - صفحة 4 Empty

مُساهمةموضوع: رد: السياسة النووية الدولية وأثرها على منطقة الشرق الأوسط   السياسة النووية الدولية وأثرها على منطقة الشرق الأوسط - صفحة 4 Icon_m10الأحد 16 مارس 2008 - 18:41

مناورات قوات الانتشار السريع ولأهداف الأمريكية


ما إن حطت الحرب العراقية - الإيرانية أوزارها حَتَّى بان إن الخاسر الكبير هو العراق وإيران، إذ خرج البلدان بعد التدمير الشامل لِكُلِّ مرافق الحياة الأساسية مدانان للدول الكبرى بواقع 48 مليار دولار لإيران، و 56 مليار دولار للعراق، ناهيك عن الأُصول المالية التي كان يمتلكها كلا منهما قبل الحرب والتي تقدر بثلاثة وثلاثون مليار دولار لإيران وسبعة وعشرون مليار دولار للعراق، بالإضافة إِلى العقود التجارية التي أُلغيت وَتَمَّ مصادرة ما استلم من قبل الشركات. إما دول الخليج العربي فَقَدْ صاحبها برود اقتصاد وكساد كبير خرجت جميعها بمديونية كبيرة سببت وقف النمو الاقتصادي نتيجة مساهماتهم في الحرب من جهة وهبوط أسعار البترول من جهة أُخرى (171).

من هنا يمكننا إن نستنتج أهمية الحرب العراقية - الإيرانية وما صاحبها من تغيرات عالمية بالنسبة للولايات المتحدة الأمريكية وخططها المستقبلية. فالولايات المتحدة الأمريكية على الرغم من انشغالها بأحداث الخليج إلا إنها كانت في الجانب الآخر تبني قوات الانتشار السريع وتحرص على إكمال منشأته ليكون جاهزاً لأيّ عملية عسكرية مستقبلية. ولعل المهم معرفته إن تدريبات قوات الانتشار السريع كانت جميعها تتم متناغمة مَعَ سياسة الولايات المتحدة الأمريكية في الخليج العربي وتتم في ظروف صحراوية قاتلة. وكان أهم تلك التدريبات والمناورات ما يسمى بمناورات النجم الساطع والتي يمكن إدراجها وتواريخها وبعض تفاصيلها كما يلي (172,173,174,175,176,177,178,179):



أولاً: النجم الساطع-1:

مناورات عسكرية مشتركة ما بين القوات الأمريكية المتمركزة في الشرق الأوسط والقوات المصرية، شارك فيها ما يقارب 2000 عسكري أمريكي و 12 طائرة مقاتلة من طراز إف-4 سبق وإن تدربت في مصر خلال حزيران 1980. بدأت المناورات في صحراء سيناء بتاريخ 2 نوفمبر عام 1980م وانتهت في الرابع والعشرين من نوفمبر عام 1980. لم تكن تلك المناورات العسكرية لزيادة كفاءة القوات الأمريكية كما يتخيل البعض، بقدر ما كانت مهمتها استراتيجية سياسية بحتة. فالتدريب على القتال الصحراوي يمكن للولايات المتحدة الأمريكية إن تؤديه في صحراء نيفادا الشبيهة بمناطق الشرق الأوسط الصحراوية مناخيا أَو ربما في العربية السعودية الحليف الأكبر. ولكن كان الهدف من ذلك يعود أولاً لِفَكّ عزلة أنور السادات بعد مهزلة كامب ديفيد والاتفاقات المضحكة التي بانت نتاجها الآن. وثانيها لجعل الشارع المصري يعتاد على وجود قوات أجنبية لِمَصّ العداء ضدّ الإمبريالية والصهيونية وبقيت المصطلحات التي كانت تستهوي الصحافة آنذاك.

كما إن عملية كهذه سوف تكسر خجل الدول المتحالفة سرّاً مَعَ الولايات المتحدة الأمريكية لتعلن لشعوبها عن تواجد القوات الأمريكية على أراضيها وإنها تتمتع باتفاقيات دفاع مشترك معها. ناهيك عن التوقعات الأكيدة لطموح الدول الأُخرى لامتلاك نفس العلاقة مَعَ الولايات المتحدة الأمريكية وبنفس الخصوصية، لتتمكن من الحصول على تسهيلات مصرفية مستقبلاً. هذه الأمور انعكست إيجاباً في تسهيل مهمة إنشاء وتكوين قوات الانتشار السريع كما رسمت لها حكومة كارتر.



ثانياً: النمر المتعب-1

ويبدو إنها جاءت مكملة للنجم الساطع-1، حَيْثُ أُجريت في السابع من كانون الثاني 1981م بعُمان وشارك فيها 750 عسكري أمريكي جلهم من صنف المخابرة واللاسلكي. وَتَمَّ خلالها تدشين أول أجهزة تنصت وتشويش لا سلكي أمريكي، إذ بدأت في يومها الأول بدراسة مقدرتها على قطع الاتصال في جميع موانئ ومطارات عُمان. ثُمّ امتدت في اليوم الخامس لها، لقطع الاتصالات في جميع دول الخليج العربي والتنصت على الاتصالات السلكية واللاسلكية لهذه الدول. وانتهت في يومها الثامن بتجربة تلك المعدات الحديثة على السودان والصومال.



ثالثاً: النجم الساطع-2

بدأت عمليات النجم الساطع-2 في الأول من نوفمبر عام 1982م حَيْثُ أجرت القوات الولايات المتحدة الأمريكية مناوراتها في جمهورية مصر بمشاركة 4000 عسكري مصري و 3000 عسكري أمريكي من قوات التدخّل السريع وبمشاركة 16 طائرة نقل من نوع سي-141. ولعل أهمية هذه المناورات تكمن في مشاركة ست طائرات مباشرة من قاعدة فورت براغ التي كانت تعتبر مركز قيادة قوات الانتشار السريع. هذه الطائرات الست كانت تحمل على مَتْنِها 600 مظلي تمكنوا من الهبوط في مسرح العمليات وإنجاز عملياتهم والانسحاب إِلى القاعدة. واستمرّت هذه المناورات مدة أسبوعين، استعمل خلالها كافة الصنوف الحربية والأعتدة النارية البحرية والبرية منها.



رابعا: النمر المتعب - 2

يبدو إن مناورات قوات الانتشار السريع عند بدايتها كانت تستكمل بمرحلتين الأول في مصر والثانية في عُمان. فبعد الانتهاء من النجم الساطع-2 بأسبوعين بدأت مناورات الذئب المتعب-2 في عُمان بتاريخ 3 ديسمبر/كانون الأول عام 1982م. وتعتبر هذه المناورة مهمة جداً قياساً بالمناورات الأُخرى لأسباب عديدة أولها قيام قوات الانتشار السريع بإنزال قوات مظلية بلغ تعدادها 1000 مظلي أمريكي على الشواطئ العُمانية من جهة منطقة صلالة والحقها مشاركة 2500 عسكري أمريكي مُجهّزين بقاذفات بي-52. كما شاركت مقاتلات إف-16 بحوالي 22 طائرة انطلقت من حاملة الطائرات انتربرايز، والتحقت بهذه المناورات طائرات الأواكس العاملة في المملكة العربية السعودية، كما كان للقوات العمانية نصيباً في المشاركة بهذه المناورات.



خامساً: النجم الساطع-3

لهذه المناورات شكلها المختلف عن المناورات السابقة لكونها، أولاً بدأت في آب/أُغسطس عام 1983م في حين كانت المناورات التي قبلها في الشتاء ما بين نوفمبر ونهاية كانون الثاني. وثانياً الكم الهائل من العسكر الذي شارك فيها. فمع السادس والعشرين من آب/أُغسطس انطلق حوالي 28 ألف عسكري أمريكي من الفرقة 82 المحمولة جوّاً والفرقة 101 للمشاركة في تلك المناورات على مسرح عمليات واسع جداً شمل مصر والسودان والأُردن والصومال وكينيا وعُمان وبحر العرب. كما شاركت في هذه المناورات طائرات الأواكس ومقاتلات إف-111 وإف-16 وقاذفات بي-52 منطلقة من مواقعها في الولايات المتحدة الأمريكية. قامت هذه الطائرات بغارات وهمية وتزودت بالوقود جوّاً ثُمّ عادت إِلى قواعدها في الولايات المتحدة الأمريكية. ولعل ما حدث في هذه المناورات يعززه تصريح ريغان لوكالات الأنباء حين قال (173):

"قامت قواتنا بإنزال برمائي على سواحل الدول المحيطة بدول الخليج العربي كالصومال والسودان والأُردن وكينيا للتدريب على إمكانية القتال الصحراوي فيما إذا إضطررنا للدفاع عن حقول البترول في دول الخليج من أيّ تهديد مستقبلي". ويبدو إن هذه المناورات التي انتهت في منتصف سبتمبر/أيلول قَدْ أعطت الولايات المتحدة الأمريكية خبرة كافية في عملية نقل قطعاتها جوّاً من الولايات المتحدة الأمريكية إِلى أرض المعركة. كما كانت تطبيقاً حقيقاً لمسألتين مهمتين أولهما كفاءة القتال الصحراوي صيفا وقدرة ضرب الأهداف ضمن استراتيجية المعركة ومدى دقة إصابة الهدف.



سادساً: كرنت إيغل

بعد النجاح الذي حققته مناورات النجم الساطع-3، قامت الولايات المتحدة الأمريكية بتعبئة قوات الانتشار السريع لخوض مناورات أكبر وأشمل. فَفِي العاشر من آب/أُغسطس عام 1984م شارك 57 ألف عسكري أمريكي من مختلف صنوف قوات الانتشار السريع بمناورات على نفس مسرح عمليات النجم الساطع-3 وبنفس الأسلوب. ولكن الجديد في هذه المناورات هو إعطاء قادة الوحدات العسكرية صلاحيات تقييم الموقف موقعياً من ناحية الطقس وجمع المعلومات والتعامل معها ضمن حدود منطقة العملية بالاستناد إِلى تحديد أيّ معلومة هي الأهم والأدقّ لاتّباعها. واستمرّت هذه المناورات فترة أطول من المناورات السابقة إذ طالت مدتها أكثر من خمس أسابيع بيومين. تمكنت من خلالها الولايات المتحدة الأمريكية من تحديد الأُسس المهمة لزيادة القدرة القتالية لجيشها في حالة القتال صيفا.



سابعاً: النجم الساطع-85

قياساً بما سبقها من مناورات كانت هذه المناورة التي بدأت في الأول من أُغسطس /آب 1985 في مصر صغيرة بتعداد المشاركين فيها، إلا إنها من جانب آخر ذات نوعية مهمة جداً. شارك في هذه المناورات 9700 عسكري أمريكي من قوات التدخّل السريع. تَمَّ انتقائهم بصورة دقيقة جداً بالاعتماد على أدائهم في المناورات الأُخرى. وَقَدْ رأس هذه المناورة قائد القوات المركزية شخصياً الجنرال جون كنكستون. قسمت هذه المناورة إِلى ثلاث مراحل، الأُولى تمثلت بعمليات قصف جوي وإنزال مظلي على الشواطئ الغربية لمصر والثانية التقدم السريع والسيطرة على أهداف حيوية ومهمة في شمال غربي القاهرة. إما المرحلة الثالثة فَقَدْ كانت تدريبية بحتة على الأسلحة التي تمتلكها قوات التدخّل السريع. امتازت مناورات النجم الساطع-85 بقصر مدتها التي لم تتجاوز الأسبوع الواحد، إلا أنَّه يبدو إن هناك امتدادات لها حَيْثُ كان بمجرد الانتهاء من تلك المناورة قَدْ التحق ما يقارب 500 عسكري أمريكي منها للتدريب مَعَ القوات الخاصة الأُردنية، وكانت أهم التدريبات هو كيفية قيادة المعركة من مركز واحد لقوات متعددة الجنسيات.

كما جرت نفس نوعية التدريب للقوات الأمريكية بعد الانتهاء من الأُردن في كُلّ من عُمان والصومال على حدّ سواء ولمدة لم تتجاوز الأحد عشر يوماً.



ثامناً: رياح البحر

لا يمكن إن تسمى رياح البحر بالمناورة، بل كانت تدريباً عسكرياً فعلياً ما بين القوات المصرية وقوات التدخّل السريع الأمريكية. بدأت تلك التدريبات في السادس والعشرين من تموز/يوليو عام 1986م. ولكن المهم في هذه التدريبات التي شارك فيها سبعة عشر ألف عسكري أمريكي إنها كانت تدور روحاها في لُبّ صيف الصحراء. وعليه فأن هذا النوع من التدريب بما لا يقبل الشكّ يعتبر مهما للقوات الأمريكية من الناحية التعبوية والتجهيزية.



تاسعاً: النجم الساطع-4

يعتبر النجم الساطع-4 من أهم المناورات التي خاضتها قوات الانتشار السريع، لكونها بدأت في مطلع آب/أُغسطس 1987م واستمرّت لمدة ثلاثة أشهر أيّ إن القيادة المركزية الأمريكية تمكنت من جعل قواتها في مسرح العمليات مدة طويلة ممتدة من الصيف وحَتَّى الشتاء. لَقَدْ قاد هذه المناورات الجنرال توني كريست حَيْثُ شارك فيها حوالي 77 ألف عسكري أمريكي من الفرقة 82 والفرقة 101 والمظليين الاحتياط. كما شاركت في تلك المناورات 70 طائرة مقاتلة أمريكية و 30 طائرة مقاتلة مصرية بالإضافة إِلى طائرات الأواكس. ولعل المهم في هذه المناورات هو مقدرة طائرات إل بي-52 من الانطلاق من قواعدها في الولايات المتحدة الأمريكية لقصف أهدافها والعودة لقواعدها دون الحاجة للتزود بالوقود. ناهيك عن اشتراك حاملتي طائرات أحدهما كانت في بَحَر العرب والثانية في المحيط الهندي. ولعلها لأول مرة تشهد المناورات الأمريكية قتالاً بالدبابات إذ شاركت في هذه المناورات وللمرة الأُولى دبابات أم-1. وما إن تمّت هذه المناورات في مصر حَتَّى انتقلت بعد 24 ساعة لخوض نفس المناورات مَعَ القوات الأُردنية تحت اسم شادو هوك والتي تطورت بعد عام لتكن أكبر وأضخم عمل عسكري قامت به قوات الانتشار السريع.



عاشراً: شادو هوك الأكبر

بدأت هذه المناورات في الرابع من حزيران عام 1988 واستمرّت لغاية نهاية نوفمبر من نفس العام، وتمكنت القوات الأمريكية من إشراك جميع القطعات التابعة لقوات الانتشار السريع البالغ عددها في حينه 178 ألف عسكري أمريكي. كما اشتركت القطعات البحرية البريطانية والبلجيكية والفرنسية والهولندية والإيطالية المرابطة في منطقة الخليج العربي بتلك المناورات بمقر قيادة موحدة لغرض عرض كيفية إمكانية خوض حرب مَعَ الحلفاء. ولعل مشاركة درع الجزيرة العربية وقوات أُردنية ومصرية أعطاها طابعاً دولياً كبيراً. ومن أهم نتائج هذه المناورات هو إمكانية تعبئة 100 ألف عسكري أمريكي وإرسالهم مَعَ كافة جاهزيتهم الحربية لمسرح العمليات في أقل من 21 يوم. ولعل الأهم في هذه المناورات هو تمكن الولايات المتحدة الأمريكية من إشراك الشركات الأمريكية المدنية الكبرى في مناوراتها من خلال تدريبهم على حرب وهمية تتطلب مساهمتهم. فعلى سبيل المثال تَمَّ استئجار ما يقارب 270 طائرة نقل مدنية و 122 سفينة مدنية لشحن الأعتدة وتجنيد معامل الأدوية والأغذية لتغطية ما يحتاجه أكثر من نصف مليون عسكري.



يظهر من هذه الإلمامة البسيطة إن المناورات الأمريكية في منطقة الشرق الأوسط وكيفية اتخاذ الاحتياطات اللازمة لخوض حرب، كانت مهمتها الأساسية تحقيق أهداف استراتيجية سياسية. نستنتج من ذلك أنَّه مَعَ بداية عام 1989م كانت القوات الأمريكية جاهزة لخوض معركة في أية منطقة صحراوية أَو مناخها يميل لمناخ الشرق الأوسط والخليج العربي. ولقد أعطت الحرب العراقية - الإيرانية كُلّ المبررات الضرورية لتواجد القوات الأمريكية. ويبدو من خلال عرضنا للحرب العراقية - الإيرانية ودراستنا وتحليلنا لتأسيس وتدريب وجاهزية قوات الانتشار السريع كان هناك إصرار أمريكي على استمرار الحرب حَتَّى نهاية استكمال قوات الانتشار السريع وجاهزيتها الحربية. ولو قُدر إن تستمر مرحلة بناء وإنشاء قوات الانتشار السريع مدة أطول لاستمرّت الحرب العراقية - الإيرانية أكثر من ثمان سنوات. ولكن ما الذي حدث بعد إن تَمَّ انشاء وتجهيز وتدريب قوات الانتشار السريع وإعلان وقف إطلاق النار بين العراق وإيران؟



9.7 مرحلة ما بعد الحرب العراقية - الإيرانية

أُعلن وقف إطلاق النار بين العراق وإيران بصورة فاجأت جميع المعنيين بسياسة المنطقة، لكون إعلانها جاء بصورة هزيلة جداً خرج البلدان منها منهكان اقتصادياً وسياسياً وعسكرياً. ولعل الصورة المفاجئة جداً، هي إيقاف كُلّ المساعدات والمنح والقروض من الدول الصديقة والمساندة أبان الحرب لِكِلا البلدين دون سابق إنذار. فنتج عن تلك الحرب عدة سلبيات في كلا البلدين يمكن إدرجها كالآتي:

1. نتيجة لثقل الديون والإرهاق الاقتصادي أعاد العراق وإيران تقييم عملتهما، إذ كانت قيمة التضخم في العملة الإيرانية 1100% مقابل الدولار في حين كانت نسبة التضخم للعملة العراقية 950% مقابل الدولار. فَفِي الحين الذي كان فيه الدولار مساوياً لحوالي 8 تومان أصبح بعد الحرب الدولار مساوياً لحوالي 1100 تومان وفي الحين كان الدينار العراقي يساوي ثلاثة دولارات أصبح بعد الحرب مباشرة الدولار مساوياً إِلى 4 دنانير عراقية. وبالتالي تكون الحرب قَدْ حققت أول أهدافها من خلال امتصاص الكم الهائل من السيولة النقدية لهذين البلدين وجعل قيمتهما الذهبية لا تغطي حَتَّى قيمة الورق المطبوع به عملتي البلدين.

2. خرج البلدان بجيش كبير يبلغ تعداده المليونين في كُلّ منهما، وبالتالي فعلى خزينة الدولة إن تتحمل عبء هذا الكم الهائل من الجيش دون إن يؤدي أيّ واجب يذكر.

3. بعد تسريح الاحتياط والمكلف من الجيشين زادت نسبة البطالة لما يقارب 49% في إيران و 35% في العراق.

4. هروب الكثير من الخبرات في البلدين نتيجة الحرب وبالتالي عليهما بعد الحرب العمل على إعادة تأهيل المعامل والمصانع والدوائر مَعَ منتسبيهم إِلى الحياة المدنية وهو ما يرهق كاهل الدولتين مالياً واقتصادياً.

5. نقص الخبرة في بناء المراكز الحيوية التي دمرتها الحرب وعليهم الاعتماد على الخبرات الخارجية مما يؤدي إِلى عجز الدولة من توفير النقد الكافي لهذه المؤسسات.

6. خلال فترة الحرب كانت المواد الأساسية مدعومة من قبل الدولة لكون معظمها إما منحة من الأصدقاء أَو بأسعار مخفضة وبعد الانتهاء من الحرب ونتيجة عجز الدولة للوفاء بالتزاماتها المالية تجاه الدول أعلنت عن عدم دعمها لأيّ سلعة أساسية. وهو ما سبب مزيداً من الفقر والعازة.

7. أفرزت الحرب عدة طبقات اجتماعية عالية التفاوت فكان هناك تجار الحروب ذوي المدخولات العالية جداً وهناك الطبقات الفقيرة المسحوقة. ولعل أهم الطبقات التي أفرزتها الحرب هي طبقة العسكر المستفيد من حظوة الدولة. وبجانبها طبقة مسحوقة تتكون من المعاقين نتيجة الحرب إذ تصل أعدادهم المليون في كُلّ قطر.

8. أدى هبوط أسعار البترول العشوائي إِلى تأزيم الحالة لكلا البلدين وتعثرا في تلبية حاجاتهم الداخلية. ومما زاد الطين بلة قيام الدول المانحة بالمطالبة بمستحقاتها بعد انتهاء الحرب مباشرة، كما توقفت جميع المساعدات الدولية تلقائيا.

إن ما ورد أعلاه هي من جملة التداعيات البسيطة للحرب الأمر الذي جعل كُلّ منهما يتجه إِلى مسألة تطوير الأسلحة بعد إن كسبا الاثنان خبرة في التصنيع والتجميع. وكان كلا البلدين يطمحان بإيجاد دخل يساوي لمدخولات البترول من خلال بيع الأسلحة ليتمكنا من إعادة بناء ما دمرته الحرب.

الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
2009

مســـاعد أول
مســـاعد أول



الـبلد : السياسة النووية الدولية وأثرها على منطقة الشرق الأوسط - صفحة 4 01210
التسجيل : 10/01/2008
عدد المساهمات : 509
معدل النشاط : 60
التقييم : 1
الدبـــابة : السياسة النووية الدولية وأثرها على منطقة الشرق الأوسط - صفحة 4 Unknow11
الطـــائرة : السياسة النووية الدولية وأثرها على منطقة الشرق الأوسط - صفحة 4 Unknow11
المروحية : السياسة النووية الدولية وأثرها على منطقة الشرق الأوسط - صفحة 4 Unknow11

السياسة النووية الدولية وأثرها على منطقة الشرق الأوسط - صفحة 4 Empty10

السياسة النووية الدولية وأثرها على منطقة الشرق الأوسط - صفحة 4 Empty

مُساهمةموضوع: رد: السياسة النووية الدولية وأثرها على منطقة الشرق الأوسط   السياسة النووية الدولية وأثرها على منطقة الشرق الأوسط - صفحة 4 Icon_m10الأحد 16 مارس 2008 - 18:42

يبدو إن ما كان يفكر به العراق وإيران هو صحيح للغاية في الحالات الاعتيادية، ولكن حينما تكون هناك دول يهمها إن تبقى المنطقة مشتعلة فأن الأمور عند ذلك تختلف. فَفِي الحين الذي كانت كُلّ من العراق وإيران منشغلان بالترتيبات العسكرية وتصنيعها للدخول السوق الدولية ومنافسة الدول الكبرى على الأقل ببيع الأعتدة التي لا تحتاج إِلى تكنولوجيا عالية، قام وزير الدفاع ديك جيني بزيارة مفاجئة في الرابع من ديسمبر 1988م لِكُلِّ من السعودية والبحرين والكويت وعمان كان الغرض منها تطوير العلاقات العسكرية مَعَ هذه الدول حسب قوله (180).

لَقَدْ تمكن ديك تشيني من إقناع دول المنطقة بشيئين رئيسيين الأول إن كلا من العراق وإيران خرجا غير منتصرين إلا إنهما يتمتعان بامتلاكهما قوة عسكرية كبيرة يمكنها اجتياح المنطقة واحتلالها. وبالتالي على تلك الدول إن تعطي تسهيلات إِلى القوات الأمريكية في أيّ وقت شاءت للحفاظ على الأنظمة في منطقة الخليج العربي. وثانيهما إن الاتحاد السوفيتي ومُنْذُ زمن القياصرة يحلم باحتلال المناطق الدافئة (ويقصد منطقة الخليج) وبالتالي فأن وجود قواته في البحر العربي والمحيط الهندي أمراً خطيراً يجب إن نتعاون لأبعاد شبح الوصول إِلى المنطقة واحتلالها. هذان الرأيان الذي تمكن ديك جيني من إن يقنع دول الخليج فيهما تجسد في تقرير أعده شوارسكوف قائد القوات المركزية آنذاك.

قدم الجنرال شوارسكوف تقريره السنوي للجنة الدفاع في مجلس الشيوخ الأمريكي بتاريخ 20 أبريل 1989م. وكان من الأهمية إن اعتبرته لجان الكونغرس خطة عمل. ولعل من الفقرات المهمة التي جاءت في التقرير (181):

"إن الأحداث التي جرت في العقد الماضي يمكن اعتبارها إنها جرت في سياق اضطراب إقليمي تميز بالتطرف الديني والنزعات الحدودية ونزعة المغامرة عند ليبيا والدول الراديكالية الأُخرى. إن تلك النزعات لربما تعود مرة أُخرى بصورة أكثر تعسفية، لذا ندعو إِلى استمرار برنامج المناورات العسكرية المشتركة في منطقة الشرق الأوسط، وضرورة تمويل صندوق المساعدات الأمنية لأصدقاء الولايات المتحدة الأمريكية. وذلك لجعلهم يثقون بنا وبمقدرتنا على استخدام التسهيلات الممنوحة من قبلهم لنا والتي سوف تكون ذات يوم مهمة ودقيقة في الأزمات التي لا يمكن توقعها".

لكن في الواقع أهم فقرة وردت في تقرير شوارسكوف والتي على ضوئها تَمَّ التخطيط لمستقبل المنطقة، هي (181):

"لَقَدْ خرج كُلّ من العراق وإيران بقوة عسكرية كبيرة تمتلك أسلحة بيولوجية وكيمياوية ومساعي لتطوير برنامجهما النووي، فعلينا لحماية المنطقة إن نراقب عن كثب تلك الدولتين وكيفية تطوير الأسلحة في معاملهما. ولعل من الضروري العمل على تحديد إنتاج الأسلحة في البلدين وإبقاء الولايات المتحدة الأمريكية لقواتها في منطقة الخليج العربي وضمن الحدود التي تراها ضرورية لأبعاد أية تهديد لطرق الملاحة في المجرى المائي الدولي".

لَقَدْ تمكنت الولايات المتحدة الأمريكية من إقناع دول الشرق الأوسط وخاصة الخليجية منها في إبقاء قواتها داخل المنطقة. ويبدو إن الهدف من ذلك كان لتحقيق أهداف كبيرة سبق وإن بينتها الولايات المتحدة الأمريكية في الأيام الأُولى للحرب العراقية الإيرانية. ولعلنا نعود هنا إِلى تصريحات الساسة الأمريكيين عام 1981م عندما تردد إن أهداف الولايات المتحدة الأمريكية الأساسية الآن هو التصعيد في محاربة الإرهاب الدولي دون حقوق الإنسان. كانت هذه أُطروحة ذكرت مرة واحدة على لسان وزير خارجيتها عام 1981م واختفت من على الصحف والتقارير الاستراتيجية الأمريكية والدولية. وعليه بمجرد إن انتهت الحرب العراقية - الإيرانية حَتَّى ذاع صيت امتلاك العراق وإيران لقوة عسكرية هائلة تتمتع بمقدرتها البايولوجية والكيمياوية والنووية. وكانت هذه الأُطروحة مخيفة لدول الخليج العربي جداً، خصوصاً إن الولايات المتحدة الأمريكية قَدْ صورت المسألة بإمكانية تحالف السوفيت مَعَ هذه القوتين للسيطرة على الخليج وآبار البترول.

وبينت الولايات المتحدة لدول المنطقة إن وجودها مهم لأن في حالة دخول الاتحاد السوفيتي كطرف لا يمكن دخول المنطقة بسهولة لامتلاك هذه الدولة السوفيتية الآلة الحربية المتطورة الحاملة للرؤوس النووية.

لَقَدْ جاءت تلك الأُطروحة أعلاه أكثر وضوحاً على لسان الرئيس الأمريكي المنتخب توا في عام 1988م قبل إن يستلم مهامه من ريغان والذي كان يشغل في حكومته نائباً للرئيس، حَيْثُ صرّح مراراً أنَّه بعد انتهاء الحرب العراقية - الإيرانية تتطلع الولايات المتحدة الأمريكية للقيام بدور الشرطي للحفاظ على أمن العالم. فَفِي لقائه بمؤيديه الناخبين بمدينة بنسلفانيا قال (182):

"نتوقع إن أمام الولايات المتحدة الأمريكية تحديات جديدة ناتجة عن التهديدات التي بدأت تبرز خارج نطاق العداء الروتيني الذي ساد العالم في العقود الخمسة الماضية. فلدينا مُنْذُ الآن مسؤوليات مهمة جداً تتطلب تظافر جهودنا لإفشال أيّ عدوان على مصالحنا الحيوية التي تتمثل في صدّ أيّ عدوان على بلدان صديقة، حماية خطوط الملاحة لإيصال البترول لحضارتنا الجديدة، وقف عملية تهريب المخدرات إِلى حدودنا الوطنية، ونزع أية قوة عسكرية في أيّ دولة بدأت تنمو بهذا الاتجاه مما يؤثر على مصالحنا الاستراتيجية. إن إدارتكم الجديدة سوف تقوم بعمل شاق ومضني جداً قَدْ يتخلله حرب عالمية ونزاعات محدودة في ظروف مستجدة لا نقوى السيطرة عليها. ولهذه الأسباب فنحن بحاجة قصوى لمواصلة تحديث قواتنا ودعم قوات الانتشار السريع والعمل على نزع العالم من الأسلحة التدميرية الشاملة خوفاً من إساءة استعمالها".

من خلال تتابع الأحداث نرى إن ما قاله جورج بوش في خطابه أعلاه كان يقصد بالذات آبار البترول النفطية المتواجدة بكثرة في منطقة الخليج العربي والشرق الأوسط. وهنا لابُدَ إن نبين إن المسؤولين الأمريكيين عندما يتحدثون عن الخليج لا يقصدون الدول الواقعة على البحر العربي فقط، بل يدخل من ضمنها إيران والعراق. فالولايات المتحدة الأمريكية وجورج بوش (الأب) بالتأكيد كنتيجة توليه مناصب مهمة بدءاً من مدير المخابرات الأمريكية إِلى منصب نائب الرئيس ونهاية بالرئاسة الأمريكية على معرفة قصوى، إن احتياطي هذه المنطقة البترولية في تزايد مستمر نتيجة الإسكتشافات الجيوفيزيائية والجيولوجية البترولية. في حين أثبتت الدراسات التي أُجريت في بقاع أُخرى من العالم إن احتياطي البترول في تلك المناطق الأمريكية والأوربية والأفريقية في هبوط خطير قَدْ يؤدي إِلى اعتماد العالم خلال الثلاثين سنة القادمة على نفط الخليج فقط. وبالتالي من يكن بيده هذه المادة الأساسية يمكنه إن يقود العالم وتستمر حضارته. فجورج بوش في نفس الخطاب أعلاه حدد هذه الحقيقة بقوله (182):

"إن احتياطي نفط العالم الحُرّ موجود بما يقارب 77% منه في شبه الجزيرة العربية، ودول الخليج العربي، وَلابُدَّ من أجل الحفاظ على حضارتنا ومستقبل شعبنا وحلفائنا في أوربا الغربية واليابان إن يظلَّ هذا الاحتياطي بأيادي صديقة حميمة لتكن قابضة على صنبور البترول. وَلابُدَّ إن تَظَلّ الممرات المائية ومضيق هرمز بالذات حرة مفتوحة سليمة للملاحة. وإن تعذر ذلك فنحن سوف نقوم بأنفسنا حَتَّى ولو كلفنا حياة الكثير منا للحفاظ على هذا الصنبور لأن يَبقى بأيدينا".

إن الأحداث التي توالت بعد استلام جورج بوش موقعه الرئاسي من ريغان باتت أكثر استراتيجية في التطبيق. ولا يعني إنها فقط كانت ضمن أروقة الإدارة الأمريكية فحسب، بل بمجرد إن تَمَّ إيقاف الحرب العراقية - الإيرانية بدأ الاستنفار الدولي لذلك. ولعل أُولى هذه الاستفسارات جاءت على لسان رئيس الوزراء الإسرائيلي إسحاق شامير حين قال (183):

"الآن وبعد أن انتهت حرب أعداء الدولة العبرية التي دامت ما يقارب ثمان سنوات فالعالم الحُرّ مطالب أن يزيل قدرة العراق العسكرية بما فيها التصنيع، لأن ذلك يهدد باختفاء الدولة العبرية آجلاً أم عاجلاً"

هذه العبارات التي جاءت بنبرة متعبة وخانقة من رئيس وزراء الكيان الصهيوني كانت تدعوا حلفائها للقيام بشيء ما تجاه العراق قبل أن يفوت أوان ذلك. مما جعل كُلّ من بريطانيا وأمريكا يراجعان حساباتهما المستقبلية تجاه العراق ومنبهين بقية الحلفاء في أوربا من مغبة استمرار العراق في إكمال مشاريعه العسكرية التي كانت قيد الإنشاء. وعليه فَقَدْ دعت بريطانيا في 15 أيلول عام 1988م لعقد اجتماع عاجل لمناقشة هذا الأمر تحت غطاء حماية المصالح الدولية في منطقة الخليج العربي للمرحلة القادمة (184). وبناءاً على ذلك فَقَدْ عقد في لندن في السابع من أكتوبر عام 1988م اجتماعاً مصغراً ضَمَّ ممثلين عن كُلاً من بريطانيا وأمريكا حَيْثُ قرراً فيه ما يلي (185):

1. العمل على تحديد ومراقبة المعاملات التجارية والمصرفية للشركات العراقية العاملة في أراضي الدولتين.

2. مراقبة مواطني الدولتين المتعاملين مَعَ العراق.

3. وضع قواعد جديدة للتصدير تتضمن وجوب استحصال موافقة وزارة التجارة مَعَ إعطاء الوزارة حَقّ رفض أية صفقة تجارية.

4. العمل على إجهاض أية محاولة عراقية لشراء أيّ مصنع يمكنه من إنتاج وتطوير معدات حربية.

5. إيقاف تصدير كافة المواد التي تدخل ضمن التصنيع الحربي.

6. منع تصدير الأجهزة الإلكترونية والكومبيوترية المتقدمة التي تعمل بكفاءة عالية في مجال التصنيع الحربي.

7. حصر الاختصاصات العلمية الدقيقة التي تلعب دوراً كبيراً في إنتاج الأسلحة بكافة أنواعها وخصوصاً النووية منها واتخاذ الإجراءات اللازمة لمنع الوافدين العراقيين من اكتساب الخبرات في هذه المجالات.

8. مراجعة الديون العراقية وتسويتها وعدم النظر بأيّ طلب قرض عراقي مستقبلاً ما لم تستحصل موافقة وزارة الدفاع.

مثل الجانب الأمريكي في هذا الاجتماع كُلّ من جيمس بيكر (رئيساً للوفد) الذي كان يشغل منصب رئيس الموظفين في البيت الأبيض والكولونيل بأول مساعد الرئيس ريغان لشؤون الأمن القومي ووليم وبستر رئيس وكالة المخابرات المركزية الأمريكية، في حين مثل الجانب البريطاني دغلس هيرد (رئيساً للوفد) وزير الداخلية آنذاك واللورد يونك كرافهام (وزير التجارة) واللورد كيث عن وكالة المخابرات البريطانية. وإضافة لما ورد أعلاه من مقررات بريطانيا وأمريكية، تباحث الجانبان حول ضرورة إعادة العلاقات الدبلوماسية والتجارية مَعَ إيران والإيعاز لحلفائهم الخليجيين لإعادة العلاقة أَيضاً مَعَ إيران وعلى كافة المستويات وبالسرعة الممكنة. فَوفْقَاً لذلك فَقَدْ جرت محادثات سريعة بين الجانب البريطاني والإيراني لِحَلّ المشاكل العالقة بين البلدين استمرّت زهاء أسبوعين تمخضت عن إعادة التمثيل الدبلوماسي بين البلدين وعلى أعلى المستويات في العاشر من تشرين الثاني عام 1988م (186).

التحول الجديد الذي طرأ على العلاقات البريطانية-الإيرانية شجع إيران على إعادة علاقاتها مَعَ الكويت وبصورة سريعة فاجأت الجميع، فَفِي الثاني عشر من تشرين الثاني زار وكيل وزارة الخارجية الإيراني على مُحَمَّد بهشتي الكويت وأعلن أنَّه يروم حَلّ المشاكل العالقة بينهما وإعادة العلاقات بكافة أوجهها بما فيها الدبلوماسية، فبعد عودته بيومين استأنفت العلاقات بين الكويت وإيران بكافة مجالاتها. هذه العلاقة الجديدة بين إيران والكويت شجعت الدول الخليجية الأخرى على فتح حوار مَعَ إيران وَحَلّ النزاعات القائمة بينهم لضمان الاستقرار في الخليج العربي، وما أن حَلّ عام 1989م حَتَّى كانت دول الخليج العربي تتمتع بعلاقات دبلوماسية وتجارية لا بأس بها مَعَ إيران باستثناء العربية السعودية ولأسباب استراتيجية بحتة. ويبدو إن سياسة الولايات المتحدة الأمريكية وبريطانيا كانت تنطوي على إن لا يكشف المتحاربان حقيقة اللعبة الغربية في الخليج. فَفِي الوقت الذي كانت تحاصر العراق وتقيده ضمن حدوده الإقليمية دون الانطلاق نحو العمق العربي والإسلامي كانت تقيم علاقات مَعَ إيران وتسعى لِحَلّ مشاكلها معهم.

إذ من خلال هذه اللعبة سيبقى العداء الإيراني - العراقي ويمكن للولايات المتحدة الأمريكي وحلفائها من إتمام اللعبة بنجاح. كُلّ هذه الأمور المطروحة أعلاه كانت تدور في الأشهر الأُولى بعد انتهاء الحرب العراقية - الإيرانية وجورج بوش الأب مازال نائباً للرئيس ريغان. ولكن بعد انتخابات 17 تشرين الثاني عام 1988م وفوز بوش تغير اللعب من التصريحات والاجتماعات البسيطة لحالة استثنائية عملية جديدة توحي بتغيير وجه العالم بصورة جذرية. فما أن استلم جورج بوش دفة الحكم من رونالد ريغان في مطلع عام 1989م حَتَّى باشرت حكومته بالعمل على تنفيذ الاتفاق البريطاني الأمريكي من جهة والعمل على حَثّ الحلفاء الآخرين للدخول معهم في لعبة التضييق على العراق من جهة أخرى، لكونه يمتلك أسلحة متقدمة جداً وتكنولوجية عسكرية عالية كان ينبغي أن لا يمتلكها.

أسفرت نتيجة هذه الجهود انضمام كُلّ من فرنسا وإيطاليا وأسبانيا وألمانية والبرتغال وكندا واستراليا لما يسمى بمشروع الحَدّ من التسلح في الشرق الأوسط وحماية المصالح في الخليج العربي. كان الهدف من هذا الجمع غير القليل من الدول المتحالفة هو احتواء العراق بأية صورة للحد من نشاطه في التسلح والاعتماد نوعاً ما على نفسه في إنتاج بعض الأنواع من الأسلحة وخاصة بعيدة المدى والتي تهدد بصورة خاصة أعماق إسرائيل إذ ما اضطر العراق لاستعمالها في يوم من الأيام. وعلى هذا الأساس فَقَدْ اجتمعت تلك الدول في نيويورك في الثاني عشر من شباط عام 1989م، حَيْثُ طرح وزير الخارجية الأمريكي جيمس بيكر نقاط القرار التي تَمَّ الاتفاق عليها بين أمريكا وبريطانيا في اجتماعهما الأول الخاص بهذه المسألة طالبا من حلفائه الالتزام ببنود هذه القرارات ليتسنى لهم مراقبة العراق وإيقاف تطور الصناعة الحربية العراقية التي أخذت مساراً ناجحاً وسريعاً متسمة بالخبرة العلمية التي يتمتع بها العراقيون والخبرة المكتسبة من الحرب العراقية الإيرانية.

عارض كُلّ من رولند ديمس (وزير خارجية فرنسا) وكاليلو أندروتي (وزير خارجية إيطاليا) ما جاء في نصوص القرار، ولخص رولند ديمس اعتراض بلاده على القرارات بما يلي (187):

1. العراق دولة صديقة وحليفة بالمنطقة وَلابُدَّ أن نقف بجانبها وليس ضدها. وأنَّه من حَقّ أيّ بلد أن يمتلك تكنولوجيا متقدمة على أن لا تَضُرّ بالسلام العالمي.

2. مازالت إيران بوجودها تهدد مصالحنا في الخليج العربي وليس لنا غير العراق للحفاظ عليها.

3. لدى العراق إمكانيات مادية وبترولية ضخمة لذا يستوجب علينا الاستفادة من تلك الإمكانيات بتعزيز روابطنا التجارية مَعَهُ وإن لا ندع السوق العراقية حرة للاتحاد السوفيتي.

بعد أن أكمل وزير خارجية فرنسا ملاحظاته السالفة الذكر انتفض وزير خارجية بريطانيا السير جفري هاو معقبا وقال (187):

"ماذا سنفعل لو استبدل نظام الحكم بالعراق بنظام معاد لنا، يا صديقي لَقَدْ مررنا بتجربتين مريرتين في المنطقة أحدها عربية والثانية شرق أوسطية وَلابُدَّ أن نستفيد من تلك التجارب. تأكد يا عزيزي أن من أخطر الأمور علينا هي التغيرات الفكرية وهذا ما حدث لنا أولاً مَعَ عبد الناصر وخسرنا مراكز نفوذنا في المنطقة وما زلنا نعاني من ذلك ولكن لم نستفد من الدرس، والثانية مَعَ الخميني وكدنا نخسر شرياننا الحيوي لولا معالجتنا السريعة للموقف. دعنا نترك الحقوق ونفكر ماذا نفعل لو سقط النظام الحالي في العراق، فنحن أعرف منكم بالعراق وساكنيه، فهناك أرضية ملائمة لحدوث ما لا نرغب به وإن حدث فمصالحنا ومصالحكم سوف تنتهي من غير رجعة".

لَقَدْ استمرّ النقاش حاداً بين المجتمعين دون أن يسفر عن نتيجة تذكر حَتَّى تدخل جيمس بيكر قائلاً (188):

"مهما ستكون نتيجة الاجتماع فأننا جادون لعمل شيء ما لإيقاف نفوذ العراق ونرغب أن تساعدوننا في ذلك، فنحن نعترف أن النظام العراقي خير حليف لنا ولكن من سيضمن بقائه أو على الأقل تحالفه معنا خصوصاً ونحن نرغب في إنهاء مشكلة الفلسطينيين. الرئيس بوش جاد في هذا الأمر ولا تدعوننا نقوم بالمهمة وحدنا فمهما كانت الخلافات فنحن على الأقل بحاجة إِلى ما متوفر لديكم من معلومات حول الأسلحة العراقية وتطويرها وخصوصاً البايولوجية والكيميائية منها".

لم يكن هناك من متجاوب مَعَهُ لحساسية الموقف ووجوب قيام كُلّ وزير بعرض الأمر على حكومته، إلا أن جيراد ستولتينبرج (وزير دفاع ألمانيا الغربية آنذاك) قال (188):

"ليس هناك ضرر من تزويدكم بأية معلومة تتوفر لدينا عن تسليح أو تطوير الجيش العراقي ولكن دون اللجوء للتضييق عليهم تجارياً".

انفض الاجتماع دون الاتفاق على شيء يذكر، عندها لعبت الليدي تارتشر دوراً دبلوماسياً كبيراً لتقريب وجهات النظر وإقناع الفرقاء ببنود القرار المبرم بين بريطانيا وأمريكا والمتضمن مراقبة العراق والتضييق على معاملاته التجارية. فماركريت تارتشر أخذت على عاتقها حشد الجمع الدولي للوقوف بجانب بريطانيا وأمريكا لتحديد مسار النمو التكنولوجي العراقي. فما أن حصلت على الموافقات المبدئية للوقوف بجانبها من دول اجتماع نيويورك في الثاني عشر من شباط عام 1989م حَتَّى قامت بجولات كثيرة ولفترات متواصلة لدول الشرق الأوسط والشرق الأدنى موضحة خطر العراق على مستقبل المنطقة وما يمكن عمله لتلافي هذا الخطر. كما ركزت دائرة الخارجية البريطانية على تقوية العلاقات وَحَلّ الخلافات مَعَ بعض دول الشرق الأوسط المهمة كسوريا ومصر والسعودية والأردن وتركيا وإيران وباكستان، إضافة إِلى التقارب مَعَ منظمة التحرير الفلسطينية.

الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
2009

مســـاعد أول
مســـاعد أول



الـبلد : السياسة النووية الدولية وأثرها على منطقة الشرق الأوسط - صفحة 4 01210
التسجيل : 10/01/2008
عدد المساهمات : 509
معدل النشاط : 60
التقييم : 1
الدبـــابة : السياسة النووية الدولية وأثرها على منطقة الشرق الأوسط - صفحة 4 Unknow11
الطـــائرة : السياسة النووية الدولية وأثرها على منطقة الشرق الأوسط - صفحة 4 Unknow11
المروحية : السياسة النووية الدولية وأثرها على منطقة الشرق الأوسط - صفحة 4 Unknow11

السياسة النووية الدولية وأثرها على منطقة الشرق الأوسط - صفحة 4 Empty10

السياسة النووية الدولية وأثرها على منطقة الشرق الأوسط - صفحة 4 Empty

مُساهمةموضوع: رد: السياسة النووية الدولية وأثرها على منطقة الشرق الأوسط   السياسة النووية الدولية وأثرها على منطقة الشرق الأوسط - صفحة 4 Icon_m10الأحد 16 مارس 2008 - 18:42

وبان نتاج جهود تارتشر الحثيثة سريعاً في نيسان 1989م عندما رفضت فرنسا طلباً عراقياً للتباحث مَعَ وزير التصنيع العسكري (حسين كامل) حول إمكانية بناء طائرات حربية مقاتلة متقدمة تكنولوجيا وشراء أعداد أخرى من طائرات الميراج 2000 المقاتلة، وكان ردها بـ: (189):

"The France Firm Dassault hesitated to supply more fighters or to help in any development before paid for previous delivers" وتعني تلك العبارة إن: (المصنع الفرنسي متردد في التزويد بأية طائرات أخرى مقاتلة أو المساعدة في تطوير أيّ مشروع دون دفع مبالغ ما زودتم به سابقاً).

لَقَدْ أصيب العراق بخيبة أمل دون أن يبحث عن مسببات الرفض واكتفى بما وصله من ردّ، فراح بعد أسبوعين يجرب حظه مَعَ الاتحاد السوفيتي فكان الرَدّ كرد فرنسا. ولم يتوقف النظام العراقي أبدا من مفاتحة أصدقائه على ما يجول بخاطره من تطوير برامج تسلحه معتبراً موقعه الاستراتيجي مهم جداً للغرب للوقوف دوماً أمام نظام الحكم في إيران، والواقع أن الأمور كانت تتطور باتجاه مختلف تَماماً عما كان يتصوره نظام الحكم العراقي. فَلَقَدْ لعب كُلّ من جوزيف فرناندز الموظف الكبير في وكالة المخابرات الأمريكية وروبرت ماكفرلن المستشار الأسبق للرئيس ريغان في شؤون الأمن القومي دوراً كبيراً لتقريب وجهات النظر بين الأمريكيين والإيرانيين. فَقَدْ كان هذان السياسيان يتمتعان بعلاقة حميمة مَعَ عدد من أفراد حكومة هاشمي رفسنجاني كوزير الخارجية الإيراني على أكبر ولايتي ومير حسين موسوي وعلى مُحَمَّد بهشتي. وَتَمَّ عقد عدة لقاءات بين منتدبي الحكومة الأمريكية وممثلي الحكومة الإيرانية كان معظمها في سوريا إلا إنها كانت دوماً تنتهي بطريق مسدود وبالطبع هذا نابع من تخوف الإيرانيين من الدخول في صيغة تلزمهم بالرضوخ أو التعاون مَعَ الأمريكان (190).

تمكنت سوريا وبضغط من مصر وبالتحديد الرئيس حسني مبارك من أن ترتب اجتماعاً مصغراً في دمشق في الثامن من أيلول عام 1989 حَيْثُ حضره على أكبر ولايتي عن الجانب الإيراني وكان مفوضاً من الرئيس رفسنجاني للوصول إِلى اتفاق وفق الصورة التي يراها مناسبة في حين حضر عن الجانب الأمريكي جوزيف فرناندز (Joseph F. Fernandez). في هذا الاجتماع المصغر الذي سعت أليه سوريا جاهدة تمكن الطرفان من الوصول إِلى نتيجة مرضية للطرفين وحيث تَمَّ الاتفاق فيه على ما يلي (190,191):



1. تتعهد الولايات المتحدة الأمريكية بما يلي:

1.1 عدم دعم الحركات الإيرانية المناهضة للحكومة الحالية.

1.2 إيقاف الدعم العسكري والاقتصادي والمالي للعراق.

1.3 إعادة النظر في ملف الأرصدة الإيرانية المجمدة.

1.4 النظر في سحب القوات الأمريكية من الخليج.



2. تتعهد جمهورية إيران الإسلامية بما يلي:

2.1 عدم التدخّل في شؤون دول المنطقة أو تهديد الأمن الخليجي ومصادر البترول.

2.2 تتوقف إيران عن مساندة ومساعدة الإرهاب الدولي.

2.3 العمل على تسهيل إطلاق سراح الرهائن الأجانب في لبنان مَعَ ضمان سلامتهم.

2.4 استرداد ممتلكات الرعايا الأجانب الذين غادروا إيران جبراً خلال قيام الثورة الإيرانية.

2.5 اتخاذ موقف الحياد من أيّ حدث مستقبلي في منطقة الخليج لا يؤثر على كيان الدولة الإيرانية.



وعلى الرغم من سرية هذا اللقاءات الإيرانية-الأمريكية التي رعتها سورية فَقَدْ تسربت أخبراها إِلى الصحافة عن طريق بعض العناصر المتمتعة بنفوذ كبير في إدارة السلطة. فَقَدْ قام السيد مهدي الهاشمي والذي يمت بصلة قرابة إِلى آية الله منتظري بتسريب خبر تلك الاجتماعات وما توصل فيها الجانبان من اتفاق، إِلى مجلة البلاغ اللبنانية وهي مجلة تعرف بموالاتها للحكومة الإيرانية مما أوقع الحكومة الإيرانية بمأزق أجبرها على القيام باعتقال الهاشمي وتقديمه إِلى المحاكمة بتهمة الفساد، حَيْثُ حكمته المحكمة بالإعدام ونفذ الحكم وبالتالي ضمنت الأطراف المعنية سرية الاتفاق الإيراني-الأمريكي دون معرفة الشارع الإيراني به.

وما إن حَلّ صيف عام 1989م حَتَّى كانت إيران تتمتع بعلاقة دبلوماسية نوعاً ما مَعَ دول الخليج العربي وبريطانيا والولايات المتحدة الأمريكية والأطراف الغربية الأُخرى. وبالتالي فَقَدْ ضمنت الولايات المتحدة الأمريكية مسألة حيادية إيران في حدوث أيّ شيء في المنطقة مستقبلاً خصوصاً إذا كانت أية عملية عسكرية موجهة لعدوها السابق.

كانت الولايات المتحدة الأمريكية تعزي همتها العسكرية في المنطقة بالتخوف من الاتحاد السوفيتي للتحالف مَعَ إيران أَو العراق أَو كلاهما مَعَ بعض للاستحواذ على البترول. فأجبرت من خلال ذلك دول المنطقة على شراء الأسلحة فَفِي صفقة واحدة مَعَ العربية السعودية عام 1989م وقعت عقداً بأربعة مليارات دولار لتحديث طائرات الأواكس وشراء 315 دبابة حاملة لصواريخ تاو المضادة للدبابات. وبعد شهرين من توقيع هذا الاتفاق المبرم في 11 حزيران/ يونيو وقعت العربية السعودية عقداً آخر مبلغ 3,1 مليار دولار لشراء قطعة غيار وذخيرة (192, 193). كما زودت الولايات المتحدة الأمريكية القوات المصرية 550 دبابة قتالية صحراوي في إطار التعاون العسكري، في حين تعاقدت كُلّ من الكويت والإمارات العربية ودبي مَعَ الولايات المتحدة الأمريكية لشراء 230 دبابة لِكُلِّ منهم وبمبلغ ثلاثة مليارات دولار مَعَ كُلّ منهم.

في الجانب الآخر كانت الولايات المتحدة الأمريكية تصعد لهجتها الإعلامية في الحديث عن ترسانة الأسلحة العراقية، بعد إن ضمنت العلاقة مَعَ إيران. وباتت اللهجة واضحة عندما صرح الرئيس العراقي حينذاك صدام حسين في الثالث من أُكتوبر عام 1989 بأن مقدوره إن يحرق نصف إسرائيل (194). فعلى الرغم من محاولته تلافي ما قال وأرسل رسالة خطية إِلى جورج بوش يعلمه إن هذا الكلام للاستهلاك المحلي، إلا إن الولايات المتحدة الأمريكية اعتبرته تهديداً حقيقياً لإسرائيل. فبعد هذا التصريح شهدت المعامل الإنتاجية العسكرية العراقية تخريبا من داخلها تمكن العراقيون من السيطرة عليها.

اتخذت السياسة الأمريكية منحى آخر في تهديد العراق بعدم تطوير أسلحته والاكتفاء بما يملك، ويبدو إن النظام العراقي لم يرعوى من تلك التهديدات وبدأ يطور آلته الحربية بميزانية كبيرة وصلت مديونيتها مَعَ نهاية عام 1989م حوالي 91 مليار دولار. فلذا كان العقد الأخير من القرن العشرين مَشْحوناً بالأحداث لأسباب عديدة منها:

1. بدأ الاتحاد السوفيتي والمعسكر الشرقي بالإنهيار شيئاً فشيئاً مَعَ نهاية عام 1989م وبداية عام 1990م.

2. نشوء دول جديدة من إنهيار الاتحاد السوفيتي ربما تدخل في أحلاف مَعَ دول شرق أوسطية غنية. مما يهلك سياسة الولايات المتحدة الأمريكية لكون تلك الدول المنسلخة من الاتحاد السوفيتي تمتلك خبرة نووية وسلاح منقول جوّاً من البايولوجية والكيمياوية.

3. ظهور الوحدة الألمانية التي ربما سوف ترهق الولايات المتحدة الأمريكية في المرحلة القادمة لكونها قوة اقتصادية وبشرية كبيرة.

4. تقدم المباحثات لوحدة شطري اليمن مما يخلق عدم توازن في المنطقة على الرغم من سعي الولايات المتحدة الأمريكية لإسقاط حكومة عدن لتحالفها مَعَ الاتحاد السوفيتي.

5. بدأ التجارب الهندية والباكستانية النووية مرحلة جديدة قَدْ تسهم في منح الخبرة النووية لدول منطقة الشرق الأوسط لقاء الدعم المالي.

6. وصول الاتحاد الأوربي لمرحلة من التفاهم لإعلان صورة توحيدية اقتصادية ونقدية وكمركية أكثر فاعلية من السابق. مما يهدد مستقبل التحالف مَعَ الولايات المتحدة الأمريكية ومستقبل حلف الأطلسي.

تعتبر النقاط أعلاه من أهم الأمور التي أرهقت حكومة الرئيس جورج بوش المنتخب حالياً بعد حكومة ريغان. ولعله أكثر من غيره يعي تلك التغيرات لشغله مناصب عديدة في الحكومات السابقة القريبة من القرار والتغيرات الدولية. فلذا مَعَ مرحلة جورج بوش الابن ظهرت متغيرات جدية في العقد الأخير من القرن العشرين سوف نحاول دراستها للوصول إِلى النتيجة الحتمية الخاصة باستعمال السلاح النووي كأداة لتسيير السياسة الدولية مُنْذُ إنتاجه. خصوصاً إن أُفول نجم الاتحاد السوفيتي وانسحابه من الساحة السياسية الدولية قَدْ سبب عائقاً كبيراً لتبريرات الحشد العسكري الأمريكي. كما إنها دخلت مرحلة جديدة في مسألة القضاء على الأسلحة النووية بعد كان يمتلكها الاتحاد السوفيتي والآن أصبحت أربعة دول من الاتحاد السوفيتي المنحل بالإضافة إِلى روسيا تمتلك الخبرات والأداة مَعَاً. هذه الأمور بالتأكيد غيرت سياسة الولايات المتحدة الأمريكية في الشرق الأوسط ولربما عجلت في تنفيذ بنود الاستراتيجية المستقبلية المرسومة من قبل خمسة عقود على أقل تقدير.

الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
2009

مســـاعد أول
مســـاعد أول



الـبلد : السياسة النووية الدولية وأثرها على منطقة الشرق الأوسط - صفحة 4 01210
التسجيل : 10/01/2008
عدد المساهمات : 509
معدل النشاط : 60
التقييم : 1
الدبـــابة : السياسة النووية الدولية وأثرها على منطقة الشرق الأوسط - صفحة 4 Unknow11
الطـــائرة : السياسة النووية الدولية وأثرها على منطقة الشرق الأوسط - صفحة 4 Unknow11
المروحية : السياسة النووية الدولية وأثرها على منطقة الشرق الأوسط - صفحة 4 Unknow11

السياسة النووية الدولية وأثرها على منطقة الشرق الأوسط - صفحة 4 Empty10

السياسة النووية الدولية وأثرها على منطقة الشرق الأوسط - صفحة 4 Empty

مُساهمةموضوع: رد: السياسة النووية الدولية وأثرها على منطقة الشرق الأوسط   السياسة النووية الدولية وأثرها على منطقة الشرق الأوسط - صفحة 4 Icon_m10الأحد 16 مارس 2008 - 18:43

الفصل العاشر


السياسة النووية الدولية في العقد الأخير من القرن العشرين






كانت السنوات العشر الماضية مليئة بالأحداث والمستجدات التي غيرت خريطة العالم السياسية والاقتصادية والفكرية وغيرها. فبينما كان التصعيد السوفيتي الأمريكي قائماً ولو بدرجات متفاوتة مُنْذُ عام 1948م، بدأت بوادر الانفراج وَحَلّ المشاكل العالقة بين الدولتين الكبريين وصولاً لإنهاء الحرب الباردة بينهما. وبدت إن تلك المرحلة ستنتهي لتصبح الولايات المتحدة الأمريكية من غير شكّ القوة المتفردة بالسلطة والنفوذ على هذا الكوكب الأزرق، وهو ما أعلنه غرباتشوف بصورة غير مباشرة في شباط عام 1988م لصحيفة برافدا السوفيتية حينما قال (195):

"رغم توقيع الاتحاد السوفيتي على معاهدات الحَدّ من امتلاك الأسلحة النووية فأننا مازلنا نمتلك 33 ألف رأس نووي لأربعة وثلاثين نوعاً من السلاح النووي في حين إن الولايات المتحدة الأمريكية كانت تملك هذا العدد عام 1967م".

لَقَدْ كان غرباتشوف يقصد بتصريحه الجديد أنَّه من الممكن إن يتصور الإنسان حجم القوة النووية الأمريكية إِلى أيّ حدّ قَدْ وصلت بعد 21 عاماً من العمل في هذا المجال. على أية حال، ما أن انتهى غرباتشوف من تصريحاته هذه التي لا معنى لها سوى تأليب الأمور ضدّ الاتحاد السوفيتي الذي بات يَضْعُف يوماً بعد يوم بسبب سياسته، راحت الولايات المتحدة الأمريكية معلنة عن رغبتها بالجلوس والتحاور مَعَ الاتحاد السوفيتي لتقليل ترسانة السلاح النووي. وعلى غير العادة كان غرباتشوف ووزير خارجيته يديران دفة المحادثات دون قبول أيّ وسيط أخر، في حين كان جورج بوش نائب الرئيس الأمريكي رونالد ريغان حينذاك هو الذي يمهد ويخطط لذلك. كما أن المحادثات الأخيرة بين الطرفين اتسمت بالهدوء والتفاهم على إنهاء ترسانة الأسلحة النووية السوفيتية وفق ما أفاد به السوفيت والأمريكان ودون اللجوء للجلوس مرات عديدة لفترات قَدْ تطول سنوات كما حدث مَعَ مباحثات سلت واحد وسلت اثنان.

إن الأحداث التي توالت دون توقف قبل التوقيع على المعاهدة الأخيرة بين الاتحاد السوفيتي والولايات المتحدة الأمريكية، بدأت توحي بان هناك اتفاقاً مسبقاً قبل التوقيع على إنهاء الأزمات السياسية والاقتصادية، وقبل الضلوع في مهام القضايا النووية. فما أن انتهت السنة الأخيرة من العقد الماضي حَتَّى بانت بوادر إنهيار الحلف الاشتراكي وبات غرباتشوف يجوب البحار والأنهار معلناً عن عهد ديمقراطي جديد. هذا العهد الجديد ابتدأ بانهيار ألمانية الشرقية واندماجها مَعَ ألمانية الغربية وتبعتها سقوط الشيوعية في رومانيا وبلغاريا وجيكسلوفاكيا ويوغسلافيا وألبانيا حَتَّى عمت كُلّ أوربا الشرقية.

عندها التقى جورج بوش رئيس الولايات المتحدة الأمريكية آنذاك بنظيره السوفيتي غرباتشوف بواشنطن في الخامس عشر من تموز عام 1991م ووقع اتفاقية ما يسمى بمعاهدة الحدّ من امتلاك الأسلحة الاستراتيجية START2. إذ ألزمت هذه الاتفاقية الاتحاد السوفيتي بضرورة تدمير 3760 رأس وقنبلة نووية أيّ بما يعادل 25% مما يمتلك الاتحاد السوفيتي من قوة نووية تفجيرية حسب الإحصاءات الأمريكية وليس حسب تصريح غرباتشوف. أما الولايات المتحدة الأمريكية فَقَدْ ألزمتها المعاهدة الأخيرة بتدمير 2140 رأس وقنبلة نووية أيّ بما يعادل 15% مما تمتلكه فعلاً من ترسانة السلاح النووي وبما يعادل 7% من قوتها النووية التفجيرية، ناهيك عن امتلاكها لأنواع وكميات الأسلحة النووية التكتيكية لم تدخل في كنف المفاوضات ولم تعتبر جزء من الترسانة النووية التي تَمَّ مناقشتها مَعَ السوفيت (196).

ركزت المعاهدة الأخيرة بصورة تامة على التقليل من الاحتفاظ ببعض الصواريخ الاستراتيجية الخطيرة وخاصة المتحركة منها إضافة إِلى القاصفات النووية الثقيلة (197). ولم تمرّ أشهر قليلة على توقيع المعاهدة الأخيرة ما بين الاتحاد السوفيتي والولايات المتحدة الأمريكية حَتَّى دب الفساد في تلك الدولة العظمى وأخذ الانحلال الإداري والسياسي يدب بتشجيع من غرباتشوف ونتج عنه إنهيار الاتحاد السوفيتي. ثُمّ راحت روسيا تلملم آثار المعاهدات والفلسفات الغرباتشوفية التي لم تؤثر على دول المعسكر الاشتراكي فحسب بل بات ظاهراً للعيان شامخا تأثيره على كُلّ دول العالم. تلك الدول التي كانت ترى في الاتحاد السوفيتي حليفاً قوياً يقف أمام تحديات وغطرسة الولايات المتحدة الأمريكية لاستعباد الشعوب.

وبين هذا وذاك وما آلت إليه النتيجة من انسلاخ الدول الصغيرة من الاتحاد السوفيتي وبقاء روسيا وحدها، خرجت كُلّ دولة من تلك الدول المنسلخة من الاتحاد السوفيتي بكمية لا يستهان بها من الأسلحة الثقيلة والنووية وخاصة أوكرانيا وكازاخستان وروسيا البيضاء. مما جعل الولايات المتحدة الأمريكية تدعو في الثالث والعشرين من أيار عام 1992م إِلى عقد اجتماع عاجل يضم روسيا والولايات المتحدة الأمريكية والدول الثلاثة المنسلخة من الاتحاد السوفيتي. حَيْثُ أُجبرت الدول المستقلة الجديدة على ضرورة الالتزام بمعاهدة عام 1991م لكونها كانت حين توقيع الاتفاقية ضمن إدارة الاتحاد السوفيتي السياسية.

على الرغم من معارضة أوكرانيا الشديدة وإصرارها على امتلاك السلاح النووي إلا أن اتفاق ما قَدْ توصلت إليه الأطراف المعنية، يتضمن قيام الولايات المتحدة الأمريكية بتعويض الدول الثلاثة المستقلة عن الاتحاد السوفيتي حديثاً تعويضاً مادياً. شرط أن تسلم تلك الدول ما بحوزتها من أسلحة نووية حَتَّى ولو كانت تكتيكية إِلى روسيا أو تسمح للولايات المتحدة الأمريكية بتدميرها)197). ويبدو إن لعنة امتلاك الخبرة النووية قَدْ لحقت أُوكرانيا ليومنا هذا حين نشهد الفساد الإداري والاقتصادي الذي طال حَتَّى الانتخابات البرلمانية المنعقدة في التاسع والعشرين من نوفمبر عام 2004م. حَيْثُ تعرضت إِلى تزوير يودي بتقسيم أُوكرانيا أَو تدميرها سياسياً حَتَّى لا تكون بخبراتها مؤثرة مستقبلاً من الناحية النووية.

بناءاً على هذا الاتفاق النووي الأخير دمرت الولايات المتحدة الأمريكية الأسلحة النووية لكازاخستان وروسيا البيضاء بالكامل. في حين سلمت أوكرانيا إِلى روسيا 40% من إجمالي أسلحتها النووية ودمرت البقية الباقية حسب إعلانها في اجتمع عقد مَعَ الولايات المتحدة الأمريكية وروسيا الاتحادية ببرلين في السابع من أبريل/ نيسان 194م (196, 197). وبهذا تكون الولايات المتحدة الأمريكية تمتلك الآن ما يقارب 10 آلاف رأس نووي إضافة إِلى عدد كبير من الأسلحة النووية التكتيكية ذات المدى الأقصى دون 120 كيلومتر والتي لم يعلن عنها ولم تدخل ضمن المعاهدات المعقودة مَعَ الاتحاد السوفيتي. في الوقت الذي انخفضت فيه ترسانة الأسلحة النووية الروسية إِلى ما يقارب 2350 رأس نووي وعدد ضئيل جداً من الأسلحة التكتيكية نظراً لأن معظمها كان بحوزة كازاخستان وأوكرانيا ودمرتها الولايات المتحدة الأمريكية تطبيقاً لاتفاقهم الأخير الذي وقعته الحكومة الروسية أَيضاً (198).

عند هذا الحَدّ يكون غرباتشوف قَدْ أقفل أخر صفحات كتاب صراع القوتين العظميين في بسط النفوذ والسيطرة على العالم اقتصادياً وفكرياً وسياسياً، بعد أن سلّم أخر ما في جعبته إِلى جورج بوش راجياً منهم ذكر العرفان ووضع الاتحاد السوفيتي طَيّ النسيان.

بعد سقوط الاتحاد السوفيتي ضحية أمام الترسانة النووية الأمريكية عادت الصين وفرنسا لينظما عام 1992م إِلى قائمة الدول الموقعة على اتفاق الأمم المتحدة المتضمن منع تكاثر الأسلحة النووية لمدة 25 سنة. تلك الاتفاقية التي أبرمت في الأول من تموز عام 1968م بين المملكة المتحدة والاتحاد السوفيتي والولايات المتحدة الأمريكية، وانضم إليهم فيما بعد حوالي 59 دولة أخرى. وَمَعَ إطلالة عام 1995م دعت الأمم المتحدة من مقرها في نيويورك أعضاءها مجدداً للتصويت على الاتفاقية المذكورة أعلاه لتكون سارية المفعول مدى الحياة. فتم التصويت والموافقة عليها من قبل 174 دولة دون أن تتخلف أية دولة دائمة العضوية في مجلس الأمن، ولكن كالعادة تخلفت إسرائيل عن توقيع الاتفاقية التي تدعو إِلى عالم بدون نوويات والتحق بها كُلّ من الهند وباكستان لأسباب تعود لحدة التوتر ما بين البلدين على منطقة كشمير.

مَعَ كُلّ تلك التنازلات التي قدمها الاتحاد السوفيتي سابقاً وروسيا حاضراً يبدو أن الولايات المتحدة الأمريكية مازالت جادة بإزالة أيّ تهديد نووي روسي. مستغلة بذلك وجود الرئيس الروسي يلسن الذي لا يختلف في سياسته كثيراً عن غرباتشوف، بل لربما أكثر تواطأ مَعَ الولايات المتحدة الأمريكية. فَفِي تلك السنوات الطوال التي تصارع فيها يلسن مَعَ مناوئيه محاولاً أبعاد الحزب الشيوعي الروسي بأيّ شكل من الأشكال، ودعوة أعضاء الحزب الشيوعي في المقابل إِلى ضرورة العمل على إبقاء روسيا دولة عظمى تقف ندا للولايات المتحدة الأمريكية وحامية لقوى التحرر الدولي. ضمن يلسن تفرده بالسلطة وتمكن من السيطرة على المؤسسة العسكرية، فراح بعدها مباشرة واقفاً أمام ملكة السويد في اليوم الثالث من كانون الأول عام 1997م في زيارته التي تعتبر الأولى من نوعها لأيّ رئيس روسي مُنْذُ سقوط القيصر نقولا وأعرب عن استعداده بتخفيض ترسانة الأسلحة النووية الروسية بدءاً من الأول من كانون الثاني عام 1999م ومن طرف واحد (199,200).

اندهش العالم بأجمعه لقرار يلسن المفاجئ وراح في اليوم التالي أَيضاً معلناً أمام البرلمان السويدي عن نيته بتخفيض قواته البحرية والأرضية المواجهة لحدود شمال غرب أوربا بنسبة 40%. مما جعل الكثير من المهتمين بشؤون السياسة والتسليح يتوقعون أن هناك مباحثات سرية قديمة قَدْ تكون تحت اسم ستارت ثلاثة START-3 على غرار ستارت واحد START-1 (المعروفة بـ: INF) وستارت اثنان START-2 المعقودتان مَعَ الولايات المتحدة الأمريكية عام 1987م وعام 1991م على التوالي في عهد الرئيس السوفيتي غرباتشوف. كما ذهب الآخرون أبعد من ذلك معللين سبب أقدام يلسن على مثل هذا القرار قَدْ يعود إِلى طلب كُلّ من لاتفيا ولتونيا واستونيا المنسلخة من الاتحاد السوفيتي الدخول إِلى حلف النيتو. إذ أبدى رؤساء الدول الثلاثة هذه عن استعدادهم للدخول بمواجهة حادة مَعَ روسيا الاتحادية تحت مظلة حلف النيتو (201).

فوجد نفسه مضطراً للتفاهم مَعَ الغرب لإبقاء هذه الدول المتاخمة لحدود الاتحاد السوفيتي المنحل من البقاء إما محايدة أَو ضمن الكومنويلث السوفيتي. ولكن الواقع لا هذه ولا تلك، بل إن يلسن على غرار ما كان يفعل غرباتشوف في مخيلته أجندة ينوي إكمالها قبل الخروج من الحكم ولكن لا تَصُبّ تلك الأجندة في مصلحة روسيا مُطلقاً لكي تستعيد قوتها كدولة كبرى.

مَعَ كُلّ تلك التحليلات التي لا نرى من خلالها أيّ حَلّ للغز اليلتسني- الكلنتني، فَقَدْ بات الاندهاش عظيماً من ردود الفعل الأمريكية التي جاءت على لسان وزير الدفاع وليم كوهين. فهذا الأخير راح قائلاً أمام مؤتمر صحفي وبدون أيّ ترحيب لما أعلنه يلتسن ما يلي (201):

"على يلتسن أن يضع فوراً جدولاً بالأسلحة النووية وغير النووية التي يروم تدميرها من طرف واحد"

وهو ما يوحي إلينا وكأن يلسن أحد موظفي وليم كوهين وليس رئيس دولة كانت بالأمس القريب عظيمة بسلاحها واقتصادها وتكنولوجيتها. ويبدو أَيضاً من تصريح كوهين إن الولايات المتحدة الأمريكية أَو على الأقل إدارة الرئيس الأمريكي كانت على علم مسبق بما يروم الرئيسي الروسي إعلانه. وَمَعَ هذا فنرى إن الولايات المتحدة الأمريكية وحلفائها الأوربيين لم تكتفي بما أسداه يلسن وغرباتشوف من قبله من فضل في تحطيم أسطورة الاتحاد السوفيتي وانحساره نووياً، بل راحت تَضُمّ بعض الدول التي كانت ضمن حلف وارشو (بلغارية وجيكيا وأوكرانيا ولاتفيا) إِلى مجموعة السوق الأوربية المشتركة لتسهيل دخولها إِلى حلف النيتو لضمان عدم إحياء الاتحاد السوفيتي مستقبلاً.

الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
2009

مســـاعد أول
مســـاعد أول



الـبلد : السياسة النووية الدولية وأثرها على منطقة الشرق الأوسط - صفحة 4 01210
التسجيل : 10/01/2008
عدد المساهمات : 509
معدل النشاط : 60
التقييم : 1
الدبـــابة : السياسة النووية الدولية وأثرها على منطقة الشرق الأوسط - صفحة 4 Unknow11
الطـــائرة : السياسة النووية الدولية وأثرها على منطقة الشرق الأوسط - صفحة 4 Unknow11
المروحية : السياسة النووية الدولية وأثرها على منطقة الشرق الأوسط - صفحة 4 Unknow11

السياسة النووية الدولية وأثرها على منطقة الشرق الأوسط - صفحة 4 Empty10

السياسة النووية الدولية وأثرها على منطقة الشرق الأوسط - صفحة 4 Empty

مُساهمةموضوع: رد: السياسة النووية الدولية وأثرها على منطقة الشرق الأوسط   السياسة النووية الدولية وأثرها على منطقة الشرق الأوسط - صفحة 4 Icon_m10الأحد 16 مارس 2008 - 18:44

10.1 السياسة النووية الدولية تجاه المنطقة العربية

أنَّه مما لا شكّ فيه هو إن تبقى منطقة الشرق الأوسط الأكثر زخماً بالأحداث مقارنة مَعَ بقاع العالم الأخرى، فَلَقَدْ شهدت تلك المنطقة وخاصة الخليجية منها عاصفة قوية من المشاكل والحروب أدت إِلى إفقارها ودمارها وضياع حقوق شعوبها. فبينما انتهى العقد التاسع والعراق وإيران مازالا يعانيان من الديون الكبيرة المترتبة عليهم من جراء الحرب الضروس التي دامت ثمان سنوات، دخلت المنطقة بحرب أخرى أحرقت خلالها الغالي والنفيس وضاع ما ضاع وقتل من قتل حَتَّى وصل حدّ تصريف السلاح الغربي حدّ استعمال السلاح النووي الأوربي الأمريكي التكتيكي. لَقَدْ استعملت الفرقة الأمريكية الخامسة والعشرين ما يقارب 200 ألف إطلاقه من السلاح النووي الحامل لليورانيوم ذُو القوة التدميرية البالغة 4 كيلو والتي لا حاجة لاستعمالها لعدم وجود مقاومة تذكر مما سببت بمقتل عشرات الآلاف من أفراد الجيش العراقي ولا ندري أن كان هناك سلاح نووي أخر قَدْ استعمل ونترك ذلك للتأريخ ليسطره لنا (202).

الحديث عن المنطقة الخليجية شيق وطويل لما يحويه من مأساة كبيرة تدخر بين طياتها الانتقام والحقد على تدمير كُلّ ما هو عراقي حضاري تحت ذرائع عديدة. ولكن قبل الدخول في تفاصيل الموضوع ونتائجه نود إن ننوه بأن حرب الخليج الثانية تمكنت من تحقيق أمرين مهمين أساسيين. الأول السيطرة التامة بعد التدمير التام للبرنامج النووي العراقي، والإصرار على متابعة التكنيكيين والباحثين العراقيين لغرض ضمان عدم وجود خبرة تذكر لإحياء مثل هكذا مشروع مستقبلاً. أما الهدف الثاني الذي تحقق هو امتصاص الإمكانية الاقتصادية لسنوات عديدة مقدماً، لغرض عدم إعطاء دول المنطقة فرصة في تطوير أو شراء سلاح نووي مستقبلاً. ناهيك عن سيطرتهم سيطرة سياسية تامة في تسير أمور الدولة والاقتصاد والتعليم والخبرات بصورة واضحة ومكشوفة.

إن دعوى التفتيش عن أسلحة الدمار الشامل وكيف أصبح سلاحاً بيد الولايات المتحدة الأمريكي تحت غطاء ما يسمى بحقوق الشرعية الدولية، جعل اليوم مؤسساتهم المخابراتية تجوب وتدور حول الشمال والجنوب والبيوت والحقول بحثاً عن كُلّ قصاصة ورق لها علاقة بالبرنامج النووي. وصار بحوزتهم كُلّ شيء له علاقة بالبرنامج النووي العراقي بدءاً من الأجهزة والمواد المختبرية وحَتَّى المستخدمين والإداريين. وباتت عملية الاغتيال الغامضة للباحثين العراقيين تتداولها وسائل الأعلام بين حين آخر، فتارة في السويد ومرة في الأردن وقبرص وإيطاليا وهلّم جرا. من هنا يمكننا أن نستنتج أن الهدف الأمريكي لم يكن منصب على تقويض المعلومات النووية العراقية الحقيقة بقدر الاهتمام بالقضاء على الكادر العلمي النووي. كي تضمن بذلك بقاء إسرائيل وحدها في الساحة، فالولايات المتحدة الأمريكية والغرب يعلمون حَقّ المعرفة بالقدرة والكفاءة والعقلية العراقية العلمية إذ ما أراد لها أن تتخصص بجوانبها العلمية (203).



سوف لا ندخل في تفاصيل التفتيش وماهية السبل التي أدت لما حدث إلا في المواقع التي نحتاجها، ونترك تفاصيل الحديث عن تلك الحقبة ودور منظمات التفتيش في العراق لكتابنا الموسوم "أونسكوم والمنظمات التفتيشية الأُخرى ودورها في إبادة العراق"، والذي سيصدر قريباً. وذلك لكون الموضوع مُخَصصاً للسياسة النووية ومتعلقاتها. ولكن سوف نتطرق بما فيه الكفاية عن البرنامج النووي العراقي وكيفية القضاء عليه ومراحل تطوره ومؤسساته ضمن المصادر المتوفرة لدينا.

كما إننا سوف نشير ولو بإيجاز إلى بعض المعلومات المهمة التي تطرق إليها كتاب الاعتراف الأخير: حقيقة البرنامج النووي العراقي للعالمين جعفر ضياء جعفر ونعمان سعد الدين النعيمي.



10.2 حرب الخليج الثانية والترتيبات الدولية التي سبقتها

لم تكن حرب الخليج الثانية المعنية بتأزم الأمور ما بين العراق والكويت وتأثيرها على منطقة الخليج لتنتهي باحتلال العراق للكويت بصورة همجية قَدْ حدثت صدفة أَو بدون أيادٍ مستفيدة من تدهور أحوال المنطقة، بل العكس، جميع الظروف قَدْ تهيأت لذلك، لكي تَصُبّ في منحى الاستراتيجية الغربية. وهو ما دأبنا على توضيحه في الفصول السابقة من هذا البحث. ولعل الظروف التي أحاطت بالعالم في حينها سواء كانت مقصودة أم غير مقصودة قَدْ ساعدت على تأزم الأمور وعدم الاكتراث الدولي لخطورة الموقف، قَدْ أدى لتسرع الأحداث ووقوع ما لم يكن يحمد عقباه في حينه.

لَقَدْ شهد العالم قبل نهاية عام 1989م عواصف سياسية كبيرة في معظم بقاع العالم، ولعل أهمها بدأ الانهيار المفاجئ للاتحاد السوفيتي وانحلال المعسكر الاشتراكي. مما سبب شَرخاً كبيراً في توازن القوى التي اعتاد عليها العالم مُنْذُ إن بدأت كيانات دولة الدولة تأخذ طريقها في هذا الكوكب قبل سبعة آلاف عام. ولعل تخلي الاتحاد السوفيتي في نهاية عام 1989م من مناطق استراتيجية ساخنة كانسحابه من أفغانستان وسحب قواته من كوريا وبعض القواعد في كوبا والحبشه وعودة أُسطوله البحري في المحيط الهندي والخليج العربي إِلى قواعده وتخليه عن قضايا العرب في صراعهم مَعَ الكيان الصهيوني وإيقاف تسليحهم بالكامل، قَدْ أفسح المجال أمام الولايات المتحدة الأمريكية من الانقضاض على مناطق النفوذ العالمية والتعجيل في إنجاز خطتها للقرن الحادي والعشرين قبل عشرة سنوات من حلوله.

باتت الولايات المتحدة الأمريكية مرتبكة بالفعل عند سقوط الاتحاد السوفيتي وانحلال المعسكر الاشتراكي بصورة عشوائية. والسبب في ذلك يعود لكون استراتيجية البقاء الأمريكي مبنية على وجود عدو يستوجب الحذر منه دوماً وأعداد العدة له. وسقوط الاتحاد السوفيتي المفاجئ يجعلها تبحث بسرعة عن بديل يحافظ على التواجد العسكري الأمريكي في العالم. فتخبطت مراراً قبل إن ترجع إِلى أُطروحتها لعام 1981م في محاربة الإرهاب الدولي لكونها مرسومة لبداية القرن الحادي والعشرين ولم تجري الترتيبات الأساسية لها بعد. ولكن وجد وزير الدفاع الأمريكي وبطلب من إدارته ضرورة التعامل مَعَ الأحداث بجدية وواقعية خصوصاً بعد إن دمر الاتحاد السوفيتي ترسانة سلاحه النووي واستعداده لتدمير ما تبقى لقاء مساعدته في الخروج من أزمته الاقتصادية المفتعلة من قبل غرباتشوف.

وعليه قدم وزير الدفاع الأمريكي ديك جيني في الأول من فبراير عام 1990 إِلى لجنة الدفاع الأمريكية العليا طلباً يحثهم فيه التوقف في البحث والتخطيط والتكتيك في مسألة هواجس غزو سوفيتي مستقبلي لإيران للسيطرة من خلالها على حقول النفط في الخليج، لكون الموضوع بات مستحيلاً وغير معقول جداً في الظروف الراهنة (203. كما طلب منهم إن يتم التركيز على ضمان سلامة الملاحة في الخليج لتأمين وصول الإمدادات البترولية خوفاً من تعرضها لتهديدات القوى الإقليمية الخارجة من الحرب توا وتمتلك قوات عسكرية كبيرة لها القدرة في تنفيذ ذلك (203).

كانت الظروف التي وصل فيها جورج بوش إِلى دفة الحكم وإدارته القوية لديها مهمات جسيمة لنقل الولايات المتحدة الأمريكية مَعَ نهاية القرن إِلى واقع تظهر فيه هي الأقوى. فلذا لم يبخل جورج بوش في التدخّل أَو التصريح أَو التهديد لدول منطقة الشرق الأوسط ليشعرهم بأنَّه شرطي العالم حسب ما صرح في حملته الانتخابية الرئاسية. فبينما كان مؤتمر القمة العربي معقوداً في بغداد بتاريخ 17-22 مايو 1990م وجه بوش رسالة للمجتمعين حدد فيها استراتيجية الولايات المتحدة الأمريكية في منطقة الشرق الأوسط وحذرهم من مغبة التعامل مَعَ هذه الرسالة بعدم اكتراث. ولعل أبرز بنود الرسالة كانت (204):

1. من أهم أهداف الولايات المتحدة الأمريكية الالتزام بالمحافظة على حرية الملاحة في المياه الدولية بما في ذلك مياه الخليج. وسوف لم نتوانى في اتخاذ التدابير الأمنية والعسكرية لإبقاء تلك الطرق المائية مفتوحة. وبالتالي فتأمين بقاء مضيق هرمز مفتوحاً لتدفق البترول عبر المضيق مسألة استراتيجية لا يمكن التغاضي عنها.

2. لضمان استقرار تدفق البترول تعتبر الولايات المتحدة الأمريكية إن أمن واستقرار الدول الصديقة والمرتبطة بمعاهدات معها من أولويات استراتيجياتها المستقبلية.

3. الوجود العسكري الأمريكي في المنطقة قَدْ تَمَّ الاتفاق عليه مَعَ الدول الصديقة وَقَدْ رحبت جميعها بذلك أبان الحرب العراقية-الإيرانية والولايات المتحدة الأمريكية لا تنوي مُطلقاً التخلي عن الوجود العسكري في مياه الخليج والبحر العربي وهذه المسألة غير قابلة للنقاش أبداً حَتَّى بالطرق الدبلوماسية.

4. وجودنا في الخليج العربي ليس تهديداً لأية دولة في المنطقة. وستشعر الولايات المتحدة الأمريكية بالانزعاج إذا ما صدر أيّ قرار ينص على المطالبة بتقليص وجودنا في الخليج أَو تقليص التسهيلات الممنوحة من الدول التي نتمتع معها بعلاقات جيدة.

5. يجب إن لا تشكل قرارات القمة أيّ تهديد واضح لإسرائيل والتأكيد على حَلّ المشاكل العربية الداخلية فقط.

كانت رسالة جورج بوش تحمل في طياتها لهجة تهديدية، لا بل لهجة استعلائية تدعو إِلى احترام ما تريده الولايات المتحدة الأمريكية. وبالفعل حاول المجتمعين في بغداد تجاوز الأمور التي تعكر مزاج الولايات المتحدة الأمريكية. كما صاحب المؤتمر بعضاً من الإرباك لعدم توافق الآراء ولو بصورة غير علنية. وعلى الرغم من مجيء مقررات المؤتمر بما يتناغم مَعَ ما تريده الولايات المتحدة الأمريكية إلا إن هذه الأخيرة لم تتوقف من تنفيذ مشاريعها العسكرية الاستراتيجية. فَفِي غضون صيف عام 1990م وبالتحديد قبل نهاية حزيران أعلنت الولايات المتحدة الأمريكية إنها قَدْ أكملت كافة ترتيباتها العسكرية الرئيسية في جزيرة دييغوغارسيا الواقعة في المحيط الهندي، وتمكنت من خزن معدات وتجهيزات عسكرية في قواعدها في منطقة الشرق الأوسط والمحيط الهندي تكفي لربع مليون مقاتل لمدة ثلاثة أشهر. بالإضافة إِلى استكمال الترتيبات العسكرية في محطة أصغر في جزيرة مصيرة التابعة لعُمان وجَهَّزتها بكافة المستلزمات العسكرية لتكون قاعدة طوارئ (205).

وعلى صعيد آخر كانت التطورات اليمنية وإعلان الوحدة ذات مؤثر كبير على سياسة الولايات المتحدة الأمريكية في المنطقة، فعلى الرغم من التزام الرؤساء في القمة ببغداد بما جاء في رسالة جورج بوش، إلا إن الشارع العربي وخاصة في اليمن ومصر بدأ يتزايد بالمطالبة بخروج القوات الأمريكية من منطقة الخليج. ولعبت الحكومة الإيرانية أَيضاً دوراً كبيراً في تأجيج الشارع للمطالبة بالخروج من المنطقة. ولكن الهتافات الرنانة كان مقابلها تسريع في إكمال خطط الاستراتيجية الأمريكية.

كان الشارع الإيراني ومطالبته بانسحاب القوات الأجنبية من منطقة الخليج قَدْ جَرّ النظام العراقي إِلى اللعبة فعمت المظاهرات بعد انتهاء القمة العربية بأيام وبصورة منظمة من قبل الحكومة العراقية، مطالبة خروج القوات الأجنبية من الخليج. وعلى ضوء ذلك بعث جورج بوش برسالة إِلى صدام حسين يحذره من تلك المطالبة وتأجيج الموقف. فأجابه صدام حسين برسالة قال فيها إن ما يحدث في العراق من مظاهرات لا يمكن إن تخرج خارج نطاق حدود دولة العراق وإنها لا تستهدف الولايات المتحدة الأمريكية بقدر ما نروم امتصاص النقمة الشعبية نتيجة ظهور نفس الممارسة بإيران (206).

يبدو إن تعليل صدام حسين للحدث برسالته إِلى جورج بوش لم يأخذ مجراه بل جعل لبوش مبرراً في المضي قُدما بمشروعه. فَقَدْ شهدت الصحف الأمريكية حملة واسعة للتنديد بالتسليح العراقي. وصرح أعضاء في الكونغرس الأمريكي بضرورة فرض عقوبات على العراق. وكان أشدّ هذه التصريحات ما تضمنه مشروع الجمهوريين الذي جاء فيه (207):

1. إجبار العراق على السماح بلجنة دولية لتفتيش منشأته، وإذا لم يرضخ لذلك إصدار عقوبات شاملة بحقّه.

2. تجميد المساعدات وإيقاف القروض والضمانات باستحصال قرار من مجلس الأمن يلزم الدول باتخاذه.

3. فرض رسوم 50% على الصادرات للعراق.

4. وقف استيراد النفط لمدة سنة وتمديده إذا لم يرضخ لطلبات الولايات المتحدة الأمريكية الخاصة بتفكيك منشأته العسكرية الصناعية.

5. الضغط على الدول المساهمة في بناء المصانع العسكرية الإنتاجية العراقية بالتوقف عن مساعدته مثل الأرجنتين وإيطاليا.

6. تشجيع الدول الصديقة بمطالبة العراق بتسديد القروض الممنوحة له خلال الحرب العراقية - الإيرانية ومضاعفة فوائدها في حال إعادة جدولة الديون.

يبدو إن الكونغرس الأمريكي قَدْ تبنى هذا المشروع بصورة غير رسمية، إذ ما عرفنا إن بعض نقاطه التزمّت بها إدارة الرئيس بوش وخاصة النقاط 2 و 5 و 6. وبدأت أُولى صيحات العراق في الأسبوع الأول من تموز/يوليو عندما طالبت الكويت والإمارات العربية ولحقتها مصر والمغرب وفرنسا وألمانية بتسديد القروض الممنوحة لها أبان الحرب أَو إعادة جدولة الديون مرة أُخرى بما يضمن تسديدها بفوائد عالية.

لم يتحمل النظام العراقي تلك المسائلة ولم يحاول حلّها بالصورة العقلانية، بل بدأت الحرب الكلامية تأخذ مجراها وتتصاعد يوماً بعد يوم، حَتَّى جاءت ذكرى احتفال النظام العراقي بانقلاب 17 تموز عام 1990م وأعلن من خلاله صدام حسين إن السلاح هو الحلّ الأمثل لمثل هذه المشاكل. وعلى الرغم أنَّه لم يذكر احتلال الكويت بصورة علنية إلا إن فحوى الخطاب كان يعني ذلك. وبعد الخطاب مباشرة دعا سفيرة واشنطن في العراق غلاسبي للتحاور معها فسألته عن أيّ موضوع فأباح لها بخصوص نية العراق باحتلال الكويت. وأكد لها أنَّه سيحمي مصالح الولايات المتحدة الأمريكية البترولية إن أتم العمل. وَقَدْ اتصلت السفيرة بواشنطن وأبلغت حكومتها بما طلب صدام حسين. وبعد يومين أيّ في السادس والعشرين من تموز/ يوليو 1990م التقت غلاسبي صدام حسين شخصياً وأبلغته إن مسألة العراق والكويت مسألة إقليمية لا دخل لنا فيها وسوف نقف على الحياد (208).

وقع صدام حسين في الفَخّ دون تفكير أَو استشارة مسبوقة وأدى اجتياحه للكويت إِلى تدمير العراق بحرب كانت ضروس أثبت من خلالها عدم مقدرته في قيادة سرب من الدجاج وليس جيشاً جراراً. وتحطمت قدرته العسكرية وأدخلته في دوامة رئيسية جديدة وقع عليها قادته في خيمة صفوان لتدخل المنطقة مرحلة سياسية جديدة بعد إن تمكنت الولايات المتحدة الأمريكية من التأكد من مقدرة قوات الانتشار السريع التي صار يطلق عليها بالقيادة المركزية لقوات ما وراء البحار في خوض المعركة ضمن الظروف والكفاءة التي حددت مسبقاً. ولنكن منصفين نقول لَقَدْ دفع الشعب العراقي ثمن حروب صدام ليس بعدم الاستقرار وهدم البنى التحتية فقط، بل بأنواع الأسلحة التي استعملت في عام 1991م والتي أثرت بيئياً وإنسانياً بصورة أساسية. ناهيك عن المأساة التي عاشها العراقي من جراء الحصار الذي كان مُوَجّهاً طيلة الفترة التي بدأت بعد احتلال الكويت ولحين سقوطه لأبناء الشعب العراقي دون إن يؤثر على مَن كان يلوذ في دائرته التي دمرت العراق.

الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
2009

مســـاعد أول
مســـاعد أول



الـبلد : السياسة النووية الدولية وأثرها على منطقة الشرق الأوسط - صفحة 4 01210
التسجيل : 10/01/2008
عدد المساهمات : 509
معدل النشاط : 60
التقييم : 1
الدبـــابة : السياسة النووية الدولية وأثرها على منطقة الشرق الأوسط - صفحة 4 Unknow11
الطـــائرة : السياسة النووية الدولية وأثرها على منطقة الشرق الأوسط - صفحة 4 Unknow11
المروحية : السياسة النووية الدولية وأثرها على منطقة الشرق الأوسط - صفحة 4 Unknow11

السياسة النووية الدولية وأثرها على منطقة الشرق الأوسط - صفحة 4 Empty10

السياسة النووية الدولية وأثرها على منطقة الشرق الأوسط - صفحة 4 Empty

مُساهمةموضوع: رد: السياسة النووية الدولية وأثرها على منطقة الشرق الأوسط   السياسة النووية الدولية وأثرها على منطقة الشرق الأوسط - صفحة 4 Icon_m10الأحد 16 مارس 2008 - 18:45

10.3 البعد السياسي العراقي لما بعد الحرب الخليجية الثانية

عندما تَمَّ طرد القوات العراقية من الكويت بواسطة الحشد الدولي الكبير ونتيجة لسوء فهم وتقدير صدام حسين للأمور التي هي من هذا الصنف، بات أمام العراقيين الباب مفتوحاً للانتفاضة ضدّ النظام الحاكم. وخلال الأيام الأُولى للانتفاضة سقطت المحافظات الجنوبية الواحدة تلو الأُخرى. ولكن تدخّل الولايات المتحدة الأمريكية وإشعار شوارسكوف بعدم المضي لإسقاط الحكومة العراقية بتوسط من الحكومة السعودية، حدد تحرك المنتفضين وبدأت القوات الأمريكية تقطع الطرق عليهم وتصادر أسلحتهم. وحينما امتدت الانتفاضة إِلى المحافظات الشمالية تبين إن الحكومة العراقية لا محالة ساقطة لعدم وجود أيّ من القوات للدفاع عن صدام في بغداد. إلا إن القوات الأمريكية ساعدت في إعطاء فرصتين للحكومة العراقية الأُولى لإبقائها وإعادة سيطرتها على العراق. تتلخص تلك المساعدة بالسماح لقوات الحرس الجمهوري بالانتقال من البصرة إِلى بغداد. وبصدد ذلك يروي أرثر سمنس الكابتن بالقوة الجوية الأمريكية لمجلة فلايت إنترناشنل القصة التالية (209):

"كانت مهمتي في الثالث من مارس 1991م استطلاعية تتعلق بمراقبة الطريق العام الذي يربط مدينة البصرة ببغداد، وبينما أنا فوق منطقة القرنة بواقع عشرة كيلومترات من جسرها باتجاه مدينة العمارة شاهدت رتلاً عسكرياً يحمل مَعَهُ مدفعية وآليات عسكرية كبيرة منها دبابات عالية الكفاءة. وما أدهشني إن ذلك الرتل كان يتحرك ليلاً وجميع الآليات قَدْ استعملت الإنارة القصوى على الرغم من عدم إعلان وقوف الحرب بعد. اتصلت ببرج مركز القيادة وأخبرتهم بمشاهداتي فأبلغني مركز القيادة بمتابعة المسير دون التحرش بهم وبدأت أُتابع الرتل حَتَّى وصل إِلى أبواب مدينة الصويرة وانتهى بترول طائرتي ولم ينتهي الرتل وكانت تسير الآليات متلاحمة بمسافة قصيرة، فأبلغتني القيادة بالعودة إِلى القاعدة".

أيّ إن الولايات المتحدة الأمريكية سمحت لصدام باستعادة قواته ذات الكفاءة العالية من الحرس الجمهوري ليعيد هيكلتها ومن ثُمّ يستعملها لقمع الانتفاضة في الجنوب. إما المساعدة الثانية فهي الإيعاز إِلى الفصيلين الكرديين بالذهاب إِلى بغداد لمصالحة النظام مما أجهض الانتفاضة في الجنوب وتفردت قوات الحرس الجمهوري لقمع الانتفاضة في الجنوب بعد إن سمح شوارسكوف استعمال الطائرات المروحية. وحين انتهى من مسألة الجنوب وساد الهدوء وعادت السيطرة للجنوب بدأت مهزلة الشمال التي أعلن فيها إن العراق سوف يضرب الأكراد بالأسلحة الكيمياوية فصعد الأبرياء من للأكراد نتيجة لعبة ساستهم للجبال خوفاً من السلاح الكيمياوي والبطش الصدامي. وأعطيت مأساة الأكراد صورة إعلامية دولية كبيرة وسلطت الأضواء عليها بصورة غريبة على الرغم من إنها أقل هوانا بكثير لما حدث في البصرة والعمارة والناصرية. على أية حال، عندها يمكن إن نقول إن اللعبة السياسية الأمريكية قَدْ بدأت من تلك المرحلة لرسم الخطوط العريضة لحال العراق.

لم تكن الولايات المتحدة الأمريكية تريد سقوط صدام حسين في حرب الخليج الثانية بهذه البساطة. وحَتَّى بعض الدول الإقليمية كانت لا تريد إن يحدث بهذه الصورة العشوائية فلا تتمكن من السيطرة على ما يحدث بعد الانتهاء من صدام. فالدول الإقليمية كانت تتخوف من المسألة الطائفية ومن العسكر الذي كانوا إما مقاتلين أَو أسرى في إيران وعرفوا اللعبة الأمريكية. وبالتالي فأن المخطط الذي تَمَّ رسمه مُنْذُ ثلاثة عقود سينتهي لا محالة دون إن تستفيد الولايات المتحدة الأمريكية من ثمرته.

إن الولايات المتحدة الأمريكية كانت تعرف جيداً إنّ الأطراف المناهضة لصدام حسين في حينها لا تثق بالأمريكان ولا يرغب أيّ منهم بالتعاون معها. وعلى وجه التحديد لم تكن هناك تيارات سياسية أساسية مناهضة لصدام حسين والبعث سوى المجلس الأعلى للثورة الإسلامية للعراق ذُو التوجه الإيراني الصارخ، وحزب الدعوة المرتبط فكرياً وسياسياً بإيران أَيضاً والحزب الشيوعي العراقي وبعض الحركات القومية البسيطة التي عارضت النظام مُنْذُ وصوله للسلطة عام 1968م. والواقع إن كلا من هذه الحركات غير قادر على قيادة حكم العراق بالصورة المناسبة التي تراها الولايات المتحدة الأمريكية. وحَتَّى الفصائل الكردية فَقَدْ كانت الولايات المتحدة الأمريكية لا تثق بها، لكونها متعاونة خلال فترة الانتفاضة مَعَ صدام حسين تحت غطاء خصوصية القضية الكردية باستثناء الحركة الكردية الإسلامية التي كانت ضدّ أيّ لقاء أَو تجاوب مَعَ النظام العراقي.

كانت الولايات المتحدة الأمريكية تبحث عن لاعب سياسي شريك لها في العراق فلذا مُنْذُ اليوم الأول من دخولها الأراضي العراقية راحت تحاول بناء معارضة عراقية ضمن القياسات التي تراها مناسبة. وأوعزت في بداية الأمر إِلى المملكة العربية السعودية للعب دور كبير في هذه المسألة. فبدأت وفود الأحزاب لسياسية والتي شكلت توا بالتهافت على العربية السعودية لطرح المشاريع والعمل السياسي للخلاص من حكم صدام حسين وكان جلها لأسباب مالية خصوصاً إن السعودية قَدْ أغدقت الكثير في هذا الجانب. ولكن نتيجته كانت ليس للعمل السياسي أَو العراق بل كما قال بعض كبار الشخصيات المعارضة، زيارتنا للسعودية لتحقيق مبدأ "أنا أنزلناه في الجيب".

ربما يطول نقاش هذه المسألة كما إن بحثنا غير مُخَصص لهذا الموضوع بقدر ما يمكن إعطاء نبذة معينة عن الحالة السياسية، لذا سندرج أهمها في النقاط الآتية، إما تفاصيل ما حدث ما بين عام 1990 ولغاية سقوط النظام فسوف نتطرق إليه بالتفصيل بكتابنا اللاحق الموسوم "شخصيات وأحزاب ساهمت في ضياع العراق":

1. عملت الولايات المتحدة الأمريكية على تكريد القضية العراقية في المرحلة الأُولى من سياستها. فشهدت السنة الأُولى لما بعد الانتفاضة عملاً دولياً كان نتاجه تحديد ما يسمى بالمنطقة الشمالية الآمنة وحرصت على مدها بمقومات البقاء لتكون قاعدة مستقبلية للانطلاق باتجاه بغداد وأجبرت الدول الحليفة في المساهمة في دعمها كفرنسا وإيطاليا وألمانية وبريطانيا.

2. قامت الولايات المتحدة الأمريكية بترتيب الحالة السياسية العراقية من خلال الاختراقات الجانبية للتشكيلات الرئيسية. فَقَدْ دعمت بصورة مباشرة تأسيس حركات سياسية إسلامية ككوادر الدعوة الإسلامية، وحركات ليبرالية كالوفاق الوطني وحركات ملكية كالملكية الدستورية.

3. أقدمت المؤسسات الأمريكية المعنية في شؤون العراق على البحث عن شخصية تكون لاعب أساسي في مستقبل الأحزاب السياسية العراقي. وَقَدْ اختير لهذه اللعبة أحمد الجلبي. وتاريخ أحمد الجلبي حافل بالمتناقضات فهو صاحب بنك البتراء الذي تَمَّ افتتاحه في الأُردن أبان الحرب العراقية - الإيرانية وبواسطة أُردنية أصبحت تحويلات مبالغ الحكومة العراقية للإمدادات الحربية العراقية تتم عن طريق بنك البتراء. كما ساهم خلال فترة منتصف الثمانينات أحمد الجلبي بمنح 37 مليون دولار لبناء السفارة الأمريكية في الأُردن.

وحين تَمَّ وقف إطلاق النار ما بين العراق وإيران وتقلصت تحويلات الحكومة العراقية، وسحب عائلة صدام ودائعهم من بنك البتراء ونقلها لبنك في لبنان، ونتيجة لهبوط أسعار البترول الذي قلل من نسبة أُجور التحويل البنكي على المبالغ المودعة، قام أحمد الجلبي بتحويل المبالغ المتبقية لأكثر من 12 ألف مستودع عراقي إِلى فرعه في الولايات المتحدة الأمريكية، وهرب من الأُردن. كانت هذه الشخصية المشبوهة تتمتع بعلاقة سرية مَعَ صدام حسين عن طريق ولي العهد السابق الأمير حسن من جهة، وَمَعَ إيران من جهة أُخرى خلال فترة الحرب، وكان وسيطاً ما بين إيران والولايات المتحدة الأمريكية. على أية حال كانت الولايات المتحدة الأمريكية تحاول زجّ الجلبي بصورة أَو بأُخرى بعمل سياسي يمكن من خلاله ربط المعارضة العراقية بالولايات المتحدة الأمريكية مستقبلاً. وَقَدْ لعب مُحَمَّد بَحَر العلوم وليث كبة دوراً كبيراً في تعريف المعارضة العراقية بأحمد الجلبي ودعمه لتأسيس ما سمي بالمؤتمر الوطني العراقي الذي قاد الجميع إِلى الوضع المأساوي العراقي الحالي.

ويبدو إن أحمد الجلبي قَدْ أخذ على هذه السيرة، فَقَدْ حدثني الشيخ نبيل الجنابي أمين سرّ الحركة الملكية الديمقراطية في العراق عن حادثة لا تليق بأيّ سياسي أَو مهني أبداً، وفحوى القصة هي إن الحركة الملكية حين عادت إِلى العراق استعادت قصر الزهور الذي كان مقراً للملكية العراقية قبل سقوطها وكان الموقع قَدْ تَمَّ الاستيلاء عليه من قبل دائرة المخابرات البعثية، وحين استعادته الملكية وجدت إن فيه محولتين كهربائيتين أحدهما يمكنها تشغيل مدينة الكرخ في بغداد بأجمعها وثانيهما يمكنها تشغيل مدينة الرصافة بكاملها. ويعتقد الشيخ الجنابي إن هاتين المحولتين كانتا بديلاً للطاقة في حال ضرب الطاقة الكهربائية في بغداد. وَمَعَ كونها محفوظة في بناية المخابرات إلا إنها تضررت بما يقارب 40% أثناء القصف الأمريكي. وحسب رواية الشيخ الجنابي كانت هناك نية من الحركة الملكية الديمقراطية لإعادة تصليحهما وتشغيلهما لتزويد بغداد بالكهرباء، وبالفعل تَمَّ التعاقد مَعَ شركة عراقية لتصليحها.

وحين علم أحمد الجلبي بذلك وكونه يتخذ من البيت الصيني مقراً له قام ليلاً بالسطو على مقرّ الملكية مَعَ مجموعة مسلحة وَتَمَّ تفكيك المحولتين وبيعت في سوق الشيخ عمر ببغداد بثمن بخس في حين إن القيمة الحقيقية لكلا منهما ما يقارب 10 ملاين دولار أمريكي، فتأمل عزيزي القارئ!

4. عملت الولايات المتحدة الأمريكية على إبقاء حالة التوتر الأمريكي سارية تحت ما يسمى بمسألة الاحتواء المزدوج ريثما تتمكن من إيجاد القاعدة السياسية له. وبالتالي كانت تبحث عن شخصيات داخل الأحزاب السياسية لربطهم بتيارها، فتمكنت من ربط الكثير منهم بمؤسساتها الاستخباراتية والمخابراتية. فَفِي المجلس الأعلى تمكنت من تجنيد حامد البياتي الذي يشغل حالياً منصب وكيل وزير الخارجية العراقية وفي حزب الدعوة تمكنت من تجنيد موفق باقر عرادة (الربيعي كما يدعي) الذي كان ناطقاً رسمياً باسم حزب الدعوة والذي يشغل منصب وزير الأمن القومي حالياً حسبما يدعي على الرغم من صدور قرار رئاسي من الحكومة المؤقتة المعينة أمريكياً بطرده. ومحمد عبد الجبار شبوط رئيس تحرير صحيفة الصباح حالياً وأمين سرّ كوادر حزب الدعوة الإسلامية. كما تمكنت من تجنيد شخصيات دينية كالمعمم السيد الدكتور مُحَمَّد بَحَر العلوم ورؤساء عشائر. وبالتالي تمكنت الولايات المتحدة الأمريكية من تكوين نسيج عراقي سياسي طائفي أثني للتعامل مَعَهُ مستقبلاً ضمن هذه الآلية.

5. بعد إن جندت هؤلاء عملت على وضع إطار عمل لما يسمى بالمؤتمر الوطني العراقي والذي عقد أُولى جلساته في فينا عام 1992م والذي رفض كاتب السطور حضوره لتبعيته الأمريكية وأفهم العاملين في لجنة تنسيق المعارضة العراقية بضرورة استقلالية القضية العراقية السياسية، وتبين في هذا الاجتماع إن نوايا الولايات المتحدة الأمريكية تَصُبّ في أمركة السياسة العراقية وتكريد القضية العراقية. على أية حال تمكنت الولايات المتحدة الأمريكية ومن وكلائها العاملين في الأحزاب من إقناع العديد من الأحزاب لحضور المؤتمر. وتوالت انعقاد المؤتمرات تحت غطاء المؤتمر الوطني الذي اعتمد مُنْذُ بدايته المحاصصة الطائفية المعمول بها الآن. وصار خطّ المعارضة العراقية في حينها يعمل ضمن التوجه الطائفي والعرقي، مما أدى ذلك لانسلاخ الجميع من عراقيتهم.

6. اتخذت الأحزاب العراقية مواقع لها في شمال العراق وبدأت الولايات المتحدة الأمريكية تدعم العمليات في الشمال وتحميها بطائراتها تحت غطاء ما يسمى بالغطاء الأمني الخالي من الطيران. ونتيجة لتلك السرعة فهم البعض من إن العمل أخذ مجرى يمكن من خلاله خوض معركة حقيقة للقضاء على النظام. ولكن يبدو إن الولايات المتحدة الأمريكية كانت غير مستعدة بعد، فلذا أفشلت العديد من محاولات الانقلاب العسكري من خلال إيصال المعلومة للنظام مباشرة. وَمَعَ 31 أُغسطس/آب عام 1996م وحين بات الوضع لا يمكن للولايات المتحدة الأمريكية من السيطرة عليه نتيجة عمق العمل هناك وإشعار الجلبي الولايات المتحدة الأمريكية من أنَّه بات لا يمكن إن يسيطر على الوضع، دعا مسعود البرزاني القوات العراقية للانقضاض على مواقع المعارضة وَفَرَّ الكُلّ من الشمال باستثناء الحزب الوطني العراقي والحزب الشيوعي العراقي والحركات الكردية ومقرين بسيطين بتعداد أربعة أشخاص أحدهم للوفاق الوطني العراقي والثاني للمؤتمر الوطني العراقي. وأصبح الجميع لديه عقدة العمل من الشمال العراقي لعدم وجود حماية أمنية.

7. بعد أحداث الشمال يبدو إن جموداً سياسياً قَدْ حلّ بالأحزاب العراقية وبات هاجس بقاء النظام يسيطر على الجميع وهو ما أرادت إن تصل إليه الولايات المتحدة الأمريكية بالذات. وانسلخ الكثير من الأحزاب عن المؤتمر الوطني المدعوم مالياً وسياسياً من الولايات المتحدة الأمريكية. وفي غضون هذه الهزة السياسية تمكن المؤتمر الوطني من إقناع الكونغرس الأمريكي من إصدار قرار ما يسمى بتحرير العراق ورصد له مبلغ 97 مليون دولار. ويبدو إن الولايات المتحدة الأمريكية أرادت منه إثارة الضحك على أحمد الجلبي لكونه متهم بسرقة 97 مليون دولار من بنك البتراء فأصدرت إدارة كلنتون قرارها بهذه الميزانية.

8. عقد المؤتمر الوطني عدة جلسات وكان محوره يضم الفصيلين الكرديين والمجلس الأعلى والملكية الدستورية والوفاق الوطني وكوادر حزب الدعوة. وحقق اجتماعاً في مدينة ونزرد ببريطانيا في أبريل 1998م ثُمّ حقق اجتماعاً آخر في واشنطن عام 1999م. والملفت للنظر إن اجتماع واشنطن شهد انسلاخ بعض من أعضاء المكتب السياسي لحزب الدعوة كسامي العسكري، والحزب الشيوعي كإسماعيل زاير، للانضمام إِلى المؤتمر الوطني ليأتمروا بإمرة أحمد الجلبي مباشرة.

9. تمكنت الولايات المتحدة الأمريكية خلال هذه الفترة المستمرة ما بين عام 1991م ولغاية نهاية القرن العشرين من جعل المعارضة العراقية تأتمر بإمرة الولايات المتحدة الأمريكية. كما أوحت بأن أيّ عمل سياسي لا يمكن إن يتم ضدّ النظام الحاكم إلا من خلال الولايات المتحدة الأمريكية لا غيرها. وإن أيّ نشاط عراقي بحت مصيره الفشل دون محال إذ لم يكن من خلالها.

كانت هذه باختصار شديد الحالة السياسية العراقية في مرحلة التسعينيات بصورة أَو أُخرى والتي عاصرناها وعشنا شخصياً وعن قرب جميع تفاصيلها الأساسية وغير الأساسية بدقة، وروينها كما شاهدناها عند معاصرتنا لها. ليس فقط من ناحية التوجه السياسي المعارض فحسب، بل من ناحية دخول شخصيات في المعارضة كانت يدا ضاربة في عهد صدام حسين البائد وتصدرت مدرجات المعارضة السياسية العراقية بغطاء أمريكي.

كان في مقابل ما سردناه عن مرحلة التسعينيات تصعيد ما بين الأمم المتحدة المأتمرة بإمرة الولايات المتحدة الأمريكية المتمثلة بما يسمى بلجان التفتيش والنظام العراقي، وكانت علاقتهم على مَرِّ هذه السنوات ما بين مدّ وجزر. وتخللها ضربات عسكرية كبيرة تحت غطاء إنهاء برنامج التسلح العراقي النووي والبايولوجي والكيمياوي. وصدرت عدة قرارات تدين العراق وتجبره للامتثال للقوانين الدولية، وتارة تجد روسيا معارضة ومرة فرنسا أَو الصين لكن النهاية تميل إِلى القرار الأمريكي سواء رضي شركاؤه الآخرون أم لم يرضوا. حَتَّى وصلت القرارات عدداً تجاوز المائة ونيف خلال العقد التسعيني جميعا تَصُبّ في المسألة العراقية ونزع أسلحته المنزوعة أصلاً. ولكوننا بصدد الحديث عن السلاح النووي سوف لا نتطرق إِلى السلاح البايولوجي والكيمياوي بل سنفرد مجالاً للنشاط النووي العراقي وتاريخه ومستلزماته الأُخرى، بالإضافة إِلى آثار اليورانيوم المستعمل في حرب الخليج الثانية.

الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
2009

مســـاعد أول
مســـاعد أول



الـبلد : السياسة النووية الدولية وأثرها على منطقة الشرق الأوسط - صفحة 4 01210
التسجيل : 10/01/2008
عدد المساهمات : 509
معدل النشاط : 60
التقييم : 1
الدبـــابة : السياسة النووية الدولية وأثرها على منطقة الشرق الأوسط - صفحة 4 Unknow11
الطـــائرة : السياسة النووية الدولية وأثرها على منطقة الشرق الأوسط - صفحة 4 Unknow11
المروحية : السياسة النووية الدولية وأثرها على منطقة الشرق الأوسط - صفحة 4 Unknow11

السياسة النووية الدولية وأثرها على منطقة الشرق الأوسط - صفحة 4 Empty10

السياسة النووية الدولية وأثرها على منطقة الشرق الأوسط - صفحة 4 Empty

مُساهمةموضوع: رد: السياسة النووية الدولية وأثرها على منطقة الشرق الأوسط   السياسة النووية الدولية وأثرها على منطقة الشرق الأوسط - صفحة 4 Icon_m10الأحد 16 مارس 2008 - 18:45

10.4 العراق نووياً

يعتبر السلاح النووي ومحاولة إنتاجه خَطّاً أحمراً في السياسة الدولية بصورة عامة والأمريكية بصورة خاصة. ولا نود هنا إن نتطرق إِلى الجانب السياسي في هذا الموضوع بدايةً، بقدر ما نود إن نتطرق إِلى الجانب الأكاديمي ومن خلاله نبين مدى تاثير الجانب السياسي الدولي في السيطرة على العالم من خلال هذا السلاح. والغرض من ذلك هو إعطاء فكرة واضحة عن قدرات العراق في هذا المجال والأسباب التي أدت به للوصول إِلى هذا الحال من الضياع وعدم وضوح المستقبل.

كان للعراق بدايات مهمة في النوويات (ونقصد هنا بالنوويات الخبرة العلمية النووية وليس السلاح النووي) مُنْذُ عام 1956م عندما تمكن نوري السعيد من إقناع بريطانيا بتزويده ببعض المعلومات النووية للأغراض السلمية أسوة بدول الكومنولث الأُخرى التي تمّت مساعدتها في هذا الجانب. وبالفعل فَقَدْ استضافة بريطانيا مَعَ خريف عام 1956م 17 أكاديمياً عراقياً في الفيزياء والكيمياء للتدريب في أساسيات العلوم النووية ريثما يتم مساعدة العراق في بناء مختبراته النووية للأغراض السلمية لاحقاً (210). واستمرّت العلاقة البريطانية في هذا المضمار حَتَّى قيام انقلاب 14 تموز عام 1958م فانسلخت بريطانيا من البرنامج التدريبي النووي للكوادر العراقية.

أخذ الاتجاه النووي العراقي يتجه منحا آخر في غضون عام 1959م ولربما كان أكثر خبرة من بريطانيا، بعد إن أهدى الاتحاد السوفيتي مفاعلاً نووياً بقدرة 2 ميغاواط لأغراض التدريب السلمي. وَتَمَّ نصب هذا المفاعل التدريبي في منطقة التويثة الذي تمكن العلماء العراقيون المبتدئون في الخبرة النووية وبمساعدة الفنيين السوفيت من رفع قدرته إِلى 5 ميغاواط. ونتيجة للتدريب البريطاني الذي ساهم فيه ثلة من علماء العراق بدأ البحث العلمي النووي السلمي يأخذ مساراً مهما في هذا الجانب خصوصاً بعد إن زود الاتحاد السوفيتي المفاعل البسيط بثلاث بطاريات لإنتاج النظائر المشعة التي تستعمل في الجانب الصحي أكثر منه في توليد الطاقة سواء كانت عسكرية أم مدنية (210).

استمرّت التجارب العراقية النووية تتقدم بشكل ملحوظ وزاد عدد الكوادر المدربة في الاتحاد السوفيتي بصورة ملحوظة. لكن مَعَ حلول صيف عام 1964م تطور المفاعل النووي العراقي بصورة ملحوظة جداً. نتيجة للمساعدات المكثفة في هذا الجانب من قبل فرنسا والاتحاد السوفيتي، حَيْثُ زادت قدرته زيادة ملحوظة ليكون تشغيله بطاقة 13 ميغاواط. كما أصبح يمتلك 7 بطاريات ذرية مَعَ بقائه بنفس الاتجاه العلمي السلمي (211).

ونتيجة لتزايد الخبرات النووية العراقية بصورة سريعة تمكن العلماء في أبريل من عام 1965 تحقيق نجاحاً كبيراً في انشاء وحدات العلاج الذريّ في كبرى مستشفيات العراق (211). ولعبت وحدات العلاج الذريّ في حينها دوراً كبيراً في معالجة بعض الأمراض بواسطة الإشعاع الذريّ، مما جعل الجانب العلمي في هذا الاختصاص يأخذ إشكالاً مهمة. نتج عنه فتح الجامعات العراقية في أقسام الكيمياء والفيزياء وحدات بحثية في هذا الجانب لتطوير العلاج بالأشعة الذرية.

مَعَ بدأ منح الشركات النفطية الفرنسية تصريحات بالتنقيب على البترول في العراق صيف عام 1967م أبدت فرنسا مساعدتها في دعم البرنامج الذريّ العراقي السلمي وبدأت بالفعل بتدريب كوادر في هذا المضمار. فَفِي صفقة واحدة فقط سافر إِلى فرنسا 570 متدرباً نووياً للإطلاع على البحث النووي السلمي الفرنسي والتدريب على الأجهزة هناك ريثما يتم التعاقد مَعَ الحكومة العراقية لإنشاء مفاعل نووي فرنسي لأغراض البحث الطبّي بقدرة 22 ميغاواط بحلول صيف عام 1969م. إلا إن هذه الجهود والأماني لم تتحقق بسبب انقلاب 17 تموز ووصول البعث للسلطة وإلغائه كافة العقود الحكومية المبرمة قبل مجيئهم مَعَ الدول التي من ضمنها فرنسا (212).

بعد انقلاب 17 تموز 1968م تعطل الجانب العملي البحثي في هذا المضمار بقرار من ما يسمى بمجلس قيادة الثورة آنذاك. وكانت الأسباب الموجبة لذلك هو الكاهل المادي الذي تسببه مثل تلك المشاريع (213). وفوجئ العالم بتوقيع العراق على المعاهدة التي تَحِدّ من استخدام المؤسسات المدنية للاستخدام النووي العسكري في 29/10/1969 وإعطاء الوكالة الدولية للطاقة الذرية الحَقّ في التفتيش المفاجئ شرط إن تساعد الوكالة الذرية الدولية العراق في الدراسات النووية السلمية. وكانت المفاجأة الحقيقة لهذه التصريحات الرنانة تنبع من عدم امتلاك العراق أيّ بحوث نووية حربية. وحَتَّى المفاعل الذي استعمل بإشراف سوفيتي وفرنسي بحت كان للأغراض السلمية. إلا إن بيت القصيد يكمن في تمكن النظام العراقي من التخلص من الفنيين والباحثين المتدربين في فرنسا والاتحاد السوفيتي وتسريحهم من العمل لأسباب لا أحد يعرف أهدافها (210, 211).

بعد حصول العراق على الضمانات المتعلقة بمساعدة منظمة الطاقة الدولية له في امتلاك الخبرات النووية، أُسس في شباط 1972 منظمة الطاقة الذرية العراقية. ويبدو إن توقيع هذه المذكرة مَعَ منظمة الطاقة الذرية الدولية قَدْ جاء بنصيحة مباشرة من الاتحاد السوفيتي. إذ بعد التوقيع مباشرة أصدرت الطاقة الذرية الدولية قرار يقضي بعدم ممانعتها من تزويد العراق بالمفاعل والبطاريات والمواد والمعدات الذرية وتدريب المهندسين والفنيين لمدة 21 سنة من قبل أعضاء النادي النووي الذي كان يضم الاتحاد السوفيتي وفرنسا وبريطانيا والولايات المتحدة الأمريكية والصين والأرجنتين وغيرها من الدول الأُخرى (211).

من خلال خبرات النادي النووي وبدعم كبير ملحوظ من الاتحاد السوفيتي وفرنسا تمكن العراق من إعادة بعض العلماء الذين كان لهم دور في بناء الخبرات النووية العراقية مُنْذُ عام 1958م. وتمكن مَعَ خريف عام 1975م من انشاء ست محطات نووية بواقع 600 ميغاواط. كانت جميع هذه المحطات تستخدم فقط للإنتاج الكهربائي وكانت عليها مراقبة وإشراف مباشر من قبل الحكومة الفرنسية ضمن الاتفاق المبرم مَعَ وكالة الطاقة النووية الدولية. وفي زيارة وكالة الطاقة النووية الدولية المفاجئة لإحدى المواقع البحثية النووية العراقية في خريف عام 1975م وجدت التزام العراق ببنود الاتفاق الدولي فأصدرت قرار تحث فيه دول النادي النووي بالمساهمة في تطوير القدرات النووية العراقية السلمية ضمن غطاء المنظمة الدولية. واستناداً إِلى هذا القرار ساهمت كُلّ من فرنسا والاتحاد السوفيتي مساهمة فعالة في تزويد العراق بما يحتاجه من عناصر مهمة وأدوات مختبرية لبرنامجه النووي، كما ساهمت كُلّ ألمانية وإيطاليا والبرازيل والأرجنتين بصورة أقل فاعلية من فرنسا والاتحاد السوفيتي (214).

بعد تعاقد العراق مَعَ فرنسا لإنشاء مفاعل نووي كان يقتضي إن يكون موقعه في سلمان باك. والذي تَمَّ مباشرة العمل فيه في أبريل عام 1977م، تمكن الباحثين العراقيين من إن يخطو خطوة فاعلة جداً في عملية تخصيب اليورانيوم. وعلى الرغم من مراقبة وكالة الطاقة النووية له وحصر كمية اليورانيوم والمواد المشعة إلا أنَّه تَمَّ تدميره من قبل إسرائيل وبمباركة دولية خصوصاً من الدول المساعدة في بنائه كفرنسا. وَقَدْ سبق إن بينا اشكالات ذلك وعلاقته بالسياسة الدولية النووية. على أية حال بعد ضرب المفاعل النووي العراقي من قبل الكيان الصهيوني في عام 1981م واختفاء العلماء الإيطاليين والفرنسيين مَعَ مواد اليورانيوم الخام الذي كانت تبلغ كميتها 630 كيلوغرام، يبدو إن البرنامج النووي العراقي السلمي قَدْ توقف تَماماً لغاية عام 1986م.

حين بدأ العراق في التفكير بكيفية العمل جديا على إنتاج السلاح النووي نتيجة نجاحه في اجتياز عقدة التصنيع العسكري وخاصة الأعتدة للأسلحة التقليدية من جانب والأسلحة الكيمياوية والبايولوجية من جانب آخر. كما إن خبرة الحرب العراقية - الإيرانية جعلت منه قادراً على تطوير بعض الأسلحة المهمة كتطوير دبابات تي-82 وتي-72 لتحديد الهدف بالأشعة الليزرية. هذه الثقة كانت دون الاكتراث للواقع الدولي وما قَدْ يسببه من كارثة جعلته يقدم على التفكير والتخطيط لإنتاج السلاح النووي لينقل العراق من الحالة النووية السلمية وسياساتها الدولية إِلى الحالة النووية الحربية وويلاتها السياسية الدولية.

بدأ العراق في عام 1987م بالتخطيط إِلى ثلاثة مشاريع نووية حيوية بصورة تدريجية وسرية. وعلى أثرها أرسل بعثات أكاديمية في هذا الاختصاص بجانبيه الكيميائي والفيزيائي مَعَ بداية عام 1985 بلغ تعدادهم حوالي 470 بعثة دراسية ما بين ماجستير ودكتوراه. عاد منهم إِلى العراق ما يقارب 173 دكتوراً و 61 ماجستيراً. وكان المشروع العراقي الذي بدأ العمل فيه عام 1987 يتلخص بثلاث مراحل مهمة (214):

1. انشاء المفاعلات النووية الأساسية.

2. انشاء محطات لتخصيب اليورانيوم 235 والبلوتونيوم 239.

3. مشروع إيجاد وسائل نقل وحمل الرؤوس النووية صاروخياً ومدفعياً بصورة مشابهة للمشروع الصهيوني النووي.

مَعَ إنهيار الاتحاد السوفيتي عام 1990م وانسلاخ دوله وإعلان استقلالها، كانت بعض تلك الدول تمتلك خبرات نووية. وكان هناك استعداد من تلك الدول بصورة رسمية أَو من علمائها بصورة شخصية لبيع المعلومات النووية إِلى الدول التي ترغب في ذلك. فنشط العراق في انشاء عدة مفاعل نووية عسكرية سرية لم تعلم بها الطاقة الذرية الدولية، مستفيداً من خبرات الدول المنسلخة من الاتحاد السوفيتي ومن معلوماتها النووية. والواقع إن ليس العراق البلد الوحيد الذي استفاد من هذه الفوضوية في حينها بل الهند وباكستان وإيران وإسرائيل وليبيا وجنوب أفريقيا أَيضاً.

تمكن العراق من خلال الخبرات النووية التي بات سوقها رائجا قبل إن تسيطر عليه الولايات المتحدة الأمريكية بأكثر من سنة من انشاء عدة مفاعل نووية يمكن إيضاحها كالآتي (215,216):

- مفاعل تموز 1 osirak

يعمل باليورانيوم المخصب 235 ويتم تخصيبه بطريقة قديمة تعرف بواسطة التبريد المائي وبقدرة 40 ميغاواط. وهو بنيَّ على ركام المفاعل النووي العراقي الذي دمرته إسرائيل عام 1981م والذي تمكن العراق من إنقاذ 12,8 كغم من اليورانيوم المخصب 235 بنسبة 95.1% والذي تكون قدرته التفجيرية إذا ما صنعت قنبلة نووية منه بقدرة القنبلة التي أُلقيت على نجازاكي.

- مفاعل تموز 2 osirak

وهو مفاعل نووي تَمَّ شرائه من فرنسا عام 1979م للأغراض العلمية تَمَّ تطويره عراقياً لترتفع قدرته من 800 كيلوواط إِلى 33 ميغاواط. تمكن فيه الباحثون من تخصيب اليورانيوم بواسطة قصف الصفائح المعدنية.

- IRT-2000

وهو مفاعل نووي روسي لتخصيب اليورانيوم للأغراض السلمية وتبلغ قدرته 15 ميغاواط حصل عليه عبد السلام عارف هدية من خروشوف بِتَدَخّل من عبد الناصر عام 1964م وَقَدْ أهمل بعد انقلاب عام 1968م وأُعيد العمل به في شباط عام 1990م لاستخلاص اليورانيوم المركز لتكون قدرته الإنتاجية 750 كغم.

مَعَ رجوع الكم الهائل من العلماء العراقيين المتخصصين في هذا المجال تمكن العراق عام 1991م أيّ بعد حرب الكويت من استعمال البدائل الأُخرى في التصنيع النووي بدلاً من الوسائل القديمة المتبعة منها في فصل النظائر كهرومغناطيسياً، وتخصيب النظائر أيونياً وتخصيبها انشطارياً وتنشيط النظائر بواسطة القصف الكيميائي وفصل النظائر بأشعة الليزر والتخصيب بالانتشار الغازي. هذه الطرق في الواقع كانت غير معروفة مسبقاً لدى الباحثين العراقيين لكونهم إما انقطعوا عن البحث النووي وتطوراته مدة طويلة من الزمن أَو لكون برنامجهم النووي يحتاج لمراقبة وكالة الطاقة الذرية وتحديد مساراتهم.

يبدو إن أهم المشاريع التي نفذها العراقيون والتي أشغلت بال الأمريكان هي نجاحهم بفترة سنتين من تخصيب البلوتونيوم 239. وهذه العملية تبدو بسيطة نظرياً إلا إنها شائكة رياضياً ضمن التفاعلات الكيمياوية إذ تحتاج إِلى إبدال قضبان الوقود النووي باليورانيوم الطبيعي 238 وقصفه باليورانيوم وبالنيوترونات البطيئة. وبواقع سلسة التفاعلات واستعمال ما يسمى بالاقتناص النيتروني يتحول اليورانيوم إِلى نظيره النبتونيوم 239 مَعَ ظهور أشعة بيتا السالبة. والتي تقوم بتحويل النبتونيوم إِلى البلوتونيوم 239.

في الواقع إن العراقيين قَدْ استخدموا المفاعل الروسي المُهدى لهم عام 1964م بعد تطويره لتكن قدرته 51 ميغاواط وَقَدْ تَمَّ الإنتاج الحقيقي في هذا المشروع في حزيران عام 1990. وَقَدْ اكتشفت لجان التفتيش في أُغسطس 1991م إن العراق خلال 22 يوماً من القصف الإشعاعي تمكن من إنتاج 16 غرام من البلوتونيوم 239 المركز 99.79% وهناك 400 طن من اليورانيوم الخام للاستعمال بنفس الطريقة. وهذه في العرف النووي تعتبر خطوة كبيرة نحو إنتاج قنبلة ذرية قدرتها التدميرية تفوق أربعة مرات قدرة قنبلة هيروشيما.

بعد نجاح التجربة أعلاه عمل العراق على تطوير المفاعلات التي أسسها في كُلّ من الطارمية والشرقاط والجزيرة والتويثة والرضوانية والدورة والفرات للعمل بنفس الطريقة والكفاءة للمفاعل السابق ذكره. وَقَدْ تَمَّ تدميرها جميعا والسيطرة عليها بالكامل من قبل وكالة الطاقة الذرية في آذار 1993م وانتهى المشروع النووي العراقي بالكامل عند هذا الحَدّ. نتيجة تدمير كُلّ آلياته ومختبراته ومنشأته، وأصبح يحتاج لإحيائه إِلى إعادة بناء مختبرات تجريبية مرة أُخرى تكون مكلفة ومدة إنشائها في زمن قَدْ يطول أكثر من عقدين دون أية مساعدة دولية (216، 217). وَقَدْ أوضح هذه الحقيقة ملك البرنامج النووي العراقي جعفر ضياء جعفر في مقابلة تلفزيونية مَعَ محطة الـ: بي بي سي في أُغسطس عام 2004م. وموضحاً إن البرنامج النووي العراقي وحَتَّى البايولوجي والكيمياوي قَدْ تَمَّ تدميره بالكامل من قبل لجان التفتيش مَعَ نهاية عام 1994م (217).

لَقَدْ كان البرنامج النووي العراقي بكفاءة العلماء العراقيين متطوراً للغاية وهذه مسألة لا علاقة لها بالنظام الحاكم بقدر ما لها من تصور إبداعي لهذه الثلة العلمية. فَقَدْ تمكن هؤلاء العلماء من بناء عدة مواقع لإنتاج خامات اليورانيوم في العراق لتعجيل الانتهاء من إكمال مشاريعهم، منها التويثة، والجزيرة، والموصل، والقائم، كما تمكنوا من بناء منشأة تكريت وعكاشات لخزن اليورانيوم الطبيعي. وبالتالي يمكن إن نقول إن في العراق خاماً كبيراً من اليورانيوم بالإضافة إِلى البترول جعلت من السياسة الدولية لهذا الشأن تفكر في وضعه بهذه الصورة المزرية دون الدول المحيطة به.

إما مواقع تخصيب المواد الانشطارية فكانت أَيضاً في كُلّ من التويثة، والطارمية، والشرقاط، الرضوانية، ومؤسسة بدر في بغداد، ومؤسسة صلاح الدين في تكريت، وصناعات نصر، والأمير، والفرات، والدورة.

إن هذا الكم من المواقع الإنتاجية والانشطارية الكبيرة على امتداد المناطق الواقعة جنوب وشمال وشرق وغرب بغداد بقطر لا يتجاوز 130 كم لأبعد نقطة، كان يحتاج لمواقع بحوث نووية ترفده بالنتائج والنظريات لتطوير العمل وتسريع الإنجاز. فَقَدْ كان أهم تلك المراكز للبحوث والدراسات في التسليح النووي العراقي هي: مركز بحث التويثة، وموقع الأثير، وموقع القعقاع، وموقع حُطين، وموقع الحيدر وكلها دمرت تدميراً شاملاً وسويت مَعَ الأرض من قبل لجان التفتيش على الرغم من إنها مجرد أبنية وليس فيها أية مختبرات تذكر (217،218).

ولعل من أهم المشاريع التي كان يمتلكها العراق والتي أرهقت الولايات المتحدة الأمريكية، هو مشاريعه في الجانب الآخر من البحث النووي المتعلقة بعملية صنع الآلة العسكرية القادرة على حمل الرأس النووي. وَقَدْ بدأ بالفعل العمل في هذا المشروع في فبراير/شباط من عام 1991م إذ تمكن الباحثون من تصميم الآلة الحربية لنقل الرأس النووي وتمكن هؤلاء المصممون من تخطيط قذيفة قدرتها التفجيرية 20 كيلوطن وبمحرك صاروخي زنة طن. أيّ إن الوزن الكلي 4.5 طن بقدرة تفجيرية تشبه قوة هيروشيما. وَقَدْ طورت صواريخ الحسن ذات المدى 300 كم والحسين ذات المدى 650 كم لحمل الرؤوس النووية. إلا إن العراق لم يتمكن من تنفيذ ذلك بصورة علمية لاكتشاف فرق التفتيش هذا المشروع. وَقَدْ توقع المسؤولون العراقيون إنّهم في ربيع عام 1993م سوف يتمكنون من التوصل إِلى نتائج مهمة في الوصول إِلى صواريخ حاملة للرؤوس النووية بمدى 2000 إِلى 3000 كم إلا إن هذا المشروع أنهته لجان التفتيش قبل أوانه أَيضاً (218، 217).

الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
2009

مســـاعد أول
مســـاعد أول



الـبلد : السياسة النووية الدولية وأثرها على منطقة الشرق الأوسط - صفحة 4 01210
التسجيل : 10/01/2008
عدد المساهمات : 509
معدل النشاط : 60
التقييم : 1
الدبـــابة : السياسة النووية الدولية وأثرها على منطقة الشرق الأوسط - صفحة 4 Unknow11
الطـــائرة : السياسة النووية الدولية وأثرها على منطقة الشرق الأوسط - صفحة 4 Unknow11
المروحية : السياسة النووية الدولية وأثرها على منطقة الشرق الأوسط - صفحة 4 Unknow11

السياسة النووية الدولية وأثرها على منطقة الشرق الأوسط - صفحة 4 Empty10

السياسة النووية الدولية وأثرها على منطقة الشرق الأوسط - صفحة 4 Empty

مُساهمةموضوع: رد: السياسة النووية الدولية وأثرها على منطقة الشرق الأوسط   السياسة النووية الدولية وأثرها على منطقة الشرق الأوسط - صفحة 4 Icon_m10الأحد 16 مارس 2008 - 18:46

لَقَدْ أوضحنا بما جاء أعلاه بعض الحقائق عن البرنامج النووي العراق والتي وردت من مصادر جلها أجنبية؛ ولكن لا يمكن لأي بحث أن يكتمل دون أن يكون هناك شاهد على عصر الحقيقة. فكيف بنا ونحن نتفحص كتاب صادر عن أهم شخصيتين لعبتا دوراً كبيراً في تأسيس وبناء البرنامج النووي العراق منذ أن بدأ العراق يفكر فيه بصورة حقيقة وحتى نهايته نهاية كارثية. هاتان الشخصيتان لم يكونا فقط قَدْ ساهمتا في بناء صرح علمي عراقي لابُدَّ من أن تفخر به الأمم؛ بل شهدا تحطيم مولودهما الذي رعياه بكل اهتمام.

لا نريد هنا أن نكرر ما جاء بين دفتي الكتاب الذي نحن بصدده بقدر ما نريد أن نبين أهمية وضرورة الرجوع إليه وقراءته بصورة دقيقة لنصل لنتيجة مفادها لماذا تحطم العراق واحتلته الولايات المتحدة الأمريكية؟ ولعل الكتاب الصادر عن جعفر والنعيمي لم يبخل علينا بأية معلومة. فقد أوضح الكتاب بصورة مستفيضة جداً كيف تطور البرنامج النووي الوطني العراقي بجهود عراقية بحتة. ولعلنا لأول مرة نعرف من خلال الكتاب كم العباقرة والعلماء العراقيين ومدى أهميتهم العلمية التي لم تستطع الدكتاتورية الصدامية من الاستفادة منها لإعلاء العراق ووضعه بين الأمم المتفوقة؛ ناهيك عن التفريط بإنتاجهم وهممهم بصورة بسيطة بمجرد أن لاحت بوادر دولية لإزاحته من كرسييه الذي تبين أنَّه مصنوع من تبن لا تبر.

لَقَدْ تمكن العالمان من خلال مؤلفهما الجديد من إبراز حقائق غائبة تتعلق بطبيعة التفتيش الذي مارسته الولايات المتحدة الأمريكية وبريطانية بهمجية قصوى؛ وكيف كان العلماء العراقيين يتعاملون مَعَ اللجان التفتيشية بروح وطنية عالية لحفظ العراق من التمزق والتشرذم؛ في حين كان الحاكمون لا يهمهم إلا البقاء في السلطة. هذه الممارسات السلطوية مَعَ لجان التفتيش جعلت من تراكماته بقصد أو دون قصد تمزق المؤسساتية العراقية وتجعلها من الضعف لا يمكنها أن تدافع عن نفسها بصورة أو أخرى. وبالتالي فأننا نرى أن تلك التراكمات التي ذكرها الكتاب هي التي ألمت بالعراق لتسقط بغداد بساعتين أو أقل وبدبابتين أمريكيتين دون مقاومة تذكر؛ فتركت في قلوبنا حسرة وغصة من دَمّ لا يمكن شفائها إلا أن تعتلي بغداد العرب والمسلمين مناص القيادة العالمية مرة أخرى كما عرفها التاريخ لتغسل ثيابها من تدنيس المارقين والناكثين والسيئين.

ولكي لا نطيل على القارئ الكريم يمكن أن نلخص أهم النقاط التي تمكنا استنتاجها من كتاب العالمين جعفر ضياء جعفر ونعمان سعد الدين النعيمي وكالاتي:

1- أعطى المؤلفان صورة حية عن واقعية الفكر العلمي العراقي وقدرة العلماء العراقيين حين تحين فرصة من الحرية للعمل دون ضغط. ولم يبخل العالمين من ذكر العباقرة والعلماء ممن ساهم مساهمة فعالة لإعلاء شأن العراق بعيداً عن الشعارات والخطب الإنشائية التي اعتاد عليها من لا يفقه حتّى فكّ الحرف.

2- لعلنا سمعنا هناك الكثير من ادعى أنَّه راعيا وعالما وبارعا في البرنامج النووي العراقي؛ ولكن الحقائق العلمية المسندة في الكتاب وضعت كلا في مكانه وحجمه الحقيقي من العلم والعلماء. ولعلنا هنا يمكن أن نقول اتضح إلينا دون مناص أن من صرح للإعلام الغربي بامتلاكه حقيقة الملف النووي العلمي العراقي كان من أسوء العاملين. وبهذه الملاحظات المزيفة التي أعطاها إلى المخابرات الغربية من جهة والأعلام من جهة أخرى قَدْ تسببت بكارثة جمة للعراق والأمم المتحدة على حَدّ سواء بعد أن بان زيفها.

3- تعلمت من الكتاب الروح العلمية الناضجة القيمة؛ حَيْثُ في بعض مقاطعه كان يقول العالمان في مناقشة أي موضوع علمي ما نصه: "وفي بعض الأحيان كنا نجد حلاً للمشكلة ضمن اقتراح صغير من منتسب بدرجة فني فنتبناه باهتمام ونعرضه للنقاش المستفيض.". فهذا النصّ يبين المستوى العلمي العالي الذي وصل إليه منتسبو وقياديو البرنامج النووي العراقي. إذ من خلال هذا النصّ يتبين أنَّهم وصلوا مرحلة من الزهد العلمي ليتعرفوا على سرائر من واكب العلماء لخلق شخصية علمية مهمة منهم.

4- نتيجة الحصار الصارم الذي مرّ على العراق والذي أسهم فيه الفصائل المعارضة والحاكمة توا للعراق تمكن المؤلفان من إظهار قدرة العلماء العراقيين بصورة علمية موثقة. ونعتقد أن سر احتلال العراق واستغلال ضعف عشق صدام للسلطة للضغط عليه للتنازل عن العلم والعلماء كانت الهدف منه إيقاف الحالة العلمية التي يتمتع بها العراقي في الاكتشاف والوصول إلى ما حرم منه بسبب ما يسمى بالشرعية الدولية.

5- لَقَدْ ورد في نص الكتاب أنَّه نتيجة لحالات القصف المدمرة للبنية التحتية العراقية العلمية والخدمية تعرض أحد مواقع البرنامج النووي العراقي لذلك؛ وكان لابُدّ من استخرج المواد الداخلة في الصناعة النووية من ركام الدمار الهمجي الأمريكي. وخوف منتسبي البرنامج النووي من أن تحل كارثة بيئية بالعراق والعراقيين تسلل بعضهم إلى أقبية الوقود ضمن أحوض مائية تحت أنقاض المفاعل النووي لاستخراج قضبان الوقود واستخراجها من تحت الأنقاض ونقلها إلى أماكن آمنة مصنوعة من الفولاذ لضمان عدم تلوث البيئة. وبحق هذه شهادة دالة على حُبّ العراقي للعراق وأرضه وشعبه على الرغم من إذلال الدكتاتورية له.

6- كانت الكتاب يمشي بنا رويداً رويداً ليكشف لنا حقيقة أسلحة الدمار الشامل وإصرار المفتشين على تدمير العراق على أسسها والوازع الذي أدّى إلى ذلك. وتحدث الكتاب بكل مرارة كيف كان العراقي يمتهن ويهان ويتشتت العلماء والسلطة الدكتاتورية لا ترعوي إلا بضرورة البقاء في السلطة.

7- أعطى الكتاب صورة حية لوجهين أساسيين في العراق؛ وجه اتضح من خلاله قوة العراقي وعزمه وإمكانياته العلمية التي لا يمكن أن تمتهن. أما الوجه الآخر هو وجه السلطة البالي الذي لا يرعوي إلى التقدم بل فقط للوصول إلى حضوة السلطان وهو ما عكسه الكتاب عن سوء سلطة عبد الرزاق الهاشمي وغباء حسن كامل وحبه للوصول إلى قلب صدام البغيض غير مكترث بما دمره من علم أفنى العلماء العراقيين عمرهم من أجل الوصول إلى نتائج يفتخر بها العراق والعراقيين.

8- الكتاب بأجمله صور لعبة القط والفأر ما بين لجان التفتيش وشخصيات الدولة الدكتاتورية؛ وبين كيف أنَّهم كانوا على علم بما سوف يحدث للعراق من دمار. ولكن على الرغم من نصيحة العلماء العراقيين للسلطة الدكتاتورية بخطأ ما يتبعون من سياسة كانت السلطة تصر على تلك اللعبة التي أودت بالعراق ليصل إلى الحظيظ.

في واقع الأمر كان لابُدّ من مركز دراسات الوحدة العربية من إهداء نسخ من هذا الكتاب إلى جميع رؤساء الأحزاب السياسية العراقية التي ساهمت في تسهيل مسألة احتلال العراق؛ وإلى أعضاء مجلس الحكم سيء الصيت والحكومات المتعاقبة التي عينها الاحتلال؛ ليس لشيء؛ بل لإفهامهم هذا هو العراق بأبنائه وعلمائه وقد ساهمتم في تدمير صرحهم بتعاونك مَعَ الاحتلال من جهة وبتركهم لقمة سائغة بيد الدكتاتور صدام من جهة أخرى. أنَّه كتاب تربوي في الوطنية والانتماء أكثر من حقيقة تاريخية لإظهار ما ألم بالعراق.

هكذا بدأ البرنامج النووي العراقي بقدرات علمية حثيثة وانتهى بصورة خيالية جداً. ومهما تكن نهاية الأمر يتضح من خلال ما تقدم ماهية الهجمة الدولية الشرسة على شعب العراق من خلال إيجاد دكتاتورية تحكم العراق، لتتمكن من إيقاف تفجير الطاقات العراقية العلمية. ولعل الآن بدأ واضحاً لنا مفهوم السياسة النووية الدولية وكيفية التعامل معها. ومن الأمور التي تألم حقّاً إن الولايات المتحدة الأمريكية وحلفائها الغربيين لم يكن في مخططها فقط إجهاض العلمية العراقية، بل سعت إِلى أكثر من ذلك هو تلويث البيئة والحاق العراق بعجلة التأخر الاجتماعي التي قادها حزب البعث وصدام حسين ومازالت مستمرة مَعَ هذا التغيير المفاجئ. إما التلوث ومؤثراته فسوف نأتي على التطرق إليه من عدة جوانب مروراً بمسبباته التي طرأت على القوات الأمريكية المشاركة في حرب الخليج الثانية قبل إن تبدأ بالظهور في جنوب العراق.

الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
 

السياسة النووية الدولية وأثرها على منطقة الشرق الأوسط

استعرض الموضوع التالي استعرض الموضوع السابق الرجوع الى أعلى الصفحة 
صفحة 4 من اصل 6انتقل الى الصفحة : الصفحة السابقة  1, 2, 3, 4, 5, 6  الصفحة التالية

 مواضيع مماثلة

-
» أسلحة الدمار الشامل.. انتشارها وأثرها الإستراتيجي في الشرق الأوسط
» تقرير: شبح الحرب يطغى على منطقة الشرق الأوسط
»  أهم صفقات التسلّح في منطقة الشرق الأوسط خلال 2017
» لماذا لا تبني السعودية أكبر جيش في منطقة الشرق الأوسط؟
» دلالات ورؤى حول التسليح الروسي في منطقة الشرق الأوسط

صلاحيات هذا المنتدى:لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى
 :: الأقســـام الاداريـــة :: الأرشيف-
التعليقات المنشورة لا تعبر عن رأي ادارة الموقع ولا نتحمل أي مسؤولية قانونية حيال ذلك ويتحمل كاتبها مسؤولية النشر

Powered by Arab Army. Copyright © 2019