موضوع حصري جديد لمنتدانا يتحدث عن مضادات الدبابات التي استخدمها الجيش السوري في حرب 1982 والتي وللاسف لم يحدث تطوير كبير عليها منذ وقتها ، ونسعي ايضا بجانب السرد التاريخي الي دراسة الوضع الحالي :قليلون هم من يعرفون جوانب حرب الدروع المعقدة في لبنان 1982 والتي دارت رحاها بين الجيش السوري ومنظمة التحرير الفلسطينية من جانب والجيش الاسرائيلي من جانب اخر ، وخصوصا في المروحيات المضادة للدبابات لندرة المعلومات التي نشرها الجيشين حول هذا الامر .
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
الموضوع بقلم توم كوبر وياسر العبد .
المروحيات السورية المضادة للدبابات :
في مطلع الثمانينات من القرن الماضي امتلكت القوات الجوية السورية اربعة اسراب من المروحية الهجومية الفرنسية الشهيرة " جازيل " ، حملت الاسراب الاربعة ارقام 976 و 977 و 988 ويحتمل ان يكون السرب الرابع قد حمل رقم 989 مما اتاح للسوريين ان يكون لهم لواء مروحيات جازيل كامل خصصت بعض مروحياته للتعاون والتواصل مع الشرطة ، وثلاثة اسراب من المي-24 حملت ارقام 765 و 766 و 767 وتمركزت المروحيات في ثلاث قواعد جوية مختلفة .
كانت هذه المروحيات تعتبر مكون جديد ضمن تشكيل القوة الجوية السورية ولم يسبق للسوريين امتلاك مروحيات لهذا الغرض ، ففي العام 1977 كانوا لتوهم يمتلكون اول 18 مروحية جازيل وتسلحت بالصواريخ AS.12 وصواريخ HOT الصاروخ " الالماني-الفرنسي " الموازي للتاو الامريكي والموجة بالسلك ويتحكم الطيار به من داخل المروحية وكان الصاروخ احد افضل واحدث الصواريخ المضادة للدروع في العالم بقدرة اختراق للدروع تصل الي 700 مم ، وتستطيع المروحية الواحدة حمل 4 صواريخ .
كانت تلك نقلة نوعية لسلاح الجو السوري ، للمرة الاولي منذ نهاية عقد الخمسينات في القرن الماضي يحصلون علي مروحيات غربية بعد احتكار تام للسلاح السوفيتي وقتها ، وكان امرا مستغرب للعديد من المحللين الغربيين ، والحقيقة ان الصفقة كانت نتيجة مجهود سعودي كبير ليحصل السوريين علي هذه المروحيات ومحاولة لاكساب السلاح الجيش السوري سلاح غربي متطور بقدر الامكان في جهد يجب تسجيله تاريخيا للملكة ، بعد العجز او الامتناع السوفيتي عن توفير اعداد مناسبة من المي-24 ، حيث كان السوفيت يقولون انهم يحتاجون لكل مروحيات المي-24 لوضعها في المانيا الشرقية .
ولكن مايجعلني اقول ان ذلك كان امتناع سوفيتي " روسيا تقوم به حتي الان مع سوريا " انه بمجرد ان بدأ السوريين في استلام الجازيل ، بدأ السوفييت فورا في اتاحة المي-24 والمي-25 للسوريين وسلح السوفييت الروس بصواريخهم من نوع AT-2 ولكن هذا الصاروخ كان معيب لانه كان بدائي ، وكانت مروحيات المي تستطيع حمل 4 صواريخ وكان للصاروخ اكثر من نسخة منها النسخة B التي حصل عليها السوريين والتي كانت بمدي 3500 متر وقدرة اختراق للدروع تصل الي 500 مم ، اعتبر السوريين المي-25 ليست موثوقة ، ولم تكن تقدم اضافة كبيرة ، اي ان الروس حتي عندما قدموا شيئا كان اقل مما ينبغي " وهذا مايحدث حتي الان فبدلا من اعطاء السوريين السو-30 مثلا لازالنا نشتري الميج-29 " وجدير بالذكر ان المي-25 كانت مسلحة بمدفع امام قمرة القيادة عيار 12.7 مم بالاضافة الي قاذف صواريخ غير موجهه .
وقد راقب السوريين عن كثب الخبرة العراقية في الحرب ضد حليف سوريا " ايران " في استخدام العراقيين للمي-25، فقرروا الاستغناء عن الصاروخ AT-2 بعد اثبات فشله وسلحوا المي-25 بصواريخ غير موجهة عوضا عنه وقنابل والمدافع الرشاشة ، ويبدو ان السوريين كانوا مدركين انها لن تسمن ولن تغني من جوع فلم تشاهد في اي معركة في الحرب .
في الحرب قامت الجازيل السورية بأكثر من 100 طلعة قتالية خلال 4 ايام من المعارك ، حققت فيه أكثر من 30 قتل ضد الدبابات الاسرائيلية ، بالاضافة الي تدمير اعداد اخري من المركبات والمدرعات ، وفقد السوريين خلال الاربعة ايام خمسة مروحيات قبل صدور الامر من قادة سلاح الجو السوري بالكف عن الطيران بعد الخسائر الفادحة التي تعرض لها السوريين جوا والتي وصلت لاكثر من 80 مقاتلة دون اي خسائر اسرائيلية .
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
تكتيكات صيد الدبابات الاسرائيلية التي اتبعها السوريين :
مع مطلع العام 1982 كان السوريين قد اكتسبوا خبرة معتبرة في التكتيكات الجديدة التي بدأ الاسرائيليين في انتهاجها في جبهة الجنوب اللبناني ، وكان قادة الجيش السوري يعدون العدة ان الاسرائيليين قد يقومون بعملية مشابهة لعملية " الليطاني " التي توغلوا فيها مسافة تصل الي 40 كم بحثا عن مقاتلي منظمة التحرير الفلسطينية ، وكان السوريين يدركون جيدا انه اذا لم يتوقف الاسرائيليين عند نهر الليطاني فلن يكون هناك مفر من القتال ، وكانت تلك مشكلة لان معظم الوحدات المهمة في الجيش السوري اما في الجولان او في العاصمة دمشق ، ومع الحرب الاهلية اللبنانية فقد سحب السوريين معظم قواتهم الي وسط لبنان في المسافة بين بيروت وزحلة ونقاط لحماية المناطق المهمة علي طريق " بيروت-دمشق " وخاصة بلدة " السلطان يعقوب " .
وبدراسة التضاريس الطبيعية ، الطرق ، وعشرات القري في جنوب لبنان حدد السوريين الطرق التي يمكن ان يسكلها الاسرائيليين في هجومهم وبنوا خطتهم الدفاعية علي اساس المروحيات الصائدة للدبابات جازيل وفرق الافراد الخاصة المضادة للدبابات وتم التدريب والتنسيق بين القوات لعمل كمائن للدبابات الاسرائيلية وتقييدها بالارض داخل المناطق الحضرية ، وتدميرها بواسطة جماعات قنص الدبابات والمروحيات التي ستستغل التضاريس الطبيعية .
وفي بداية يونية من العام 1982 كان القوات السورية مكونه من 20 كتيبة كوماندوز و 50 فريق مضاد للدبابات منشورين في لبنان ، وكان الفريق الواحد يتكون من 4 : 6 مقاتلين ، مسلحين بأفضل انتاجات مضادة للدبابات من المعسكر الشرقي مثل RPG-7 , RPG-18 , AT-4 وأفضل انتاجات المعسكر الغربي من صواريخ MILAN الفرنسية ، وكانت فرق صواريخ الميلان مكونة من معمرين وضاربين ، وكل فريق مكون من 6 مقاتلين كان مضاف اليه فردين يحملان قاذف الصواريخ المضاد للطائرات المحمول كتفا سام-7 ، وكان معظم افراد هذه الفرق يتمتعون بالخبرة والمهارة بعد ان خرجوا من حرب منذ تسعة سنوات في العام 1973 ، ونجح هولاء الرجال بالفعل في جعل شوارع لبنان معرض لاطلاق النيران ضد الدبابات الاسرائيلية .
لم تكن هذه القوات بمفردها بل كان يدعمها كتائب المدرعات 3 و 10 والدبابات 76 و 91 ، كانت المدرعات من نوع BMP-1 والدبابات T-62 واللواء ميكانيكي 85 المكون من دبابات التي-55 ومدرعات BTR-60 بالاضافة الي قوات اخري من الدبابات والمدرعات في تشكيلات مختلفة ، وهذه صورة لدبابة تي-62 في الجنوب اللبناني وقتها.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
معركة الايام الثلاثة : اليوم الاول 8 يونية :
بدأت الحرب فعليا في الاول من يونية 1982 مع ضربة جوية ضخمة من القوات الاسرائيلية ضد مواقع ومستودعات ذخيرة مقاتلي جبهة التحرير الفلسطينية علي طول شاطئ البحر الابيض المتوسط ، علي الارض بدأ الاسرائيليين زحفهم في الحادية عشر من صباح السادس من يونية ، وعندما حاولت قوات حفظ السلام وقفهم قالوا " اسفين ، انه غزو " .
وبدأ القتال السوري-الاسرائيليين بعد ذلك بيومين " كما هو مذكور في الثامن من يونية " بالقرب من جزين في وسط لبنان ، كان قائد الهجوم الاسرائيلي الجنرال " داني فاردي " ، كان هدفه السيطرة علي جزين ثم الاندفاع شمالا علي طول الجانب الشرقي من بحيرة قارون الي طريق " بيروت-دمشق " السريع ، ولم تكن مواقع القوات السورية في هذه المنطقة مجهزه بشكل جيد ، فمعظم القوات كانت جنوب وادي البقاع ، ولم يكونوا وصلوا اليها الا ظهر السادس من يونية " يذكرني ذلك بما حدث علي الجبهة المصرية في نكسة يونية من تحريك قوات غير منظم " .
هاجمت قوات الجنرال فاردي قوات اللواء 76 السوري ، وتحرك الجنرال مناحيم انن في طرق ضيقة من الجنوب الي الجنوب الغربي ليصل الي جبال الشوف في رحلة اعاقها العديد من الاختناقات المرورية الضخمة ونقص في الوقود ، بل ان القوات الاسرائيلية اطلقت النيران ضد بعضها البعض بطريق الخطأ " لو كان السوريين يمتلكون سلاح جو معتبر وقتها كانوا ارتكبوا مذبحة في حقهم ، بل حتي لو كانت قواتهم البرية تتحرك بشكل صحيح كانوا جعلوها حربا تاريخية " .
ولكن السوريين لم يكونوا سيئين الي هذا الحد ؟ هل تريدون ان تعرفوا ماذا حدث ؟ الجواب في الحلقة القادمة في حالة النقاش المفيد والمحترم والبعيد تماما عن السياسة .